الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | يوسف بن جمعة سلامة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
الشباب في كل أمة هم قلبها النابض، ودمها المتدفق، وعصب حياتها، وسر نهضتها، وعنوان تقدمها، وأمل مستقبلها، وبحر علمها الفياض، فهم أصحاب الهمم العالية، والنفوس الطاهرة الزكية، لذلك فقد أولى الإسلام عناية كبيرة بشريحة الشباب، حيث كانوا أسرع شرائح المجتمع استجابة للدعوة الإسلامية، فقد دخلوا في دين الله أفواجا. إن الشباب هم أعظم ثروة في الأمة، فثروة الأمم ليست في الذهب الأبيض، ولا في الذهب الأسود، وإنما في الإنسان فهو أغلى من كل شيء، وأعظم ما يكون الإنسان في حالة الشباب؛ لأن...
الخطبة الأولى:
أيها المسلمون: يقول الله -تعالى- في كتابه الكريم: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) [الكهف: 13].
الشباب في كل أمة هم قلبها النابض، ودمها المتدفق، وعصب حياتها، وسر نهضتها، وعنوان تقدمها، وأمل مستقبلها، وبحر علمها الفياض، فهم أصحاب الهمم العالية، والنفوس الطاهرة الزكية، لذلك فقد أولى الإسلام عناية كبيرة بشريحة الشباب، حيث كانوا أسرع شرائح المجتمع استجابة للدعوة الإسلامية، فقد دخلوا في دين الله أفواجا.
إن الشباب هم أعظم ثروة في الأمة، فثروة الأمم ليست في الذهب الأبيض، ولا في الذهب الأسود، وإنما في الإنسان فهو أغلى من كل شيء، وأعظم ما يكون الإنسان في حالة الشباب؛ لأن حالة الشباب هي مرحلة القوة والعطاء، فالشباب قوة بين ضعفين، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة؛ كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قول الله -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً) [الروم: 54].
أيها المسلمون: لقد حرص نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- على العناية بالشباب، وإعدادهم إعداداً جيداً، فقال عليه الصلاة والسلام: "إن الله ليعجب من الشاب الذي ليست له صبوة" أي شذوذ وانحراف.
وبين مكانة الشاب الملتزم بالطاعة لله، والعبادة له، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" وذكر منها: "شاب نشأ في عبادة الله...".
وأنه صلى الله عليه وسلم يدعو الشباب لاغتنام الفرص لتكوين شخصيتهم في شتى المجالات، حيث يقول عليه الصلاة والسلام: "اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك".
ويبين عليه الصلاة والسلام أهمية هذه المرحلة، وما يترتب عليها من تبعات ومحاسبة ومسؤولية أمام رب العالمين، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدماً عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ما عمل فيه".
أيها المسلمون: ومن المعلوم أن أنصار نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- كانوا شباباً، حيث تخرجوا من مدرسة دار الأرقم، ونهلوا من توجيهات الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وعندما ندرس كتب السيرة نعرف أن رسولنا الأكرم –صلى الله عليه وسلم- عندما نزل الوحي عليه بالرسالة كان شابا في سن الأربعين.
وكذلك صاحبه أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أول من أسلم من الرجال، كان شاباً حيث كان عمره سبعة وثلاثين عاما.
وكذلك كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يوم دخل الإسلام كان عمره سبعة وعشرين عاماً.
وهكذا معظم الصحابة أمثال عثمان بن عفان، وعلى بن أبي طالب، وبلال بن رباح، ومصعب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن مسعود، وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهم أجمعين- فقد كانوا شباباً.
لقد تعرض أولئك الشباب للأذى والتعذيب؛ نتيجة لإيمانهم بالله ورسوله، واعتناقهم للدين الإسلامي الحنيف، فما وهنت عزائمهم، ولا ضعفت نفوسهم.
فهذا مصعب بن عمير -رضي الله عنه- فتي قريش المدلل، كان لباسه من الحرير، وشراك نعله من الذهب، كان في مطلع شبابه عندما لبى دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصبر على الأذى، وتحمل شظف العيش، بعد أن كان يعيش عيشة الأغنياء، وحاولت أمه وكانت من الأثرياء أن تصده عن الدخول في الإسلام، ولكنه ثبت على الدين الحق، وكان أول المهاجرين إلى المدينة المنورة بتكليف من النبي -صلى الله عليه وسلم- لكي يعلم أهلها أحكام الإسلام، وبسببه أسلم عدد كبير من أهل المدينة.
وقد استشهد -رضي الله عنه- في غزوة أحد بعد أن أبلى بلاءً حسناً من أجل إعلاء كلمة الله.
ووقف صلى الله عليه وسلم في أعقاب غزوة أحد وعيناه مملوءتان بالدموع، وهو يرى شهداء هذه المعركة، وقرأ هذه الآية الكريمة: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 23].
أيها المسلمون: إن جيل الشباب من الصحابة الأجلاء -رضي الله عنهم أجمعين- قاموا بجهد كبير في خدمة الدعوة الإسلامية، حيث برعوا في شتي المجالات.
ففي الناحية العلمية برع عدد كبير من الشباب؛ أمثال: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- الذي غار منه بعض كبار السن؛ لأن عمر -رضي الله عنه- كان يجعله مع مشيخة الأمة في استشارته، والأخذ برأيه.
وكذلك العبادلة الأربعة الذين ورثوا الدين كانوا شباباً، وجاء من بعدهم أعلام وأئمة ملأوا طباق الأرض علما، منهم على سبيل المثال الإمام الشافعي -رحمه الله- الذي وضع علم أصول الفقه.
الشافعي هذا ولد في مدينة غزة ومات في الخمسين من عمره، متى صنع هذا الفقه؟
في شبابه، وهو الذي يقول عن نفسه: أنه ما كان عبداً لمال، ولا لجاه، ولا يُتبع نفسه شيئاً من هذا، حيث يقول في ديوانه:
أمطري لؤلؤاً جبالَ سرنديـ | ـبَ وَفِيضي آبارَ تكرورَ تِبْرَا |
أَنَا إنْ عِشْتُ لَسْتُ أعْدَمُ قُوتاً | وَإذا متّ لَسْتُ أعْدَمُ قَبْرَا | نَفْسُ حُرٍّ تَرَى الْمَذَلَّة َ كُفْرَا |
هذا إمام من أئمة الفقه الإسلامي، هذا شاب من علماء المسلمين، كم الأمة اليوم بحاجة إلى علماء أفذاذ في شتى المجالات، ليبصروا الناس بدينهم، ويرشدوهم إلى الصراط المستقيم؟
وفي الناحية العسكرية أيضا، فقد برع عدد كبير من الصحابة الشباب -رضي الله عنهم أجمعين- أمثال: على بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، وخالد بن الوليد -سيف الله المسلول- الذي دوَّخ الروم، وعمرو بن العاص الذي فتح مصر، وسعد بن أبي وقاص قائد القادسية!.
هؤلاء الأبطال الذين انتصروا على القياصرة في اليرموك، وعلى الأكاسرة في القادسية، ونشروا الإسلام في ربوع العالم.
وما أسامة بن زيد عنا ببعيد، هذا الشاب الذي لم يتجاوز الثمانية عشر عاما، حيث جعله عليه الصلاة والسلام قائداً على الجيش الإسلامي لمقاتلة الرومان، ثم أكمل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- المهمة بعد ذلك.
لقد كان هؤلاء الشباب يعلمون أن مكانتهم عند الله بمقدار ما يضحون، وبمقدار ما يؤدون، فقاموا بواجبهم خير قيام، ونشروا الإسلام في أرجاء المعمورة، بعلمهم وأخلاقهم وصفاتهم الحميدة، فطأطأ لهم الشرق والغرب إجلالاً واحتراماً.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله...
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: ما أحوجنا نحن العرب والمسلمين إلى أن نعرف دور شبابنا، وأن نعرف أهمية هذه المرحلة التي يسأل الله الناس عنها خاصة في يوم القيامة، حينما تنصب الموازين، وتنشر الدواوين، وهناك أسئلة رئيسية أربعة؛ منها: أن الإنسان يُسأل عن حياته وعمره، عن عمره عامة، وعن شبابه خاصة؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه: ماذا عمل به".
لذلك يجب علينا أن نرفق بالشباب، وأن نحسن توجيههم إلى طريق الخير والرشاد، وأن لا نكون عوناً للشيطان عليهم.
بل يجب علينا أن نحببهم في ديننا الإسلامي، وأن نرغبهم في المساجد، وأن نشجعهم على الأخلاق الفاضلة.
فالإسلام لا يحارب الشهوة أو الغرائز، لكنه يعمل على تهذيبها ضمن الأطر الشرعية، فقد حرم الإسلام الزنا، وأوجد البديل، وهو الزواج، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخاطب الشباب قائلاً: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاءُ".
أيها المسلمون: لقد عالج صلى الله عليه وسلم بعض الحالات الشاذة هنا وهناك بحكمته المعهودة؛ كما جاء في الحديث عن أبي أمامة -رضي الله عنه-: أن شاباً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يريد أن يدخل في الدين الإسلامي، لكنه لا يستطيع ترك الزنا، فقال: "يا نبي الله أتأذن لي في الزنا؟!"
فصاح الناس به، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قربوه، أدن" فدنا حتى جلس بين يديه صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: "أتحبه لأمك؟" قال: لا، فداك أبي وأمي، قال: "أتحبه لابنتك؟" قال: لا، فداك أبي وأمي، قال: "أتحبه لأختك؟" قال: لا فداك أبي وأمي.
وجاء في بعض الروايات: أنه صلى الله عليه وسلم ذكر العمة والخالة، والشاب يقول في كل واحدة: لا، فقال الرسول: "كذلك الناس -يا أخا العرب- لا يحبونه لأمهاتهم، ولا لزوجاتهم، ولا لأخواتهم، ولا لبناتهم!".
ولما كان جواب الحبيب -صلى الله عليه وسلم- مقنعاً ومؤثراً، قال الشاب: "ادع الله لي يا رسول الله، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده الشريفة على صدره، ودعا له بثلاث دعوات، قائلاً: "اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصن فرجه".
يقول الشاب: "والله ما إن قال الرسول ما قال، حتى انصرفت عنه ولا شيء أبغض إلى نفسي من الزنا!".
فحفظ النسل من أهم ما دعا إليه ديننا الإسلامي الحنيف، حيث اتفق علماء أصول الفقه على ضرورة صيانة الأركان الضرورية للحياة البشرية، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.
فقد ذكر الإمام الغزالي في كتابه المستصفى بأن حرمة الضرورات الخمس لم تبح في ملة قط.
فالإسلام يريد مجتمعاً متماسكاً، مبنيا على العلاقات المشروعة، والأخلاق الفاضلة بين أبنائه، وهذا ما تتمتع به المجتمعات الإسلامية -والحمد لله- فعنوانها العفة والطهارة والنقاء.
أيها المسلمون: واسمحوا لي أن أوجه نداءً إلى أحبابنا من الشباب الكرام، أقول لهم: يا أحبابنا أعطوا للآخرين القدوة الصالحة في كل شيء، كما فعل الصحابة والتابعون، وإذا كان لهذه الأمة من أمل إنقاذ، ورجاء هداية وإصلاح، فأنتم أيها الشباب أملها ورجاؤها، وسر نهضتها وبقائها.
إن الواجب عليكم -أيها الشباب-: أن تتمسكوا بكتاب ربكم، وسنة نبيكم –صلى الله عليه وسلم-، فهما سبب العزة والكرامة، وسبب الفلاح والنجاح؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".
وكما قال سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "كنا أذلاء، فأعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
فلا عزة لنا إلا بالإسلام، ولا وحدة لنا إلا بالقرآن.
نسأل الله أن يحفظ شبابنا وأمتنا من كل سوء، وأن يأخذ بأيديهم لما يحبه ويرضاه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.