البحث

عبارات مقترحة:

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

سورة الحشر وإجلاء بني النضير

العربية

المؤلف أحمد فريد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. إخلاف اليهود المتكرر للوعود .
  2. انتظار اليهود لبعثة نبي آخر الزمان ثم كفرهم به .
  3. المعاهدة مع قبائل يهود .
  4. إجلاء بني الضير بعد محاولتهم قتل النبي .
  5. الموالاة بين الكفار واليهود والمنافقين .
  6. طبيعة اليهود وجبنهم عند القتال .
  7. المعركة الموعودة بين المسلمين واليهود .

اقتباس

وقصة اليهود مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي قصة الغدر والخيانة؛ قال الله -عز وجل-: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة:100]، وقال تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) [الأنفال :55-56]، ولو تركت الأفاعي لدغها لتركت اليهود غدرها.

الخطبة الأولى:

ثم أما بعد:

قوله -عز وجل-: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) [الحشر:1-2].

هذه السورة المباركة سورة الحشر، تحكي كيف أجلى الله -عز وجل- يهود بن النضير عن مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر قال: "قل سورة بني النضير".

وقصة اليهود مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي قصة الغدر والخيانة؛ قال الله -عز وجل-: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة:100]، وقال تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) [الأنفال :55-56]، ولو تركت الأفاعي لدغها لتركت اليهود غدرها.

وكان بالمدينة ثلاث قبائل من اليهود: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وكانوا يوقعون العداوة والبغضاء بين الأوس والخزرج، وكانوا يقولون لهم: إن هذا أوان نبي، فإذا بعث فسوف نؤمن به ونقاتلكم معه، فلما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- آمنت الأوس والخزرج وصاروا أنصار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكفرت يهود. قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [البقرة:89].

ولما هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة عقد المعاهدات مع قبائل اليهود الثلاثة، ثم غدرت هذه القبائل ونقضت عهدها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحدة تلو الأخرى، فأجلى بني قينقاع بعد غزوة بدر، وبني النضير بعد غزوة أحد، وقتل قريظة بعد الأحزاب، ثم كانت غزوة خيبر بعد صلح الحديبية.

وكان سبب هذه الغزوة -غزوة بني النضير- التي تحكي لنا سورة الحشر قصتها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذهب إلى بني النضير يستعينهم في دية القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري للجوار الذي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عقد لهما.

وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف، فلما أتاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستعينهم في دية القتيلين، قالوا: نعم -يا أبا القاسم- نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه -ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد-، فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟! فانتدب لذلك عمرو بن جحّاش بن كعب -أحدهم-، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي -رضوان الله عليهم-، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعًا إلى المدينة، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالتهيؤ لحربهم، وذلك في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة من الهجرة، فحاصرهم ست ليالٍ، فتحصنوا بالحصون، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقطع النخيل والتحريق فيها.

فقالوا: يا محمد: قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها!! فأقره الله -عز وجل- في نفس السورة: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) [الحشر:5].

ثم سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل إلا الحلقة، فأجابهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى طلبهم، وصاروا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، فكان الواحد منهم يهدم بيته بيده من أجل أن يأخذ الخشبة التي على بابه، فصاروا عبرة للمعتبرين، وموعظة للمتقين، وكانت أموال بني النضير فيئًا أفاءه الله -عز وجل- على رسول الله، والفيء يعود إلى الإمام لينفقه في مصالح المسلمين، ولا يجب تقسيم أربعة أخماسه على الغانمين كالغنائم، فخص النبي -صلى الله عليه وسلم- بها المهاجرين لفقرهم وحاجتهم، وفي ذلك توسعة أيضًا على الأنصار لأنهم استغنوا بما أفاء الله -عز وجل- على رسوله عن مواساة إخوانهم المهاجرين.

وكما بيّن الله -عز وجل- طبيعة اليهود، وكيف أجلى الله -عز وجل- يهود بني النضير، فضح الله -عز وجل- المنافقين الذين واعدوهم بالنصرة، ونصحوهم بالصمود والثبات ولم يفوا بوعدهم كما أخبر الله -عز وجل-، فقال تعالى: (أَلَمْ تَرى إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ * لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) [الحشر:11-13].

وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج منهم عبد الله بن أبي ابن سلول، ووديعة، ومالك بني أبي قوقل، وسويد، وداعس، قد بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا فإنا لن نسلمكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فبين الله -عز وجل- طبيعة المنافقين، فهم يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، فهم لا يؤمنون بالله العظيم، ولا يخافون بطشه وعذابه، وإنما يراؤون الناس ويخافون الناس، فقال -عز وجل-: (لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) [الحشر:13].

فالمنافقون يوالون الكافرين ويحبونهم وينصرونهم وينفذون مخططات الغرب الكافر في بلاد المسلمين، إنهم أيدي وأرجل الكافرين في بلاد المسلمين، والله من ورائهم محيط.

ثم بيّن -عز وجل- صفات اليهود وكيف أنهم في غاية الجبن والخور، فقال تعالى: (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) [الحشر:14].

والذي يدرس تاريخ اليهود ومعاركهم مع المسلمين يتبيّن له طبيعتهم، وكيف أنهم دائمًا يتحصنون بالحصون، ويقاتلون -إن قاتلوا المسلمين- من وراء جدر، ولا يخرجون إلى ساحة النزال حيث يتقابل الأبطال.

ونحن نشاهد في الجرائد كيف أن شباب الانتفاضة وأطفالها يحملون الحجارة ويقذفون بها الجنود والإسرائيليين وهم يحملون السلاح ويهرولون أمامهم، وكيف أن اليهود في حرب أكتوبر كانوا يقاتلون خلف ما أسموه بخط بارليف.

فكل من واجه جنود الله لا بد أن يجبن، واليهود وغيرهم من أعداء الله -عزّ وجل- لا يظهرون على المسلمين، ولا يتم لهم العلو في الأرض إلا إذا تخلى المسلمون عن إسلامهم، وزهدوا في سبب عزهم ومجدهم، والتاريخ شاهد على أن المسلمين إذا عملوا بدين ربهم، وتحاكموا إلى شريعة دينهم، لا يقوم أمامهم أحد كما حدث في صدر الإسلام، وكذا في عهد صلاح الدين الأيوبي، وسيف الدين قطز.

ثم بيّن -عز وجل- كذلك أن من طبيعة اليهود أنهم في الظاهر جميع وقلوبهم متفرقة، وأنهم إذا تقاتلوا فبأسهم بينهم شديد؛ فقال -عز وجل-: (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) [الحشر:14].

فمهما سرت روح الجهاد في جسد الأمة، وأشربت القلوب حب الشهادة في سبيل الله -عز وجل-، فلا بد أن تكن الجولة للمسلمين، والدولة لحزب الله الموحدين، ولذا يحاول العلمانيون والمنافقون أن يطفئوا جذوة حب الجهاد وحب الشهادة من قلوب المسلمين، حتى تظل الدولة للكافرين والمنافقين.

واللقاء حتمي بين المسلمين الصادقين، واليهود الملعونين، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله: هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فهو من شجر اليهود".