الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | عايد بن علي القزلان التميمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
عباد الله: إنَّ تعظيمَ اللهِ -تعالى- من أعظمِ العباداتِ التي غفلَ عنها كثيرٌ من الناسِ، فساءتْ أحوالُهم، وانقلبتْ موازينُهم، وتلاعبتْ بهم الشياطينُ والأهواءُ والأنفسُ الأمارةُ بالسوءِ. أيها المؤمنون: فالتوحيدُ الذي هو رأسُ الأمرِ، هو الأصلُ في تعظيمِ اللهِ، فاللهُ -تعالى- أعظمُ من أن يُعْبَدَ معَهُ غيرُه.
ولمَّا عبدَ قومُ نوحٍ الأصنامَ أنكرَ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي رفعَ السماءَ بقدرتِهِ، وبسطَ الأرضَ بمشيئتهِ، ومهَّدَها للسّالكين، وسَخَّرَ الفُلكَ، ودبَّر الأملاك.
الحيُّ القيومُ الذي لا تأخُذُه سِنَةٌ ولا نومٌ، الذي خلقَ الموتَ والحياةَ وقدَّر النجاةَ والهلاكَ.
الذي له الخلقُ والأمرُ، وعلَّمَ الإنسانَ ما لم يعلمْ، ووهبَ له العقلَ الكاملَ، والفهمَ والإدراكَ.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أهلُ الثناءِ والمجدِ، وصاحبُ الجبروتِ والملكوتِ والكبرياءِ والعظمةِ.
وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله أعظمَ الخلقِ خشيةً لربّهِ وتعظيمًا له، وتمجيدًا لجلالِهِ، وعبادةً وذكرًا وشكرًا، ومحبةً وخوفًا ورجاءً ورغبًا ورهبًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
إنَّ تعظيمَ اللهِ -تعالى- هو أعظمُ وسيلةٍ توصلُ إلى سعادةِ الفردِ والأسرةِ والمجتمعِ، بل إلى سعادةِ البشريةِ كلِّها خصوصًا في زمنِ العولمةِ، وحيث صار العالمُ قريةً واحدةً، فصار لزامًا الاهتمامُ والتركيزُ التامُّ على تقويةِ تعظيمِ اللهِ في النفسِ بتقويةِ الوازعِ الدينيِّ، ومراقبةِ اللهِ في السرِّ والعلنِ.
ولقد ذمَّ اللهُ من لا يَعظِمُهُ، فقال: (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 13].
وقال سبحانه: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الزمر: 67].
عباد الله: إنَّ تعظيمَ اللهِ -تعالى- من أعظمِ العباداتِ التي غفلَ عنها كثيرٌ من الناسِ، فساءتْ أحوالُهم، وانقلبتْ موازينُهم، وتلاعبتْ بهم الشياطينُ والأهواءُ والأنفسُ الأمارةُ بالسوءِ.
أيها المؤمنون: فالتوحيدُ الذي هو رأسُ الأمرِ، هو الأصلُ في تعظيمِ اللهِ، فاللهُ -تعالى- أعظمُ من أن يُعْبَدَ معَهُ غيرُه.
ولمَّا عبدَ قومُ نوحٍ الأصنامَ أنكرَ عليهم نوحٌ -عليه السلام-، وقال لهم: (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)[نوح: 13].
قال ابنُ عباسٍ ومجاهدٌ: "أي ما لكم لا ترجونَ للهِ عظمةً".
وقال سعيدٌ بنُ جبيرٍ: "ما لكم لا تُعَظِّمُونَ اللهَ حقَّ عظمتِه".
أيها المؤمنون: وهدهدُ سليمانَ -عليه السلام- لمّا كان معظمًا للهِ -تعالى- استنكرَ أن يعبدَ قومٌ الشمسَ من دونِ الله -تعالى-، وحتى الجماداتِ؛ فإنها تستنكر افتراءَ الكذبِ على اللهِ، وادعاءَ أن له ولدًا تعظيمًا لله -تعالى- وإجلالًا له: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا)[مريم: 88-92].
ومن دلائلِ تعظيمِ اللهِ -تعالى-: عبوديةُ الكائناتِ لله -تعالى-، وسجودُها لعظمتِه سبحانه؛ كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ)[الحـج:18].
والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لما سألَهُ جبريلُ عن الإحسانِ، قال: "أن تعبدَ اللهَ كأنَّك تراهُ، فإن لم تكن تراهُ فإنه يراك".
وهذه المراقبةُ في العبادةِ هي طريقُ التعظيمِ والإجلالِ للهِ -تعالى-.
عباد الله: إن المؤمن المُعَظِّم لله يرى الخيرَ في كلِّ ما يأتي به اللهُ تعالى، ولذلك قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "عجبًا لأمرِ المؤمنِ إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابتْه سراءُ شَكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضَرَاءُ صَبَرَ فكانَ خيرًا له"[أخرجه مسلم].
إن غيرَ المؤمنِ لا يصيبُه من هذا الخيرِ شيءٌ؛ لأنه لا يعظمُ اللهَ -تعالى-، ولا يرضَى بقضائِه، ويرى لنفسِه الحقَّ على اللهِ -تعالى-، كما قالَ صاحبُ الجنتينِ: (وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا) [الكهف: 36].
عباد الله: إنَّ أولَ مراتبِ تعظيم الله، هي: تعظيمُ الأمرِ والنهيِ، فإن اللهَ -تعالى- ذمَّ من لا يعظِّمهُ ولا يعظِّمُ أمرَهُ ونهيَهُ، قال تعالى: (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 13].
قالوا في تفسيرِها: "ما لكم لا تخافونَ للهِ -تعالى- عظمةً".
عباد الله: إذا كان التعظيمُ ثمرةً من ثمراتِ المعرفةِ، فقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أعرفَ الخلقِ بربِّه، ومن تعظيمِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لربِّه: أنه كان يسدُّ جميعَ الأبوابِ التي تُفضِي إلى الغلوِّ فيه، فكان صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا تُطْروني كما أطرتِ النصارى ابنَ مريمَ، إنما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه"[أخرجه البخاري ومسلم].
وعن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: قال رجلٌ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم: "ما شاءُ اللهُ وشئتَ، فقال صلى الله عليه وسلم: "أَجَعَلْتَنِي للهِ ندًّا؛ لا بل ما شاءَ اللهُ وحدَهُ"[أخرجه أحمد].
وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناسِ تعظيما لله في جميع العبادات من صلاةٍ وزكاةٍ وحج وصومٍ وذكرالله -تعالى-.
عباد الله: ومن أروع الأمثلة التي دوّنها التاريخ عن سلفنا الصالح، وتعظيمهم لله -عز وجل-؛ ما وقع للإمام مالكٍ -رحمه الله تعالى- عندما سُئِلَ عَن قَوْله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طـه: 5]. فما كان موقف الإمام مالك من هذا السؤال فقد غضب غضبا شديدا لم يغضب مثله قط، وعلاه العرق، وأطرق القوم إلى أن ذهب عن الإمام مالك ما يجد، فقال: "الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وإني لأخاف أن تكون ضالاً" ثم أُمر به فأُخرِج.
أيها المؤمنون: ولقد ضَعُفَ في هذه الأزمنةِ تعظيم الله -عز وجل-، وذلك بأسباب كثيرة، ومن أعظم أسباب عدم تعظيم الله: الوقوع في المعاصي، والتساهل في أوامر الله، وعدم تدبر القرآن حال قراءته، والغفلة عن ذكر الله.
ومن أسباب عدم تعظيم الله: النظر فيما حرم الله -تعالى-؛ فالنظر إلى الحرام يورث في القلب القسوة والجفاء، وهذا لا يكون مع التعظيم؛ لأن التعظيم لا يكون إلا من قلب خاضع خاشع لين مقبل على الله.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يعظم الله في السر والجهر، وأن يعيننا على ذكره وشكره.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة...
الخطبة الثانية:
الحمد لله العليم القدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ يرفع ويخفض، ويعز ويذل، ويعطي ويمنع، ولا يُسأل عما يفعل، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان في قلبه من تعظيم الله -تعالى- وإجلاله ما لم يبلغه قلبُ غيره، فهو أتقى الناس، وأكثرهم حبا لله -تعالى- وخشية وخوفا ورجاء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعدُ:
فيا عباد الله: وهناك أمور تعين العبد على تعظيم الله؛ فنذكر منها:
معرفة الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه وصفاته وأفعاله والعملَ بها: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)[الأعراف:180].
وأن نعتقد أن الله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى:11].
وتحقيق العبودية الكاملة لله -تعالى-، والتدبر الدقيق للقرآن الكريم، وما فيه من حِكم وأحكام، والتفكر في خلق السماوات والأرض، والإكثار من حمده وشكره على نِعَمِهِ التي لا تُعدُ ولا تُحْصى.
ومن الأمور المعينة على تعظيمِ الله: النظرُ في حال من سبقنا من الأممِ؛ فلقد عاشَ على هذه الأرض أقوام وشعوب أعطاهم الله بَسْطةً في الجسم وقوةً في البدن، ومن أولئك قوم عاد الذين قالوا: من أشدُّ منَّا قوة؟! أهلكهم الله: (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ)[الحاقة:6-7].
فما بالنا نحن الأضعف والأقل قوة وبطشاً لا نخشى أن يصيبنا مثل ما أصاب أولئك؟!
أيها المسلمون: إنَّ ترسيخَ عبادةَ تعظيمِ اللهِ في النفوسِ-تعالى- يعالجُ كثيرًا من مشاكلِ المجتمعِ الأمنيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ، حيث لا توجدُ مشكلةٌ إلا ومن أعظمِ أسبابِها ضعفُ تعظيمِ اللهِ في النفوسِ.
وقد رأينا أنَّ هذه العبادةَ لما ترسَّختْ في نفوسِ الجيلِ الأولِ في عصرِ النبوةِ، وعصرِ الخلافةِ الراشدةِ، ومنْ بعدَهم؛ أنتجتْ أمةً ضربتْ أروعَ الأمثلةِ في الطهارةِ والاستقامةِ والأمانةِ، وأداءِ الواجباتِ والابتعادِ عن المحرماتِ، والوصولِ إلى أعظمِ مظاهرِ المدنيةِ والحضارةِ.
عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه...