السلام
كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
.. فهما فريقان لا ثالث لهما: فريق المؤمنين وفريق المشركين، والتوفيق للهداية والإيمان بيد الرحيم الرحمن، لا يملك ذلك أحد من الخلق، لا نبيا ولا ملكا ولا عالما ولا داعيا إلى الهدى، وإنما هم يدلون على الإيمان والتوحيد، ويهدون إلى الصراط المستقيم، والتوفيق بيد الله تعالى، ولا ينبغي للداعية أن يأسف على ذلك أسفا يضره ويصيبه باليأس؛ فإن ذلك تدبير الله تعالى وتقديره ..
الحمد لله؛ دلنا على معرفته بصفاته، وعرفنا عظمته بمخلوقاته، وأبان لنا الطريق إليه بشريعته وكتابه ( وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [الأنعام:153] أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أمر عباده بتوحيده وطاعته، ووعدهم رضوانه وجنته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله الله تعالى داعيا إلى التوحيد والإيمان، مبشرا برحمة الله تعالى، ومنذرا من عذابه ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً *وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ) [الأحزاب:45-46] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأخلصوا له العمل، وأقيموا له التوحيد؛ فإن ذلك شرط النجاة من الخلود في العذاب، وبلوغ الرحمة والجنان (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) [البينة:5] .
أيها الناس: يوم الجمعة يوم عظيم عند الله تعالى، اختصه سبحانه بخصائص كثيرة، وشرع فيه عبادات لم يشرعها في غيره، ورتب عليها أجورا عظيمة، لمن أداها مخلصا لله تعالى، متبعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن تلكم الخصائص: فضيلة قراءة سورة الكهف فيه؛ كما جاء في الحديث: " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ". وفي رواية: " من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق " روي مرفوعا وموقوفا من حديث أبي سعيد رضي الله عنه وصححه غير واحد من أهل العلم.
ومن نظر في سورة الكهف، وتأمل آياتها ومعانيها؛ علم أن من حكمة تكرارها في كل جمعة: التأكيد على العقيدة، والتذكير بالتوحيد، والتنويع في تقرير ذلك؛ تارة بالقصة، وبالموعظة الحسنة تارة أخرى، مع بيان مصير المكلفين؛ من فوز الموحدين، وخسارة المشركين.
وذلك ظاهر في افتتاح هذه السورة العظيمة؛ إذ ذكر الله تعالى مصير الفريقين بعد حمده سبحانه وتعالى على نعمة إنزال القرآن الذي هو مصدر الهداية والتوحيد ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا* قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً* مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً* وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً* مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً ) [الكهف:1-5].
فهما فريقان لا ثالث لهما: فريق المؤمنين وفريق المشركين، والتوفيق للهداية والإيمان بيد الرحيم الرحمن، لا يملك ذلك أحد من الخلق، لا نبيا ولا ملكا ولا عالما ولا داعيا إلى الهدى، وإنما هم يدلون على الإيمان والتوحيد، ويهدون إلى الصراط المستقيم، والتوفيق بيد الله تعالى، ولا ينبغي للداعية أن يأسف على ذلك أسفا يضره ويصيبه باليأس؛ فإن ذلك تدبير الله تعالى وتقديره ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ) [الكهف:6].
والأرض وما عليها تسخير من الله تعالى لعباده، وهي محل الابتلاء والامتحان، وميدان الصراع بين الحق والباطل، وهي آيلة إلى الدمار والخراب والفناء مهما بلغ عمرانها، واشتد بنيانها؛ لأن الله تعالى قضى أنها دار عمل وامتحان وليست دار جزاء وقرار ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً* َإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً ) [الكهف:7-8].
وإذا كانت هذه السورة العظيمة قد افتتحت بهذا التقرير المهم للغاية من خلق البشر، وإسكانهم الأرض، وتسخير ما عليها لهم، وهي توحيد الله تعالى وإقامة دينه، فإن القصص المذكورة فيها تكرس تلك الغاية، وتدل عليها .
وأول قصة منها هي القصة التي سمية السورة بها: قصة أهل الكهف، وهم قوم من الله تعالى عليهم بالإيمان فاعتزلوا قومهم المشركين؛ فرارا بإيمانهم، وحفاظا على توحيدهم، ولو كان في ذلك مفارقة الأهل والعشيرة ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى* وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً* هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ) [الكهف:13-15].
كلام عظيم متين، يعلن فيه أصحابه غايتهم، ويصدعون بتوحيدهم، وينتقدون شرك عشيرتهم، ولم يكتفوا بالقول بل أتبعوه بالعمل، فاعتزلوا المشركين؛ إنكارا لشركهم، وفرارا من فتنتهم، وابتغاء لسلامة توحيدهم؛ فاستحقوا في الدنيا جزاء إيمانهم أن يكونوا آية من الآيات، وأعجوبة من أعاجيب التاريخ البشري، يقرؤها كل مؤمن في كتاب يتلى إلى يوم القيامة ( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً ) [الكهف:16].
وجعل سبحانه وتعالى ما جرى لهم من النوم في الكهف أكثر من ثلاثة قرون آية عظيمة، ثم أكد سبحانه أن هداية من اهتدى من عباده منة ونعمة منه عز وجل ( ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً) [الكهف:17].
ثم يختم سبحانه هذه القصة العظيمة بأمر المؤمن أن يصبر نفسه مع أهل الإيمان ولو كانوا هم الأضعف، وكان غيرهم أقوى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) [الكهف:28].
وما أحوج كل مسلم إلى تدبر هذه الآيات والعمل بها في هذه الزمن الذي يموج بأنواع من الفتن والضلال.
والتوحيد الذي دعت إليه الرسل هو الحق الذي لا مرية فيه، بل هو أحق الحق، تجب الدعوة إليه؛ لاستنقاذ أهل الضلال من ضلالهم؛ وإخراجهم من كفرهم، ولا يفرض على الناس؛ إذ الهداية إليه محض توفيق من الله تعالى، وهذا المعنى مقرر في القرآن كما قررته هذه السورة (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ) [الكهف:29] وعاقبة الإيمان حميدة كما أن عاقبة الكفر أليمة.
ومن قصة أهل الكهف حيث الفرار بالتوحيد، والهروب من الفتنة بالدين، إلى قصة صاحب الجنتين؛ حيث تقرير التوحيد بنسبة النعم إلى مسديها، والاعتراف بفضله، ولازم ذلك حمده وشكره، وإخلاص الدين له عز وجل ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً* لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً* وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً ) [الكهف:37-39].
تقرير للتوحيد، ودعوة إليه، واستدلال عليه بالخلق طورا بعد طور، مع إعلان إخلاص الدين لله تعالى، ودحض الشرك.
والتوحيد هو المنجي للعبد يوم القيامة، والإيمان بيوم القيامة وما يجري فيه هو من التوحيد، والتذكير به تذكير بالتوحيد ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) [الكهف:49].
والذي يرد الناس عن التوحيد والطاعة، ويدفعهم إلى الشرك والمعاصي؛ العدو الأول لبني آدم: الشيطان وجنده، وهو من سن معصية الرب جل جلاله، فغوى وهلك؛ فمن اتبعه من بني آدم كان مصيره مصير الشيطان..
ومن كياسة الإنسان حذره منه ومن وساوسه؛ لئلا يرديه ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) [الكهف:50]
والرسل عليهم السلام أرسلوا؛ للتبشير بالتوحيد، والنذارة من الشرك، ودحض حجج أهل الباطل الذين هم مستميتون في إزهاق الحق ( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُواً ) [الكهف:56].
والرجال يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، ومن أعطاه الله تعالى علما بتوحيده ودينه، وما يوصل إليه؛ وجب قبول الحق منه، وحمل العلم عنه، ولو كان من يتلقى عنه أعلى منزلة منه، فالحق أعلى من الجميع، وهذا ما حكته هذه السورة عن كليم الرحمن موسى عليه السلام، في رحلته المشهورة؛ لتلقي العلم وحمله عن عبد صالح لم يبلغ مبالغ الرسل عليهم السلام ( فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً* قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً* قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً* قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً ) [الكهف:65-69].
وفي قصة ذي القرنين ذلك الملك الصالح الذي ملك الدنيا، فسخر ملكه في عبادة الله تعالى وطاعته، ومساعدة من يحتاج المساعدة بلا عوض إلا أنه يرجو الله تعالى، ويقر بالفضل له سبحانه فقال للقوم الذين بنى لهم سد يأجوج ومأجوج ( مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ) [الكهف:95] أي: ما أعطاني من الملك والقوة خير مما تبذلون لي وتعطونني.
فلما أنجز بناءه نسب الفضل في ذلك لصاحب الفضل سبحانه، وبين أن لهذا السد أجلا عند الله تعالى، فقال رحمه الله تعالى: ( هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً ) [الكهف:98].
أسأل الله تعالى أن يرزقنا التذكر والاعتبار، وأن يمن علينا بصلاح القلوب والأعمال؛ إنه سميع مجيب.
وأقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأخلصوا له الدين.
أيها المسلمون:كما ابتدأت سورة الكهف بتوحيد الله تعالى وحمده، ختمت بالتوحيد كذلك، وأوضحت لقارئها أن هذه الدنيا بكل ما فيها إلى زوال, وأن المكلفين يحاسبون يوم القيامة على أعمالهم ( وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً* وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً ) [الكهف:99-100].
وفي خاتمتها بيان لمصير الفريقين: الموحدين والمشركين؛ أما المشركون فمصيرهم كما ذكر الله تعالى: ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً* أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً* ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً ) [الكهف:103-106].
إنها النهاية الأليمة التي تنتظرهم -نعوذ بالله العظيم من حالهم ومآلهم- بخلاف حال أهل الإيمان، الذين يرتعون في نعيم الجنان ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً* خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ) [الكهف:107-108] .
ومن توحيد الله تعالى: الإقرار بصفاته، والإيمان بعظمته، بحيث تصرف له القلوب كل تعظيم ومحبة ورجاء وخوف؛ وهذا لا يتأتى إلا بمعرفته عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وفي أخريات هذه السورة بيان ذلك ( قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ) [الكهف:109].
ثم يأتي القارئ لهذه السورة العظيمة، على الآية الأخيرة منها وهي تدعوه إلى التوحيد وتحذره من الشرك ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) [الكهف:110].
والعمل لا يكون صالحا حتى يكون خالصا لله تعالى، موافقا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وبهذا نعلم -أيها الإخوة- عظمة هذه السورة، وحكمة من حكم تكرارها كل جمعة؛ بل صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها تنجي صاحبها من الدجال؛ كما روى مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال ".
وفي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف " رواه مسلم. زاد أبو داود: " فإنها جواركم من فتنته ".
وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: " من قرأ سورة الكهف كما أنزلت ثم خرج إلى الدجال لم يسلط عليه أو لم يكن له عليه سبيل " رواه الحاكم وصححه.
فاقرءوها -عباد الله- بتدبر، واتعظوا بمواعظها، وحركوا بها قلوبكم، واعملوا بما فيها.
وصلوا وسلموا...