السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن صالح الدهش |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
معاشر الإخوة-: حديثٌ جليل، له هيبته وعظمته في نفس المؤمن، حدَّث به النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه فأطرقوا لحديثه، كأنَّ على رؤوسهم الطير. حدَّثهم وهم جلوس حوله في بقيع الغرقد، مقبرة أهل المدينة. فما ظنك بحديث من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا المكان قريباً من القبور، قريباً من منازل الآخرة؟. وكيف لا يكون مهيباً كذلك، وهو يبين ما...
الخطبة الأولى:
الحمد لله خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، وجعل المرجع إليه وإن أطال العبد أملاً.
أحمده على نعمه عمَّ بها عباده وأجزل، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الجنة للمتقين منزلاً، وأعدَّ جهنم للكافرين نزلاً.
وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، بلغ عن ربه قولاً وفعلاً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين لم يرضوا بسنته بدلاً.
أما بعد:
فحديثي إليكم -معاشر الإخوة-: حديثٌ جليل، له هيبته وعظمته في نفس المؤمن، حدَّث به النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه فأطرقوا لحديثه، كأنَّ على رؤوسهم الطير.
حدَّثهم وهم جلوس حوله في بقيع الغرقد، مقبرة أهل المدينة.
فما ظنك بحديث من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا المكان قريباً من القبور، قريباً من منازل الآخرة؟.
وكيف لا يكون مهيباً كذلك، وهو يبين ما سيجري على كل واحد منا بعد إقباله على الآخرة، وانقطاعه من الدنيا؟!.
والآخرة -يا عبد الله-: يدخل فيها كل ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يكون على الإنسان بعد الموت.
ابتدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثه مع أصحابه بعد أن نظر إلى السماء ثم إلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثاً تعظيماً للحديث؛ ابتدأه، فقال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر" كررها مرتين أو ثلاثاً.
ثم قال: إنَّ العبد إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزلت إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأنَّ وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض.
قال: فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟
فيقولون: فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا.
فينتهون به إلى السماء الدنيا فيستفتحون له، فيفتح له.
قال: فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهوا بها إلى السماء السابعة، فيقول الله -عز وجل-: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتكم وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى.
قال: فتعاد روحه في جسده.
وإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولَّوا عنه مدبرين.
ثم يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام.
فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فيقولان له: ما عملك؟
فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدقت.
فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة.
قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مدَّ بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، فأنا عملك الصالح، فو الله ما علمتُك إلا كنت سريعاً في طاعة الله بطيئاً في معصيته.
ثم يفتح له بابٌ من الجنة.
فيقال: هذا منزلك من الجنة، فإذا رأى ما فيها قال: رب عجل قيام الساعة.
الخطبة الثانية:
وأما العبد الكافر، فإذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا، نزلت إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم ثياب من النار، فيجلسون منه مدَّ البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب فتتفرق روحه في جسده فينتزعها من جسده انتزاعاً، ويخرج معها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟
فيقولون: فلان ابن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، ثم تعاد إلى الأرض.
فيأتيه الملكان فيسألانه: من ربك؟ ما دينك؟ ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟
كل هذه يقول فيها: هاه، هاه، لا أدري؟!
فيضرب بمرزبة من حديد يصيح منها صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين -الجن والأنس-، ثم يفتح له باب من النار، ويفرش له من فرش النار، فيقول: رب لا تقم الساعة.
نعوذ بالله من سوء الخاتمة، ونعوذ بالله من عذاب القبر.
ونسأله الثبات في الدنيا والآخرة؛ إنه على كل شيء قدير.