العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
العربية
المؤلف | أيمن بن شعبان السكري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
فيا من تتكسب من الحرام، ويا من تعتدي على أي أمر من شريعة الله، إلى متى توعظ فلا تتعظ؟! ألا تتعظ بما حلّ بالمعتدين في السبت؟! ألا تتعظ بقوم عاد الذين قالوا لنبيهم هودٍ -عليه السلام-: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ)، فقال الله تعالى فيهم: (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ). ألا تعلم أن الله تعالى قد وعد من فعل ما يوعظ به بأربع أمور عظيمة؟!
الخطبة الأولى:
تحدثنا من قبلُ عن أصحاب السبت، الذين ذكرهم الله تعالى في أكثرَ من موضع في القرآن، فذُكِرت قصتهم بتفصيلٍ في سورة الأعراف، حيث أمر الله تعالى نبيه محمدًا أن يسأل أهل الكتاب سؤال تذكير ووعظ عن هذه القصة التي يعلمونها، فقال تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ).
ولقد ذكرنا القصة تفصيلًا من قبل، وذكرنا أن في هذه القصة موعظةً للمتقين، ولهذا تحدثنا عن اعتداء أصحاب السبت على شريعتهم، وما يقع منا -نحن المسلمين- من اعتداءٍ على شريعتنا، وتحدثنا أيضًا عن ابتلاء أصحاب السبت، وما نتعرض له -نحن المسلمين- من ابتلاء مماثل لابتلائهم، ليعلم الله من يخافه بالغيب.
ويدور حديثنا اليوم -إن شاء الله- عن وعظ أصحاب السبت، لنتدبر ونتفكر ونتعظ بقول الله تعالى: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).
لما اعتدى بعض بني إسرائيل على شريعتهم التي أنزلها الله تعالى في التوراة، فجاهروا بصيد الحيتان في يوم السبت الذي تُحرم شريعتهم العملَ فيه، انقسم أهل القرية إلى عدة أقسام:
قسّم المعتدين الذين يجاهرون بالصيد في يوم السبت، ويلحق بهم كلُّ من عاونهم على ذلك الاعتداء أو أيدهم بفعل أو قول من زوجة أو ولد أو غير ذلك.
وقسم الواعظين الذين ينهون عن السوء، ويعظون المعتدين، أي: يذكرونهم بعذاب الله الزاجر عن مخالفته، ويذكرونهم بثواب الله الباعث على طاعته.
وقسم الساكتين الكارهين الذين سكتوا عن الوعظ، وكرهوا اعتداء المعتدين، وهم الذين قالوا للواعظين: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا)، ويستفاد من قولهم هذا أنهم قد أنكروا بقلوبهم، وأن سبب سكوتهم بل وتثبيطهم للواعظين أنهم رأوا أن الوعظ لا يُجْدِي. فليس سببُ سكوتهم عجزَهم عن الوعظ والإنكار، وإنما لأنهم استبعدوا استجابة المعتدين للوعظ.
وهناك قسم رابع من أهل هذه القرية، لم تذكره الآياتُ صراحةً كالأقسام الثلاثة السابقة، ولكنّ احتمالَ وجودِه قائمٌ في كل زمان ومكان يُجهر فيه بمعصية الله، وهذا القسم هو: قسم الساكتين الموافقين أو الراضين، الذين لم تُنكر ولم تكره قلوبُهم اعتداءَ المعتدين، هم لم يعتدوا، ولكنهم لم يشغلوا بالهم بما يرون من انتهاكٍ لحرمات الله وتضييع لفرائضه، فقلوبهم لا تكره المنكرَ وأهلَه، بل قلوبهم ترضى بمجالسة المنكر ومخالطةِ أهله بغير وعظ ولا نصح ولا إنكار.
أما المعتدون فرغم وعظهم وتذكيرهم بأمر الله فقد نسوا ما ذكروا به، أي: أهملوه وأعرضوا عنه ولم يستجيبوا للوعظ، فظلوا على اعتدائهم، فأخذهم الله بعذاب بئيس، فلم يتوبوا، بل عتوا واستكبروا عما نُهوا عنه، وعندئذ قال الله لهم: (كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)، ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم في الدنيا والآخرة. أليس الذي يأتي بالحيتان في يوم السبت بقادرٍ على أن يأتي بها في باقي الأيام؟!
فيا من تتكسب من الحرام، ويا من تعتدي على أي أمر من شريعة الله، إلى متى توعظ فلا تتعظ؟! ألا تتعظ بما حلّ بالمعتدين في السبت؟! ألا تتعظ بقوم عاد الذين قالوا لنبيهم هودٍ -عليه السلام-: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ)، فقال الله تعالى فيهم: (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ). ألا تعلم أن الله تعالى قد وعد من فعل ما يوعظ به بأربع أمور عظيمة؟! فقال -جل وعلا-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا).
وأما الواعظون، فأولئك قوم فارت نخوة الإيمان في قلوبهم، واحترقت قلوبهم أسفًا على اعتداء قومهم، وغاروا على حرمات الله المنتهكة، وتَمَعَّرَت وجوههم غضبًا لله، فأخذوا يعظون المعتدين، وينهونهم عن السوء، ولما قيل لهم: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
لقد عللوا موعظتهم ونصيحتهم ونهيهم عن السوء المستمر والمتجدد باستمرار وتجدد الاعتداء بعلتين:
الأولى: الاعتذار إلى الله. تُرى من أي شيء يعتذرون؟! تُرى ما هو الذنب أو التقصير الذي وقعوا فيه فأرادوا أن يعتذروا عنه بهذه الموعظة؟! لقد سبق أن قلنا: إن شريعة التوراة التي بأيدي أهل الكتاب اليوم توجب على كل من صنع عملًا في يوم السبت أن يُقتل رجمًا بالحجارة، فمن الذي يوقع هذه العقوبة على المعتدين في السبت؟! إنه الحاكم، فهو المنوط به إقامة الحدود، ولكن سياق القصة يدل على عدم إقامة هذا الحد على المعتدين؛ إذ لو قُتلوا فمن سيُقال لهم: (كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)؟! ولعل الواعظين استشعروا تقصيرهم هم وحاكمهم وقومهم أجمعين بسبب عدم تطبيق هذه العقوبة التي توجبها الشريعة على المعتدين. ولهذا قلت من قبل: إن كلًا منا مسؤول حسب موقعه وطاقته عن إحياء ما مات من شريعة الله، فليست المسؤوليةُ على الحكومة أو أعضاء مجلس الشعب أو القضاة أو الشرطة فحسب، وإنما علينا جميعًا حكامًا ومحكومين، فالله تعالى يخاطبنا جميعًا بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، ثم يأمرنا بما يشاء، وينهانا عما يشاء، فإذا قصَّر الحكام في تطبيق الشريعة وجب على المحكومين أن يُقَوّمُوا هذا التقصير، كل بحسب موقعه وطاقته.
أو لعل الواعظين كان في استطاعتهم تغييرُ المنكر باليد، وذلك بمنع المعتدين بالقوة من الصيد في يوم السبت، فلم يفعلوا، فاستشعروا تقصيرهم في عدم تغيير هذا المنكر باليد، فأرادوا جبر هذا التقصير بالتغيير باللسان أي: بالموعظة؛ رجاء أن تكون الموعظة عذرًا لهم عند الله إذا سألهم يوم القيامة: لماذا لم تغيروا المنكر؟! قالوا: نحن وإن كنا لم نغير هذا المنكر بأيدينا فقد نهينا عنه بألسنتنا، ورجونا أن تعذرنا بذلك. وليس أحدٌ أحبَّ إليه العذرُ من الله.
وسواء أكان سببُ المعذرة هذه أم تلك أم هما معًا أم شيئًا آخر فقد استشعر الواعظون تقصيرهم إزاء وقوع هذا الاعتداء، فوعظوا المعتدين اعتذارًا إلى الله عن ذلك التقصير.
أما العلة الثانية للموعظة فهي: (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)، أي: وأيضًا موعظتنا هذه قد تجعلهم يتقون الله، فيقلعوا عن هذا الاعتداء، وكم من عاصٍ تاب وأقلع عن ذنبه بسبب موعظة، والموعظة الحسنة تعد إحدى مراتبِ الدعوة إلى الله، كما قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، "ولأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حُمر النَّعَم".
وبهذه الموعظة أنجى الله الواعظين من العذاب البئيس الذي حل بالظالمين من أهل تلك القرية. وهكذا ينجي الله الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في كل زمان ومكان يُجهر فيه بالمعاصي، كما قال تعالى: (فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ)، أي: لم يكن من الأمم الماضية إلا عدد قليل منهم ينهون عن الفساد في الأرض، وهؤلاء القلة هم الذين أنجاهم الله عند حلول العذاب بقومهم.
فيا من ترى المنكراتِ ليلًا ونهارًا سرًا وجهارًا -وكلنا نرى-: لن يُنْجِيَنا سوى الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا هو طوق النجاة لمن أراد النجاة في الدنيا والآخرة.
وأما الساكتون الموافقون الذين رَضُوا بمجالسة المنكر ومخالطة أهله دون أن تتمعر وجوهُهم غضبًا لله، ودون أن تنكر قلوبهم، فأذكر فيهم ما رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي بسند حسنه الترمذي وضعفه الألباني عن ابن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل، فيقولُ: يا هذا: اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيلَه وشريبَه وقعيده، فلما فعلوا ذلك، ضرب الله قلوب بعضهم ببعض"، ثم قال: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)، فقرأ حتى بلغ قول الله تعالى: (وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)، ثم قال: "كلا، والله لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتنهوُنَّ عن المنكر، ولتأخذُن على يد الظالم، ولَتَأطِرُنَّه على الحق أطرًا، ولتَقْصُرُنَّه على الحق قصرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليَلعَننكم كما لعنهم".
وبعد هذا، كيف تُدعى إلى حفل زواج أو غيره وترى فيه ما يغضب الرب سبحانه من نساء متبرجات، ومن رقص وغناء ماجن، ومن مخدرات، ثم ترضى بمجالسة هذا المنكر ومخالطة أهله؟! لا يكفي أن تعتذر عن الحضور، بل عليك أن تأمر وتنهى.
وأما الساكتون الكارهون الذين سكتوا عن الوعظ، وكرهوا اعتداء المعتدين، وقالوا للواعظين: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا)، فهؤلاء هم الذين أبكوا الصحابي الجليل عبدَ الله بنَ عباس -رضي الله عنهما-، لماذا أبكوه؟! وهل نجوا مع الناجين، أم أُخذوا بالعذاب البئيس مع الظالمين؟!
هذا ما سنذكره في الجمعة القادمة -إن شاء الله-: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا).
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
ثم أما بعد:
لماذا كانت أمة الإسلام خير أمة أخرجت للناس؟! هل لكثرة صلاتنا أو صيامنا أو زكاتنا؟! كلا، وإنما كما قال الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، ولهذا مدح الله المؤمنين والمؤمنات بقوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
وهكذا قَدَّم الله ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان به سبحانه وعلى الصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله.
ولقد أثنى الله تعالى على بني إسرائيل بقوله: (وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنْ الْمُسْرِفِينَ * وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، أي: ولقد اخترناهم واصطفيناهم وانتقيناهم على علم منا باستحقاقهم لذلك الفضل على العالمين من أهل زمانهم المعاصرين لهم. وهذا الاصطفاء مرده إلى الإيمان والاستقامة على شرع الله، ولهذا لما بدلوا وعصوا وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذمهم الله تعالى بقوله: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ).
فالله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسبٌ، يعطيه به خيرًا، ولا يصرفُ عنه سوءًا، إلا بطاعته واتباع أمره، فمن آمن وعمل صالحًا وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فله المدح والثناء، ومن عصى فله الذم، حتى وإن كان من نسل خير أمة أُخرجت للناس.
وقد أمرنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بتغيير المنكر إذا استعلن فرأيناه، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من رأى منكم منكرًا فليغيَّرْهُ بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". رواه مسلم.
أخا الإسلام: إذا لم تستطع أن تغير المنكر بلسانك أنت فاستعن بلسان غيرك، من خلال توزيع كتيب إسلامي أو شريط أو أسطوانة، أو من خلال توجيه الدعوة لحضور موعظة.
فإذا كنت تعمل في جهة ما؛ في مدرسة أو جامعة أو أحد النوادي أو شركة كبرى ونحو ذلك تستطيع أن تدعو داعيةً لإلقاء موعظة في هذه الجهة، ولا تجعلْ هذا في المناسبات الخاصة فحسب كرأس السنة الهجرية أو الإسراء والمعراج ونحوها، بل اجعله في سائر أيام السنة.
أخا الإسلام: ينبغي أن لا ينحصر الوعظُ داخل جدران المساجد فحسب، نريد تجميعَ الشباب الذين لا يدخلون المسجد ووعظهم بالمحافظة على الصلاة وترك التدخين والمخدرات، نريد نهي الفتيات عن التبرج، نريد أن نصل إلى هؤلاء من خلالك أنت. وبمثل هذا تكون قد دعوت إلى الله، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر بلسان غيرك، وبمثل هذا تكون من الناجين في الدنيا والآخرة.
أخا الإسلام: ها هي المنكرات نراها، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فلنأمر بالمعروف، ولننه عن المنكر بما في وسعنا، حتى وإن كان العصاة على علم بحرمة ما يفعلون، وحتى إن ظننا عدم استجابتهم، وذلك معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون، وهذا هو سبيل النجاة من عذاب الله في الدنيا والآخرة.
كانت هذه هي إحدى عناصر موعظة المتقين بقصة أصحاب السبت، وفي الجمعة القادمة -إن شاء الله- نتحدث عن عذاب أصحاب السبت، ما هو العذاب البئيس الذي حل بهم؟! وما حكمة وقوعه في الدنيا وهي دارُ ابتلاء لا دارُ جزاء؟! وهل الساكتون الكارهون نجوا من هذا العذاب أم أخذوا به مع الظالمين؟!
اللهم إنا نسألك البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى...