البحث

عبارات مقترحة:

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

قليلا من الرحمة

العربية

المؤلف توفيق الصائغ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. الرحمة صفة من صفات الله .
  2. مخاطر ضعف أو انتزاع الرحمة من القلوب .
  3. مظاهر وصور رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- .
  4. إشاعة الرحمة في المجتمع.
  5. فضل الرحمة بالضعفاء والمساكين والأيتام .

اقتباس

في دنيا ذهاب الرحمة واضمحلالها، لا تستبعد أن ترى عقوقا من ولد تجاه والده، أن ترى عضلا من والد تجاه ابنته، أن ترى استطالة الناس على أموال بعضهم البعض. حين تغيب الرحمة يكلف العامل ما لا يستطيع من رسوم وأتاوات وعمل. حين تغيب الرحمة أو تكاد لا يصبح في البيت الواحد مودة ولا تراحم!. أردت أن انتقل من...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به، ونتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد لله حق الجهاد، حتى أتاه اليقين، صلوا عليه وآله اللهم صل وسلم وزد وأنعم عليه، وعلى آله وصحابته وعترته.

أما بعد:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

الرحمة كصفة في أعلى درجاتها، وفي منتهى مقاماتها، لا تنبغي إلا لله -سبحانه وتعالى-.

كل صفاته جل علا كما أن كل أسمائه حسنى، هو أرحم الراحمين، سبقت رحمته غضبه، وغلبت رحمته غضبه.

من عنايته برحمته جل وعلا وعنايته ببيان رحمته سبحانه وتعالى: أن أول ما نقرأ من الوحي: "بسم الله الرحمن الرحيم".

أن أول الصفات التي تنعت لفظ الجلالة وتوضحه وتجليه صفة الرحمة: الرحمن الرحيم.

ثم يعود المولى -سبحانه وتعالى- ليجلي الصفة مرة أخرى، وليبينها مرة بعد مرة، وكرة بعد كرة: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)[الفاتحة: 2-3].

خلق الله مائة رحمة، جعلها مائة قسم، أنزل منها رحمة واحدة، يحنو بها الوالد على ولده، ويرحم بها الكبير الصغير، حتى الوحش ترفع حافرها عن صغيرها، بهذه الرحمة الواحدة التي قسمت بين الخلق.

أما تسعة وتسعين رحمة، فقد ادخرها الله -سبحانه وتعالى- لعباده وأصفياء أصفيائه الذين أراد الله -عز وجل- لهم المتعة التي لا تنقضي في دار القرار.

إخواني: كالح هو وجه الحياة إن فقدت منها الرحمة، إذا كانت الرحمة فيها سلعة غائبة غير موجودة.

والإنسان ما الإنسان إذا جرد هذا الإنسان عن الرحمة، هل هو إلا هيكل أو أكوام متراصة من اللحم أو العظم؟ هل الإنسان في كنه وحقيقته إلا جملة من المعاني لا جملة من الصور؟.

في دنيا الناس اليوم رحمة غائبة، أو تكاد تكون غائبة، حين تغيب الرحمة فلا تستغرب على حاكم يكسر عظام شعبه ورعيته؛ لأنه يريد أن يستبقي على الكرسي، ولتذهب بعد ذلك الدنيا إلى الجحيم.

في دنيا ذهاب الرحمة واضمحلالها، لا تستبعد أن ترى عقوقا من ولد تجاه والده، أن ترى عضلا من والد تجاه ابنته، أن ترى استطالة الناس على أموال بعضهم البعض.

حين تغيب الرحمة يكلف العامل ما لا يستطيع من رسوم وأتاوات وعمل.

حين تغيب الرحمة أو تكاد لا يصبح في البيت الواحد مودة ولا تراحم!.

أردت أن انتقل من هجير هذه الحياة القاسية، الحياة بلا رحمة، قاسية، صحراء وبيداء، لا ترى فيها إلا سرابا، أو صور السراب، حتى إذا جئته لم تجد عنده ماءً.

أردت أن أفر من هجير هذه الصحراء إلى رحمة سيد الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- الذي اصطفاه الله –عز وجل- واختاره وخلع عليه من رحمته ما لم يخلعه على أحد من العالمين.

محمد -صلى الله عليه وسلم- آية الرحمة وعنوانها.

وإذا رحمت فأنت أم أو أب

هذان في الدنيا هما الرحماء

محمد -صلى الله عليه وسلم- في حالكات الظروف حيث يتخلى كل رحيم عن رحمته، في أصعب المواقف حيث تطيش الرحمة أحيانا من قلوب الرحماء، ثبت صلى الله عليه وسلم برا رحيما.

وضعوا عليه سلا الجزور، ويلقى من قهر الرجال ما يستعيذ منه الرجال، ثم يبقى ساجدا صلى الله عليه وسلم، وعلى جسده الشريف سلا الجزور، فتتقاطر نفسه رحمة، فيقول: "اللهم اهد قومي، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون".

محمد -صلى الله عليه وسلم- عطروا أفواهكم بالصلاة والتسليم عليه، ومتعوا أسماعكم، يبقى في مواطن يطيش فيها الرحماء عن الرحمة، بعد أن كسرت رباعيته، بعد أن شج وجهه، بعد أن أدمي جسده الشريف، يبقى حافيا طريدا شريدا في الطائف، وملك الجبال يعرض عليه قوة لا طاقة لأهل الطائف بها، فيقول له: "إن الله بعثني إليك أن تأذن لي فأطبق عليهم الأخشبين".

فيأبى صلى الله عليه وسلم.

تتقاطر نفسه رحمة، فيقول: "لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله": (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)[آل عمران: 159].

ما أحوجنا أن نستجلي صور الرحمة من حياة المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم-.

استجلاءً ينبغي أن ينتقل من مرحلة التنظير والدرس إلى مرحلة الممارسة والصفة والعمل.

استجلاءً ينبغي أن ينتقل منبر الجمعة إلى حياة العامل والموظف والمرأة والرجل والصغير والكبير، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، يوم القيامة، فهي نائلة -إن شاء الله- من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا".

أي رحمة كانت رحمته صلى الله وسلم وبارك على صاحب الرحمة المهداة؟

أليس هو القائل لربه -جل وعلا- ملحا داعيا مخبتا منيبا مكررا: "أمتي، أمتي".

فقال الله –عز وجل-: له: "إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك".

من رحمته صلى الله عليه وسلم: أنه يمنح هذه الرحمة لأحق الناس بها: الغرباء والضعفاء والمساكين، وذو الحاجة، هؤلاء أحوج الناس أن تتنزل عليهم الرحمة، كان صلى الله عليه وسلم يبحث عنهم، يجوس خلال الديار، يتفقد أخبارهم، يقول: "آبغوني ضعفاءكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم".

ويتأول قول الله -جل وعلا-: (وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الأنعام: 52].

فكان يجالسهم ويآكلهم ويشاربهم، يعود مريضهم، ويواسي فقيرهم، ويحنو على مسكينهم.

وكان صلى الله عليه وسلم في شأنه كله يتفقدهم، وهؤلاء عادة لا يفقدون في المجالس في المحافل لا يفقد الضعفاء والفقراء، إنما يفقد الأغنياء أصحاب الجاه والأموال، أصحاب الألقاب والشهادات، هؤلاء الذين يفقدون، أما المساكين فلا يحفل بهم إلا من يحمل قلبا برا رحيما.

تضع الحرب أوزارها، فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم- باحثا، من رحمته على فقير من فقراء أصحابه، على ضعيف من ضعفائهم، لم يجمع الله له من الشرف إلا الصحبة، حاله إنه فقير ضعيف ذميم الخلقة، فيقول صلى الله عليه وسلم: "هل تفقدون من أحد؟" قالوا: نعم فلانا وفلانا وفلانا، ثم قال: "هل تفقدون من أحد؟" قالوا: نعم فلانا وفلانا وفلانا.

ثم قال: "هل تفقدون من أحد؟" قالوا: لا. قال: "لكنى أفقد جليبيبا، فاطلبوه".

فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فوقف عليه، فقال: "قتل سبعة ثم قتلوه، هذا منى وأنا منه هذا منى وأنا منه".

النبي -عليه الصلاة والسلام- يعلمنا فنون الرحمة، فيقول: "آبغوني ضعفاءكم".

آبغوني الخادم في البيت؟

آبغوني الموظف الصغير؟

آبغوني العامل الذي يكد على أسرته؟

آبغوني ضعفاءكم؟

هل ترحمون أو تنصرون إلا في ضعفائكم؟

إن من رحمته صلى الله عليه وسلم: أنه قد يقدم هؤلاء الضعفاء والفقراء، حتى على خاصة الخاصة، تأتيه فاطمة -رضي الله عنها- أثر عليها الرحى من طول ما حملت، ومن طول ما كدت وحملت!.

الزهراء!.

هي بنت من؟ هي زوج من؟ هي أم مَن؟

من ذا يداني في الفخار أباها

تريد من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خادما، فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا فاطمة لا أعطيك وأدع أهل الصفة".

من رحمته صلى الله عليه وسلم: وصيته بالخادم والمملوك، يقول: "إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس ، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه".

ولا يكلفه من الإتاوة والضرائب والرسوم والفرائض ما لا يطيق؛ لأن وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- هنا ليست وصية حرفية.

من العمالة من عملهم ذهني لا يتطلب جهدا بدنيا، لكنك قد تكلفه ما لا يطيق، حين ترفع عليه الرسوم والإتاوات مائة ضعف، أو تزيد.

"إخوانكم خولكم" لا ينبغي أن نكلفهم ما لا يطيقون، فمن كان رب عمل، أو وزير، ينبغي عليه: أن ينظر إلى هذه الفئة بعين الرحمة، وأن لا يكلفهم ما لا يطيقون.

جاء رجل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟" قال صلى الله عليه وسلم: "اعفوا عنه في اليوم سبعين مرة".

غض عن هفواته، التمس له من الأعذار، أوسع الأبواب، لعل الله يعاملك بتلك الرحمة.

أهل الرحمة هم أخلق الناس وأحراهم بأن تتنزل عليهم الرحمات: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء".

حين أتحدث عن رحمته صلى الله عليه وآله وسلم فإنني أبين: أن رحمته لم تكن فقط لبني الإنسان، للضعيف والفقير والمسكين، وذا الحاجة، لا، لم تكن رحمته حكرا على هذا الصنف، تجاوزت رحمته إلى ما هو أبعد من ذلك.

لقد وصلت إلى البهائم العجماوات، لقد وصلت إلى الدواب، دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- حائط رجل من الأنصار، فرآه الجمل، فلما رآه الجمل حن وبكى، ودمعت عينه.

من الذي أخبر الجمال أن هذا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم؟

بل من الذي حدث النوق في حجة الوداع أن أرحم ناحر بها محمد -صلى الله عليه وسلم-، فجعلت تتدافع بأعناقها، حتى يكون هو ناحرها دون غيره؟!

جاء إليه الجمل يحن وتذرف عينه، فنادى النبي -عليه الصلاة والسلام-: "من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟" فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمة التي مَلَّكَكَ الله إياها؟ فإنه شكا إليَّ أنك تُجعيه وتُدئبُهُ".

جاء رجل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها؟" قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والشاة إن رحمتها رحمك الله".

والعامل إن رحمته رحمك الله، والأجير إن رحمته رحمك الله، إن عفوت عنه عفا الله عنك، وإن خفضت رسومه فتح الله لك من أبواب السماوات والأرض، ومن خزائن السماوات والأرض، ما لا يعلم عده ولا حصره إلا هو.

من رحمة النبي -عليه الصلاة والسلام- بالدواب والبهائم: أنه رتب على القسوة شديد العذاب، وأليم العقاب، أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فكان حقيقا أن تدخل النار.

في المقابل إذا رحمت الدواب والعجماوات، فإن الله يغفر ذنبك، ولو كنت صاحب كبيرة، بغي من بغايا بني إسرائيل أصابها حر العطش، وجدت بئرا نزلت فشربت، ثم رأت كلبا يلهث، يأكل الثرى من شدة العطش، قالت في نفسها: "لقد بلغ العطش من هذا الكلب مثل الذي قد بلغ مني" فنزلت البئر، فملأت خفها ماءً، فسقت الكلب، فشكر الله لها، غفر الله كل ما أسلفت من الزنا، وما أسلفت من الفاحشة؛ بشربة ماء سقتها لكلب، ترى كم من الفضل سيكون من الفضل لأولئك الذين يرحمون عباد الله؟

تُنزع الرحمة إلا من شقي

فارحم عباد الله إن كنت تعي

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والمواعظ والذكر الحكيم.

أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، قد أفلح المستغفرون.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إنعامه، والشكر له على تفضله وامتنانه، ولا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه محمد، وعلى آله وصحابته وإخوانه.

أما بعد:

غاية ما أتمنى -أيها الإخوة- من هذه الخطبة: أن لا تكون كسائر الخطب، التي يدفع إلينا فيها الخطباء بالمواعظ والآيات والقصص، ثم نتلفت كأن الخطبة لا تعنينا بحال من الأحوال.

هذه الخطبة موجهة للمدير في دائرته، للوزير في وزارته.

هذه الخطبة موجهة لرب في أسرته، وأولاده وعياله، فيمن هم تحت يده، من العمالة والسائقين والخدم.

هذه الخطبة موجهة لكل أفراد المجتمع، لا يختص بها أحد، حتى لا ألتفت أنا وأنت، كأن الخطاب لا يعنيني بحال من الأحوال، كلنا راع، وكلنا مسئول عن رعيته.

بعض الذين تجردوا عن هذه الرحمة، ظنوا أن القسوة قد تدر عليهم ربحا، أو قد تأتي لهم بمال، أو تأتي لهم برفعة، فيشعرون أنهم قد أنجزوا أو قدموا رقما، ولم يعلموا أن ما فاتهم من الفضل أضعاف أضعاف ما حصلوا إن كانوا قد حصلوا.

وهل ترحمون أو تنصرون أو ترزقون إلا بضعفائكم؟

ألا إن الرحمة والبر بالفقراء والضعفاء والمساكين والفئات الدون في المجتمع، ألا إنها من تقوى الله –عز وجل-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ)[الأعراف: 96].

ما أحوجنا لإشاعة روح التراحم بيننا؟!

ما أحوجنا أن نسأل الله -تعالى- أن يسل السخائم من صدورنا؟!

ما أحوجنا أن نحنو على المسكين، وأن نمسح على رأس اليتيم، فإن ذلك علاج من يجد في قلبه قسوة! أنا أولكم، من يجد في قلبه قسوة، فليذهب إلى الأيتام، وليمسح على رؤوسهم؛ لأن هذه الوصفة العلاجية وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- لقساة القلوب، أن يمسح على رأس اليتيم، ويحنو عليه، حتى يجد في قلبه رحمة ورأفة ورقة؟!.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت لا نحصي ثناءً عليك، أنت الأول في عليائك، أنت الأول والآخر والظاهر والباطن، وأنت على كل شيء قدير.

يا الله لك الأسماء الحسنى، ولك الصفات العلى، اللهم أنت أبر وأرحم، رحمتك وسعت كل شيء، لا أرحم منك، ولا أبر منك، ولا أحن على العباد منك، ولا أرأف بهم منك!.