القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - السيرة النبوية |
يا لها من كلمة ..! "لا تسودوا وجهي" بأعمالكم وعبثكم وصراعاتكم وتنافسكم على الدنيا ونسيانكم للدين .. لقد فسدت الحياة وسادت الفوضى، وعمت البلوى حتى ظهر ممن ينتسب للإسلام يؤذي رسول الله في نفسه وأزواجه وأصحابه، فأيّ حب؟ وأي اتباع نتحدث عنه بعد ذلك؟.. الحب .. اتباع وعمل، ومحافظة والتزام، واقتداء في عبادته وأخلاقه وسلوكه، ومعاملته لأهل بيته وأصحابه والناس من حوله .. اقتداءٌ في حربه وسلمه ودعوته .. اقتداء به -صلى الله عليه وآله وسلم- في حبه للمسلمين وتواضعه لهم، وتقديم النفع لمن يحتاجه وتفريج كرباتهم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله مستحقِ الحمد بلا انقطاع، ومستوجبِ الشكر بأقصى ما يستطاع، الوهابُ المنان، الرحيم الرحمن، المدعو بكل لسان، المرجو للعفو والإحسان، الذي لا خير إلا منه، ولا فضل إلا من لدنه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الجميل العوائد، الجزيل الفوائد، أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، عالم الغيوب مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الوافي عهده، الصادق وعده، ذو الأخلاق الطاهرة، المؤيّد بالمعجزات الظاهرة، والبراهين الباهرة.
وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ | وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ |
الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ | لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ |
بِكَ بَشَّرَ اللَهُ السَماءَ فَزُيِّنَت | وَتَضَوَّعَت مِسكاً بِكَ الغَبراءُ |
صلى الله عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه ومن سار على هديه واستن بسنته وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: لقد أرسل الله الرسل وأنزل معهم الكتب وأمرهم بالبلاغ ودعوة الناس إلى عبادة ربهم وهدايتهم إلى الحق والخير وتحذيرهم من سبل الضلال وطرق الغواية وبيان الحكمة من خلقهم ومصيرهم بعد هذه الحياة، فأقام عليهم الحجة بالدليل والبرهان حتى لا يكون هناك تقصير أو تفريط أو عذر لأحد من البشر، قال تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)[النساء: 165].. وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى) [طه:134].. وقال سبحانه تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِير) [المائدة: 19]..
وكانت الرسل تُبْعَث في كل أمة من الأمم على حين فترة من الزمان تفسد فيه عقائد الناس وعباداتهم وأخلاقهم وسلوكياتهم، وتنحرف تصوراتهم عن الإله المعبود -سبحانه- وعن الحياة الدنيا والآخرة ويتخذ الناس لهم أرباباً من دون الله من الأوثان والأصنام والطواغيت والكبراء والأفكار، وكل ذلك بسبب بُعدهم عن تعاليم ربهم وتوجيهات أنبيائهم وكيد الشيطان وجنده وضعف النفس وانهزامها أمام الشهوات والشبهات، فكانت مهمة الرسل تربية الخلق وتزكية نفوسهم ومعالجة الانحرافات التي وقعوا فيها، وبعث الحياة في نفوسهم من جديد بعودتهم إلى الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها فآمن من آمن منهم وكفر من كفر، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [النحل:36]..
وختم الله منهج الدعوات وقافلة الرسالات ومسيرة الإصلاحات برسالة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى الناس كافة قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سبأ:28] .. وقال عز من قائل: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الأحزاب:40].. وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء/107]..
وكان من رحمة الله بنا أن بعث فينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وأمرنا بالإيمان به وتصديقه واتباعه والاقتداء به والانتصار له، ومحبته وتقديمه على النفس والمال والولد .. على يديه كمُل الدين، وبه خُتمت الرسالات -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [آل عمران:164]، وقال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128].. حريصُ عليكم رحيمُ بكم مشفقُ عليكم يتمنى سعادتكم وراحتكم فهل بعد ذلك يُقابَل بالبعد والجفاء وبعدم الاقتداء به والسير على سنته، لقد كانت ولادته ومبعثه برسالة ربه إلى هذه الأمة بمثابة الغيث الذي يروي الأرض القاحلة وبمثابة الروح التي تبعث في الجسد الحياة من جديد:
جاء النبيون بالآيات فانصرمت | وجئتنا بحكيم غير منصرم |
آياته كلما طال المدى جدد | يزينهن جلال العتق والقدم |
البدر دونك في حسن وفي شرف | والبحر دونك في خير وفي كرم |
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له | وأنت أحييت أجيالاً من الرمم |
أيها المؤمنون/عباد الله:- لقد جعل المولى -سبحانه وتعالى- التسليم لمنهج محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وسنته وحكمه دلالة وعلامة على الإيمان الحق الصادق فقال: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء/65]، إن الإيمان ينفث في قلب المؤمن حب هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- واتباعه؛ لأن أثر ذلك سيكون على الفرد والمجتمع والأمة عظيماً وواضحاً وجلياً، فلا سعادة للفرد ولا حياة للمجتمع ولا عزة لهذه الأمة إلا بالتسليم لشرعه والاقتداء به قال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63] ..
وهل محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك إلا من محبة الله تعالى؟! وهل طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا من طاعة الله عز وجل؟ القائل: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آل عمران/31].
وجاء في صحيح البخاري عن نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- قوله: "فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده" .. لذلك أدرك الصحابة وأدركت الأمة على فترات من تاريخها فضل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليها بل وعلى العالم كله وجنت ثمار محبته في الدنيا سعادةً وراحةً ويقينًا وعزة ونصرًا وتمكينًا، ويوم القيامة لن يكون جزاؤها وثوابها إلا الجنة إن صدقت في ذلك قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً) [الفتح: من الآية17] ..
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي" (رواه البخاري) ..
ولماذا يُحال بين رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وبين طائفة من أتباعه؟ لأن هؤلاء فهموا حب النبي على أنه مجرد كلمات وأشعار ومدائح وأمنيات بعيداً عن تطبيق منهجه ونشر دينه، وتبليغ سنته، والاقتداء بسلوكه وأخلاقه، وحب أزواجه وآل بيته وأصحابه فكان اتباعهم منقوصًا بل مخزيًا وفاضحًا يوم القيامة ..
وعلينا أن نحذر جميعاً من هذا الحب الزائف، ونثبت ذلك الحب الصادق لنبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- بالعقيدة السليمة والاتباع الحسن، والخُلق القويم، والمعاملة الطيبة والتضحية من أجل هذا الدين ودعوة الناس إليه وتعريفهم به وضبط سلوكياتنا ومعاملاتنا بتوجيهاته وتقوية أخوتنا، وحفظ دمائنا، وصيانة أعراضنا، وبناء مجتمعاتنا، ونبذ الفُرقة والعصبيات الجاهلية والشوق بعد ذلك للقائه، وقد أخبر -صلى الله عليه وآله وسلم- عن حبكم له فقال: "طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى ثم طوبي ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يراني" (السلسلة الصحيحة رقم: 1241)..
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "من أشد أمتي لي حباً، ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله". (رواه مسلم).
عباد الله: قبل أن يتجرأ المغرضون والمنافقون والمنهزمون والمستشرقون والمستغربون والحاقدون من أعداء هذا الدين على محاولة تشويه صورة النبي -صلى الله عليه وسلم- ودينه وسنته، ووصفهم له بأبشع العبارات ومحاربتهم لدينه وأتباعه، والصد عن دعوته والوقوف حائل أمامها بشتى الوسائل حتى لا تصل إلى ملايين البشرية في أصقاع الأرض .. قبل أن يفعلوا ذلك ويخططوا لذلك فقد ساهمنا نحن المسلمين في مساعدتهم بضعف التزامنا وسوء أخلاقنا ومعاملاتنا، وكثرة حروبنا وسفك دمائنا وعصبياتنا الجاهلية والمذهبية والطائفية، والحزبية البغيضة، فهلك الحرث والنسل، وقد حذرنا -صلى الله عليه وآله وسلم- من ذلك في خطبة حجة الوداع فقال: "ألا وإني فرطكم على الحوض، وأكاثر بكم الأمم. فلا تسودوا وجهي، ألا وإني مستنقذِ أناسًا، ومستنقَذ مني أناس، فأقول: يا رب! أصحابي فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" (صحيح ابن ماجه (2481 - 3057) ..
يا لها من كلمة ..! لا تسودوا وجهي بأعمالكم وعبثكم وصراعاتكم وتنافسكم على الدنيا ونسيانكم للدين .. لقد فسدت الحياة وسادت الفوضى وعمت البلوى حتى ظهر ممن ينتسب للإسلام يؤذي رسول الله في نفسه وأزواجه وأصحابه، أيّ حب؟ وأي اتباع نتحدث عنه بعد ذلك؟ وقد حذر الله فقال: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [التوبة: 61]، وقال الله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً) [الأحزاب: 57] .. يريدون بذلك أن يطفئوا نور الحق ..
ولكن هيهات فالحق يعلو ولا يُعلَى عليه، والله متم نوره ولو كره الكافرون قال تعالى: (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:40] ..
ألا يا محب المصطفى زد صبابة | وضمّخ لسان الذكر منك بطيبه |
ولا تعبأن بالمبطلين فإنما | علامة حب الله حب حبيبه |
اللهم اجعلنا من صالحي أمته، واحشُرْنا يوم القيامة في زُمْرَته .. قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنك لأحب إليَّ من نفسي وإنك لأحب إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرتُ موتي وموتك عرفتُ أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبيين وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك؟ فلم يرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئاً حتى نزل جبريل -عليه السلام- بهذه الآية: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) [النساء:69]، (قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح إلا عبد الله بن عمران وهو ثقة) ..
ويأتي إليه ربيعة الأسلمي: فيقرّب للنبي وضوءه وكان يخدم النبي، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "سل يا ربيعة"، قال له: أسألك يا رسول الله مرافقتك في الجنة، قال: "أو غير ذلك؟" قال: هو ذاك، أسألك مرافقتك في الجنة، قال: "يا ربيعة، أعني على نفسك بكثرة السجود" [مسلم: 489].
الحب .. اتباع وعمل، ومحافظة والتزام، واقتداء في عبادته وأخلاقه وسلوكه، ومعاملته لأهل بيته وأصحابه والناس من حوله .. اقتداءٌ في حربه وسلمه ودعوته .. اقتداء به -صلى الله عليه وآله وسلم- في حبه للمسلمين وتواضعه لهم، وتقديم النفع لمن يحتاجه وتفريج كرباتهم، وهو القائل: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (البخاري: 2/862).
عباد الله: - مهما بلغ التطور الحضاري وكثرت الاختراعات، وتمدن الإنسان وتعددت الصناعات وصعد الإنسان إلى الفضاء وتقارب الزمان وتطور الطب وزاد أتباعنا وكثرت أموالنا .. تظل نجاتنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة بطاعة الله ورسوله وحبنا لبعضنا البعض، وتسامحنا فيما بيننا، ونبذنا لكل أسباب الفرقة والشتات، واستشعارنا لواجباتنا ومسئوليتنا في الدنيا ويوم القيامة.
ولا بد من توبة نصوح وعمل صالح، وأن نجعل من ذكرى مولده -صلى الله عليه وآله وسلم- نقطة انطلاق لتغيير عاداتنا وسلوكياتنا وأعمالنا السيئة بما هو أفضل وأصوب وأحسن لنا في ديننا ودنيانا قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) [النساء:64].
فاللهم إنا نستغفرك من تقصيرنا وتفريطنا، اللهم دُلنا على الحق، وأعنا على اتباعه، وثبتنا عليه حتى نلقاك واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .. اللهُمَّ إنَّا نسألُك إيمانًا يُباشرُ قُلوبنا ويقينًا صادقًا وتوبةً قبلَ الموتِ وراحةً بعده ..
هذا وصلوا وسلِّموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين وقائد الغُرِّ المُحجلين، وعلى آلهِ وصحابته أجمعين، وارض اللهُمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعنا معهم بمن وكرمك يا أرحم الراحمين. والحمد لله رب العالمين.