البحث

عبارات مقترحة:

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

حقيقة لا إله إلا الله

العربية

المؤلف خالد بن علي أبا الخيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التوحيد
عناصر الخطبة
  1. شروط لا إله إلا الله وأركانها .
  2. مناقضة البعض تلفظه بها بأفعاله المناقضة لها .
  3. تربية الأولاد على معاني لا إله إلا الله .
  4. لا إله إلا الله عصمة للنفس والمال .
  5. فضائل لا إله إلا الله .

اقتباس

فقل لمن قالها بلسانه وناقضها بأقواله وأفعاله وأنقصها بعصيانه: أين شهادتك عند دعوتك لغير الله وسؤال أصحاب القبور والأولياء وجعل الوسائط بين الله وشركائهم وأندادهم! أين شهادتك عند عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام وأكل الربا والغش والكذب وأكل الحرام؟! أين شهادتك عند الغيبة والنميمة والبهت والإفك وقول الزور والتمرد والفسق والفجور.

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي فتح أبواب المشاهدات على أرباب المجاهدات بمفتاح لا إله إلا الله، وأحيا نفوس الذاكرين، وملأ قلوب الموحدين من أنوار لا إله إلا الله، ونوّر بصائر المؤمنين وأوضح الفرقان للمخلصين لما أشرقت في قلوبهم لا إله إلا الله، وهدى إلى صراطه المستقيم وجنب طريق الجحيم من تمسك بلا إله إلا الله، وأدخل الجنة بغير حساب، وآمن من أليم العذاب من حقق لا إله إلا الله، خلق الجنين من ماء مهين ليعبده بلا إله إلا الله، خلق الإنسان في أحسن تقويم، وجمله بالعقل والتعليم والتفهيم، ليعرفه بلا إله إلا الله، أرسل الرسل لأجلها مبشرين، وعن ضدها محذرين، فدعوا الناس كلهم إلى لا إله إلا الله.

أنزل الكتب بالبراهين القاطعة والأدلة الجلية الواضحة تبين لا إله إلا الله، فقامت بذلك الحجج على العباد، وشهد بها الناطق والجماد، إلا من تمرد وأبى عن الانقياد، فحسبه جهنم ولبئس المهاد، ويكفيه خيبة أن حرم لا إله إلا الله.

أحمده سبحانه أن جعلنا من أهل لا إله إلا الله، وأشكره شكرًا أرجو به أن يزيدنا من العلم والعمل والتحقيق بلا إله إلا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي شاهدها إذا خاب أهل الشرك ونجا أهل لا إله إلا الله.

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله مجددًا من درسوا معالم لا إله إلا الله، وأنزل عليه: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وقال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق لا إله إلا الله".

وقال: "يا أيها الناس: قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا وتؤمنوا وتملكوا العرب وتؤدي لكم العجم الجزية بلا إله إلا الله".

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، ومن سار على منهجهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله، فيا ذوي العقول الصحاح، ويا ذوي البصائر والفلاح: نادوا في الغدو والرواح: لا فلاح إلا بلا إله إلا الله، ويا ذوي الإيمان والصلاح، ويا ذوي التجارة والأرباح: جددوا إيمانكم في المساء والصباح بتأمل معنى لا إله إلا الله، فما خلقت السماوات والأرض ولا سنت السنن وافترض الفرض ولا نجا يوم العرض إلا من أجل لا إله إلا الله، ولا سلت سيوف الجهاد ولا شرعت التكاليف على العباد إلا لحقوق لا إله إلا الله، ولا أبيحت الدماء والأموال وأحبطت أعمال كثيرين من العمال إلا بالخروج عن حكم لا إله إلا الله، وما أهلكت الأمم على الأفراد والتعميم وملئت بالعصاة نار الجحيم إلا بعدم العمل بلا إله إلا الله.

فلذا قالوا للرسول لما قال لهم: "قولوا: لا إله إلا الله": (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً)، فافهموا يا قائلين: لا إله إلا الله، أما من قالها بلسانها وناقضها بأعماله لن تنفعه وإن نطق ألف مرة بلا إله إلا الله، فإن معناها الذي عليه دلت وهدت إليه أن ليس بالحق إله يعبد إلا الإله الواحد المنفرد بالخلق والرزق وبالتدبير، جل عن الشريك والنظير.

ولا ينجو المرء يوم حسابه إلا إذا جاء بشروطها السبعة، فإنه لم ينتفع قائلها في النطق إلا حيث يستكملها:

العـلم واليقيـن والقبول

والانقياد فادرِ ما أقول

والصدق والإخلاص والمحبة

وفقك الله لما أحبه

ولها ركنان أساسيان كالركنين للبنيان، النفي والإثبات، نفي العبادة عن كل ما سوى الله، أن ليس إله حق سوى الله، وإثبات العبادة له وحده لا شريك له، قيل لوهب بن منبه: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟! قال: "بلى، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك". ولذا قال ابن القيم: "هذا؛ وفتح الباب ليس بممكن إلا بمفتاح له أسنان، مفتاحه بشهادة الإخلاص والتوحيد، تلك شهادة الإيمان، أسنانه الأعمال، وهي شرائع الإسلام، والمفتاح في الأسنان".

لا تلغين هذا المثال فكن به

من حل إشكال لذي العرفان

فقل لمن قالها بلسانه وناقضها بأقواله وأفعاله وأنقصها بعصيانه: أين شهادتك عند دعوتك لغير الله وسؤال أصحاب القبور والأولياء وجعل الوسائط بين الله وشركائهم وأندادهم! أين شهادتك عند عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام وأكل الربا والغش والكذب وأكل الحرام؟! أين شهادتك عند الغيبة والنميمة والبهت والإفك وقول الزور والتمرد والفسق والفجور.

أين شهادتك إذا خلوت بالمعاصي حيالها؟! كلمة ما أجلها وأعلاها لمن وفق لمعرفة معناها والعمل بها باطنًا وظاهرًا بمقتضاها، ولقي الله بها وقد أخلصها وصفاها، ومن شوائب الشرك طهرها ونقاها، أولئك هم الآمنون من شدائد القيامة وشقاها.

في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعًا: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟! قال: "من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه". وعند أحمد عن عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نوحًا -عليه السلام- قال لابنه عند موته: أوصيكم بـ"لا إله إلا الله، فإن لا إله إلا الله إذا وضعت في كفة ووضعت السماوات والأرض في كفة لرجحت بهن "لا إله إلا الله"، فلو كانت السماوات والأرض حلقة مبهمة -أي: مصمتة جامدة- لفصمتهن أو لقصمتهن "لا إله إلا الله".

فلا إله إلا الله أساس الملة والدين، وهي حبل الله المتين، فما فاز إلا من تعلق بلا إله إلا الله، جعلني الله وإياكم ممن أخلصها وصفاها وقام بشرائطها واستوفاها، وأدى حقوقها ووفاها، وجانب نواقضها وتوقاها، وفاضت عليها نفسه إذا توفاها.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [الأنعام:160].

قلت ما سمعتم وبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، إنه تعالى جواد كريم بر رؤوف رحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي جعلنا من أهل لا إله إلا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله أفضل من نطق بلا إله إلا الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وكل من تمسك بلا إله إلا الله.

أما بعد:

فيا أمة لا إله إلا الله: تمسكوا بلا إله إلا الله، وحققوا على أرض واقعكم لا إله إلا الله، فهي الركن الأول من أركان الإسلام المفضل:

أولها الـركن الأسـاس الأعظم

وهـو الصراط المستقيم الأقوم

ركن الشهادتين فاثبت واعتصم

بالعروة الوثقى التي لا تنفصم

مفتاح حياة الإنسان عند خروجه إلى الميدان لا إله إلا الله، وهكذا يجب على الوالدين تربية أولادهم، يقول إبراهيم التيمي: "كانوا يستحبون أن يلقنوا الصبي حين أول ما يتكلم يقول: لا إله إلا الله، ويكون ذلك أول شيء يتكلم به".

وكانت أم سليم تلقن أنسًا وتشير إليه: "قل: لا إله إلا الله، قل: أشهد أن محمدًا رسول الله".

صحّ عن سيد ولد عدنان قوله: "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة". ولهذا شرع تلقين المحتضر بلين ولطف وقول مختصر، كما في مسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله".

لا إله إلا الله عصمة المال والدم، "من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه، وحسابه على الله". رواه مسلم.

لا إله إلا الله أول الواجبات، وأفضل الحسنات، وأعظم مكفر للسيئات، لا إله إلا الله كلمة طيبة تشرح الصدر، وتزيل الهم، وتفرج الكروب، وتنفس الدروب.

لا إله إلا الله كلمة التوحيد، ومفتاح دعوة المرسلين، فهي المنهاج الصحيح والطريق الواضح الصحيح.

لا إله إلا الله أول ما يدعى إليها، وتتكاتف الجهود لنشرها وتحقيقها، ومن جميل تراجم كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب "باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله"، "فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله"، أول واجب على العبيد معرفة الرحمن بالتوحيد، وما سواها من الدعوات والمناهج والطرق والأفكار المنحرفة والأهواء الضالة فجائرة.

لا إله إلا الله كلمة حجاب عن النار: "إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله". عنها يُسأل الأولون والآخرون كما في قوله سبحانه: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر:92، 93].

لا إله إلا الله تحرير الرق من المخلوقين، وتعليق القلب برب العالمين، لا إله إلا الله أعظم العز والتمكين، والنصر على أعداء الدين، لا إله إلا الله جلابة للنعم، دافعة للنقم.

لا إله إلا الله زكاة القلوب وشفاء الصدور والعيوب، لا إله إلا الله نعم العدة والتجارة عند مفارقة هذه الدار الفانية، ومن عاش على شيء مات عليه، ومن مات عليه بعث عليه.

ولما حضر عمرو بن العاص الموت بكى طويلاً فقال له ابنه: ما يبكيك يا أبتاه؟! أما بشرك رسول الله؟! فأقبل بوجهه وقال: "إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله".

واستمعوا إلى هذا الموقف العجيب والغريب، فقد ذكر الذهبي في التذكرة وغيره أنه لما حضر أبي زرعة الوفاة أغمي عليه فقال أصحابه: نريد أن نذكّر الإمام بلا إله إلا الله، واستحيوا أن يقولوا: قل: لا إله إلا الله؛ لأنه عالم فقيه، فقالوا: نتذاكر سندها، فإذا ذكرنا فيذكر السند والحديث، فأتوا عند رأسه يتذكرون السند فنسوه تغافلاً منهم، فاستفاق من إغمائه فقال: حدثنا فلان عن فلان عن معاذ -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله؛ دخل الجنة". ثم مات مباشرة، فخرجت روحه مع آخر لفظ الحديث، فوقع له الحديث تطبيقًا واقعيًا.

يا رب ثبتنا على الإيمان، ونجنا من سبل الشيطان، ونسأل الله حسن الخاتمة، فهي وربي لحظات حاسمة، ونسأل الله السعادة والفوز عند الموت بالشهادة.

اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله.