الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
والمطلوب أن ينزل المسلم في ميادين الحياة مكافحًا، وإلى أبواب الرزق ساعيًا، ولكنّ قلبه معلق بالله، وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وخشيته، والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره؛ قال تعالى: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور: 37]، وقال سبحانه: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أنشأ وبَرَا، وخلق الماء والثَّرى، وأبدع كل شيء ذَرَا، لا يغيب عن بصره دبيب النمل في الليل إذا سرى، ولا يعزب عن علمه ما عَنَّ وما طَرَا، اصطفى آدم ثم عفا عمَّا جرى، وابتعث نوحًا فبنى الفُلْك وسرى، ونجَّى الخليل من النار فصار حرها ثرى، ثم ابتلاه بذبح الولد فأدهش بصبره الورى: (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى) [الصافات: 102].
أحمده ما قُطِع نهارٌ بسيرٍ وليلٌ بسُرى، وأصلي على رسوله محمد المبعوث في أمِّ القُرى، وعلى أبي بكر صاحبه في الدار والغار بلا مِرَا، وعلى عمر المحدَّث عن سرِّه فهو بنور الله يرى، وعلى عثمان زوج ابنته ما كان حديثًا يُفترى، وعلى عليٍّ بحر العلوم وأَسَد الشَّرى، وعلى آله وأصحابه مصابيح الدجى وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد:
عباد الله: لقد جعل الله الأرض مستقر حياة الإنسان ومعاشه في هذه الدنيا، وأوجد فيها الكثير من النعم، وسخّر جميع المخلوقات لخدمته، ونوع له أبواب الرزق وطرقه، وأمره بالسعي والعمل الصالح النافع الذي جعله سببًا لمعاشه وعزته وقوته؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) [الكهف: 107].
والمطلوب أن ينزل المسلم في ميادين الحياة مكافحًا، وإلى أبواب الرزق ساعيًا، ولكنّ قلبه معلق بالله، وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وخشيته، والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره؛ قال تعالى: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور: 37]، وقال سبحانه: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة: 10]، وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً) [النبأ: 11]، وقال -عز من قائل-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك:15],
إن نظام هذه الحياة يتطلب السعي والعمل، فجميع المخلوقات من حولنا تسعى بجد وتعمل بنشاطـ، فكان من الواجب أن ينهض الإنسان للعمل مستشعرًا بشعار الجد والنشاط، طارحًا القعود والكسل وراءه ظهريًا، حتى يقوم بما فرضته عليه طبيعة الإنسانية وهي سنة الله في خلقه، وبما أوحت إليه القوانين الشرعية، والعاقل لا يرضى لنفسه أن يكون كَلاًّ على غيره، وهو يعلم أن الرزق منوط بالسعي، وأن مصالح الحياة لا تتم إلا باشتراك الأفراد، حتى يقوم كل واحد بعمل خاص له، وهناك تتبادل المنافع، وتدور رحى الأعمال، ويتم النظام على الوجه الأكمل؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده". رواه البخاري. ويقول أيضًا: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلةٌ فإن استَطاع ألاَّ تقوم حتى يغرسها فليفعلْ". رواه البخاري في الأدب المفرد (479).
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان آدم -عليه السلام- حراثًا، ونوح نجارًا، وإدريس خياطًا، وإبراهيم ولوط كانا يعملان في الزراعة، وصالح تاجرًا، وداود حدادًا، قال تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [سبأ: 10 - 11]، وموسى وشعيب ومحمد -صلوات الله تعالى وسلامه عليهم- رعاة للأغنام، وعمل -صلى الله عليه وسلم- أيضاً في التجارة، فخرج إلى الشام في تجارة عمه وزوجه خديجة -رضي الله عنها-.
قال لقمان الحكيم لابنه يومًا: "يا بني: استعن بالكسب الحلال؛ فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته، وأعظم من هذه الخصال استخفاف الناس به".
لقد عظّم الإسلام من شأن العمل مهما كان هذا العمل؛ في المصنع أو في المتجر أو في المستشفى أو في الوزارة أو في السوق أو في بناء العمارات وتشييد المباني أو في الزراعة وحراثة الأرض، أو حتى كان العمل في حفظ الأمن وحراسة الأموال والأعراض، أو حتى كان في القضاء والفصل بين الناس... أو غير ذلك، بل حتى عمل المرأة في بيتها لزوجها وأولادها فإنها تؤجر عليه، فعلى قدر عمل الإنسان يكون جزاؤه, قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
أيها المؤمنون، عباد الله: وإذا كان العمل في الإسلام بهذه الأهمية فإن على العامل المسلم أن يضع أولويات غاية في الأهمية وهو يمارس ويقوم بالأعمال، هذه الأولويات تزيد في أجر العامل وثوابه عند الله، وتجلب له الراحة النفسية، وتدفعه إلى تجويد العمل وإتقانه، وبها يساهم بفاعلية في بناء الأوطان وتشييد الحضارات، من هذه الأولويات إدراك العامل المسلم أن العمل عباده لله -سبحانه وتعالى-، بل اعتَبَر الإسلام العمل نوعاً من أنواع الجهاد في سبيل الله، فقد رأى بعضُ الصحابة شابًّا قويًّا يُسرِع إلى عمله، فقالوا: لو كان هذا في سبيل الله، فردَّ عليهم النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بقوله: "لا تقولوا هذا؛ فإنَّه إنْ كان خرَج يسعى على ولده صِغارًا فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على أبوَيْن شيخَيْن كبيرَيْن فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على نفسه يعفُّها فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان". صحيح الجامع للألباني (1428).
ومن أولويات كل عامل مسلم أن يتقن عمله، وأن يراقب ربه قبل أن يراقب صاحب العمل، فلا يغش ولا يخدع ولا يخون ولا يغل؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". السلسلة الصحيحة (1113).
فالإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة يربيها الإسلام فيه منذ أن يدخل فيه، وهي التي تحدث التغيير في سلوكه ونشاطه؛ قال تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص: 26]، لقد قرّر الإسلام أن العمل الصالح عبادة، لذلك تمتد آثاره، ثمّ تأتي ثماره من كل جهة، ويبيّن ذلك حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة". البخاري 2195. بل إن حديث الشيخين وغيرهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة الثلاثة الذين حُبسوا في الغار، ليقرر أن أحد أسباب دفع البلاء واستجابة الدعاء، هو الإخلاص لله والأمانة في أداءِ حق العامل، لما تصنعه الأمانة في النفوس من التوازن، واليقين بأن جهد العامل لا يضيع مع مرور الوقت: "... وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمَّرتُ أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله: أدِّ إليَّ أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك: من الإبل والبقر والغنم والرقيق. فقال: يا عبد الله: لا تستهزئ بي! فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئًا، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون". البخاري ومسلم.
عباد الله: ومن ذلك: أن يكون العمل الذي يقوم به المسلم عملاً صالحاً، ولذلك منع الإسلام من كل عمل يأمر بمنكر أو يحض على معصية أو ذنب، فرفض أعمال الفجور كلها والمعونة عليها والمشاركة فيها، وكذلك الأعمال التي تؤدي إلى الغش والتحايل والقمار، وكذلك العمل في بيع المحرمات أو الأعمال التي تلحق الضرر بالآخرين, فالإثم واقع على صاحب العمل وعلى من شاركه فيه عارفًا بحرمته.
لقد مرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برجل يبيع طعامًا -حبوبًا- فأعجبه، فأدخل يده فيه فرأى بللاً، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟!". قال: أصابته السماء -أي المطر-، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "فهلاّ جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا ليس منا". رواه مسلم.
ومن أولويات المسلم التي ينبغي أن يدركها وهو يقوم بالعمل: أن يستشعر أن هدف العمل في الإسلام ليس كسب المال فقط، ففضلاً عن معانيه التعبدية، فإن من غاياته تحقيق الأمن الاجتماعي بين الناس، وهذا يؤدي إلى التوازن النفسي على مستوى الفرد والجماعة، وكم من مجتمعات بلغت الغاية في الكسب المادي، ولكنّ أفرادها ظلت حياتهم مملوءة بالقلق والخوف والوحدة والشعور الحاد بالغربة القاتلة، وكأنها تعيش في غابة مملوءة بالوحوش الكاسرة، لذا نجد علاقات طردية بين العمل الصالح -والذي من ورائه بسط الرزق- والتوازن الاجتماعي، وهذا المفهوم يتضح من خلال الحديث الصحيح: "من سرّه أن يُبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه". البخاري (2067)، ومسلم (2557).
والأمن النفسي من وسائل تحقيقه: العمل، والسعي بأن تعف نفسك وأسرتك، وتساعد غيرك في المجتمع.
لقد نهى الإسلام أن يجلس الرجل بدون عمل، ثم يمد يده للناس يسألهم المال، فالذي يطلب المال من الناس -مع قدرته على العمل- ظالم لنفسه؛ لأنه يُعرِّضها لذل السؤال، وقد حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من المسألة، وبالغ في النهي عنها والتنفير منها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "اليد العُلْيَا خير من اليد السُّفْلَى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعِفَّه الله، ومن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله". متفق عليه. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله؛ أعطاه أو منعه". البخاري.
ويقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة". ويقول أيضاً -رضي الله عنه-: "إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول: أَلَهُ حرفة؟! فإن قالوا: لا، سقط من عيني". فعلى المسلم أن يعمل ويجتهد حتى تتحقق قيمته في الحياة.
يقول الشاعر:
بِقَـدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي | ومَنْ طلب العُلا سَهرَ اللَّيالِي |
ومن طلب العُلا من غير كَدٍّ | أَضَاع العُمْرَ في طلب الْمُحَالِ |
إنَّ الفراغ في حياتك وعدم استغلاله بالأعمال التي تنفعك في دينك ودنياك قد يؤدي إلى أمراض نفسية واجتماعية وأخلاقية، فالنفس إذا لم تشغلها بالخير شغلتك بالباطل، ويوم تجد في حياتك فراغاً فتهيَّأ حينها للهم والغم والفزع؛ لأن هذا الفراغ يسحب لك كل ملفات الماضي والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة، فيجعلك في أمر مريج، وعليك أن تقوم بأعمال مثمرة بدلاً من هذا الاسترخاء القاتل؛ لأنه وأدٌ خفي، وانتحار بكبسولة مسكن.
إن الراحة غفلة، والفارغ لص محترف، وعقلك هو فريسة ممزقة لهذه الحروب الوهمية، إذًا قم، اعمل وابذل واجتهد واذبح الفراغ بسكين العمل، يضمن لك أطباء العالم خمسين بالمائة من السعادة مقابل هذا الإجراء الطارئ فحسب، انظر إلى الفلاحين والخبازين والبنائين والمهندسين وعمال المصانع يغردون بالأناشيد كالعصافير في سعادة وراحة، وأنت على فراشك تمسح دموعك وتضطرب كأنك ملدوغ، والهموم تأتيك من كل جانب.
ومن الأولويات المهمة في حياة العامل المسلم: المحافظة على القيام بالعبادات وأداء الصلوات على أكمل وأحسن وجه، بل إن ذلك من أسباب الحصول على الرزق والتوسعة فيه، قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤتَ كبيرة، وذلك الدهر كله". رواه مسلم.
بل إن الصلاة من أفضل الأعمال عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أفضل؟! قال: "الصلاة على وقتها"، قلت: ثمَّ أي؟! قال: "برُّ الوالدين"، قلت: ثمَّ أي؟! قال: "الجهاد في سبيل الله". متفق عليه.
وهو بهذه المحافظة وهذا الالتزام يربط نفسه بخالقه فيزيد رزقه وتحل البركة ويشعر بالطمأنينة ولا يعتريه الخوف أو القلق على فوات الرزق، ولا يطمع فيما ليس له، ولا تدعوه نفسه للتحايل على الآخرين، شعاره قول رَسُول اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا". رواه البخاري في الأدب المفرد (رقم300).
والمعنى: فكأنما أعطي الدنيا بأسرها. تحفة الأحوذي (7/11).
يردد دائماً قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر:3].
ومن هذه الأولويات المحافظة على أوقات الدوام الرسمية، والحفاظ على ما تحت يديه من أموال وممتلكات، وعليه أن يكون وفياً لعمله، سواء كان في مؤسسة أم مصلحة أم وزارة أم شركة أم مصنع، فيبذل جهده وقدراته لتطوير العمل والارتقاء به، وعليه أن يحفظ أسرار العمل وخصوصياته، وأن يكون آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر بالحكمة، فلا يسكت عن المخالفات والتجاوزات في أي مصنع أو مؤسسة أو وزارة أو شركة، فيكون ناتج العمل ومخرجاته وبالاً على الأمة، وسببًا في تأخير رقيها وتقدمها وازدهارها، وخطراً على أبنائها.
هذه أهم الأولويات للعامل المسلم التي ينبغي القيام بها واستشعارها، فالعمل عباده لله يؤجر عليها، وقد يرتفع بهذا العمل درجات عند الله وفي جنته؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172].
اللهم استعملنا في طاعتك ووسع علينا في عطائك ورزقك.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: وأخيراً، فإن علينا جميعاً أن ندرك حقوق العامل ونقوم بها ونؤديها، فقد ضمن الإسلام حقوقًا للعامل يجب على صاحب العمل أن يؤديها له، ومنها الحقوق المالية: وهي دفع الأجر المناسب له، قال الله تعالى: (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود: 85]، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه". ابن ماجه.
وروى البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر, ورجل باع حرًا فأكل ثمنه, ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره".
ومن ذلك: الحقوق البدنية، وهي الحق في الراحة، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فلْيطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم". متفق عليه.
وكذلك يجب على صاحب العمل أن يوفر للعامل ما يلزمه من رعاية صحية وأدوات وغير ذلك من متطلبات العمل، فإلى العمل والإنتاج -أيها العمال- وكلنا عمال، وتحية لكم في يوم عيدكم العالمي، وإن عيدكم الحقيقي عندما ترضون ربكم وتبنون أوطانكم وتعفوا أنفسكم؛ لنرضي ربنا، ونحقق طموحاتنا، ونبني أوطاننا.
فاللهم خذ بنواصينا إلى كل خير.
هذا؛ وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.