الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
العربية
المؤلف | هشام عبد القادر آل عقدة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
فلا أحد يأمن على نفسه من المعصية، مهما كان شأنه، فحذار من الغرور والتسويف، فالخاتمة علمها عند الله، والعارف لا يخشى على نفسه مجرد المعصية، بل يخشى عليها الكفر أيضًا؛ ولذلك علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الاستعاذة بالله من الكفر، فكيف نأمن على أنفسنا من المعصية إذا كان الكفر نفسه لا يمكن أحد أن يأمن على نفسه منه؟! ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: إن من رحمة الله -عز وجل- بهذه الأمة أن شرع لها التوبة من المعاصي والآثام، ومن رحمته -عز وجل- بعباده -وهو الذي يعلم ضعفهم ونسيانهم- أنه لم يطردهم من جنابه إذا ما أخطؤوا مرة ثم عادوا إليه، ولا يغلق دونهم بابه مع كثرة شرورهم التي تصعد إليه، بل يفتح لهم باب الرجوع إليه حتى تطلع الشمس من مغربها، وما لم تبلغ الروح الحلقوم، ويدعوهم إلى التوبة، ويغريهم ويطمعهم في رحمته الواسعة الشاملة، ويذهب عنهم اليأس والقنوط.
يقول -عز وجل-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر: 53 - 61].
(وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا) [الزمر:61]، والذين اتقوا ليس المراد بهم الذين لا يخطئون أبدًا، ولا يعصون أبدًا طيلة حياتهم، وإنما هؤلاء الملائكة، وإنما المتقون الذين يتوقون الذنوب، ويحتاطون لها، ويبتعدون عنها، ولكن مع حرصهم فهم غير معصومين؛ فقد يقعون في الخطأ في لحظة ضعف وغفلة، ولكن لا يتكرر منهم ذلك الخطأ، ولا تكثر منهم الذنوب، ولا يعتادون العصيان، بل إن بدر منهم ذنب تذكروا ربهم على الفور، وندموا وأقلعوا، ولم يصروا على ما فعلوا، واجتهدوا في فعل الحسنات تكفيرًا للسيئات، يقول الله -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف:201]، ويقول -عز وجل-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران: 133 - 136].
ومن علمه -عز وجل- بعباده أنهم لابد سيقعون في المعصية، سمى نفسه بالتواب والغفار؛ إذ لا ينجو أحد من ذلك.
يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون". وروى الإمام مسلم عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم".
وقال الله -عز وجل- مبينًا علمه بعباده، وأنهم لابد واقعون في الخطأ وبعض الذنوب: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [النجم: 31، 32].
ويقول -عز وجل-: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء: 27، 28].
فلا أحد يأمن على نفسه من المعصية، مهما كان شأنه، فحذار من الغرور والتسويف، فالخاتمة علمها عند الله، والعارف لا يخشى على نفسه مجرد المعصية، بل يخشى عليها الكفر أيضًا؛ ولذلك علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الاستعاذة بالله من الكفر، فكيف نأمن على أنفسنا من المعصية إذا كان الكفر نفسه لا يمكن أحد أن يأمن على نفسه منه؟! "فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها". [متفق عليه].
فالواجب الحذر من كل الذنوب والمعاصي؛ لأنها بريد الكفر، ومن وقع في شيء من ذلك فليعجل بالتوبة، واحذروا "سوف" فإن الموت يأتي بغتة، وما هو إلا نفس يخرج فلا يدخل، أو يدخل فلا يخرج: (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون:11].
يا بائع الدين بالدنيا وباطلها | ترضى بدينك شيئًا ليس يسواه |
حتام أنت في لهو وفي لعب | والموت نحوك يجري فاغرًا فاه |
واعلم -أخي المسلم- أنه ما من ساعة تمر على ابن آدم لا يذكر فيها الله إلا تحسر عليها يوم القيامة، فكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك.
وما أدري وإن أملت عمرًا | لعلي حين أصبح لست أمسي |
ألم تر أن كل صباح يوم | وعمرك فيه أقصر منه أمس |
وقال بعضهم:
يسر المرء ما ذهب الليالي | وكان ذهابهن له ذهابًا |
وأنشد بعض السلف:
إنا لنفرح بالأيام نقطعها | وكل يوم مضى يدني من الأجل |
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدًا | فإنما الربح والخسران في العمل |
لكن يجب أن تعرف -أخي المسلم- ما هي التوبة النصوح التي يقبلها الله -عز وجل-؟! فالتوبة النصوح تتحقق بشروط، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يقلع عن المعصية.
والثاني: أن يندم على فعلها، وكلما ذكرها يحزن وينكسر ويخجل، ويتمنى لو لم يفعلها.
والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبدًا. فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كان مالاً أو نحوه رده إليه، وإن كان خطأ في عرضه طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها ما لم يترتب على ذلك مفسدة أخرى، وإلا فالواجب حينئذ الاكتفاء بالدعاء له والثناء عليه في المجلس الذي اغتابه فيه.
فإذا ما تاب العبد وأتى بهذه الشروط فما الذي يحول بينه وبين ربه؟! وهو الذي يغفر الذنوب جميعًا، وهو الذي يفرح بتوبة عبده أشد من فرح من ضلت ناقته في الصحراء، فيئس من وجدانها، ثم إذا به يجدها قائمة أمامه، عليها طعامه وشرابه فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح، فالله أشد فرحًا بتوبة عبده من هذا الرجل.
يا من إذا وقف المسيء ببابه | ستر القبيح وجاد بالإحسان |
أصبحت ضيف الله في دار الرضا | وعلى الكريم كرامة الضيفان |
تعفو الملوك عن النزيل بأرضهم | كيف النزول بساحة الرحمن |
فهلموا إلى مغفرة من ربكم -أيها المسلمون- فهو يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وألحوا في الاستغفار، وتخيروا أوقات الإجابة، وتوبوا إلى الله جميعًا -أيها المؤمنون- لعلكم تفلحون.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول الله -تبارك وتعالى-: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء:110]، وأحسب أن من قال: أنا لم أعمل سوءًا أو أظلم نفسي فهو مغرور.
فهذه الصديقة عائشة -رضي الله عنها- تقول في قوله –تعالى-: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَات) [فاطر: 32]، قالت: أما هؤلاء المقتصد والسابق بالخيرات فقد مضوا، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم. الصديقة بنت الصديق تقول ذلك عن نفسها، وللصحابة -رضوان الله عليهم-، فماذا نقول نحن عن أنفسنا؟! أينا لم يعمل سوءًا؟! أينا لم يظلم نفسه؟!
أنا العبد الذي كسب الذنوبا | وصدته الأماني أن يتوبا |
أنا العبد الذي أضحى حزينًا | على زلاته قلقًا كئيبًا |
أنا العبد المسيء عصيت سرًّا | فما لي الآن لا أبدي النحيبا |
أنا العبد المفرط ضاع عمري | فلم أرع الشبيبة والمشيبا |
أنا العبد الغريق بلج بحر | أصيح لربما ألقى مجيبًا |
أنا العبد السقيم من الخطايا | وقد أقبلت ألتمس الطبيبا |
أنا العبد المخلف عن أناس | حووا من كل معروف نصيبًا |
أنا العبد الشريد ظلمت نفسي | وقد وافيت بابكمُ منيبًا |
أنا العبد الفقير مددت كفي | إليكم فادفعوا عني الخطوبا |
أنا الغدار كم عاهدت عهدًا | وكنت على الوفاء به كذوبًا |
أنا المقطوع فارحمني وصلني | وهيئ منك لي فرجًا قريبًا |
أنا المضطر أرجو منك عفوًا | ومن يرجو رضاك فلن يخيبا |
فيا أسفًا على عمر تقضّى | ولم أكسب به إلا الذنوبا |
وأحذر أن يعاجلني مماتٌ | يحيِّر هولُ مطلعه اللبيبا |
ويا حزناه من حشري ونشري | بيوم يجعل الولدان شيبًا |
تفطرت السماء به ومارت | وأصبحت الجبال به كثيبًا |
إذا ما قمت حيرانًا ظميئًا | حسير الطرف عريانًا سليبًا |
ويا خجلاه من قبح اكتسابي | إذا ما أبدت الصحف العيوبا |
وذلة موقفي وحساب عدل | أكون به على نفسي حسيبًا |
ويا حذراه من نار تلظى | إذا زفرت وأقلقت القلوبا |
تكاد إذا بدت تنشق غيظًا | على من كان ظلامًا مريبًا |
فيا من مد في كسب الخطايا | خطاه أما بدا لك أن تتوبا |
ألا فارجع وتب واجهد فإنا | وجدنا كل مجتهد مصيبًا |
وأقبل صادقًا في العزم واقصد | جنابًا للمنيب له رحيبًا |
وكن للصالحين أخًا وخلاً | وكن في هذه الدنيا غريبًا |
وكن عن كل فاحشة جبانًا | وكن في الخير مقدامًا مجيبًا |
وقابل زينة الدنيا ببغض | تكن عبدًا إلى المولى حبيبًا |
فمن يخبر زخارفها يجدها | مخالفة لطالبها خلوبًا |
وغض عن المحارم منك طرفًا | طموحًا يفتن الرجل الأريبا |
فخائنة العيون كأسد غاب | إذا ما أهملت وثبت وثوبًا |
ومن يغضض فضول الطرف عنها | يجد في قلبه روحًا وطيبًا |
ولا تطلق لسانك في كلام | يجر عليك أحقادًا وحوبًا |
ولا يبرح لسانك كل وقت | بذكر الله ريانًا رطيبًا |
وصل إذا الدجى أرخى سدولاً | ولا تضجر به وتكن هيوبًا |
تجد أنسًا إذا أودعت قبرًا | وفارقت المعاشر والنسيبا |
وصم ما تستطيع تجده ريًا | إذا ما قمت ظمآنًا سغيبًا |
وكن متصدقًا سرًّا وجهرًا | ولا تبخل وكن سمحًا وهوبًا |
تجد ما قدَّمَتْه يداك ظلاً | إذا ما اشتد بالناس الكروبا |
وكن حسن السجايا ذا حياء | طليق الوجه لا شكسًا غروبًا |
اللهم تب على التائبين، واعف عن العصاة المذنبين، اللهم لا تدع لنا في يومنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا كربًا إلا كشفته، ولا حزنًا إلا أزلته، ولا غمًّا إلا أذهبته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا ميتًا إلا رحمته، ولا عيبًا إلا سترته، ولا عسيرًا إلا يسرته، ولا غائبًا إلا رددته، ولا تائهًا إلا أرشدته، ولا أسيرًا إلا فككته، ولا حقًّا إلا أعليته، ولا باطلاً إلا أزهقته، ولا مجاهدًا إلا نصرته، ولا عدوًا إلا خذلته، ولا يتيمًا إلا آويته، ولا ضالاًّ إلا هديته، ولا عائلاً إلا أغنيته، ولا فاسقًا إلا أصلحته، ولا تائبًا إلا قبلته وغفرت له ورحمته، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل مجتمعنا هذا مجتمعًا مرحومًا، واجعل تفرقنا بعده تفرقًا معصومًا، ولا تجعل فينا شقيًّا ولا محرومًا. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم لقائك. ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.