البحث

عبارات مقترحة:

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

ما ينبغي تعزيزه (1)

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. أهمية ترسيخ الوعي لدى المسلمين .
  2. استمرار الصراع بين الحق والباطل .
  3. وسائل الصراع بين الحق والباطل .
  4. الحق واحد لا يتجزأ .
  5. وسائل التمييز بين الحق والباطل .
  6. مفهوم الشعب مصدر السلطات .
  7. هل تتفق الديمقراطية مع الإسلام؟ .
  8. المقصود بمرونة الشريعة .
  9. الوعي بحقيقة العلاقة مع الغرب .
  10. أمة ذات حضارة .
  11. انبهار أوروبا بتقدم المسلمين .
  12. موقف الغرب من تراث المسلمين وإنجازاتهم العليمة .

اقتباس

أيها الإخوة: ينبغي أن نعي مرونة الشريعة، واستعدادها للتعامل مع المستجدات في كل عصر، وبكل حكمة، فالمقصود بالرجوع للشريعة ليس في الآليات والوسائل والتطبيقات المدنية، فيرجع بذلك إلى ما كان قديما، ويقصر عليه. كلا، وإنما المقصود بالرجوع إلى الشريعة، أي في المنطلق والأصل والمرجعية. وبها يحكم على الوسائل والتطبيقات المستجدة، بمختلف أنواعها من خلال...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 -71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أسأل الله أن يحقن دماء إخواننا في ليبيا ، وأن يحفظهم من كل شر، وأن يحقق آمالهم، وينصرهم بإذنه.

وأسأل الله -تعالى- أن يصلح أحوال إخواننا في مصر وتونس والسودان، وأن يحسن لهم عواقب الأمور، على ما يحبه الله ويرضاه.

معاشر الإخوة: الوعي والثقة بالنفس وبالعقيدة والمبدأ، والاستمرار في إصلاح النفس والمجتمع؛ هذا ما ينبغي تعزيزه في عقل وقلب كل مؤمن؛ يقرأ القرآن ويتدبره، ويطلع على حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ويفهم مغزى الحديث، ويدرك سر الحياة، وعلاقة الدنيا بالآخرة.

أعيد: الوعي والثقة بالنفس وبالعقيدة والمبدأ، والإصرار على إصلاح النفس والمجتمع؛ هذا ما ينبغي تعزيزه في عقل وقلب كل مؤمن، وبالخصوص في ظل الظروف التي تمر بها الأمة في هذه المرحلة، حتى لا يقطف ثمار الجهود والتضحيات غير أهلها، أو ينتج عنها وضع لا يرضاه المخلصون.

أما الوعي، فهو معنى واسع متشعب، لكن المقصود بالتحديد هو الوعي بطبيعة الصراع بين الحق والباطل، في كل الميادين، بدءاً بالنفس، وانتهاءا بميادين السياسة والحرب.

صراع مستمر بين الحق والباطل، قال تعالى: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء: 81].

وقال سبحانه: (قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) [سبأ: 49].

وقال سبحانه: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) [الأنبياء: 18].

إذاً فالحق والباطل في صراع مستمر إلى قيام الساعة، إنها سنة الله في خلقه منذ نشأة الجنس الإنساني، منذ أن خلق الله -تبارك وتعالى- أبانا آدم -عليه السلام-، وقام الشيطان بمعاداته ابتدأ الصراع بين الحق والباطل؛ بوسائل عدة: الوسوسة، جمع الحشود من الأعوان والجنود، ثم ما يتبع هذه الوسائل من أشكال الصراع الأخرى النفسية والمادية.

فإبليس هو رافع لواء الباطل وخلفه جنوده وأعوانه من الجن والإنس، ولقد أخبرنا الله في القرآن أن إبليس قال بخصوص أعدائه المؤمنين: (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الأعراف: 16-17].

فإبليس هو حامل لواء الباطل، وينبغي أن نعي أن الله -تعالى- قد بين لنا أن عداوة الشيطان وأعوانه له هو بالأصل جل وعلا قبل أن تكون للمؤمنين، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)[الممتحنة: 1].

أي لا تلقوا إليهم بالمودة، وهم أعدائي!.

قال الشنقيطي في تفسيره لهذه الآية: "عداوة العبد لله هي الأصل، وهي أشد قبحا، فلذا قدمت، وقبحها في أنهم عبدوا غير خالقهم، وشكروا غير رازقهم، وكذبوا رسل ربهم، وآذوهم".

بل إن الله نفى الإيمان بالله واليوم الآخر عمن يلقي بالمودة إلى أعدائه، فقال سبحانه: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة: 22].

أيها الإخوة: في مزيد من الوعي بالحق: يجب أن نعي أن الحق واحد لا يتجزأ، ليس بعده إلا الضلال، قال تعالى: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [يونس: 32].

لكن كيف نعرف الحق من الباطل؟ كيف نميز ؟

أولا: القياس الشرعي، فكل ما وصل بالله فهو حق، وكل من فصل عن الله فهو باطل، قال سبحانه: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ) [الكهف: 29].

وقال سبحانه: (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) [النــور: 25].

وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [الحـج: 62].

إذا فكل ما وصل بالله فهو حق، وكل من انفصل عن الله فهو باطل.

وبالتالي، فكل عبادة، أو تشريع، أو خلق، أو قيمة، أو تنظيم منفصل عن الله، وخارج عن ثوابت الإسلام؛ فهو باطل، وكل ما كان منها متصلا بالله ودينه، فهو الحق.

ففي العبادة مثلا: البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، لا في كتاب ولا سنة ولا إجماع، فهي باطلة؛ لأنها منفصلة عن الله -تعالى- ودينه، قال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منهم فهو رد" [صح ذلك في البخاري].

هذا بخصوص العبادات، والأدلة كثيرة.

أما في التشريع المدني، سياسيا كان، أو اقتصاديا، أو اجتماعيا، أو حتى ثقافيا، أي تشريع في هذه المجالات، وغيرها من المجالات، أي تشريع، أو مفهوم تشريع، لا يقره الإسلام، فهو باطل.

فمفهوم: أن "الشعب مصدر السلطات" أي أن الدين ليس هو مصدر السلطة التشريعية، بل المصدر هو: فلسفات وأراء بشرية، وأحكام وضعية، من خلال مجالس تشريعية منتخبة، تحتكم للقانون الدولي، والأحكام القانونية البشرية المنشأ، وقرارات منظمات حقوق الإنسان، بلا تأثير لدين، ولا معتقد؛ كما هو الشأن في نظام الحكم الديمقراطي الذي يجمع بين الليبرالية في التعامل مع حقوق الإنسان، والعلمانية، فيما يتعلق بالأديان والثقافة والتعليم، فإنه نظام باطل.

لأن دستور المسلمين هو القرآن، والقرآن يقول بكل صراحة: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ) [الأنعام: 57].

ويقول سبحانه: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ) [النساء: 105].

ويقول أيضا جل وعلا: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ)[المائدة: 49].

لا يكفي القول: بأن الديمقراطية تتفق مع روح الإسلام؛ كما يرددها بعض الدعاة، فهذه العبارة يمكن أن تستغل لتمرير المبدأ، فالإسلام لا يقبل بالتجزئة، ولا يقبل بالروح دون الجسد، كيف وقد قال الله –تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً) [البقرة: 208].

قال ابن القيم: "أي في  شرائع الإسلام كافة".

بل إن الله -تعالى- أنكر على اليهود والنصارى تلاعبهم بدينهم، وتجزئتهم، وأخذهم ما بدالهم منه، وترك ما بدالهم، فقال: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)[البقرة: 85].

وأخبر عنهم باستنكار في قوله: (وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) [النساء: 150].

قال الشنقيطي: "اقتسموا كتبهم، فآمنوا ببعضها، وكفروا ببعضها".

إذاً، فمن أسس الديمقراطية: إخراج الدين من عملية التشريع السياسي والاقتصادي، وفي ذلك انفصال عن الله، وبالتالي فإنه باطل؛ كما كررنا في بداية الكلام عن الحق والباطل.

أيها الإخوة: ينبغي أن نعي مرونة الشريعة، واستعدادها للتعامل مع المستجدات في كل عصر، وبكل حكمة، فالمقصود بالرجوع للشريعة ليس في الآليات والوسائل والتطبيقات المدنية، فيرجع بذلك إلى ما كان قديما، ويقصر عليه.

كلا، وإنما المقصود بالرجوع إلى الشريعة، أي في المنطلق والأصل والمرجعية.

وبها يحكم على الوسائل والتطبيقات المستجدة، بمختلف أنواعها من خلال ائتلافها واتفاقها، مع مقاصد الشريعة فتقبل، أو مخالفتها لها فترفض.

وطريقة الترشيح، أو التصويت، أو تجهيز الجيوش، أو التعمير والزراعة والصناعة، والطب وإدارة الأجهزة المدنية، بشكل عام، وغيرها من مصالح الدنيا: هذه وسائل، الأصل فيها المصلحة والحكمة التي هي ضالة المؤمن، حيث وجدها فهو أحق بها.

ولذلك فإن هذه الوسائل تخضع للنوع الثاني من قياس الحق، وهو القياس: المعرفي العقلي، فبعد القياس الشرعي في معرفة الحق، وتجاوز هذا القياس، يأتي القياس المعرفي العقلي.

صح في مسلم عن أنس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بقوم يلقحون، فقال: "لو لم تفعلوا لصلح" قال: فخرج شيصا- تمرا رديئا- فمر بهم، فقال: "ما لنخلكم؟" قالوا: قلت كذا وكذا، قال: "أنتم أعلم بأمر دنياكم".

قال ابن تيمية: "إن جميع أقواله صلى الله عليه وسلم يستفاد منها شرع، وهو صلى الله عليه وسلم لما رآهم يلقحون النخل، قال لهم: ما أرى هذا -يعني شيئا- ثم قال لهم: إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله، فلن أكذب على الله".

وقال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم، فما كان من أمر دينكم فإليَّ" وهو لم ينههم عن التلقيح... ولكن هم غلطوا في ظنهم على أنه نهاهم ونهيه شرع، فالحديث إذا انما يحث على التجريب في أمور الدنيا، وعدم الاستسلام لأسر العادة: "أنتم أعلم بأمر دنياكم".

معاشر الإخوة: لا جدال في أن هناك قواسم مشتركة، فطرية بين الناس جميعا، مسلمين وغيرهم، هذه القواسم يقرها الإسلام، ويدعو إليها، ولو نادت بها الديمقراطية؛ كالحرية، والتأكيد على قيمة الفرد وكرامته، وضمان حقوقه، والعدل والمساواة، لكن الاتفاق على هذه القواسم، لا يعني الانخراط فيما يخالف قواعد الإسلام أيضا، فهذا ليس من القواسم، فينبغي أن نعرف الحق ونصفيه، ونصفيه مما يعلق به من شوائب الباطل بالقياس الشرعي، ثم القياس العقلي المعرفي.

أسأل الله –تعالى- أن يهيئ لنا وللمسلمين من أمرنا رشدا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من سار على نهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فمن الوعي المطلوب: الوعي بحقيقة العلاقة مع الغرب.

إن الغرب اليوم -أيها الإخوة-: هو الذي يملك الصولة، فالإعلام بيده، وكتابة التاريخ بيده، والتقديم والتأخير بيده، والاقتصاد والتصنيع والتقنية بيده، والقوة العسكرية والسياسية بيده، فكيف هو يتصرف لما مكنه تعالى في هذا التفوق؟ وكيف هي أخلاق من أعطاه الله هذا التفوق؟ كيف هي أخلاقه؟

يفصح وزير الخارجية الأمريكية السابق "هنري كيسينجر" وهو من أكبر منظري السياسة الخارجية الأمريكية، ومن أهم واضعي استراتيجيتها الخارجية، كتابه: "سنواتي في البيت الأبيض" يفصح عن أخلاق الغرب المادية الجشعة، قائلا: "أمريكا ليس لديها أصدقاء دائمون، ولا أعداء لديها مصالح فقط".

إن الذين لا يهتدون بهداية الإسلام، ولا يؤمنون باليوم الآخر، بل ويحرفون نصوص دينهم، كما يحلو لهم كيف يؤتمنون؟

إنهم لا يؤتمنون على عرض ولا مال، ولا على عدل وقسط في التعامل، ولا على صدق في النية والقول.

أقول هذا بشكل عام، وإلا قد يصحو الضمير عند بعضهم، فيقولون الحق، ويظهر عليهم نوع من العدل والإنصاف؛ كما هو الحال عند بعض من ينتمون إلى المنظمات الإنسانية التي تدعو إلى السلام، ورفع الظلم عن المستضعفين، أيان كانوا.

أما السواد الأعظم منهم، فخلاف ذلك تماما.

نحن -أيها الإخوة-: أمة ذات حضارة عظيمة أخرجت فضلا عن دينها العظيم طائفة من أبرز علماء الاجتماع والطبيعة على مر العصور: الخوارزمي، والبيروني، وابن النفيس، وابن خلدون، وابن الهيثم، وغيرهم... من الرواد في شتى مجالات العلوم، في الرياضيات والجبر، في الهندسة والميكانيكا، في الفلك والجغرافيا، في الطب والكيمياء، في النبات والتشريح، وغيرها من العلوم.

حتى انبهرت أوروبا من تقدم المسلمين في هذه العلوم، فكانت تبعث بطلابها من إيطاليا وانجلترا وألمانيا وهولندا، يأتون إلى المسلمين في قرطبة وطليطلة بالأندلس، وإلى القيروان وفاس في المغرب العربي، يتعلمون اللغة العربية؛ حتى يفهموا سر تلك العلوم المبهرة، وذلك التقدم المذهل، الذي برع فيه المسلمون، حتى ينقلوه إلى ديارهم.

إذاً، نحن المسلمين نفخر بأن لنا إنجازات عظيمة في هذه المجالات العلمية على البشرية.

طيب، ما هو موقف الغرب من هذا التراث فيما بعد؟ ومن هذه الإنجازات التي طالما استفاد منها وبنى عليها حضارته العلمية الحديثة؟

النكران والتجاهل التام، والطمس التام، حسداً وغيرة من جهة، وبغية إبقاء أجيالنا تابعة لهم منبهرة بهم، غافلة عن عراقة الحضارة الإسلامية العلمية، التي ينتمون إليها، والتي كانت يوما ما أهلا لتنوير وتطوير أوروبا، حتى تظل الأجيال المسلمة في يأس من النهوض والتفوق العلمي، من جهة أخرى.

حتى جاء في المعجم، جاء بمن سكن في جزيرة العربية من البدو الذين يرعون الإبل والشاه، ويتكلمون العربية وحدهم الإسلام، ونشروه بالقوة في آسيا، وشمال أفريقيا وجنوب الشرق من أوروبا، وفي الوقت الحاضر كان للنفوذ الغربي أثر في تعديل قيمهم وتحضرهم.. هكذا باختصار.

ولم ينصف تاريخ الحضارة الإسلامية في هذا الجانب إلا قلائل؛ كالمؤرخين ويل جورانت وتوماس كارلاين.

أما السواد الأعظم من الغربيين في عمومهم أهل حسد، ولذلك تعجبوا من إمكانية تكاتف الشباب العرب المسلمين يوما ما بالملايين، على مبدأ واحد، يدعو إلى التغيير للأصلح، تعجبوا كما حدث في تونس ومصر، والآن في ليبيا، وها هم ينقلون الخبر، ولكنهم لا يشيرون إلى هذه النقلة الشاقة في الثقافة والهمة العربية، وللحديث صلة -إن شاء الله-.

اللهم احقن دماء إخواننا المسلمين.

اللهم أصلح شأن إخواننا الموحدين في مصر واليمن، والعراق والصومال.