السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
إن المؤمن حقاً هو الذي يؤمن بالله واليوم الآخر، كيف لا والإيمان باليوم الآخر هو ركن ركين من أركان الإيمان الستة، ومادام أن الله -جل جلاله- يذم في هذا الحديث القدسي الشريف من يكذب بالبعث وينكر الحياة بعد الموت، فإنها دعوة لنا بمفهوم المخالفة إلى أن نقوي إيماننا بهذا اليوم العظيم، ونرسخ يقيننا بذلك اليوم الذي يبعث الله فيه الخلائق، ويعيدهم كما كانوا بإحيائهم مرة أخرى...
الخطبة الأولى:
الحمد لله منزل القرآن رحمة للعالمين، ومناراً للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، الحمد لله الذي لا يدوم غيره، ولا يرجى إلا خيره، ولا يخشى إلا ضيره، ولا يعول إلا عليه، الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره، وعلم مورد كل مخلوق ومصدره، وأثبت في أم الكتاب ما أراده وسطره، فلا مقدم لما أخره، ولا مؤخر لما قدمه، ولا ناصر لمن خذله، ولا خاذل لمن نصره، ولا هادي لمن أضله، ولا مضل لمن هداه، الحمد لله الذي يسمع خفي الصوت ولطيف الكلام، ويرى ما في داخل العروق وبواطن العظام، الحمد لله ذي العرش والجبروت، والمُلك والملكوت، الحي الذي لا يموت، والصلاة والسلام على رسول الله، خير خلق الله، من اصطفاه ربه واجتباه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
أما بعد:
عباد الله: روى البخاري في صحيحه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ" [البخاري (4974) ].
سنقف اليوم مع هذا الحديث القدسي الشريف الذي يرويه لنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- عن ربه -تبارك وتعالى- أنه قال: "كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ"، وعجباً لابن آدم حين يكذّب ربه، فمن أنت يا ابن آدم حتى تكذّب ربك؟ ألست عبداً لله؟ ألست خلقاً من خلق الله؟ ألست مخلوقاً من نطفة مذرة، وفي النهاية تكون جيفة قذرة، وأنت بين هذا وذاك تحمل العذرة؟.
عجيب أمرك يا ابن آدم حين تنسب إلى ربك ما هو منزه عنه!! وتصف ربك بما لا يليق بك أن تصفه به!! ربك الذي خلقك وسواك، وأطعمك وسقاك، وأكرمك وعافاك، فهل يليق بك يا بُنّي آدم أن تكذِّبه أو تسبه وتشتمه؟! عار عليك يا بن آدم، ألا تستحي على نفسك أن تتعالى على ربك أو تتكبر على خالقك؟ ألم تعرف عظمة ربك؟ ألم تفهم قدسيته وجلاله؟ ألا تعلم أنه الله؟ أتعلم من هو الله؟ ما الذي أصابك ودهاك حتى استطلت عليه؟ أنسيت نفسك؟ أم فقدت عقلك؟ أم أنك أنكرت وجحدت نعم ربك عليك؟.
يا ابن آدم الزم حدك، واعرف قدرك، وزن نفسك لتعلم حجمك، وتفكر في خلقك، فإذا فهمت نفسك حق الفهم، وعرفت نفسك حق المعرفة فمحال والله أن تتألى على الله.
يا ابن آدم إن الله -جل جلاله وعز كماله وتعالت عظمته- يشتكي من تكذيبك له، وشتمك إياه، فيقول: " كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ"، نعم والله لم يكن لك ذلك، ولا يجوز أبداً لك ذلك، وحرام عظيم وإجرام كبير أن تفعل ذلك، لأن هذا ظلم عظيم، وخطر جسيم أن يُكذّب المخلوقُ الخالق، ويتعالى المرزوقُ على الرازق، وينسى العبد ربه الخالق، فمن أين أتت تلك الجرأة لابن آدم حتى تجرأ على ذلك؟ ومن أين دخله الغرور حتى قال ذلك؟.
والله ثم والله ثم والله، لن يصل عبد إلى هذا الحد فيكذب ربه، أو يسبه ويشتمه، إلا من كان قلبه صفراً ليس فيه مثقال حبة خردل من إيمان، وليس عنده أدنى معرفة بالرحيم الرحمن، ولا يملك في نفسه شيئاً من الحياء الذي يجعله يربأ بنفسه وينأى بها عن هذا الأمر الصعب الجلل.
والله وبالله وتالله، لا يفعل ذلك إلا كافر لم يؤمن لحظة بالله العظيم، أو مرتد أسلم ثم ارتد عن دينه وانتقض إيمانه بهذا القول الشنيع، والكفر الواضح المبين الذي لا يعذر فيه بالجهل أحد، ولا يقبل من أحد مهما بلغ من الجهالة أن يسب الله -جل جلاله- ثم يتعذر بجهله، فإن الجهل ليس هذا حده، لأن الإنسان مفطور على معرفة الله ومحبته -سبحانه وتعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) [الأعراف : 172]، فكيف تسب ربك ثم تتعذر بالجهل وقد أشهدك على نفسك وأنت في عالم الذر فشهدت؟، فأنى لك اليوم أن تنكر شهادتك، أو تجحد اعترافك؟!.
عباد الله: لقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث صورة من صور التكذيب بالله -سبحانه وتعالى- وهي التكذيب بالبعث، وإنكار المعاد، وعدم الإيمان باليوم الآخر، والزعم بأن الله لن يعيد بني آدم مرة أخرى للقيام بين يديه -سبحانه وتعالى-، ولا ينكر هذا إلا من سفه نفسه، وألغى عقله، وفكّر بتفكير أخرق أحمق، إذ كيف ينكر بُني آدم هذا ولا يؤمن به وقد خلقه الله أول مرة؟ ومن خلقك أول مرة أليس قادر أن يعيدك مرة أخرى؟ (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس 77: 82]، ويرد على هذا الصنف القبيح في أخرى بقوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأحقاف : 33]، وقوله: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) [القيامة 36: 40].
بلى شهدنا، ونشهد أن الله قادر على أن يحي الموتى بعد موتهم، ويعيدهم كما كانوا مرة أخرى، ويقيمهم من قبورهم ليوم العرض والجزاء والحساب، فيحاسبهم على كل صغيرة وكبيرة، فيفرح من آمنوا بلقاء الله واليوم الآخر بما ينالون من النعيم المقيم، ويتحسر الجاحدون للبعث المنكرون لليوم الآخر على تكذيبهم بالبعث وما يلاقونه في ذلك اليوم العظيم من العذاب الشديد، والنكال الكبير، يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) [الروم 14: 16].
أيها المسلمون: ومثلما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- صورة من صورة التكذيب بالله، ذكر صورة من صور سب الله وشتمه تعالى الله عما يقول الظالمون، فقال: "وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ".
لم تنتهِ عجائب ابن آدم، ولم ينتهِ عن الجحود والتكذيب، فزاد على تكذيب الله عياذا به بأمر أشنع وأعظم وأقبح، ألا وهو السب والشتم، ووصف الله بما لا يليق به، أعاذنا الله وإياكم، يسب من؟ ويشتم من؟ يسب الله ويشتمه وينتقصه بنسب الولد له، فعجباً لابن آدم حين يشبه الخالق بالمخلوق، فيظن أن الخالق كالمخلوق يحتاج إلى الذرية والولد، أن الإنسان لا يحتاج إلى الولد إلا من ضعف ونقص، فيريد من الولد أن يعينه، ويسعى في خدمته، ويقوم به إذا شب وكبر، فهل يظن الإنسان الجهول المسكين الضعيف الحقير الصغير أن الله مثله محتاج للولد؟! أو يريد من غيره أن يقوم له بشي، أو يخدمه في شيء؟.
ألا يعلم أن الله هو الغني الذي لا يحتاج إلى أحد، وكل واحد محتاج إليه؟, ألا يعلم أن الله هو القيوم، الذي يقوم بنفسه ولا يحتاج إلى غيره في أي شيء من الأشياء؟, ألا يعلم أن كل من في السموات والأرض ما هم إلا عبيد لله، وخلق من خلق الله، خلقهم وهو القاهر عليهم، والمالك لهم، وكلهم تحت قهره وتصرفه -جل جلاله وعز كماله-؟, ألا يعلم أن الله هو المنزه والمقدس عن الصاحبة والولد، فليس له أب ولا أم، وليس له صاحبة ولا ولد، لأنه الفرد الصمد، الذي تصمد وتلتجئ إليه الخلائق كلها، فهي مفتقرة له، ومحتاجة إليه، لم يلد ولم يولد فليس له والد ولا ولد، وَلَمْ يَكُنْ له كُفْئًا أَحَدٌ أي لا يشبه أحداً ولا يشبهه أحد، فهل بعد يصح لابن آدم أن ينسب لله الولد؟.
بعض شباب المسلمين اليوم يهنئ النصارى بعيد الكريسمس، ولا يعرف المسكين أنه يهنئهم بشتم الرب، كأنه يقول لهم: أهنئكم بشتمكم للرب -جل وعلا-، لأنهم يحتفلون في هذا اليوم بأن عيسى ابن الله، فينسبون لله الولد، وهو يقول لهم: "عيدكم مبارك" أو كلمات إفرنجية! يهنئهم بهذا الكفر والشتم لله -جل وعلا-. يقول الله -تبارك وتعالى-: (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [يونس : 68]، وقال: ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم 88: 95]، وقال -سبحانه وتعالى-: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان : 2].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) [الأنعام 1: 2].
الحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، عدد خلقه، ورضاء نفسه ، وزنة عرشه، ومداد كلماته، والصلاة والسلام على نبيه وخليله، وخير خلقه وصفيه، نبي الهدى ومصباح الدجى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
عباد الله: إن المؤمن حقاً هو الذي يؤمن بالله واليوم الآخر، كيف لا والإيمان باليوم الآخر هو ركن ركين من أركان الإيمان الستة، ومادام أن الله -جل جلاله- يذم في هذا الحديث القدسي الشريف من يكذب بالبعث وينكر الحياة بعد الموت، فإنها دعوة لنا بمفهوم المخالفة إلى أن نقوي إيماننا بهذا اليوم العظيم، ونرسخ يقيننا بذلك اليوم الذي يبعث الله فيه الخلائق، ويعيدهم كما كانوا بإحيائهم مرة أخرى، ويبعثهم من قبورهم ومراقدهم للوقوف بين يدي الجبار -جل جلاله-: (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) [يس 52: 53]، وقال: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) [الأنعام : 30].
أيها الناس: ومادام الحديث يذم ويتوعد من يسب الله، ويشتمه، ويتعالى عليه، فإنا نستفيد من هذا أن الله يحب من يجله، ويعظمه، ويقدسه، ولن يأتي هذا الإجلال والتعظيم في قلب العبد لربه إلا إذا عرف ربه حق المعرفة، وعرف فضله، وتدبر كلامه، وعرف أسماءه، وتمعن في صفاته، وتفكر في آياته ومخلوقاته، فهنا سيجله ويعظمه، يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العظيم: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ) [نوح 13: 20]، ويقول -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة 21: 22].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعلى سبيل طاعتك وفقنا، ولتعظيمك وتوقيرك سددنا، اللهم اجعلنا ممن عظمك وقام بحق طاعتك، اللهم إنا نعوذ من أن نكذبك أو ننحرف عن منهجك، أو نتألى عليك، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات 180: 182].