البر
البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن علي الحدادي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - |
أيها المسلمون: الظلمُ أصلُ كلِّ شرٍّ، وفسادٌ للدين والدنيا، والله نزَّهَ نفسَه عن الظلمِ وجعلَه بين العباد مُحرَّمًا فقال: "يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا؛ فلا تَظَالَموا" [رواه مسلم]. واللهُ أخبرَ أنه لا يُحبُّ الظالِمَ، ونفى عنه الفلاح، ووعدَ بقطعِ دابرِه، ولا يدُومُ على نُصرته أحدٌ، قال سبحانه: (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[البقرة: 270]. بل ...
الخطبة الأولى:
فاتقوا الله -تعالى -حقَّ تقواه، وسارِعوا إلى مرضاته واستعِدُّوا ليوم لِقاه؛ فإن اليومَ عملٌ ومُهلة، وغدًا حسابٌ وجزاء، وسيلقَى كلُ عاملٍ ما عمِلَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[لقمان: 33].
واعلموا: أن من أعظم السجايا وأجمل الصفات: أن يتحلى المؤمن بتعظيم حرمات الله -تعالى-، وإنّ مما حرّم الله -تعالى- الأشهر الحرم التي قال فيها سبحانه: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36].
وفي قول الله -تعالى-: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) أي: في هذه الأشهر المحرمة؛ لأنها آكدُ وأبلغُ في الإثم من غيرها.
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) أي: في كلهن في كل أشهرِ السنة ثم اختص من ذلك أربعةَ أشهر؛ فجعلهن حراماً وَعَظَّمَ حُرُمَاتِهِن؛ وجعل الذنب فيهن أعظم؛ والعملَ الصالحَ والأجرَ أعظم.
وقد بينها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إنَّ الزمانَ قد استدارَ كهَيئتِه يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حُرُم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان"[البخاري ومسلم].
أيها المسلمون: الظلمُ أصلُ كلِّ شرٍّ، وفسادٌ للدين والدنيا، والله نزَّهَ نفسَه عن الظلمِ وجعلَه بين العباد مُحرَّمًا فقال: "يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا؛ فلا تَظَالَموا" [رواه مسلم].
واللهُ أخبرَ أنه لا يُحبُّ الظالِمَ، ونفى عنه الفلاح، ووعدَ بقطعِ دابرِه، ولا يدُومُ على نُصرته أحدٌ، قال سبحانه: (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[البقرة: 270].
بل يُسلِّطُ اللهُ عليه ظالمًا أقوى منه؛ كما قال سبحانه: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأنعام: 129].
قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: نُسلِّطُ بعضَهم على بعضٍ، ونُهلِكُ بعضَهم ببعضٍ، وننتقمُ من بعضِهم ببعضٍ؛ جزاءً على ظُلمهم وبغيِهم".
والله توعَّدَ الظالم بسُوء المُنقلَبِ، فقال: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].
قال شُريحٌ -رحمه الله-: "إن الظالمَ ينتظرُ العقابَ، والمظلومَ ينتظرُ النصرَ".
والظلم ظلمات يوم القيامة، يوم يأتي المؤمنون يوم القيامة يسعَون بأنوارهم فإن الظالم يأتي يوم القيامة متخبطًا في ظلمات ظلمه، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ".
والظالم -عباد الله-: ولئن كان الذي اقتطعه بظلمه من حقوق الآخرين شيئًا قليلا أو نزرًا يسيرا فإنه يأتي يوم القيامة يحمله على عاتقه ويطوَّق به عنقه خزيًا له يوم القيامة بين العالمين، روى الشيخان في صحيحيهما عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" أي أنه يأتي بهذه الأراضي التي أخذها ظلما يأتي يحملها على عنقه يوم القيامة إلى سبع أراضين خزيًا له بين العالمين.
والظالمُ أيامُه في الدنيا معدودةٌ، ولكنَّ الله يُمهِلُه؛ قال جلَّ شأنه: (فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا)[مريم: 84].
وقد أخبر الله -تعالى- عن سوء عاقبة الظالمين، وأخبرَ أنه جعلهم عبرةً لغيرهم؛ ففرعون طغَى وعاثَ في الأرض فسادًا؛ قال سبحانه: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)[القصص: 4].
بل تطاوَلَ على الربِّ وأنكرَه، وقال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)[النازعات: 24].
وافتخرَ بجرَيَان الماء من تحت قدمَيْه، وكان يقول: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي)[الزخرف: 51].
وكان الله له بالمِرصاد، أمهَلُه ولم يُهمِله، فأجرَى الماءَ من فوقه وأغرقَه به، وقال له ساعةَ هلاكه: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً)[يونس: 92].
فاتقوا الله -عباد الله-: وعظموا حرماته، وتخلصوا من المظالم واجتنبوا الآثام: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: فإنكم في شهر حرام، وقوموا بما أمركم الله به من تعظيم شعائره، فإن ذلك من تقوى القلوب.
أيها المؤمنون: لقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من البدع وبين بطلانها، فقال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
وقال صلى الله عليه وسلم في وصيته لأصحابه: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة".
إن مما أحدثه الناس في هذا الشهر -شهر رجب-: تخصيصهم هذا الشهر بأنواع من البدع والمحدثات؛ فمن ذلك: تخصيصهم أول جمعة من هذا الشهر بصلاة يسمونها صلاة الرغائب.
ومن ذلك -أيضاً-: صيام هذا الشهر أو أيام منه.
ومن ذلك -أيضاً-: تخصيصهم شهر رجب بالعمرة فيه يسمونها الرجبية.
ومن ذلك -أيضاً-: الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج في الليلة السابعة والعشرين من هذا الشهر؛ فكل هذه من المحدثات التي لا تزيد أهلها من الله إلا بعداً.
واعلموا -أيها المؤمنون-: أنه لم يرد في فضل شهر رجب -ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه- حديث صحيح يصلح للحجة، بل كل ما ورد من ذلك فهو ضعيف لا حجة فيه.