اللطيف
كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...
العربية
المؤلف | حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات |
راقب ربك واحذر سخط الجبار -جل وعلا- واعلم أن النميمة لا تُحصى شرورُها، ولا تستقصى مفاسدُها.. قال يحيى بن أكثم -رحمه الله-: "النمام شرٌّ من الساحر"، ويعمل النمام في ساعة ما لا يعمل الساحر في سنة، ويقال: عمل النمام أضرُّ من عمل الشيطان؛ لأن الشيطان بالخيال والوسوسة، وعمل النمام بالمواجهة والمعاينة
الحمد لله الذي خلق الإنسان وأمره بحفظ اللسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله.. سيد ولد عدنان، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا- فمن اتقاه أفلح ونجا، وسعد ولم يشقَ.
أيها المسلمون: لقد حذَّر الله -جل وعلا- عباده من أذية المؤمنين، وحرم عليهم إلحاق الضرر بالمسلمين: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) [الأحزاب: 58]، وإن من أعظم الأذية بالمؤمنين النميمة.. النميمة التي هي نقل الكلام بين الطرفين بغرض الإفساد؛ كأن يقول لآخر: قال فلان فيك كذا وكذا، وفعل في حقك كذا وكذا، وكأن ينقل له ما يوغر قلب أخيه المسلم، سواءًَ كان ذلك بقول أو كتابة أو إشارة، وتشمل النميمة أيضا كشفَ ما يُكره كشفُه، سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو كرهه آخر؛ فمن حقائق النميمة عند العلماء إفشاءُ الأسرار وهتك الأستار عما يُكره كشفه؛ ولهذا قالوا: "كل مارآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره فينبغي السكوت عنه، إلا ما فيه تحذيرٌ لمسلم، أو دفعٌ لمنكر".
إخوةَ الإسلام: إن النميمة جريمة تعددت آثارها السيئة، وتكاثرت عواقبها الوخيمة.. هي عادة ذميمة وعمل لئيم، وجريمة أخلاقية منكرة لا يحسنها إلا الضعفاء والجبناء، ولا يتقبلها إلا الأراذل والتافهون؛ ولهذا تضافرت نصوص الوحيين على تحريمها والتحذير منها..(وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ) [القلم:10-11]، (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) [الهمزة:1].. قيل: "إن الهمزة هي النميمة"، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول:"لا يدخلُ الجنةَ نمَّامٌ" متفق عليه، وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر بقبرين، فقال: "إنهما لَيُعذَّبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة" متفق عليه.
إخوة الإسلام: النمام يمشي بين الناس بما يفسد قلوبهم ويقطع صِلاتهم، ويُذهِب المودة بينهم؛ ولهذا وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه إنسان ذو وجهين، يتلون بحسب المصالح والمنافع، ففي الحديث المتفق عليه: "تجد من شرار الناس عند الله يوم القيامة ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه و هؤلاء بوجه"، وروى أحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "شرار عباد الله المشَّاءُون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء الأيب"؛ فاتق الله أيها المسلم، واحفظ لسانك عن أذية غيرك من المسلمين تسلم وتغنم؛ فمن قواعد الشريعة المقررة ضرورةُ حفظ اللسان عن جميع الكلام، إلا كلاماً تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه حتى لا ينجر المباح إلى حرام أو إلى مكروه؛ فرسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" متفق عليه.
أيها النمام: راقب ربك واحذر سخط الجبار -جل وعلا- واعلم أن النميمة لا تُحصى شرورُها، ولا تستقصى مفاسدُها.. قال يحيى بن أكثم -رحمه الله-: "النمام شرٌّ من الساحر"، ويعمل النمام في ساعة ما لا يعمل الساحر في سنة، ويقال: عمل النمام أضرُّ من عمل الشيطان؛ لأن الشيطان بالخيال والوسوسة، وعمل النمام بالمواجهة والمعاينة، وقد ذكر بعض أهل العلم قصةً للعبرة والعظة، فعن حماد بن سلمة أنه قال: "إن رجلاً باع غلاماً عنده، فقال للمشتري ليس فيه عيب إلا أنه نمام فاستخفه المشتري فاشتراه على ذلك العيب، فمكث الغلام عند المشتري أياماً ثم قال لزوجة مولاه: إن زوجك لا يحبك وهو يريد أن يتسرى عليكِ، أفتريدين أن يعطف عليك؟ قالت: نعم، قال لها: خذي الموسى واحلقي شعرات من باطن لحيته إذا نام، ثم جاء إلى الزوج وقال: إن امرأتك اتخذت صاحباً وهي قاتلتك، أتريد أن يتبين لك ذلك؟ قال: نعم، قال: فتناوم لها، فتناوم الرجل فجاءت امرأته لتحلق الشعرات، فظن الزوج أنها تريد قتله فأخذ منها الموسى فقتلها، فجاء أولياؤها فقتلوه، وجاء أولياء الرجل ووقع القتال بين الفريقين"، أفرأيتم ما تصنع النميمة؟ كيف أودت بحياة رجل وزوجته، وأوقعت المقتلة بين أقاربهما بهذا الصنيع من ذي الوجهين دائماً؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10].
بارك الله لنا في الوحيين ونفعنا بما فيهما من الهدى والبيان أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فيا أيها المسلمون.. اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، تُفلحوا دنيا وأخرى.
أخي المسلم: إذا حمُِلَت إليك النميمة، وقيل لك: إن فلاناً قال فيك كذا وكذا، أو فعل في حقك كذا وكذا، فالواجب عليك بدلالات الوحيين أمورٌ هي:
أولها: ألا تصدقَ النمام؛ لأنه يفسق بنميمته فيرد خبره، والواجب أيضا أن يُنهَى النمامُ عن ذلك وينصح له ويقبح فعله.. زار بعضَ السلف أخٌ له فنَمَّ له عن صديقه فقال: يا أخي أطلت الغيبة عني، وجئتني بثلاث جنايات.. بغضت إليَّ أخي، وشغلت قلبي بسببه، واتهمت نفسك الأمينة.
وقيل لأحد العلماء: إن فلاناً يذكرك في قصصه بشرٍّ، فقال: يا هذا ما راعيت حق مجالسة الرجل؛ حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أديت حقي حيث أعلمتني عن أخي ما أكره، ولكن أعلمه أن الموت يعمُّنا والقبر يضمنا والقيامة تجمعنا، والله -جل وعلا- يحكم بيننا وهو خير الحاكمين.
وعليك -أيها المسلم- حين تنقل إليك النميمة ألا تظن بأخيك الغائبِ السوءَ، وألَّا يحملك ذلك على التجسس والبحث والتحقق؛ فربنا -جل وعلا- يقول: (.. وَلَا تَجَسَّسُوا..) [الحجرات: 12].
ثم إن الله -جل وعلا- أمرنا بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم.. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي، وعن الآل وسائر الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين. اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين. اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين. اللهم من أراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه. اللهم من أراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه. اللهم من أراد ديننا بسوء فأشغله في نفسه، ورُدَّ كيده في نحره. اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشيداً يؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم وفق وليَّ أمرنا لما تحبه وترضى. اللهم وفقه لخدمة الإسلام والمسلمين. اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاحُ رعاياهم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم يا غنيُّ يا حميد. اللهم يا غني يا حميد. اللهم يا ذا الفضل والطَّول. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم اسقنا. اللهم اسقِ ديارنا وديار المسلمين. اللهم ارحمنا ببهائمنا. اللهم ارحمنا ببهائمنا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم لا تردنا خائبين. اللهم لا تردنا خائبين. اللهم لا تردنا خائبين يا ذا الفضل والإحسان.
عباد الله.. اذكروا الله ذكراً كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلاً.