البحث

عبارات مقترحة:

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

حديث عن الاستهزاء والمستهزئين

العربية

المؤلف إبراهيم بن صالح العجلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. أهمية تعظيم أوامر الله ونواهيه .
  2. خطر الاستهزاء بالدين .
  3. حكم من استهزئ بالله أو بنبيه أو بشعيرة من شعائر دينه .
  4. التفصيل في حكم الاستهزاء بأهل العلم .
  5. بواعث الاستهزاء .
  6. بعض ما يجب علينا تجاه المستهزئين .

اقتباس

إذا ما دققنا النظر في حال المستهزئين وأقوالهم، نرى أنهم فئاتٌ وأشتات، اتحدَّ هدفُهم، وتعدَّدت مقاصدُهم. فأشدُّ بواعث الاستهزاء خطرًا، وأسرعُها مروقًا من الدين، إذا كان الاستهزاءُ بسبب كُرْهِ هيمنة الدين وتعاليمه، فيعارض هؤلاء الكارهون لما نزَّل اللهُ، تشريعاتِ الدين وتعاليمَه بسلاح السخرية؛ لتهوينها، ومن ثم نَبْذها. فأحدُهم: يتهكَّم بالحجاب، وأنه يصادمُ إنسانية المرأة وهُويتها، ويعيقُها عن الحركة والعمل. وكاتب يصف المرأة المتحجبة بأنها لـ...

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ تَرَى الْعَبْدَ مُعَظِّمًا لِأَوَامِرِ اللَّهِ، مُنْقَادًا لِشَرِيعَتِهِ، صَاغِرًا وَرَاضِيًا لِأَحْكَامِ مِلَّتِهِ، فَهَذَا بُرْهَانٌ عَلَى إِيمَانِهِ، وَمُؤَشِّرٌ عَلَى تَقْوَاهُ، وَصِدْقِ التَّدَيُّنِ فِي قَلْبِهِ: (فَلَا وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65].

وَإِذَا كَانَ تَعْظِيمُ اللَّهِ، وَالْخَوْفُ مِنْ مَقَامِهِ دَلِيلَ الْإِيمَانِ: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال: 2].

فَكَذَلِكَ الِاسْتِهَانَةُ بِاللَّهِ وَدِينِهِ وَرَسُولِهِ، نَاقِضٌ لِذَلِكَ الْإِيمَانِ، فَلَا يَجْتَمِعَانِ.

لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ أَبَدًا: تَعْظِيمُهُ لِمَقَامِ رَبِّهِ، وَاسْتِهْزَاؤُهُ بِدِينِهِ وَأَحْكَامِ شَرِيعَتِهِ.

فَتَعَالَوْا -إِخْوَةَ الْإِيمَانِ- إِلَى حَدِيثٍ مَعَ هَذَا النَّاقِضِ الَّذِي يَنْقُضُ الْإِيمَانَ وَيُزِيلُهُ، وَيُخْرِجُ صَاحِبَهُ مِنْ قِمَمِ الْإِيمَانِ إِلَى قُمْقُمِ الْكُفْرِ.

مَعَ هَذَا النَّاقِضِ الَّذِي عَلَا دُخَانُهُ، وَاسْتَبَانَ لَحْنُهُ، فَزَلَّتْ فِيهِ أَقْدَامٌ، وَلَاكَتْهُ أَفْوَاهٌ وَأَقْلَامٌ، حَتَّى أَصْبَحَ صَوْتُ الْغَمْزِ، وَحَدِيثُ اللَّمْزِ عَلَى الدِّينِ وَأَهْلِهِ حَدِيثًا بَائِنًا، وَصَوْتًا لَمْ يَعُدْ خَافِتًا.

وَهَذَا -لَعَمْرُ اللَّهِ- طَرِيقٌ مَزْلَقَةٌ مَدْحَضَةٌ نَحْوَ دَرَكَاتِ الْكُفْرِ وَالنَّارِ -وَالْعِياَذُ بِاللَّهِ- وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَرَى بِهَا بَأْسًا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا" [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ].

مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: الِاسْتِهْزَاءُ بِالدِّينِ مَرَضٌ عُضَالٌ، وَشَرٌّ وَوَبَالٌ، يُفَرِّقُ الْقُلُوبَ، وَيَزْرَعُ الْإِحَنَ، وَيُذْكِي نَارَ الْفِتَنِ، وَيُجَرِّئُ السَّفِلَةَ عَلَى الْقَامَاتِ، وَيُشَجِّعُ الْجُهَّالَ عَلَى الْإِغَارَةِ عَلَى مُسَلَّمَاتِ الشَّرْعِ وَقَوَاطِعِ الْمِلَّةِ.

السُّخْرِيَةُ بِالدِّينِ سِمَةُ الْمُنَافِقِينَ، وَحِيلَةُ الْعَاجِزِينَ، وَبِضَاعَةُ الْمُفْلِسِينَ.

أَفَاضَ الْقُرْآنُ وَأَسْهَبَ فِي حَدِيثِ الِاسْتِهْزَاءِ، وَخَبَرِ الْمُسْتَهْزِئِينَ، فَشَنَّعَ رَبُّنَا هَذَا السَّفَهَ وَأَثَّمَ، وَكَفَّرَ أَهْلَهُ وَجَرَّمَ.

فَالِاسْتِهْزَاءُ بِالدِّينِ جُرْثُومَةٌ قَدِيمَةٌ، غَرَسَهَا أَعْدَاءُ الْأَنْبِيَاءِ: (وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الزخرف: 6-7].

ثُمَّ أَشْرَفَ عَلَى سَقْيِهَا الْمُنَافِقُونَ، فَقَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ: (قُلِ اسْتَهْزِؤُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ) [التوبة: 64].

بَلْ إِنَّ الْمَوْلَى -سُبْحَانَهُ- قَدْ جَعَلَ مِنْ أَبْرَزِ سِمَاتِ أَهْلِ النِّفَاقِ سُخْرِيَتَهُمْ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [التوبة: 79].

وَلِشَنَاعَةِ صَنِيعِ السَّاخِرِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِالْمُجْرِمِينَ: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) [المطففين: 29].

وَلِذَا نَهَانَا اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- عَنْ مُجَالَسَةِ قَطِيعِ الْمُسْتَهْزِئِينَ الْمُتَهَكِّمِينَ بِالدِّينِ: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) [النساء: 140].

وَسَمَّاهُمُ اللَّهُ بِالْقَوْمِ الظَّالِمِينَ: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: 68].

خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِغَزْوَةِ تَبُوكَ، فَخَرَجَ مَعَهُ بَعْضُ مَرْضَى الْقُلُوبِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، فَاجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْهُمْ فَتَجَاسَرُوا عَلَى الصَّحَابَةِ، وَأَخْرَجُوا شَيْئًا مِنْ أَضْغَانِهِمْ تُجَاهَ هَذَا الدِّينِ وَأَهْلِهِ، فَأَظْهَرُوا أَنَّ خِلَافَهُمْ إِنَّمَا هُوَ مَعَ الصَّحَابَةِ، فَقَالُوا: "مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قُرَّائِنَا هَؤُلَاءِ أَرْغَبَ بُطُونًا، وَلَا أَكْذَبَ أَلْسُنًا، وَلَا أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ" فَنَزَلَ فِيهِمْ قُرْآنٌ يُتْلَى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 65 - 66].

وَلِذَا أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِاللَّهِ وَبِشَرْعِهِ وَرَسُولِهِ مُرُوقٌ مِنَ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَخُرُوجٌ مِنَ الدِّينِ بِالْكُلِّيَّةِ.

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: "صَحَّ بِالنَّصِّ أَنَّ كُلَّ مَنِ اسْتَهْزَأَ بِاللَّهِ -تَعَالَى- أَوْ بِمَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ بِنَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، أَوْ بِفَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ الدِّينِ، فَهِيَ كُلُّهَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ -تَعَالَى- مَنِ اسْتَهْزَأَ بِشَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ بُلُوغِ الْحُجَّةِ إِلَيْهِ، فَهُوَ كَافِرٌ".

وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ بَازٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الِاسْتِهْزَاءُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ كُفْرٌ أَكْبَرُ، وَمَنِ يَسْتَهْزِئُ بِأَهْلِ الدِّينِ، وَالْمُحَافِظِينَ عَلَى الصَّلَوَاتِ مِنْ أَجْلِ دِينِهِمْ، وَمُحَافَظَتِهِمْ عَلَيْهِ، يُعْتَبَرُ مُسْتَهْزِئًا بِالدِّينِ" اهـ.

وَلِذَا كَانَ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ- يَعْذِرُونَ بِالْجَهْلِ وَالتَّأْوِيلِ فِي مَسَائِلِ الشِّرْكِ: "فَمَنْ وَقَعَ فِي الشِّرْكِ جَاهِلًا أَوْ مُتَأَوِّلًا، لَا يُكَفَّرُ عَيْنًا".

بَيْنَمَا الِاسْتِهْزَاءُ بِالدِّينِ لَا يَعْذِرُونَ صَاحِبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْعُذْرِ فِيهِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْخَرَ إِنْسَانٌ بِاللَّهِ أَوْ بِرَسُولِهِ أَوْ بِدِينِهِ، ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُ جَاهِلٌ أَوْ مُتَأَوِّلٌ.

وَأَمَّا الِاسْتِهْزَاءُ بِأَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَنْ ظَاهِرُهُمُ الصَّلَاحُ، فَفِيهِ تَفْصِيلٌ:

إِنْ كَانَتِ السُّخْرِيَةُ لِأَجْلِ أَفْعَالِهِمْ، أَوْ صِفَاتِهِمُ الْخَلْقِيَّةِ أَوِ الْخُلُقِيَّةِ، فَهَذَا مُحَرَّمٌ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ) [الحجرات: 11].

أَمَّا إِنْ كَانَتِ السُّخْرِيَةُ لِأَجْلِ تَحَلِّيهِمْ بِالسُّنَّةِ وَالسُّنَنِ، أَوْ مُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى الطَّاعَاتِ، فَيَسُبُّهُمْ وَيَتَنَقَّصُهُمْ لِأَجْلِ هَذَا الشَّيْءِ، فَهَذِهِ رِدَّةٌ عَنِ الْمِلَّةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ هُنَا رَاجِعٌ حَقِيقَةً إِلَى الدِّينِ.

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: لِمَاذَا يُسْتَهْزَأُ بِالدِّينِ؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ مُسْلِمٍ يَتَسَمَّى بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ يَسْخَرُ مِنْ تَعَالِيمِ دِينِهِ الَّذِي يَنْتَسِبُ إِلَيْهِ؟!

وَالْجَوَابُ: أَنَّ بَوَاعِثَ الِاسْتِهْزَاءِ كَثِيرَةٌ. وَإِذَا مَا دَقَّقْنَا النَّظَرَ فِي حَالِ الْمُسْتَهْزِئِينَ وَأَقْوَالِهِمْ، نَرَى أَنَّهُمْ فِئَاتٌ وَأَشْتَاتٌ، اتَّحَدَ هَدَفُهُمْ، وَتَعَدَّدَتْ مَقَاصِدُهُمْ.

فَأَشَدُّ بَوَاعِثِ الِاسْتِهْزَاءِ خَطَرًا، وَأَسْرَعُهَا مُرُوقًا مِنَ الدِّينِ، إِذَا كَانَ الِاسْتِهْزَاءُ بِسَبَبِ كُرْهِ هَيْمَنَةِ الدِّينِ وَتَعَالِيمِهِ، فَيُعَارِضُ هَؤُلَاءِ الْكَارِهُونَ لِمَا نَزَّلَ اللَّهُ تَشْرِيعَاتِ الدِّينِ وَتَعَالِيمَهُ بِسِلَاحِ السُّخْرِيَةِ؛ لِتَهْوِينِهَا، وَمِنْ ثَمَّ نَبْذُهَا.

فَأَحَدُهُمْ يَتَهَكَّمُ بِالْحِجَابِ، وَأَنَّهُ يُصَادِمُ إِنْسَانِيَّةَ الْمَرْأَةِ وَهُوِيَّتَهَا، وَيُعِيقُهَا عَنِ الْحَرَكَةِ وَالْعَمَلِ.

وَكَاتِبٌ يَصِفُ الْمَرْأَةَ الْمُتَحَجِّبَةَ بِأَنَّهَا لَطَّخَتْ جِسْمَهَا وَوَجْهَهَا بِالْقَارِ الْأَسْوَدِ، رَمْزِ الْحُزْنِ وَالظَّلَامِ، وَالْخَوْفِ وَالتَّخَلُّفِ ... ثُمَّ خَاطَبَ الْمُتَحَجِّبَاتِ بِقَوْلِهِ: لَا تُحَاوِلْنَ أَنْ تُشَوِّهْنَ الْإِسْلَامَ بِهَذِهِ الْخِرَقِ السَّوْدَاءِ.

وَكَاتِبٌ فِي صَحِيفَةِ الرِّيَاضِ يَصِفُ الْحِجَابَ بِأَنَّهُ سُلُوكٌ غَرَائِبِيٌّ، وَغَيْرُ مَقْبُولٍ فِي أَكْثَرِ بِقَاعِ الْعَالَمِ ... إِلَى أَنْ قَالَ: لَا بُدَّ أَنْ نَفْهَمَ أَنَّ هَذَا النِّقَابَ طَمْسٌ كَامِلٌ لِلْهُوِيَّةِ، إِنَّهُ لَيْسَ مُحَافَظَةً، بَلِ اخْتِفَاءٌ وَاخْتِبَاءٌ، ثُمَّ قَالَ عَنِ الْمُحَجَّبَاتِ: وَبِهَذَا تَتَحَوَّلُ الْكَائِنَاتُ الْمُقَنَّعَةُ إِلَى مُجَرَّدِ أَشْبَاحٍ تَتَحَرَّكُ، أَشْبَاحٌ لَا يُعْرَفُ مَا هِيَ؟! وَلَا مَاذَا تُرِيدُ؟!

وَآخَرُ يَتَنَدَّرُ مِنْ فَتْوَى تُحَرِّمُ سَفَرَ الْمَرْأَةِ بِلَا مَحْرَمٍ، مَعَ أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ مِنْ عِنْدِيَّاتِ الْعَالِمِ وَاجْتِهَادِهِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَثَالِثٌ يَسْخَرُ مِنْ وَاقِعِ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ مَعَ الْمَرْأَةِ، حِينَ عَشْعَشَ لَدَيْهِمْ مَفْهُومُ: "لَنْ يُفْلِحُ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً" مَعَ أَنَّ هَذَا نَصٌّ ثَابِتٌ عَنِ الْمَعْصُومِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

هَذِهِ الْأَقْوَالُ السَّاخِرَةُ الْمُتَنَدِّرَةُ، مَا أَطْلَقَتْ سِهَامَهَا وَسُمُومَهَا إِلَّا لِأَنَّهَا كَرِهَتْ هَذِهِ التَّشْرِيعَاتِ، وَكُرْهُ مَا نَزَّلَ اللَّهُ -قَبْلَ ذَلِكَ- إِثْمٌ مُحْبِطٌ لِلْعَمَلِ، وَإِنْ لَمْ يُصَاحِبْهُ اسْتِهْزَاءٌ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 9].

وَمِنْ بَوَاعِثِ الِاسْتِهْزَاءِ: النِّقْمَةُ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، كَمَا قَالَ سَلَفُهُمُ الْمُتَهَكِّمُونَ: (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [الأعراف: 82].

فَبَعْضُ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَهْتِرِينَ مُصَابٌ بِمَرَضٍ اسْمُهُ: "كُرْهُ مَظَاهِرِ التَّدَيُّنِ" فَيَشْرَقُ بِمَوْضُوعِ الْهَيْئَةِ، وَيَتَأَزَّمُ مِنَ الدَّعْوَةِ، وَيَتَأَفَّفُ مِنْ حَلَقَاتِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ مِنْ هَذَا الْكُرْهِ لِمَظَاهِرِ الْخَيْرِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ إِلَى الِاسْتِهْزَاءِ بِالسُّنَنِ، أَوْ بِبَعْضِ نَعِيمِ الْجَنَّةِ كَالْحُورِ الْعِينِ، أَوِ التَّنَدُّرِ مِنْ فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ.

وَمِنْ بَوَاعِثِ الِاسْتِهْزَاءِ أَيْضًا: حُبُّ الظُّهُورِ، وَتَلْمِيعُ الذَّاتِ. لِلْأَسَفِ أَصْبَحَتِ الْجُرْأَةُ عَلَى الْمُسَلَّمَاتِ، وَمُخَالَفَةُ الْفَتَاوَى السَّائِدَةِ، وَالتَّهَكُّمُ عَلَى مُحَافَظَةِ الْمُجْتَمَعِ، وَغَمْزُ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الِاحْتِسَابِ - هِيَ الْبِضَاعَةَ الْأَسْرَعَ نَحْوَ الشُّهْرَةِ وَالِاشْتِهَارِ.

وَبَعْضُ إِعْلَامِ الْيَوْمِ قَدْ فَتَحَ بَابَهُ وَرَحَّبَ لِكُلِّ غَامِزٍ وَلَامِزٍ وَعَائِبٍ وَمُتَحَرِّرٍ مِنْ قُيُودِ الشَّرْعِ وَالشَّرِيعَةِ، وَإِلَى اللَّهِ الْمُشْتَكَى.

وَمِنْ بَوَاعِثِ الِاسْتِهْزَاءِ بِالدِّينِ أَيْضًا: التَّقْلِيدُ الْأَعْمَى لِأَعْدَاءِ شَرْعِ الْإِسْلَامِ، فَبَعْضُ الْمُسْتَهْزِئِينَ هُمْ مُقَلِّدَةٌ، انْبَهَرُوا بِالْحَضَارَةِ الْغَرْبِيَّةِ، وَفُتِنُوا بِحَيَاتِهِمْ وَمَدَنِيَّتِهِمْ، فَطَفِقُوا يُرَدِّدُونَ أَقْوَالَ مُثَقَّفِيهِمْ، وَيُعِيدُونَ صَدَى أَفْكَارِهِمْ. فَتَحْتَ شِعَارِ «حُقُوقِ الْإِنْسَانِ» أَصْبَحَتْ إِقَامَةُ الْحُدُودِ وَحْشِيَّةً وَقَسْوَةً، لَا تَلِيقُ بِالْإِنْسَانِيَّةِ.

ثُمَّ اقْرَأْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شِئْتَ مِنَ التَّنْقِيصِ وَالتَّبْخِيسِ لِحُدُودِ اللَّهِ، وَأَنَّهَا لَا تُنَاسِبُ عَالَمَ الْيَوْمِ، وَأَنَّ هُنَاكَ بَدَائِلَ لِلْعُقُوبَاتِ تُنَاسِبُ رُوحَ الْعَصْرِ، كَمَا يَزْعُمُونَ وَيَتَخَيَّلُونَ، وَكَأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِمَا يُصْلِحُ الْخَلْقَ مِنْ رَبِّ الْخَلْقِ: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].

وَمِنْ بَوَاعِثِ الِاسْتِهْزَاءِ أَيْضًا: الْكِبْرُ وَالتَّعَالِي، وَإِذَا عَشْعَشَ هَذَا الْمَرَضُ فِي الْقَلْبِ وَتَمَكَّنَ، رَدَّ صَاحِبُهُ الْحَقَّ، وَاحْتَقَرَ الْخَلْقَ، وَانْطَلَقَ يَسْخَرُ مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَدَعْوَتِهِمْ وَفَتَاوَاهُمْ، وَيَصِفُ مَنْ يُخَالِفُهُ بِالرَّجْعِيَّةِ وَالظَّلَامِيَّةِ وَالسَّطْحِيَّةِ.

يَقُولُ السَّفَارِينِيُّ: "الْمُسْتَهْزِئُ بِغَيْرِهِ يَرَى فَضْلَ نَفْسِهِ بِعَيْنِ الرِّضَا، وَيَرَى نَقْصَ غَيْرِهِ بِعَيْنِ الِاحْتِقَارِ؛ إِذْ لَوْ لَمْ يَحْتَقِرْهُ لَمَا سَخِرَ مِنْهُ، وَقَدِيمًا قَالَ الْمُتَعَالِي الزَّاهِي فِرْعَوْنُ: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) [الزخرف: 52].

وَمِنْ بَوَاعِثِ الِاسْتِهْزَاءِ بِالدِّينِ أَيْضًا: إِضْحَاكُ الْآخَرِينَ، كَمَا قَالَ أَشْقِيَاءُ الْمُنَافِقِينَ: (إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) [التوبة: 65].

وَيَدْخُلُ فِي الْإِضْحَاكِ رُسُومَاتُ الْكَارِيكَاتِيرَاتِ الْمُبَالَغُ فِيهَا، وَغَيْرُ الْمَوْجُودَةِ عَلَى الْوَاقِعِ؛ لِلتَّنَدُّرِ وَالتَّنَقُّصِ، يُصَوَّرُ الشَّابُّ الَّذِي يُحْيِي شَعِيرَةَ وَفَرِيضَةَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، بِصُورَةِ الشَّابِّ الْأَبْلَهِ السَّاذَجِ الْمُتَخَلِّفِ الَّذِي يُدَمِّرُ وَيُحَطِّمُ كُلَّ شَيْءٍ أَمَامَهُ، وَكَأَنَّ وَظِيفَةَ الْحِسْبَةِ وَالِاحْتِسَابِ هِيَ ضَرْبُ الْآخَرِينَ، أَوِ التَّلَصُّصُ عَلَيْهِمْ.

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (وَلَا تَتَّخِذُوَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة: 231].

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْأَمِينِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَرْجُو اللَّهَ وَيَخَافُ الْيَوْمَ الْآخِرَ أَنْ يَحْذَرَ زَلَّةَ لِسَانِهِ، أَنْ يُرْخِيَهُ ضَاحِكًا، أَوْ مُتَهَكِّمًا بِالنُّصُوصِ، أَوِ الشَّعَائِرِ، أَوِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ فَرُبَّ كَلِمَةٍ يَفْغَرُ الرَّجُلُ بِهَا فَاهُ ضَاحِكًا مُقَهْقِهًا، قَدْ أَسْخَطَ بِهَا رَبَّهُ، وَانْسَلَخَ فِيهَا مِنْ إِسْلَامِهِ.

وَقَدْ بَيَّنَ الْمَوْلَى -سُبْحَانَهُ- أَنَّ الْكُفْرَ يَكُونُ بِكَلِمَةٍ؛ فَقَالَ تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ الْمُسْتَهْزِئِينَ: (وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ) [التوبة: 74].

فَوَاجِبٌ عَلَيْنَا -عِبَادَ اللَّهِ- أَنْ نُعَالِجَ هَذَا التَّسَافُلَ الْمَنْشُورَ بِالتَّحْذِيرِ مِنْهُ، وَبَيَانِ شَنَاعَتِهِ، وَمَغَبَّةِ إِشَاعَتِهِ، وَخَطَرِهِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالدِّينِ، مَعَ الْإِعْرَاضِ عَنْ أَهْلِهِ وَوَعْظِهِمْ، وَالنُّصْحِ وَالْقَوْلِ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا.

وَأَمَّا أَنْتَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- الْغَيُورُ عَلَى دِينِهِ، الْكَارِهُ لِجُرْأَةِ الْمُسْتَهْتِرِينَ عَلَيْهِ، فَلَا تَفْتُرْ وَلَا تَتَقَهْقَرْ عَنْ صَلَاحِكَ وَإِصْلَاحِكَ، وَدَعْوَتِكَ وَاحْتِسَابِكَ، وَلَا تَزِيدُكَ هَذِهِ الْمَوَاقِفُ وَالتَّسَاخُفُ إِلَّا صَلَابَةً فِي الْحَقِّ، وَإِصْرَارًا عَلَى مُقَاوَمَةِ الْبَاطِلِ.

أَخِي الْمُصْلِحَ وَالدَّاعِيَةَ وَالْمُحْتَسِبَ: نَعَمْ، نَعْلَمُ أَنَّهُ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ وَيَسْخَرُونَ. وَلَكِنْ تَيَقَّنْ -أُخَيَّ- أَنَّ هَذِهِ الْمُكَدِّرَاتِ هِيَ مِنَ الْأَذَى الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فِي سَبِيلِ الْإِصْلَاحِ: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) [الأنعام: 10].

وَمَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ هَمٍّ، وَلَا حَزَنٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا أَذًى، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ عَنْهُ. وَلَوْ سَلِمَ أَحَدٌ مِنِ اسْتِهْزَاءِ النَّاسِ لَسَلِمَ مِنْهُ خَيْرُ الْبَشَرِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا) [الأنبياء: 36].

اللَّهُمَّ احْفَظْ أَلْسِنَتَنَا وَجَوَارِحَنَا مِنَ الْآثَامِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، لَا ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، بِالْمَعْرُوفِ آمِرِينَ، وَعَنِ الْمُنْكَرِ نَاهِينَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ...