المؤخر
كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
أيها الإخوة: لقد فطر الإنسان على مشاعر عديدة في أصل خلقته، لا يستطيع الفكاك عنها، ومنها: الغضب، فالإنسان قد يغضب على قريبه لسبب ما، كلمة جارحة، سوء تصرف، أو غير ذلك من المواقف. والإسلام يقدر هذه الطبيعة في الإنسان، ولذلك أجاز النبي -صلى الله عليه وسلم- الهجر إن لزم ذلك، وكان فيه مصلحة؛ لمدة ثلاثة أيام دون...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن ديننا العظيم يعتني بالقيم الأخلاقية عناية ربانية لا تسبقها ولا تفوقها عناية.
وإن من الفهم القاصر لدين الإسلام: أن يهمل المسلم تلك القيم، أو جوانب منها، ظنا منه أنها أمر بسيط، لا يستحق ذلك الاهتمام.
ومن تلك القيم التي يظن فيها البعض هذا الظن: صلة الرحم، وهو جهل مركب خطير؛ كيف لا تستحق صلة الرحم العناية والاهتمام، وقد أولاها الله عنايته، وشدد على الحرص عليها، في عدد من الآيات؟!.
كيف وقد جعل الله للرحم مكانا عاليا، وهي جنب الصراط، عندما يهم بالمرور عليه ملايين من البشر، فتطالب الرحم كل من يريد مجاوزة الصراط منهم بحقها، كل واحد منهم أيا كان، لن يفلت من سؤال الرحم؟!
كيف يكون أمر صلة الرحم بسيطا، وقد لعن الله الذين يقطعون أرحامهم لعنا؛ بقوله: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد: 22-23]؟!.
وبقوله: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد: 25]؟!.
لقد توقف حديثنا السابق عند السؤالين المطروحين:
1- ما الذي يجعل بعض الناس يستهينون بقطع أرحامهم؟
2- ما هي مظاهر قطع الرحم اليوم؟ وكيف نصل أرحامنا في هذا الزمان العصيب؟
أما السؤال الأول: فمن أسباب الاستهانة بقطع الأرحام: الجهل، فالجهل بالعواقب العاجلة والآجلة لقطعه يجرئ على القطيعة؛ كما أن الجهل بفضائل الصلة العاجلة والآجلة يؤدي الى إهمالها.
أما الجهل بفضائل صلة الرحم، فقد تحدثت حولها الأسبوع الماضي، وذكرت فضائل صلة الرحم، ورغبت فيها سعيا في إزالة أي جهل، ثم أسهبت بالتحذير من قطيعة الرحم.
فإذا أبى بعض الناس -كل ما تقدم- إلا الإصرار على القطيعة، فهذا يدل على السبب الثاني، وهو: ضعف الإيمان.
الإيمان إذا ضعف، والدين إذا رق، وأصبح شكليا، لا روح فيه، فلن يبالي المرء بعد ذلك بقطع ما أمر الله به أن يوصل، ولن يطمع بأجر الصلة، ولن يخشى عاقبة القطيعة؛ لأن الإيمان ضعيف، واليقين هش، لا يكاد يحرك القلب.
وضعيف الإيمان إذا لم يجبل على حسن الخلق، ومنه: صلة الرحم، فكيف نرجوا له أن يجاهد نفسه على إصلاح خلقه، أو صلة رحمه -نسأل الله السلامة-.
سبب آخر من أسباب القطيعة: الكبر، بعض الناس إذا ما أعطي منصبا رفيعا، أو حاز مكانة عالية، أو أصبح تاجرا كبيرا أثر ذلك في نفسه، وبدأ يوسوس، ويبالغ في الظن السيئ، ويعتقد أن جميع الناس ومنهم أقربائه يريد أن يأخذ قطعة منه، إنما يتقربون إليه في ظنه من أجل ماله، أو من أجل وجاهته، وقد يكون هذا صحيحا في بعضهم، ولكن ليس جميعهم، فيبتعد عنهم، ويقطعهم، ويأنف من صلتهم، وزيارتهم، والتودد إليهم.
ومن أكثر أسباب القطيعة شيوعا: الخصومة بين الأقارب، لا من أجل الدين، وإنما من أجل متاع الدنيا: إرث، أرض، أو ما شابهها من الأعراض، فلا يتفقون فيما بينهم في هدوء وسكينة، ولا يتسامح أحدهم لله من أجل أخيه، أو أخته، أو عمه، بل يحر بعضهم بعضا إلى المحاكم، ومن جلسة إلى أخرى، ومن موعد إلى آخر، وهذا يوكل محامي، وذلك آخر!.
وكل ذلك من أجل لعاعة من الدنيا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا"[رواه مسلم].
وربما كان سبب الخصومة أشياء أخرى، موقف ما، كلمة عابرة، نزغ الشيطان بها بين الأقارب، أو كانت الخصومة بفعل نمام حسود، أوغر صدورهم، وأفسد بينهم، فتنقطع الأواصر، وترفض الشفاعات.
وتمر الأعياد تلو الأعياد، والمناسبات تلو المناسبات، ولا تجد أحدا من الطرفين يلين جانبه، أو يحتسب الصفح لله، فإذا ما شرح الله صدر أحد الطرفين، ومد يديه للصلح؛ أعرض الآخر، ورفض يديه، فويلا له، ثم ويلا له..
عن أنس بن مالك: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكانوا عباد الله إخوانا، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" [رواه مسلم].
وعن أبي أيوب الأنصاري: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض ويعرض هذا، وخيرهم الذي يبدأ بالسلام".
وفي السنن بزيادة: "فإن مرت به ثلاث، فليلقه، فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم".
قال ابن حجر: "قال أكثر العلماء: تزول الهجرة بمجرد السلام ورده".
أيها الإخوة: لقد فطر الإنسان على مشاعر عديدة في أصل خلقته، لا يستطيع الفكاك عنها، ومنها: الغضب، فالإنسان قد يغضب على قريبه لسبب ما، كلمة جارحة، سوء تصرف، أو غير ذلك من المواقف.
والإسلام يقدر هذه الطبيعة في الإنسان، ولذلك أجاز النبي -صلى الله عليه وسلم- الهجر إن لزم ذلك، وكان فيه مصلحة؛ لمدة ثلاثة أيام دون زيادة؛ كما تقدم في الأحاديث.
والذي ينهي الهجر، ويسلم به المؤمن من الإثم، بعد انتهاء تلك المدة: "السلام"؛ كما جاء ذلك صريحا في الحديث السابق في قوله: "فإن مرت به ثلاث، فليلقه، فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم" أي أثم الذي أبى أن يرد السلام.
فمجرد السلام يكفي في رفع الإثم، ومن أراد ما هو أفضل؛ فليحاول أن تعود الأمور كما كانت قبل الهجر، أما إذا كان قطع الهجر يفضي إلى ضرر في الدين، أو إقرار لمنكر، فيجوز زيادته؛ لأن هذا للدين، فإن بعض الأقارب لكثرة فجورهم وفسادهم، في وصلهم شر على دين الإنسان، وخطر على أخلاقه، وأخلاق أولاده.
قال ابن عبد البر: "أجمعوا -أي العلماء- على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه، أو يدخل منه على نفسه، أو دنياه مضرة، فإن كان كذلك جاز ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية"
ومن أسباب القطيعة: العتاب الشديد، فبعض الناس إذا زاره بعض أقربائه بعد طول انقطاع؛ أمطر عليه وابلا من اللوم والعتاب، على تقصيره في حقه، وإبطائه في المجيء إليه: أنا جئتك!.
من هنا تحصل النفرة من المجيء إليه مرة ثانية، خوفا من لومه وتقريعه، وشدة عتابه.
فما أجمل أن يكون المسلم واسع الصدر، سمحا غاضا للطرف عن أخطاء الآخرين، أو تقصيرهم في حقه، فبذلك -أيها الإخوة-: تدوم المودة، وتستمر الصلة.
ومن أسباب قطيعة الرحم: الانشغال بالدنيا، بين مال وعقار، وتجارة وسمسرة، وسفر هنا وسفر هناك، فالقلب مشغول بما هو في ظنه أهم من صلة الرحم، فإذا ناصحه أحد، قال: ماذا أفعل؟ ما أنا فاضي؟!
هكذا هي الدنيا -سلمنا الله وإياكم من شرها-، فإنها إذا تمكنت من قبل الإنسان، واستولت على أركانه، واستحكمت أبعدته عن أهله، وعن قرابته.
من أسباب قطيعة الرحم: الانقطاع الطويل والتسويف، هناك من ينقطع عن أقاربه فترة طويلة، فيصيبه من جراء ذلك وحشة منهم، فيبدأ بالتسويف بالزيارة، فيقول: الأسبوع القادم -إن شاء الله-! فلا يزور ولا يكلم، فيقول: الذي بعده -إن شاء الله-، ثم الذي بعده، ثم الذي بعده، فيمر الشهر والسنة والسنتان، فيعتاد القطيعة، ويألف البعد، وينقطع عنهم بالكلية.
من أسباب قطيعة الرحم: قلة الاهتمام بالزائرين من الأقارب، من الناس من إذا زاره أقاربه لم يظهر فرحه بمقدمهم، بل ربما تجهم وجهه، واستقبلهم بكل تثاقل، وكان في مجلسه عبوس لا يكاد يتكلم، فيحسون بضيق صدره من معشرهم؛ لأن طريقة استقباله توحي لهم بذلك.
وقد لا يكون الأمر كذلك بالنسبة له، ولكنه لا يحسن التودد، فتقل رغبتهم في زيارته، حتى يقاطعوه بالكلية.
ومن أسباب قطيعة الرحم: التكلف الزائد، هناك من إذا زاره أحد من أقاربه تكلف لهم أكثر من اللازم، وأجهد نفسه في إكرامهم، بالرغم من رفضهم وإنكارهم عليه، وقد يكون بسيط الحال، فيقترض ويتحمل الديون فيحجم أقاربه عن المجيء إليه، خوفا من إيقاعه في الحرج.
والإسلام بالرغم من كونه يحث على الكرم إلا أنه في نفس الوقت، ينهى عن الإسراف والتكلف والغلو في الضيافة، خاصة لمن كان قليل المال.
جاء في صحيح الجامع قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تكلفوا للضيف أي لا تفرطوا في إكرامه، فتقعوا في محذرو الإسراف، وإهلاك المال بحجة الإكرام، الإكرام له حدود، قال تعالى: (وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) [الطلاق: 7].
وعن شقيق بن سلمة قال: دخلنا على سلمان الفارسي -رضي الله عنه-، فدعا بماء كان في البيت، وقال: "لولا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن التكلف للضيف لتكلفت لكم".
فالتكلف الزائد يمنع من استمرار الصلة في كثير من الأحيان.
ومن أسباب القطيعة: الشح والبخل، من الناس من إذا رزقه الله مالا، أو جاها، تجده يتهرب من أقاربه، خوفا من طلباتهم، بدلا من أن يقوم على خدمتهم بما يستطيع، ويعتذر إليهم عما لا يستطيع، إذا به يهجرهم، حتى لا يرهقوه بكثرة مطالبهم؛ كما يزعم.
معاشر الإخوة: هذه باختصار بعض أسباب قطيعة الرحم في مجتمعاتنا.
أسأل الله -تعالى- أن يقينا شر التقاطع والفرقة، وأن يجمع قلوبنا على الحق.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد:
فالسؤال الثاني: كيف نصل أرحامنا في هذا الزمان؟
جاء في البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".
يظن الكثيرون: أن الصلة لا تكون إلا مع الوصل، فالصلة عندهم بمثابة المكافئة لا يستحقها إلا من وصلهم، أما القاطع فليس أهل للصلة، لا، النبي -صلى الله عليه وسلم- يريد تعديل هذا المفهوم الدارج، فيقول: "ليس الواصل بالمكافئ".
ليس على سبيل المكافئة، أي أن المسلم لا يصل رحمه على هذا السبيل؛ فمن وصلنا وصلناه، ومن لم يصلنا قطعناه.
كلا، ليس هذا موضوع الاحتساب والأجر والفضل، قال: "ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".
فإِنْ أكَلُوا لَحْمِي وفَرْتُ لُحُومَهُمْ | وَإنْ هَدَمُوا مَجْدِي بَنَيْتُ لَهُمْ مَجْدَا |
ولاَ أحْمِلُ الْحِقْدَ الْقَدِيمَ عليْهِمِ | ولَيْسَ رَئيسُ الْقوْمِ مَنْ يحْمِلُ الْحِقْدَا |
لَهُمْ جُلُّ مالِي إنْ تَتابَعَ لي غِنىً | وإنْ قَلَّ مالِي لَمْ أُكَلِّفْهُمُ رِفْدَا |
نعم -أيها الإخوة-: يجب أولا أن نفقه مفهوم الصلة.
الأمر الثاني: تجدد وسائل الصلة، الصلة مع تعقيد الحياة اليوم ليست كما كانت ببساطة الأمس: زيارات بلا موعد، ودخول وخروج، وأبواب مفتوحة؛ هذا كان في القديم.. أما اليوم فهذا قليل جدا، ولا يناسب أكثر الناس.
ولذلك نقول: ينبغي أن نتذكر أن الغاية من وراء الصلة هو تأليف القلوب، وتقوية أواصر القربة، فإذا أدى نوعا معينا من أنواع الصلة إلى عكس ذلك لزم العدول عنه إلى نوع آخر؛ لأنه لا يحقق الغاية، فينبغي التعرف على طبائع الأقارب: ما هي طبيعة فلان؟ والسبيل الأمثل لصلة هذا وصلة ذاك!.
وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- عن صعوبة صلة الرحم بسبب مشاغل الحياة والسفر المستمر، الذي يمنع الصلة المباشرة؟
فقال رحمة الله عليه: "صلة الرحم واجبة حسب الطاقة، الأقرب فالأقرب، وفيها خير كثير، ومصالح جمة، والقطيعة محرمة، ومن كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22-23].
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة قاطع رحم"[أخرجه مسلم في صحيحه].
وقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل: يا رسول الله من أبر؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال في الرابعة: "أباك، فالأقرب فالأقرب"[أخرجه مسلم أيضا].
وذكر حديثا آخر، ثم قال: "والواجب عليك صلة الرحم حسب الطاقة، بالزيارة إذا تيسرت، وبالمكاتبة، وبالتلفون، ويشرع لك أيضا صلة الرحم بالمال، إذا كان القريب فقيرا، وقد قال -عز وجل-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16].
وقال سبحانه: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: 286].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم"[متفق على صحته].
وفق الله الجميع لما يرضيه.
هكذا قوله رحمه الله.
وقال ابن حجر: "وقال بن أبي جمرة تكون صلة الرحم بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء، والمعنى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر، بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفارا، أو فجارا، فمقاطعتهم في الله هي صلتهم، بشرط بذل الجهد في وعظهم، ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب، أن يعودوا إلى الطريق المثلى".
قال تعالى: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الروم: 38].
أسأل الله أن نكون من أهل الصلة المفلحين.
اللهم ألف بين قلوبنا وقلوب المسلمين على الحق...