المقتدر
كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
كثير من شبابنا وأبنائنا لديهم طاقات هائلة وقدرات كبيرة وبإمكانهم أن يبدعوا وينافسوا لو شجعناهم على الإقدام والسير نحو تحقيق كل ما هو جميل ونافع. لا تعقّدوا أبناءكم وشبابكم، ولا تغرسوا في قلوبهم التردد والاحجام، بل ادفعوا بهم، وخذوا على أيديهم، وربوهم على أن يقدموا على تحقيق مرادهم طالما أن فيه ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي حكم أن العاقبة للمتقين، وأن هلاك الظالمين يكون على أيدي المؤمنين، ومصير الجبابرة و المتكبرين ينتهي ويزول بإقدام وقوة المسلمين، والصلاة و السلام على عبده ورسوله المقدام، سيد الأنام، وداعي البشرية إلى الخير والإقدام، -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام-.
أما بعد:
عباد الله: إن المسلم الذي امتلأ قلبه إيماناً بالله وثقة به يعلم علم اليقين أن الأمور كلها بيد الله، وأن الله -سبحانه وتعالى- بيده مقاليد كل شيء؛ فلا مؤخر لما قدمه ولا مقدم لما أخره، ولا يحدث في الكون شيء إلا بأمره وعلمه -سبحانه وتعالى-.
هذا الإيمان العميق يجعل المسلم يوقن أن الإقدام والشجاعة لن تؤثر في حياته، ولن تنقص من عمره؛ كما أن التقهقر والإحجام لن يزيد في عمره، ولن يمد في أجله، ولاشك أن هذه العقيدة العظيمة تربي في نفسية المسلم الإقدام والشجاعة والتوكل على الله -سبحانه وتعالى-، والبعد عن الإحجام والجبن والتواكل والكسل.
إن الإقدام صفة عظيمة يجب على كل مسلم أن يتحلى بها؛ لأن من آمن بالله وتوكل عليه وأيقن أن الأمور بيديه أقدم على كل عمل يرى فيه مصلحة دينية أو دنيوية؛ فلا يتردد في عمل الخير، ولا يجحم عن فعل الصالحات، بل يقدم وينافس (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين:26].
أيها المسلمون: إن الإقدام ينقسم إلى قسمين: فهناك إقدام محمود، وإقدام مذموم؛ فالإقدام المحمود يكون في عمل الخير وفي كل ما هو نافع، والإقدام المذموم يكون في الإقدام على الشرور والمخالفات والمنهيات والمضار.
فمن صور الإقدام المحمود أن يقدم الإنسان على الحق ويتقبله، ويكون شجاعاً مقداماً في قبوله؛ فكم من أناس يرون الحق ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ولكنهم لا يمتلكون الشجاعة والإقدام في قبوله واعتناقه.
ولهذا ذم الله -سبحانه وتعالى- اليهود ومن شاكلهم ممن علم الحق وعرفه ولكنه انصرف عنه ولم يتبعه، فقال: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة:146].
إن المسلم يجب عليه أن يكون مقداماً في قبول الحق متبعاً له، متقبلاً له، لا يرده ولا ينكره ولا يتجاهله إذا علمه وأيقن أنه الحق، وإلا كان ممن قال الله فيهم (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) [الأنفال:6]، وقال: (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) [يونس:76].
ومن صور الإقدام أن يقدم الإنسان على فعل الخيرات وعمل الصالحات، فلا يتردد في عمل فيه خير وهو قادر على أن يعمله ويقوم به، بل عليه أن يقدم وينافس، ولا يتوانى أو يتباعد عن عمل فيه نفع دنيوي أو أجر أخروي طالما أن عنده القدرة على القيام به، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) [البقرة: 148]، ويذكر أن من صفات المؤمنين أنهم: (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) [آلعمران:114]، ويقول -جل وعلا-: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة:10-12].
كم منا من لديه القدرة على أن يعمل أعمالاً صالحة كثيرة ولكن ينقصه الإقدام على عملها، فإذا أقدم على عملها وقام بأدائها رأى سهولتها، وعلم أن المانع الذي كان يمنعه من القيام بها إنما هو عدم الإقدام على القيام بها، فإذا أقدم على القيام بها رأى سهولتها ويسرها.
وكم من أناس كانوا يرون أن فعل الخير، وقيام الليل، وصيام النهار، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. كانوا يرون أن الإقدام على هذه العبادات الجليلة أمراً صعباً وعملاً شاقاً، فلما قدموا على عملها رأوا سهولتها ويسرها.
وحتى في الأعمال الدنيوية؛ فالإنسان ربما يحجم عن الدخول في بعض الأعمال، أو يمتنع عن المشاركة في بعض الصفقات والتجارات والمقاولات، فإذا ترك الخوف والإحجام وتوكل على الله وأقدم على القيام بتلك الأعمال رأى أن الإحجام عنها وعدم الإقدام على فعلها كان صارفا له عن كثير مثل هذه الصفقات والتجارات.
ومن صور الإقدام أن يقدم الإنسان على التوبة إلى الله والرجوع إليه، والانطراح بين يديه؛ فكم من شباب يتمنون الاستقامة، ويودون أن يرجعوا إلى ربهم، ولكن مشكلتهم أنهم لا يقدمون على ما يريدون، ولا ينفذون ما يطمحون أن ينفذوه ويكونوا عليه.
فلا تترد -يا عبد الله- في التوبة، ولا تسوف فيها، ولا تتوانى أو تتأخر؛ فلعل الأنفاس تسكن والعمر يقصر قبل أن تحقق أمنيتك بالتوبة والرجوع إليه؛ فأقبل على الله، وأقدم عليه، وعجل في الرجوع إليه، فإن الله -جل وعلا- يدعوك ويناديك فيقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) [الزمر:53-54].
عباد الله: ومن صور الإقدام أن يكون المسلم شجاعاً مقداماً لا يهاب من الأعداء، ولا يخاف منهم، ولا يخشى قوتهم وسطوتهم، ولا يخاف من طائراتهم وقدراتهم وإمكانياتهم؛ لأنه يعلم أن النصر بيد الله، وأن الغلبة لا تكون إلا لأولياء الله؛ فلم الجبن والخور؟!.
إن المسلمين يوم أن تحلوا بالشجاعة والإقدام وتركوا الخوف والانهزام هزموا فارس والروم، وكسروا كسرى وقصروا قيصر، وأزالوا دولة الفرس والروم إلى غير رجعة، ورموا بتلك الامبراطوريات في مزبلة التاريخ.
فمن هدم عروش الجبابرة وحطم كبرياءهم وأهان كرامتهم وداس أنوفهم ومرغ سمعتهم سوى أبطال المسلمين، الذين سطروا أقوى المعارك، وكتبوا بدمائهم أعظم الملاحم، وسطر التاريخ لهم أروع البطولات، وكتب بماء الذهب مواقفهم البطولية وبطولاتهم الرائعة التي ترتجف قلوب الأعداء من مجرد سماعها، ويتساقطون جزعاً وهلعاً إذا ذكروا قادتها وفرسانها.
فلما أحجم المسلمون في هذا العصر عن الإقدام، وتوانوا عن الشجاعة، وجنحوا للسلم والاحجام، وأحبوا الدنيا وتعلقوا بها، وأصابهم حب الدنيا وكراهية الموت تسلط أعداؤهم عليهم؛ فسبُّوا رسولهم، وأهانوا دينهم ومقدساتهم، ونهبوا خيراتهم وأكلوا ثرواتهم، وصدق الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -إذ يقول: "يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا"، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ"، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ" [أبو داود:4297].
لقد أقدم المسلمون على مناجزة أعدائهم وقتالهم في غزوة بدر، وكان عدد المسلمين يومئذ ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، وعدد المشركين يفوقهم بثلاثة أضعاف، ولكن المسلمين أقدموا على قتال العدو عندما تعنت وأصر على القتال، مع أنهم لم يخرجوا للحرب ولم يستعدوا لها، ولكنهم أحبوا أن يقدموا على مصاولته ومقارعته، ولم يستسلموا له أو يجبنوا أمامه، فكانت الغلبة لهم والنصر حليفهم.
فبسبب إقدامهم عليه وقتالهم له نصرهم الله وغفر لهم ذنوبهم، وأنزل السكينة عليهم، وأمدهم بالملائكة تشاركهم وتقاتل معهم، (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:9-10].
وفي معركة مؤتة أقدم الفارس المغوار، الشجاع المقدام، الأسد الهصور، سيف الله المسلول، خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، أقدم على قتال الروم وكان عددهم مائتي ألف جندي، في حين أن عدد المسلمين لا يتجاوز ثلاثة آلاف، حتى احتار المسلمون في الأمر، وأقاموا ليلتين يفكرون في هذا الموضوع وينظرون ويتشاورون، فقالوا نكتب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نخبره بعدد عدونا؛ فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمر فنمضي له.
ولكن عبد الله بن رواحة التواق للشهادة في سبيل الله عارض هذا الرأي، وشجع الناس وقال لهم: "ياقوم والله إن التي تكرهون لَلَّتِي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا، فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة"، فاستقر الرأي في النهاية على رأي عبدالله بن رواحة -رضي الله عنه وأرضاه-.
فتحرك المسلمون إلى مؤتة وعسكروا هناك، وتعبئوا للقتال وتجهزوا للقاء، والعدو يدنو منهم ويتقرب إليهم، فالتقى الفريقان وتلاحم الصفان، وبدأ القتال المرير، ثلاثة آلاف رجل يواجهون هجمات مائتي ألف مقاتل، معركة عجيبة تشاهدها الدنيا بدهشة وحيرة وترقب، ولكن رياح الإيمان إذا هبت جاءت بالعجائب، (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران:126] (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وأفضل النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المسلمون: ينبغي علينا أن نربي أنفسنا وأبناءنا على الإقدام والمضي، وأن ننزع من قلوبهم الشعور بالخوف من الفشل؛ فكثير من شبابنا وأبنائنا لديهم طاقات هائلة وقدرات كبيرة وبإمكانهم أن يبدعوا وينافسوا لو شجعناهم على الإقدام والسير نحو تحقيق كل ما هو جميل ونافع.
لا تعقّدوا أبناءكم وشبابكم، ولا تغرسوا في قلوبهم التردد والاحجام، بل ادفعوا بهم، وخذوا على أيديهم، وربوهم على أن يقدموا على تحقيق مرادهم طالما أن فيه خيراً لهم في الدنيا أو في الآخرة.
إن الشباب يستطيع كثير منهم أن يعملوا أشياء كثيرة، لكن يمنعهم الخوف من الفشل وعدم الإقدام، فإذا وجدوا من يحثهم على الإقدام ويشجعهم عليه تقدموا وقدموا الأمة إلى مراتب عالية، وقفزوا بها إلى منازل رفيعة، ولكن مشكلتنا في بعض الأحيان أننا نخوفهم ونفشلهم.
تجد بعض الشباب يرى في نفسه القدرة على أن يؤم الناس في الصلاة أو يقوم فيهم ويخطبهم، فيأتي إليه والده ويمنعه من ذلك، ويخوفه من الفشل والارتباك، حتى يوقعه في ترك هذا العزيمة والاحجام عنها.
وبعض الشباب لديه عقلية تجارية وميولات اقتصادية، فيرغب في فتح مشروع أو المنافسة في عمل تجاري، لكن أهله يعقدونه ويفشلونه ولا يشجعونه على الإقدام، لا لسبب وإنما خوفاً عليه من الفشل.
وكم من أناس ضيعوا فرصاً كبيرة وتركوا أموراً عظيمة بسبب الاحجام وترك الإقدام، والضعف والنكوص والتردد، ولو أنهم امتثلوا قول الله -سبحانه وتعالى-: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159]، لما حصل لهم هذا. يقول الشاعر:
إذا هبَّت رياحك فاغتنمها | فإن الخافقات لها سكونُ |
وإن ولدت نياقك فاحتلبها | فلا تدري الفصيل لمن يكونُ |
إن نفس الإنسان فيها قوة تجعله يقدم في بعض المواطن، وفيها قوة تجعله يحجم في بعض المواطن، فيجب على الإنسان أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى الأشياء التي تنفعه، وقوة الإحجام يجعلها بالصبر في الاحجام عما يضره.
فالشهوة مثلاً قوة جبارة مركبة في نفس الإنسان، إما أن تدفعه إلى مستنقعات الرذيلة والشهوات، وإما أن تدعوه إلى الستر والعفاف، ولهذا عدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- من السبعة الذين يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ "وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ" [البخاري:660، ومسلم:1031]، أظله الله تحت ظله؛ لأنه أحجم عن المعصية ولم يقدم عليها ولم يوقع نفسه فيها، مع أنه رجل فيه طاقة وشهوة، والمرأة دعته وليس هو من دعاها، وهي ليست امرأة عادية بل إنها ذات منصب وجمال.
أيها الناس: إننا حينما ندعو إلى الإقدام، والجرأة والشجاعة لا ندعو إلى الإقدام المبالغ فيه، والذي يصل بالإنسان إلى الطيش والتهور وحرق المكاسب، وإنما الإقدام الذي نتكلم عليه وندعو له هو الإقدام المضبوط بالحكمة والتخطيط السليم، والإعداد الجيد، والترتيب المسبق، يقول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا" [البخاري:6463، مسلم:2818]، أي الزموا دائماً الوسط المعتدل في كل أموركم كلها تبلغوا مقاصدكم، وتحققوا أهدافكم، وتنالوا بغيتكم.
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فبدأ بنفسه، وثنى بالملائكة المسبحة بقدسه، وثلث بكم أيها المؤمنون من إنسه وجنه، فقال عز من قائل كريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
اللهم إنا نسألك الإقدام على فعل الخيرات، ونعوذ بك من الإقدام على ارتكاب المعاصي وفعل المحرمات.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].