الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | هلال الهاجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
يا شبابَ الإسلامَ: أنتم أملُ الأمَّةِ المَنشودُ، وبِكم سيكونُ نصرُ اللهِ المَوعودُ، مَن أشغلَكم بمثلِ هذه التَفاهاتِ، من مُباحاتٍ ومُحرماتٍ، تستهلكُ من حياتِكم غاليَ الأوقاتِ، كرةُ قدمٍ، تفحيطٌ، مُعاكساتٌ، مقاطعٌ إباحيَّةٌ، سَفرٌ، قَصَّاتٌ، سهرٌ، وبلوت، ومُخدِراتٌ، أغانٍ، طربٌ، ورَقصاتٌ، تراكمتْ المعاصي حتى ظَهرَ أثرُها في عقيدةِ الوَلاءِ والبراءِ في قلوبِ الشَّبابِ المُسلمِ، في مظاهرَ من التَّعلقِ بالكافرينَ، فمتى كانَ كافرًا يُستقبلُ في بلادِ الإسلامِ استقبالَ الفاتحينَ؟! ...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد:
فإن خيرَ الكلامِ كلامُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ.
فَرحةٌ غَامِرةٌ، بل بكاءٌ من الفَرحِ، بَهجةٌ وسرورٌ، سَعادةٌ وحُبُورٌ، قَفزٌ وعِناقٌ، ومظاهرُ أشواقٍ، سُجودُ شُكرٍ ودُعاءٌ، والبَعضُ أصابَه الإغماءُ، في مقطعٍ قصيرٍ، فيا تُرى ما الَّذي جعلَ شبابَ الإسلامِ يَفرحونَ هذا الفرحَ؟!
هل عادتْ القُدسُ المُغتصبةُ إلى حِمى المُسلمينَ، وارتفعَ الذُّلُ الذي عِشناهِ سنينَ، حتى تحقَّقَ فينا ما جاءَ في حديثِ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: أَمَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْ بَيْتُ الْمَقْدِسِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى هُوَ، وَلَيُوشِكَنَّ لأَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ -حَبْلِ الفَرَسِ- مِنَ الأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرًا لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"، فكم من المُسلمينَ اليومَ يتمنى فتحةً كمقدارِ حَبلِ الفَرَسِ ينظرُ منها إلى بيتِ المَقدسِ ليرى تلكَ الأرضَ المُباركةَ، ومُهاجَرَ الأنبياءِ -عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ-، ويرى أُولى القِبلتينِ، ومَسرى النَّبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، يراها رؤيةً بصَريَّةً حقيقيَّةً دونَ شاشاتٍ وكاميراتٍ، ولكنَّه لا يستطيعُ.
هل عادَ المَسجدُ الأقصى، الَّذي تعلَّقَتْ به قلوبُ الصَّالحينَ، ورفرفتْ فَوقَه أرواحُ العابدينَ، واشتاقَ التَّائبونَ لصلاةِ ركعتينِ فيه يغسِلونَ بها خطاياهم، ويَمسحونَ بها ذُنوبَهم، كما في حديثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ الله عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ"، فاللهُ أكبرُ!! ركعتانِ تفعلانِ كما يفعلُ الحجُّ مع ما فيه من المشقةِ والتعبِ، ولكن للأسفِ، ليسَ لهذا السببِ يقفزُ أبناءُ الإسلامِ من الفرحِ؛ لأن بيتَ المقدسِ لا زالَ في أيدي أحقرِ الشَّعوبِ، ولا زالَ هذا الاحتِلالُ وصمةَ عارٍ في جبينِ الأمةِ الإسلاميَّةِ، ونُقطةً سوداءَ في تاريخِ حياتِنا أن نكونَ وُلدنا ومتنا وفِلسطينُ في أيدي اليَهودِ الغاصبينَ.
إذًا ما هو سببُ الفرحِ يا تُرى؟! هل رُفعَ الظُلمُ عن إخواننِا المُستَضعفينَ المضطهدينَ، فلا نرى قتلًا ولا شَنقًا ولا سِجنًا ولا حَرقًا، هل رجعوا إلى بلادِهم وبُيوتِهم آمنينَ سالمينَ، هل أُعطوا ما تمنَّوا من حُكمِ الشَّريعةِ والدِّينِ، هل استمتعوا بخيْراتِ بلادِهم، فهم في خَيرِ وَظيفةٍ ورَغَدِ عَيْشٍ!! (جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)، ولا عجبَ في هذا الفرحِ فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَثَلُ الْـمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْـجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْـجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْـحُمَّى"، ولكن للأسفِ، ليسَ هذا السَبب، هو سبب البَهجة والسُّرورِ عندَ شبابِنا، لأنَّ بلادَ المُسلمينَ لا زالتْ كما وصَفَها الشَّاعرُ:
أَنَّى اتَّجَهْتَ إِلَى الإِسْلاَمِ في بَلَدٍ | تَجِدْهُ كَالطَّيْرِ مَقْصُوصًا جَنَاحَاهُ |
كَـمْ صَرَّفَتْنَا يَـدٌ كُــنَّا نُصَـرِّفُهَا | وَبَاتَ يَحْكُـمُنَا شَعْـبٌ مَلَـكْـنَـاهُ |
إذًا لماذا هذا البُكاءُ من الفرحِ والدُّعاء؟! هل دخلَ في الإسلامِ رجلٌ عزيزٌ شريفٌ كبيرٌ، يُرجى بإسلامِه إسلامُ الكثيرِ، كما في قِصةِ إسلامِ عَدي بنِ حاتمٍ -رضيَ اللهُ عنه- قال: قالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "يا عديُّ: ما تقولُ؟! أَيَضُركَ أن يُقالَ: اللهُ أكبرُ؟! فهل علمتَ شيئًا أكبرُ من اللهِ؟! ما يَضُركَ؟! أَيَضُركَ أنْ يُقالَ: لا إلهَ إلا اللهُ؟! فهل تعلمُ إلهًا غيرَ اللهِ؟!" ثم دعاهُ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- إلى الإسلامِ، فأسلمَ وشِهِدَ شهادةَ الحقِّ، قالَ عَديٌّ: "فلقد رأيتُ وجهَ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- استبشرَ".
أو هل تابَ الكثيرُ من شبابِ الإسلامِ، فخرجوا من الظُّلماتِ إلى النُّورِ، في منظرٍ مهيبٍ يَسرُّ الصَّديقُ ويُغيظُ العِدى، فأصبحوا مناراتِ عَطاءٍ، ووسائلَ بناءٍ، وأوعيةَ وفاءٍ، لدينِهم ووطنِهم ولأهلِهم، للأسفِ، ليسَ هذا سَبب السَّعادةِ الغامرةِ، فلا زالَ النَّاسُ يدخلونَ في دينِ اللهِ أفواجًا، ولا زالَ الشَّبابُ يرجعونَ إلى اللهِ جماعاتٍ ووِحدانًا، ولم نرَ مثلَ مظاهرَ الفرحِ الباديَّةَ على وجوهِ أولئكَ الشَّبابِ، حتى إنهم فقدوا السَّيطرةَ على مشاعرِهم فأصبحَتْ كأنها ضَرب من الجُنونِ.
إذًا لعلَّه عادَ إلى أمةِ الإسلامِ مجدُها، واستعادتْ قوَّتَها، وظَهرتْ عِزَّتُها، فأصبحَ العالَمُ يتحاكمُ إلى بلادِ المُسلمينَ، وصارَ مَن ظُلِمَ أو اُعتديَ عليه استجارَ بهيئةِ الأممِ المُسلمةِ لرفعِ الظُلمِ عنه وردِّ الحقِّ له، كما كانوا بالماضي، كتبَ نقْفُورُ مَلكُ الرُّومِ إلى هارونِ الرَّشيدِ: "من نقفورِ ملكِ الرومِ إلى هارونِ ملكِ العربِ، أما بعدُ: فإنَّ الملكةَ التي كانت قَبلي حَملتْ إليك من أموالِها ما كُنتَ حَقيقًا بحملِ أضعافِها إليها، وذلكَ لضَعفِ النِّساءِ وحُمقِهنَّ، فإذا قرأتَ كِتابي هذا فارددْ ما حصلَ لك من أموالِها، وافْتَدِ نفسَك به، وإلا فالسيفُ بينَنا وبينَك"، فلما قرأَ الرَّشيدُ -رحمَه اللهُ- الكِتابَ، استفَزَه الغَضبُ حتى لم يَقدرْ أحدُ أن يَنظرَ إليه دونَ أن يُخاطبَه، وتَفرَّقَ جُلساؤُه، فدعا بدَواةٍ وكَتَبَ على ظَهرِ الكِتابِ: "بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، من هارونِ أميرِ المؤمنينَ إلى نقفورِ كلبِ الرُّومِ، قد قرأتُ كتابَك يا ابنَ الكَافرةِ، والجوابُ ما تراهُ دونَ ما تسمعُه"، ثم سارَ من يَومِه بجيوشِ المسلمينَ، ففَتحَ وغَنِمَ حتى جاءَ بلادَ نقفورِ فحاصرَها، حتى اضطرَّ نقفورُ إلى طَلبِ المُصالحةِ على خَراجٍ يَحملُه كُلَّ سَنةٍ إلى هارونَ، فأجابَه إلى ذلك.
ولكن للأسفِ، ليسَ هذا سبب سُجودِ الشُّكر ورَفعِ الأكُفِ بالدُّعاءِ، فلا زالَ كثيرٌ منَ المسلمينَ مُخالفينَ لقولِه تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، ففشلْنا وذهبتْ قوَّتُنا وصدقَ علينا ما قالَه -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا"، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟! قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهنَ"، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا الْوَهنُ؟! قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ".
إذًا ما سببُ ذلك الفرح العظيم من شبابِ المُسلمينَ، والقفز من السَّعادةِ، والعِناق، والدُّعاء، والسُّجود، والبُكاء من السَّعادةِ، ماذا تتَوقعونَ؟!
إنه لأجلِ فوزِ فريقٍ أوروبيٍّ كافرٍ في مُباراةِ كُرةِ القَدمِ!!
ولِـلْحَــوَادِثِ سُــلْوانٌ يُسَهِّــلُهـــا | ومَـا لِــمَا حَلَّ بالإسلامِ سُلْــوَانُ |
لمثل هذا يَذُوبُ القَلْبُ من كَمــدٍ | إنْ كانَ في القَلبِ إسلامٌ وإيـمانُ |
بارَكَ اللهُ لي ولكم في القُرآنِ العظيمِ، ونفَعَنا جميعًا بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا وأستَغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستَغفِروه يَغفرْ لكم، إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي أعزَّنا بالإسلامِ، وأكرمَنا بالإيمانِ، ورَحمنَا بنبيِه عليه أَفضلُ صَّلاةٍ وأزكى سَلامٍ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، جَعلَ السَّعادةَ في خَشيتِه وتَقواه، وجَعلَ العِزَّةَ والكَرامةَ لمن خَافهَ واتَّقاه، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا وحَبيبَ قُلوبِنا مُحمدًا رَسولَ اللهِ، وخليلَه من خَلقِه، فازَ ورَبِحَ من اتَّبعَ سُنَّتَه وهُداه، وخَابَ وخَسِرَ من خَالفَ مَنهجَه وعَصاه، اللهمَّ صَلِّ عليه وعلى آلِه وصَحابتِه، صلاةً تَزيدُ في رِفعتِه، وتَرفعُ في دَرجتِه، واجعلنْا من واردِي حَوضه وأَهلِ شَفاعتِه.
أما بعدُ:
يا شبابَ الإسلامَ: أنتم أملُ الأمَّةِ المَنشودُ، وبِكم سيكونُ نصرُ اللهِ المَوعودُ، مَن أشغلَكم بمثلِ هذه التَفاهاتِ، من مُباحاتٍ ومُحرماتٍ، تستهلكُ من حياتِكم غاليَ الأوقاتِ، كرةُ قدمٍ، تفحيطٌ، مُعاكساتٌ، مقاطعٌ إباحيَّةٌ، سَفرٌ، قَصَّاتٌ، سهرٌ، وبلوت، ومُخدِراتٌ، أغانٍ، طربٌ، ورَقصاتٌ، تراكمتْ المعاصي حتى ظَهرَ أثرُها في عقيدةِ الوَلاءِ والبراءِ في قلوبِ الشَّبابِ المُسلمِ، في مظاهرَ من التَّعلقِ بالكافرينَ، فمتى كانَ كافرًا يُستقبلُ في بلادِ الإسلامِ استقبالَ الفاتحينَ؟! فاعلموا أنَّه لا يمكنُ أبدًا أن يجتمعَ في قلبٍ واحدٍ حبٌ للهِ تعالى وحبُ كافرٍ أو كافرةٍ، وانتَبِهوا فإنَ المرءَ يُحشرُ يومَ القيامةِ مع من أحبَّ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟! قَالَ: "وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟!"، قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ"، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ"، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ.
نصيحةٌ من قلبيَ الدَّاميِ إلى قلوبِكم الطَيَّبةِ الصَّادقةِ، الإسلامُ يحتاجُ إليكم ليستعيدَ قوَّتَه، ووطنُكم يُريدُكم ليُحفظَ أمنَه وسعادتَه، ومجتمَعُكم يُناديكم ليبنيَ حضارتَه ونهضتَه، إن أيامَك غاليةٌ فلا تُفرِّطْ منها ولو بدقيقةٍ، ارفعْ نفسَك بالصَّالحاتِ، واجعلْ بينَك وبينَ اللهِ تعالى طاعاتٍ، اجعلْ بينَك وبينَه خَلواتٍ، اجعل بينك وبينَه دعواتٍ، اجعل بينَك وبينَه دمعاتٍ، فلا هدايةَ إلا عن طريقِه، ولا توفيقَ في الدُّنيا والآخرةِ إلا بسببِه، وهو يحبُّ التائبينَ.
اللهم اهْدِ شَبَابَ الإسْلاَمَ وَالمُسْلِمِين، اللهم رُدَّهُمْ إِلَى دِينِكَ رَدَّا جَمِيلًا، اللّهُمَّ لا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينَنَا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلا إِلَى النَّارِ مَصِيرِنَا، وَاجْعَلْ الجَنَّةَ هِيَ دَارَنَا، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا بِذُنُوبِنَا مَنْ لا يَخَافُكَ فِينَا وَلا يَرْحَمُنَا، الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالفَوْزَ بِالجَنَّةِ، وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ إِيمَانًا كَامِلًا، وَيَقِينًا صَادِقًا، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا، وَأَنْفُسًا مُطْمَئِنَّة، الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَات، وَتَرْكَ المُنْكَرَات، وَحُبَّ المَسَاكِين، وَبِرَّ الوَالِدَيْن، الَّلهُمَّ إِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَع، وَعَيْنٍ لا تَدْمَع، وَنَفْسٍ لا تَشْبَع، وَدَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لها يَا رَبَّ العَالَمِين.