المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
العربية
المؤلف | عدنان مصطفى خطاطبة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصيام |
وتلبية لهذا النداء الرمضاني الرباني العلوي، وتحقيقًا لمقصوده، فإنني أُحذّر من أمور ثلاث في رمضان، وأدعو إلى أمور ثلاث في رمضان، لعلنا بذلك نلبي هذا الدعاء، ونستجيب لطلب السماء، وأن نكون من أهل الصيام ومن أهل رمضان، ولعله بذلك أن يكتمل صيامنا، وأن يعظم أجرنا، وأن تكثر خيراتنا، وأن تقل خطيئاتنا ...
إنّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أما بعد: فإذا جاء رمضان وجّه الله سبحانه نداءً رقيقًا لطيفًا مباركًا لكلّ عبد من عباد الله في الأرض، نداءً خاصًّا برمضان، وخاصًّا للصائمين، كما جاء في الحديث الصحيح: "إذا جاء رمضان ناد منادٍ -وذلك كلّ ليلة-: يا باغي الخير: أقبل، ويا باغي الشر: أقصر". وفي رواية صحيحة في المسند: "ينادى فيه ملك: يا باغي الخير: أبشر، ويا باغي الشر: أقصر، حتى ينقضي رمضان".
هذا النداء العلوي الرباني الذي يفيض محبة وهداية، فيه مقصودان عظيمان: فيه بيان لمراد الله من عباده في رمضان، فمراده في هذا النداء: أنْ نُقبل على فعل الخير: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) [الشمس: 9]، وأن نبتعد عن مواقعة الشر: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس: 10].
وفيه كذلك بيان للمقصود الأعظم من رمضان ومن تشريعات الرحمن، وهو العمل، لا مجرد القول ولا الحفظ ولا التباهي ولا الأماني، بل العمل، وهذا ما ينبغي لنا أن نركز عليه في رمضان وفي غير رمضان.
وتلبية لهذا النداء الرمضاني الرباني العلوي، وتحقيقًا لمقصوده، فإنني أُحذّر من أمور ثلاث في رمضان، وأدعو إلى أمور ثلاث في رمضان، لعلنا بذلك نلبي هذا الدعاء، ونستجيب لطلب السماء، وأن نكون من أهل الصيام ومن أهل رمضان، ولعله بذلك أن يكتمل صيامنا، وأن يعظم أجرنا، وأن تكثر خيراتنا، وأن تقل خطيئاتنا.
أمّا الثلاث التي يجب أن نحذر منها في رمضان:
فأولها: احْذر -أيها المسلم- أن تبقى كما أنت، ما معنى هذا؟! احذر أن تبقى في رمضان كما كنت قبل رمضان، احذر أن يبقى مستوى إيمانك في رمضان كما كان قبل رمضان، احذر أن تكون معاصيك في رمضان كما كانت قبل رمضان، كنت قبل رمضان مقصرًا بالصلاة، وبقيت في رمضان مقصرًا بالصلاة، كنت قبل رمضان عاقًّا لوالديك، قاطعًا لرحمك، وبقيت في رمضان عاقًّا قاطعًا، كنت قبل رمضان منغمسًا في مشاهدة المنكرات على الفضائيات، وبقيت في رمضان منكبًّا عليها، فلم تتغير في رمضان، بقيت أنت أنت، بقيت طاعاتك محدودة كما كانت، وبقيت معاصيك معروفة كما كانت، فحالك هي حالك قبل رمضان وفي رمضان، لم تتغير، ولم تحقق مقصود رمضان، ولا مطلب الرحمن في رمضان، وهو: أن تقبل على الخير وأن تقصر عن الشر.
أيها المسلم: إذا بقيت حالك هكذا لم تتحسن ولم تتغير، فاعلم أنك على خطر عظيم، واعلم أن خطبك جسيم، لماذا؟! أولاً: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا بأن الشياطين تصفّد في رمضان؛ فقد قال كما في الصحيح: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفّدت الشياطين"، فإذا ضُمن لك أن الشياطين الوسواسة الخناسة الشريرة، التي تتربص بعباد الله خاصة، قد صفّدت وغلّت وربطت ومنعت، أو ضعفت عن الوسوسة لك، وتزيين الشرّ والمعاصي في عينيك، وتثقيل الطاعات على قلبك في رمضان كما كانت تفعل ذلك بك قبل رمضان، فقل لي: لماذا بقيت حالك على ما كانت عليه؟! لماذا لم يتحسن إيمانك؟! لماذا لم تزدد طاعاتك؟! لماذا لم تقلّ معاصيك؟!
إن هذا مؤشر خطير؛ لأنه لم تبق إلا نفسك الأمارة بالسوء، وهذا دليل على حجم الرّان الذي على قلبك، ولذلك -أخي المسلم- تدارك نفسك، تدارك نفسك، واطلب من الله الرحمة والمساعدة، وخالف نفسك الأمارة وألزمها بالطاعة وافطمها عن المعصية.
وثانيًا: أنت على خطر عظيم إن بقيت حالك على ما هي عليه قبل رمضان، فلا طاعاتك زادت ولا معاصيك قلّت، لماذا أنت على خطر؛ لأنّ دعوة أمين الملائكة جبريل -عليه السلام- قد أصابتك، نعم، أصابتك حينما عرَض للنبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح وهو يرتقي منبره: "فقال: يا محمد: من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، قلت: آمين".
نعم، هذا دعاء جبريل -عليه السلام-، وهذا تأمين محمد -صلى الله عليه وسلم-، على ذلك المقصر والمهمل والمضيع لرحمات ونفحات ربه في رمضان.
وثانيها: احذر -أيها المسلم- من تسويد ليل رمضان، احذر من مسوّدات ليلك في رمضان، فأنت قد نوّرت نهارك ونوّرت بيتك ونوّرت قلبك بالصيام في نهار رمضان وبالقرآن وبالذكر وبرضا الرحمن، فلا تسوّد ليلك بالمعاصي الليلية، فاحذر الفضائيات المنحلة، وشاشات الإنترنت الفاسدة، فلا تمضِ وقتك بالليل أمامها.
ويا أيها الأب: اتق الله في صيامك وفي صيام أولادك وفي صيام زوجتك، اتق الله في نهارهم الذي أمضوه عابدين، فلا تسوّد ليلهم بالقنوات والبرامج المنكرة، لا تسمح إلا بالنافع المفيد لك ولهم في نهار رمضان وفي ليله، وكن القدوة والمسؤول وصاحب القرار، وكن الحريص على أوقاتهم من أن تضيع أو تلوث، فهناك عديد من القنوات الإسلامية والبرامج الرمضانية الهادفة، فاجعلها سبيلك واجعلها من المنيرات لليلك وليل أسرتك، لا من مسودات لياليكم في رمضان.
وثالثها: احذر -أيها المسلم- من مُبيد الصيام، ومن مُبيد أجر الصيام، ومن محرقة حسنات الصيام، هناك شيء إن فعلناه نسف أجر صيامنا وجوعنا وعطشنا وصبرنا، أتعرفون ما هو؟! إنه اللسان، اللسان الكاذب، اللسان المفتري، اللسان السليط على عباد الله، اللسان المزَوِّر للحقائق، ألم يقل نبينا -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه"؟! ألم يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث المفلس، أن أجر الصيام سيضيع وسيذهب لأولئك الذين آذتهم ألسنتا؟! ألا فلنتق الله في ألسنتا، ألا فلنتق الله في صيامنا أن يذهب أجره إلى غيرنا، أو أن لا نحصد منه إلا الجوع والعطش بسبب ألسنتنا المنفلتة.
وفي المقابل -أيها الأخ الحبيب، أيها العبد الصائم، أيتها المؤمنة الصائمة- أقبل في رمضان الخير والبركة على ثلاث:
أولها: أقبل على كلام ربك، كلام إلهك، كلام معبودك، كلام الحق سبحانه، اقرأه بلسان وأذن وقلب من يوقن أن هذا كلام ربه، وأنّ الذي يتكلم في الآيات هو الله -جل جلاله-: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) [الزمر: 23]، أقبل بهذه الحال، ولكن في رمضان في شهر القرآن لا بد أن يزيد إقبالك على القرآن، ووقتك المصروف للقرآن، لا بد -أيها الصائم- أن يكون للقرآن الحظ الأوفر من وقتك ومجالسك في رمضان، ألم يقل لك نبيك كما في الحديث الصحيح: "اقرؤوا القرآن"، فلنقرأ ولنكثر ونكثر في رمضان.
وثانيها: أقبل على الدعاء الخالص والدعاء الواسع، فلك دعوات مستجابة؛ فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة"، فكان عبد الله بن عمرو إذا أفطر دعا أهله وولده ودعا.
فأقبل على الدعاء الخالص الحار من قلبك وبكثرة، ادع لنفسك ولأهل بيتك بخيري الدنيا ولآخرة، ولكن أذكرك بأن لا تنسى والديك ولا المجاهدين في سبيل الإسلام والقائمين على أمره، فخصهما بالدعاء الصادق، وتضرع في دعائك، ولا تجعله مجرد كلمات تمرّ على لسانك: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) [الأعراف: 55].
وثالثها: أقبل على السجود وأكثر منه، إنها أوقات رمضانية قد لا تجد لها مثيلاً، وقد لا تجد لنفسك نشاطًا في غيرها، فاغتنمها، بأن تكثر من السجود، وخاصّة في وقت السحر وعند قيامك للسحور، فلا تقتصر على تناول طعام السحور، بل أكثر في هذا الوقت من السجود ومن الاستغفار في السجود؛ فهذا وقت لا مثيل له، فتهجد واخشع وأطل السجود لربك الجليل، نعم، أكثر السجود وأقبل عليه في رمضان وفي صلاة التراويح، اجعلها صلاة كاملة لا تنقص منها شيئًا، صَلّها مع الإمام حتى يُكْمِل، وصَلّها طوال الشهر لا تنقص، نعم، أكثر من السجود وأقبل عليه، فقد قال لك نبيك -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح: "عليك بكثرة السجود لله؛ فإنك لن تسجد لله سجدةً إلا رفعك الله بها درجةً، وحط عنك بها خطيئة".
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين.
وبعد: هذه وقفات، وهي تلبية لنداء السماء في رمضان على أهل الأرض من قبل رب السماء والأرض، حينما أمر أن ينادى فيقال: "يا باغي الخير: أقبل، ويا باغي الشر: أقصر". جعلنا الله من الملبّين لندائه، الذين يقبلون على الخير في رمضان، ويبغون فعل الخير، ومن الذين يقصرون عن فعل الشر، ويبتعدون عن مواقعة كل ما يضر.
اللهم اقبلنا، وتقبل أعمالنا، وارض عنا وعن والدينا وأهلينا أجمعين.