الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
معاشر المؤمنين: إن النكاح رحمة من رب العالمين، شرعه الله لحكم عظيمة منها: سد حاجة الإنسان الفطرية من ميوله تجاه النساء، وفتنته بهن. ومن حرص الشريعة الإسلامية على أعراض الناس، أُمر العبد بإعلان النكاح، وصنع الوليمة فيه، ودعوة الناس إليه؛ أخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن الزبير قال صلى الله عليه وسلم: "أعلنوا هذا النكاح". ولقد عمل الناس بهذه السنة في هذا الزمن -ولله الحمد- إلا أن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد:
معاشر المؤمنين: إن النكاح رحمة من رب العالمين، شرعه الله لحكم عظيمة منها: سد حاجة الإنسان الفطرية من ميوله تجاه النساء، وفتنته بهن.
ومن حرص الشريعة الإسلامية على أعراض الناس، أُمر العبد بإعلان النكاح، وصنع الوليمة فيه، ودعوة الناس إليه؛ أخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن الزبير قال صلى الله عليه وسلم: "أعلنوا هذا النكاح".
ولقد عمل الناس بهذه السنة في هذا الزمن -ولله الحمد- إلا أن بعض الناس قد تجاوز الحد المشروع فيه، حتى خرجوا من السنة إلى الكراهة بل المحرم.
ولهذا سننبه في هذه الخطبة عن بعض مخالفات الناس في النكاح والأفراح؛ فمن ذلك: نهي العاقد بين الزوجين من بمجلس العقد أن يشبك أحدهم أصابعه، أو يعبث بشيء مما في يده، وتراهم أثناء العقد وكأن على رؤوسهم الطير.
وهذه من المحدثات التي لم يرد عنها في الشرع المطهر شيئاً، وإنما ذلك مما أملاه الشيطان بوساوسه وأوهامه.
ومن ذلك: ما يحصل في وليمة العرس من المخالفات، فمن أبرزها ذلك: الإسراف والتبذير الذي تربع على وليمة العرس، فتكاليفها ليست بالآلاف، بل بمئات الألوف.
وكل ذلك من باب المباهاة والتفاخر المذموم، سواء كان ذلك في المأكل والمشرب أم في لبس النساء، فالمرأة تلبس اللبسة الواحدة في ليلة فقط بالآلاف، ثم مصيره إلى الفناء.
وأما الأكل والشرب، فيصنع في ليلة ما يأكل بقيمته الفئام من الناس.
أخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو قال صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة".
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعبد الرحمن بن عوف: "أولم ولو بشاة".
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: "ما أولم النبي -صلى الله عليه وسلم- على شيء من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة".
عباد الله: أين نحن من الهدي النبوي في ذلك، فدور الأفراح تستأجر ليلة واحدة بما يقارب مائة ألف، أو يزيد، ناهيك عن تلك التي تدعى بالوفيهات، التي ينفق فيها أموال عظيمة، فو تعقل الزوج وأبو الزوجة وأعلنوا هذا النكاح على سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وأنفقوا تلك الأموال في سبيل الله في بناء مسجد، أو مركز إسلامي، أو دفعوا تلك الأموال إلى شباب الأمة ممن لا يجد ما ينكح به لكان في ذلك خير عظيم.
عباد الله: تفكروا في وليمة عرس النبي -صلى الله عليه وسلم- بصفية بنت حيي -رضي الله عنها- فلو كان السرف جائزاً لكان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أولى من أنفقت في وليمته الأموال، أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس قال: "لما أصبح النبي -صلى الله عليه وسلم- عروساً بصفية، قال: "من كان عنده شيء فليجيء به" وبسط نطعاً فجعل الرجل يجيء بالتمر، وجعل الرجل يجيء بالسمن، قال: فحاسوا حسياً، فكانت وليمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ومن تلك المخالفات: ما يسمى بالتشريعة، أو المنصة، وذلك أن المرأة وزوجها يصعدان على منصة فوقها كرسيان، ويجلسان عليهما ولربما طفئت الأنوار، وسلطت الكشافات عليهما، وذلك بحضرة النساء، إن سلم منها الرجال، وهذا اختلاط محرم وسبيل من سبل فساد ذلك النكاح، فضلاً عن كونه موروثا غربيا.
ومن ذلك أيضاً: ما يحصل من بعض النساء في لباسهن في تلك الأفراح، فحدث ولا حرج من تبرج وسفور، وكشف للعورات، ومن خافت من الله منهن سترت ذلك، حتى تدخل على النساء، فالضيق المحجم للعورة والشفاف الواصف للبشرة، والمفتوح الذي ربما أظهر العورة المغلظة، كل ذلك بحجة وقوعه عند النساء، مع أن الواجب على المرأة أن تستر جسدها عن الرجال والنساء، ويباح للمرأة أن تظهر من جسدها ما يظهر عادة عند محارمها وبنات جنسها.
فاتقوا الله -يا أولياء الأمور-: وخذوا على أيدي سفائكم، فإنكم مسئولون، والأمانة عظيمة، أخرج البخاري ومسلم من حديث معقل بن يسار قال صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
اللهم جنبنا المنكرات ماظهر منها ومابطن، يارب العالمين.
الخطبة الثانية:
عباد الله: ومما أحدثه الناس في النكاح والأعراس: تبديل سنية الضرب عليه بالدف، بالغناء الماجن، فالمكبرات وأصوات النساء الفاتنات، حتى إن الصوت ليمتد إلى منازل الجيران، فضلا عما يتغنى به من كلام ماجن ساقط، بألفاظ الحب والغزل والغرام.
ومنهم الذين يحضرون الضاربات بالطبل ويدفعون إليهن المال، ويرقصن أمام النساء، وهذه فعلة محرمة، وخصلة تبرج، اقتبست من وسائل الإعلام الساقط.
عباد الله: إن نكاحاً يبني على معصية الله في أول أمره حريٌ به أن ينهار في أيامه الأولى، فاتقوا الله ربكم، وراجعوا دينكم.
ومن المنكرات في الأفراح كذلك: ما يحصل من تصوير للنكاح بأنواع أجهزة التصوير، والتصوير محرم شرعاً وصاحبه ملعون على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو من أشد الناس عذاباً يوم القيامة؛ أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالصلى الله عليه وسلم: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله".
وأخرجا في صحيحيهما من حديث ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: "من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ".
وأخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: "كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم".
قد يقول البعض، لم التشديد والبعض من العلماء يجيز التصوير، فأقول أين الورع، وقد سمعنا هذا الوعيد الشديد.
عباد الله: كم سمعنا من بيت تشتت من أسباب التصوير، واللبيب بالإشارة يفهم.
ومن المنكرات أيضا: ما يسمى بشهر العسل، والذي يقضيه الزوجان في بلاد الكفار، فهم يبدؤون عش الزوجية بينهما على قلة الدين وذهاب الحياء والحشمة، وإن في منتزهات بلاد الإسلام خصوصاً بلادنا لغنية عما يذهب إليه شبابنا.
قارنوا -رحمكم الله-: بين زوجين اقترنا، ثم سافرا إلى بلاد الغرب، فنزع الحجاب أو كاد، وتعلمت المرأة لبسات الغرب وعاداته، وعاشت في أحضان دول الكفر أياماً، ثم عادت بما قد تلقنته من عادات وفتن، ثم بثت ذلك بين بنات جنسها، قارنوا بين هذا، ومن اقترن بزوجة، ثم ذهبا إلى مكة لأداء العمرة، شاكرين الله على نعمة الزواج، ثم ذهبا إلى مصايف بلادنا، ثم رجعا بحشمة وعفاف، وأخلاق إسلامية، شتان بين الفريقين.
عباد الله: يكفي جرياً وراء الموضة، والعادات الساقطة مباهاة وغروراً، ولنعد إلى رشدنا، ولنتمسك بديننا، فإن أعداء الملة يحسدوننا على نعمة الهداية للدين الصحيح، ويفرحون بتخلينا عنه، خصوصاً إذا رأوا شباب الإسلام يركضون خلف موضاتهم وتقاليدهم.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وليستيقظ أولياء الأمور من سبات الغفلة، وليقوموا على أولادهم بالتربية الصحيحة، وحذار من إطلاق الحبل على الغارب، ومن إعطاء النساء زمام الأمور، فإن ذلك نذير شر، عافانا الله وإياكم.
اللهم اهدنا لصالح الأعمال والأقوال والأخلاق لا يهدي لها إلا أنت، واصرف عنا....
اللهم اغفر....