الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | سامي بن خالد الحمود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
ومع ظهور الحكم الشرعي وكثرة أدلة تحريم الاختلاط، فإنك تسمع بفتاوى في غاية الغرابة, وليس هذا بغريب في زمن غربة الفتوى، فقد أفتى بعضهم بأن رضاعة الكبار تجعلهم أخوانًا ولاسيما في العمل المختلط، وأفتى آخر بأن ذبح الديك في عيد الأضحى يكفي، وأفتى آخر بأن لبس المرأة للعباءة ليس من الإسلام, بل تحوَّل بعض الصحفيين والمسؤولين إلى مفتي وهو لا يعرف شروط الصلاة ..
الحمد لله الذي اهتدى بهديه ورحمته المهتدون، وضلّ بعدله وحكمته الضالون، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حقّ جهاده،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
حديثنا اليوم عن موضوعٍ عمَّت به البلوى، وكثر الكلام عنه في الآونة الأخيرة.
طليعة الموضوع: مشاهد مؤثرة، من هدي القرآن الكريم.
ها هو موسى -عليه السلام- يخرج من مصر، تلقاء مدين، (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) [القصص:23].
يصل موسى إلى بئر مدين، فيجد جماعة من الناس يسقون أنعامهم ومواشيهم، ودونهم امرأتان تمنعان ماشيتهما، فيسألهما: مَا خَطْبُكُمَا؟ فتقولان: (لاَ نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرّعَاء) نحن لضعفنا وبعدنا عن الاختلاط بالرجال ننتظر انتهاءهم ثم نسقي مواشينا.
السياق يشير إلى أنَّ هاتين المرأتين خرجتا للعمل في السُّقيا للضرورة؛ لأنهما قالتا: (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)، ومع هذا فلا تريدان الاختلاط بالرجال حتى لا تتعرَّضان للفتن, وليس كما يحدث اليوم من خروج النساء بحاجة وبدون حاجة واختلاطهن بالرجال.
والسياق القرآني يشير كذلك إلى أنه ينبغي للرجل الفاضل أن يعين المرأة التي تضطر للعمل بحكم الضرورة، كما فعل موسى -عليه السلام-.
والسياق القرآني يذكر أنهما امرأتان، وهذا يشير إلى أن المرأة إذا اضطرت إلى الخروج للعمل فإنها تحتاط، ومن وسائل الاحتياط أن تَسنُد نفسها بامرأة أخرى تجنبًا للشبهة والخلوة وحماية من الأذى.
ثم تأمل قول الله –تعالى- (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) [القصص:25], لأنها ترَّبت على الحياء, لم تتكشَّف ولم تتبرَّج، ثم قالت له بحزم وكلام مقتضب: (إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) [القصص:25], فلم تتكسر وتتغنج كبعض النساء اليوم.
أين هذه المشاهد العظيمة من الحياء والعفة والبعد عن الاختلاط بالرجال عن ما ينادي به المختلطون من رويبضة الصحف وسفهاء الإعلام اليوم، وربما نسبوه إلى بعض من ينتسب للعلم، بجواز الاختلاط وكسر الحواجز بين الجنسين.
عنوان هذه الخطبة: (الاختلاط في حكم الاختلاط) وسيكون حديثنا أولاً عن حكم الاختلاط بين الجنسين، ثم نقف مع شبهات ومغالطات أهل الاختلاط.
أدلة تحريم الاختلاط:
عباد الله: دلَّ على تحريم الاختلاط بين الجنسين أدلة كثيرة من القرآن والسنة، منها:
قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقلوبهن) [الأحزاب:53].
فإذا كان الحجاب وعدم الاختلاط أطهر لقلوب أمهات المؤمنين وخيار الصحابة -رضي الله عنهم- فمَن بعدهم أحوج إلى ذلك.
عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ" متفق عليه.
وعن أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافاتِ الطَّرِيقِ, فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ" أخرجه أبو داود وحسَّنه الألباني في الصحيحة.
وعن أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ" قَالَ الزهري: "فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ", أخرجه البخاري.
وعن ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ. قَالَ نَافِعٌ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ ", أخرجه أبو داود بسند صحيح.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها", رواه مسلم.
هذه بعض الأدلة، فهل بقي عندنا شك؟ النبي –صلى الله عليه وسلم- نهى عن دخول الرجال على النساء، وحرص على التباعد بين الرجال والنساء حتى في أماكن العبادة، ونظَّم الخروج من المسجد, فتخرج النساء أولاً بعد السلام مباشرة قبل الرجال، وبيَّن كيف يكون الحال إذا تقابل رجال ونساء في الطريق.
كل هذا في الحضور للمسجد، وفي زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- والصحابة، والنساء في غاية الحشمة والحجاب.
ومن أدلة حرمة الاختلاط: سدُّ الذرائع، والنظر إلى الآثار السلبية المترتبة عليه: من الاعتياد والإلف وكسر الحواجز بين الجنسين, وضعف الحجاب والوقوع في التبرُّج من بعض النساء نظرًا لضعف المرأة، ناهيك عن سلسلة طويلة من التحرش بالعاملات أو الطالبات أو المريضات.
إنَّ من قواعد الشرع المطهر أن الله –سبحانه- إذا حرَّم شيئًا حرَّم الأسباب والطرق المفضية إليه، ولما كان الزنى من أعظم الفواحش وأقبحها، حرم الله أسبابه وطرقه، ومن أعظمها: اختلاط النساء بالرجال، كما قال ابن القيم -رحمه الله- في الطرق الحكمية: "واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنى", وممن نقل هذا المعنى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم وابن باز وابن جبرين وغيرهم من الأئمة.
بل نقلته الكاتبة الإنجليزية (الليدي كوك) فقالت: "على قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنى".
وقالت الكاتبة (أنارود): "إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال".
يذكر أهل السير أن هندًا بنت الخُسِّ الإيادية كانت إحدى أميرات العرب في الجاهلية، فزنت بعبدها، فقيل لها:لم زنيت بعبدك وأنت سيدة قومك ولم تزن بحرّ؟! وما أغراك به؟ فقالت: قرب الوساد، وطول السَّواد، يعني طول المحادثة السرية، والسواليف الخاصة كما يقال.
من مظاهر الاختلاط:
عباد الله: إن من مظاهر الاختلاط التي يجب التنبيه عليها:
- الاختلاط في أماكن العمل في المؤسسات والشركات.
وإنَّ من المؤسف ما نشر مؤخرًا في بعض الصحف المحلية أن نظام العمل الجديد الذي أصدرته وزارة العمل ألغى النص الخاص بعدم جواز الاختلاط واستبدله بالعبارة الفضفاضة (بمقتضيات الشريعة الإسلامية) ومفهوم هذا التعديل أن نظام العمل القديم كان "يحرم" الاختلاط بين الرجل والمرأة في العمل وأن النظام الجديد "أباح" هذا الاختلاط، مع أن هناك تعاميم سابقة من ولاة الأمر -وفقهم الله- بمنع الاختلاط بين النساء والرجال في الإدارات الحكومية وغيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة، وكأننا ليس لدينا علماء يفتون في هذه المسائل وفق مقتضيات الشريعة.
- ومن المظاهر: الاختلاط في المستشفيات بين الرجال والنساء في اجتماعات الأقسام الطبية، وفي المحاضرات والندوات، بل جرى التقليد الأعمى بتخصيص ممرضة لكل طبيب في عيادته، ولكل مدير سكرتيرة في مكتبه، ناهيك عن تطبيب وتمريض الرجل للمرأة والمرأة للرجل دون ضرورة أو حاجة للتداوي.
- ومن المظاهر: اختلاط الذكور والإناث في المضاجع، ولو كانوا إخوة، فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر, وفرقوا بينهم في المضاجع".
شبهات أهل الاختلاط:
عباد الله: ومع ظهور الحكم الشرعي وكثرة أدلة تحريم الاختلاط، فإنك تسمع بفتاوى في غاية الغرابة, وليس هذا بغريب في زمن غربة الفتوى، فقد أفتى بعضهم بأن رضاعة الكبار تجعلهم أخوانًا ولاسيما في العمل المختلط، وأفتى آخر بأن ذبح الديك في عيد الأضحى يكفي، وأفتى آخر بأن لبس المرأة للعباءة ليس من الإسلام, بل تحوَّل بعض الصحفيين والمسؤولين إلى مفتي وهو لا يعرف شروط الصلاة أو سنن الوضوء, وأصبح التمسح بالشريعة، وعبارة (حسب ضوابط الشريعة الإسلامية) شماعة لتمرير أي فعل مريب, بل خرج علينا قزم من أقزام الصحافة بمقال عنوانه: لا مجتمع بلا اختلاط.
هؤلاء المختلطون عقليًا، عندهم اختلاط في حكم الاختلاط، ولهم شبهات كثيرة لا يملون من تكرارها.
فمن شبهاتهم: زعمهم أن الاختلاط جائز لأنه موجود في الطواف حول الكعبة!.
والجواب عن هذه الشبهة: أين الدليل على أن الطواف بالبيت كان مختلطاً في زمنَ النبي –صلى الله عليه وسلم-؟ بل الظاهر أن النساء كن يطفن وحدهن دون الرجال, كما نقل ابن حجر أن عمرًا –رضي الله عنه- نهى أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلاً معهن فضربه بالدرَّة.
و سُئل عطاءُ ابنُ أبي رباح ـالتابعيُ الثقةـ عن اختلاطِ نساءِ النبي –صلى الله عيه وسلم- بالرجال في الطواف فقال: "لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ, كَانَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ (أي: معتزلة في ناحية) تدلك على فجور القوم وضلالهم، كيف نقارن بين امرأة تجلس مع الرجال ساعات في مكتب واحد، وبين امرأة تصلي أوتطوف في الحرم؟ وهل يقول هذا الكلام إلا سفيه جاهل أو مفتون فاجر, كيف تقارن المصليات والطائفات في الحرم بالموظفات أو السكرتيرات وما يدور من الكلام والنقاش والثواب والعقاب، وربما الضحك والانبساط مع الرجل، وربما تتكسر بينهما الحواجز بسبب الاختلاط!
ثم إن تصرفات الناس إذا خالفت الأدلة لا يحتج بها، بل يحتج عليها، فهل طواف الناس اليوم دليل شرعي، حتى ينسف الأدلة السابقة التي دلت على تحريم الاختلاط.
وقد ذكر العلماء أن حالة الناس في المسجد الحرام حالة ضرورة لكثرة الناس كثرة تخرج عن السيطرة مع حرص القائمين على شؤون المسجد الحرام -وفقهم الله- على منع ما أمكن منعه.
ويقال أيضاً إن الاختلاط الذي قد يحصل في المسجد الحرام لشدة الزحام غير مقصود وإنما ألجأ إليه الزحام الشديد الذي لا يمكن منعه.
ثم إنه ليس كل مجرد التقاء بين الرجال والنساء اختلاط محرم، فالمرأة في زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- تمر في الطريق، أو تقضي حوائجها وتمشي في السوق مثلاً، وليس هذا بالاختلاط المنهي عنه, إنما المنهي عنه هو الالتقاء المستقر الذي هو محل الفتنة، كأن يكون محصورًا في مكان معين، مثل أماكن العمل أو فصول الدراسة مثلاً، أو يكون هذا الالتقاء مستقرًا دائمًا يطول وقته، وليس بالتقاء عارض, وهذا بحمد الله ظاهر للعاقل المنصف.
- ومن شبهاتهم مداواةُ النساء للجرحى من الرجال في الجهاد، وهذه شبهة ساقطة؛ لأن هذه المداواة من باب الضرورة، كما قال ابنُ حجر في الفتح: "وفيه جوازُ معالجةِ المرأةِ الأجنبيةِ الرجلَ الأجنبيَ للضرورة".
- ومن شبهاتهم في الدعوة إلى الاختلاط في التعليم للصغار، أن المرأة أشد لباقة وأحسن معايشة للصغار، وأنهم مجرد أطفال لا يضرهم ذلك ولا يؤثر عليهم, وهذا أمر باطل بشهادة المختصين؛ فالطفل يبدأ في النمو والتفتح والتطلع إلى المعرفة من السنة السادسة وهذا أمر واقع وثابت بالتجربة, ثم إن تجربة المجتمعات المجاورة، تثبت أن هذه الدعوى مجرد خطوة تتبعها خطوات لتعميم الاختلاط في المراحل الدراسية المختلفة.
وقد ذكر الشيخ علي الطنطاوي أن الاختلاط في بعض الدول الإسلامية بدأ بالاختلاط في رياض الأطفال، وبين رحمه الله أن أصول العقائد والأخلاق تغرس في العقل الباطن للإنسان، في السنوات الخمس أو الست الأولى من عمره، فإذا عوّد على الاختلاط، نشأ عليه، وكبر معه.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه...
- ومن أعجب وأخبث شبهات أهل الاختلاط: زعمهم أن الاختلاط يخفف الشهوة والدافع الجنسي، أما الكبت الذي ينادي به أهل العفة والفضيلة فإنه يولد الانفجار!
ونقول: حقيقةُ الأمر هي العكس تمامًا؛ فإن الاختلاط يزيد من شدة إثارة الدافع الجنسي، ولقد ظهر زيف هذه الخرافة يومًا بعد يوم في المجتمعات الأوروبية والأمريكية التي تسمح بالاختلاط بدون قيود، فلم يزد الناس إلا شهوانية حيوانية، وسعارًا بهيميـًا, فارتكاب الفواحش، وهتك الأعراض في ازدياد وارتفاع، مثلهم كمثل الظمآن، يشرب من ماء البحر، فلا يزيده شربه إلا عطشـًا على عطش.
مابين 50- 70% من الرجال الأمريكان و32% من الزوجات يخونون فراش الزوجية, و90% من النساء متزوجات بدون عذرية، في إحدى الجامعات الأمريكية أقرَّ أكثر من 70 من الموظفات بأنهن تعرضن لاعتداءات جنسية, وفي هيئة دولية هامة اعترفت 50 من السكرتيرات أنهن يتعرضن للاعتداءات الجنسية, وفي أمريكا وحدها يقتل مليون ونصف المليون جنين سنويًا بسبب الاجهاض مع وجود وسائل منع الحمل, فهل يريد دعاة التحرير والتغريب أن تصل مجتمعاتنا إلى هذه الحالة.
يقول الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله-: "هل أتهم المنحدرَ إن سيرت فيه سيارتي بلا كوابح فانهارت السيارة؟ هل اتهم النارَ إن أدنيت يدي منها بلا حجاب؟, وكابح السيارة هنا هو الزواج، والانتفاع بنار الشهوة إنما يكون بإنشاء الأسرة واستيلاد الولد".
ولذا قالت الصحفية الأمريكية (هيليان ستاتبري) في زيارة لها لمصر: "أنصح بأن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم، امنعوا الاختلاط وقيِّدوا حرية الفتاة, بل أرجعوا لعصر الحجاب فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أمريكا".
- ومن شبهاتهم أنهم زعموا أن المرأة الشريفة تستطيع أن تحفظ نفسها بين الرجال إذا اختطلت بهم في التعليم أو العمل, وتلك خدعة كبرى, نعم التربية مهمة والقناعة مهمة, لكن لا يعني ذلك أبدًا أن نرمي بأنفسنا إلى التهلكة, نحن بحاجة إلى الأمرين معا: بحاجة إلى التربية والإقناع بأهمية الخلق والحفاظ على العفة, وبحاجة إلى درء الفتنة والعزل بين الجنسين, هذا هو ديننا، ولا نستحيي منه, الاختلاط باب للشر عظيم، وحبل من حبائل الشيطان.
وتقول إحدى طبيبات الغرب: أعتقد أنه ليس في الإمكان قيام علاقة بريئة من الشهوة بين رجل وامرأة ينفرد أحدهما بالآخر أوقاتًا طويلة، وكنت أسأل بعضهن ممن يتمتعن بالذكاء كيف أمكن أن يحدث ذلك، أي الوقوع في الفاحشة فكانت الفتاة تجيب وتقول: لم أستطع أن أضبط نفسي.
إن العاقل لا يلقي إنسانـًا وسط أمواج متلاطمة، ثم يطلب منه أن يحافظ على ثيابه من البلل، أو يلقيه وسط نيران متوقدة، ثم يطلب منه أن يحافظ على جسمه من الاحتراق.
- ومن شبهاتهم ومغالطاتهم ربطهم العجيب بين التخلف الذي نعيشه وبين الاختلاط أو الحجاب!! وأن التطور والتقدم مرهون بتحرير المرأة ونشر ثقافة الاختلاط والسفور في المجتمع -قاتلهم الله- في قلوبهم مرض، وفي نفوسهم حقد على كل ما له علاقة بالدين.
أين هؤلاء من الدول العربية التي أقرت الاختلاط منذ عشرات السنين مازالت ترزح تحت وطأت التخلُّف وتصنف في دول العالم الثالث؟ أين هؤلاء من تشجيع إدارة بوش الأمريكي الفصل بين الجنسين في التعليم، وزيادة المعونات للمدارس التي تطبق هذا النظام لأنه أصلح للطلاب والطالبات.
يا أخي كن أمريكيًا في هذه المسألة!!، وأنت تصِّبحنا وتمسِّينا بتمجيد أمريكا وحضارتها.
ثم نقول: هل انتهت قضايا المرأة وحقوقها ولم يبق إلا هذه القضية؟
لماذا كل هذا الحرص والاستماتة على قضية الاختلاط بين الجنسين؟ وأي مصلحة لهؤلاء الذين ينادون بجواز الاختلاط إلا تحصيل الإثم والتغرير بالناس ومخالفة الأدلة الشرعية, نسأل الله أن يكفي البلاد والعباد شرهم وخطرهم.