الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
جاء رمضان وكم من مؤملٍ لصومه، فاخترم الموتُ أمنيته فصار قبلَه إلى ظلمة القبر، وكم من مستقبل يوماً لا يستكمله، ومؤملٍ غداً لا يدركه!! فيا من دامت خسارته ها قد أقبلت أيام التجارة الرابحة، فمن لم يربح فيها فمتى يربح!؟ ويا من دامت قطيعته لربه وإعراضه ها قد أقبلت أيام المواصلة والإقبال، فمن لم يقبل على ربه فيها فمتى يُقبل؟!
الخطبة الأولى:
الحمد لله...، أما بعد:
أيها المؤمنون: ها قد أقبل شهر الصوم، شهر رمضان، أقبل بما فيه من خيرات ورحمات، من عفوٍ وغفران، ومن هبات وجبران، جاء رمضان وكم من مؤملٍ لصومه، فاخترم الموتُ أمنيته فصار قبلَه إلى ظلمة القبر، وكم من مستقبل يوماً لا يستكمله، ومؤملٍ غداً لا يدركه!!
فيا من دامت خسارته ها قد أقبلت أيام التجارة الرابحة، فمن لم يربح فيها فمتى يربح!؟ ويا من دامت قطيعته لربه وإعراضه ها قد أقبلت أيام المواصلة والإقبال، فمن لم يقبل على ربه فيها فمتى يُقبل ؟!
أيها المؤمنون: من عظيم قدر هذا الشهر، أن المصطفى –صلى الله عليه وسلم- كان يبشر أصحابه بقدومه، أخرج الإمام النسائي في سننه من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ لِلَّهِ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ"
وفي رواية " كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان " .
قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في لطائف المعارف: "قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان".
سبحان الله !! العلي العظيم الكريم، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟! كيف لا يبشر العاقل بوقتٍ يغل فيه الشيطان؟! بل كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، وتيسر أسباب الغفران؟!
لهذا كله كان لزاماً على كل مسلم مكلف من الجن والإنس أن يجتهد في هذا الشهر بما يطيق من أنواع العبادات، وأن ينخلع من جميع الذنوب والمعاصي كلها، صغيرها وكبيرها، حتى يصبح شهرك هذا صفحةً بيضاء مشرقة تمحو بها ما سلف وكان من الذنوب والعصيان.
فاحمد الله أن بلغك ربك شهر رمضان، وكفاك انغماساً في الذنوب والشهوات، فإن هذا الشهر شهر طاعة وإقبال، وأيامه قصيرة، وزمنه يسير، وقد عرض بأبخس الأثمان، فيا ليت شعري من الرابح غداً ؟!
عباد الله: إنه بإغلاق أبواب الجحيم وفتح أبواب الجنان، وسلسلت الشياطين، قد رفع لواء العفو والغفران، فلم يبقَ منك إلا الإقبال بقلبٍ منيب، فلا عذر للعاصي، والمخذول من كان من المعرضين (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الأحقاف: 31 - 32].
فيا قوم أجيبوا داعي الله! فما منكم إلا وقد دُعي، فطوبى لمن أجاب فأصاب، وويلٌ لمن أعرض فطرد عن الباب.
عبد الله: إياك وطاعة النفس الأمارة بالسوء، وروّض نفسك على أن تكون في عداد الفائزين، فلعمري لقد سُبقت بمضمار طويل، أتعجز أن تكف نفسك عن المعصية في هذا الشهر؟!
قال بعض السلف: بلغنا أن الصوّام يوضع لهم مائدة يأكلون عليها والناس في الحساب، فيقول الناس: يا رب: نحن نحاسب وهم يأكلون، فيقال: إنهم طالما صاموا وأفطرتم، وقاموا ونمتم.
رأى بعضهم بشر بن الحارث في المنام بعد موته وبين يديه مائدة يأكل منها، ويقال له: "كُلْ يا من لم يأكل، واشرب يا من لم يشرب".
كان بعض الصالحين كثير التهجد والصيام، فصلى ليلة في المسجد ودعا، فغلبته عيناه، فرأى في المنام جماعة علم أنهم ليسوا من الآدميين، بأيديهم طباق عليها أرغفة ببياض الثلج، فوق كل رغيف در كأمثال الرمان، فقالوا: كُلْ، فقال: إني أريد أن أصوم؛ قالوا: يأمرك صاحب هذا الدار أن تأكل، قال: فأكلت وجعلت آخذ ذلك الدر لأحتمله، فقالوا له: دعه نغرسه لك شجراً ينبت لك خيرًا من هذا، قال: أين ؟ قالوا: في دار لا تخرب، وثمر لا يتغير، وملك لا ينقطع، وثياب لا تبلى، فيها رضوى وعينًا وقرةُ أعين، أزواج راضيات مرضيات رضيات لا يغرن ولا يُغرن، فعليك بالانكماش فيما أنت فيه، فإنما هي غفوة ترتحل، فتنزل الدار، فما مكث بعد هذه الرؤيا إلا جمعة أو جمعتين حتى توفي، فرآه ليلة وفاته في المنام بعض أصحابه الذين حدثهم برؤياه وهو يقول: لا تعجب من شجر غُرس لي في يوم حدثتك وقد حمل، فقال له: ما حمل؟ قال: لا تسأل، لا يقدر على وصفه أحد.
أيها الصوام القوام: لم ير مثلُ الكريم إذا أحل به مطيع.
يا قوم: ألا خاطب في هذا الشهر على الرحمن!! ألا راغب فيما أعده الله للطائعين في الجنان!! ألا طالب لما أخبر به من النعيم المقيم مع أنه ليس الخبر كالعيان!!
أيها المتقون الأبرار: لم ير مثل هذه الأيام فيها تسابق المتسابقون، وفيها فرط المسوفون، فكن عبد الله من السابقين للخيرات، فعما قليل تتصرم الأيام، فيفرح الفائزون ويعضّ على أصابع الندم المفرطون.
اللهم أهل علينا شهر رمضان بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، واغفر لنا ما سلف وكان.
الخطبة الثانية
عباد الله: ها قد انصرمت سنة كاملة، ونحن على أبواب هذا الشهر العظيم، يستقبله أهل الطاعة والإيمان بقلوب مُلئت بالشوق والحنان.
وبينما نحن كذلك، وكأننا وقد بكت القلوب على فراق هذا الشهر، كما هو الحال في جميع الأعوام الماضية.
فرمضان يأتي بسرعة وينقضي بسرعة، فيا من ضيع عمره في غير الطاعة، يا من فرط في شهره بل في دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط، وبئست البضاعة، يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة؟ ويل لمن شفعاؤه خصماؤه.
رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وقائم حظه من قيامه السهر، يا قوم: الله، الله في حسن الصيام، وإمساك الجوارح عن اللغو والآثام.
أيها المسلمون: إن شهر رمضان شهر مغنم وأرباح فاغتنموه بالعبادة وكثرة الصلاة وقراءة القرآن، والذكر والعفو عن الناس، والإحسان إلى الخلق، وأزيلوا العداوة والبغضاء، والشحناء بينكم، فإن الأعمال تعرض على الله كل يوم اثنين وخميس، فمن مستغفر فيُغفر له، ومن تائب فيُتاب عليه، ويرد أهل الضغائن بضغائنهم حتى يتوبوا ويصطلحوا.
واعلموا أن الصيام إنما شرع ليتحلى الإنسان بالتقوى، ويمنع جوارحه من محارم الله فيترك كل فعل محرم من الغش والخداع والظلم، ونقص المكاييل والموازين، ومنع الحقوق، والنظر المحرم، وسماع الأغاني المحرمة.
فإن كل معصية في الصيام تقدح في الصيام وتنقص أجره، فيجب أن يترك الصائم كل قول محرم، من الكذب والغيبة والنميمة، والسب والشتم.
وصوّموا أولادكم الذكور والإناث إذا كانوا يطيقون ذلك، ليتعودوا على الصيام، فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يصوّمون أولادهم، فإذا بكوا أعطوهم اللعب من العهن يتلهون بها، فإن الأطفال يؤجرون على الصيام، والأولياء يؤجرون على التربية والتوجيه.
أيها المسلمون: أروا الله من أنفسكم خيرًا، ولا يكن يوم صومكم ويوم فطركم سواء، فإذا صمتم فليصم سمعكم وبصركم وألسنتكم وجميع جوارحكم عما حرمه مولاكم.
اللهم كما بلغتنا رمضان، أعنا فيه على القيام والصيام، وتقبل منا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، اللهم أدم علينا أمننا، واحفظ علينا ديننا.