البحث

عبارات مقترحة:

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

تسعة تستقبل بها رمضان

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. فضل شهر رمضان .
  2. كيف نستقبل رمضان .
  3. تسعة أمور نستقبل بها رمضان .
  4. دور إمام المسجد في رمضان .

اقتباس

يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْبُدَ اللهَ عَلَى عِلْمٍ، وَلا يُعْذَرُ بِجَهْلِ الْفَرَائِضِ التِي فَرَضَهَا اللهُ عَلَى الْعِبَادِ، وَمِنْ ذَلِكَ صَوْمُ رَمَضَانَ, فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَسَائِلَ الصَّوْمِ وَأَحْكَامَهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ، لِيَكُونَ صَوْمُهُ صَحِيحاً مَقْبُولاً عِنْدَ اللهِ..

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الذِي أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِالإِيمَان، وَفَرَضَ عَلَيْنَا الصَّوْمَ فِي رَمَضَان, لِنَيْلِ الرِّضَا وَالرِّضْوَانِ مِنَ اللهِ الْمَلِكِ الدَّيَّان؛ تَهْذِيبَاً لِلنُّفُوسِ وَصِحَّةً لِلأَبْدَان، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَكْوَان, وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، إِمَامُ الْعَادِلِينَ وَقُدْوَةُ الْعَامِلِينَ وَسَيِّدُ الصَّائِمِينَ الْقَائِمِينَ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينَ, وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَاقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى دَرْبِهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا النِّعْمَةَ التِي أَنْتُمْ مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا, إِنَّهُ مَوْسِمُ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ, إِنَّهُ وَقْتُ تَنَزُّلِ الرَّحَمَاتِ مِنَ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ, إِنَّهُ (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185], صَوْمُهُ ثَالِثُ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ وَمَبَانِيهِ الْعِظَامِ, شَهْرٌ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجِنَانِ وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ النِّيرَانِ وَتُصَفُّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الْجَانٍّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَيْفَ نَسْتَقْبِلُ هَذَا الشَّهْرَ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ لَنَا مِنْهُ أَوْفَرُ الْحَظِّ وَالنَّصِيبِ؟

اعْلَمُوا أَوَّلاً أَنَّهُ لَيْسَ اسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ بِشِرَاءِ أَنْوَاعِ الْعَصَائِرِ وَالْمَشْرُوبَاتِ, وَلَا بِتَوْفِيرِ أَصْنَافِ الْمَأْكُولَاتِ! وَلا بِتَجْهِيزِ الْمَطَابِخِ لِلطَّعَام وَوَضْعِهِ فِي الصَّالاتِ, وَلَيْسَ بِأَخْذِ إِجَازَةٍ مِنَ الْعَمَلِ وَالتَّفَرُّغِ لِلنَّوْمِ وَالتَّسَكُّعِ فِي الطُّرُقَات؟

إِنَّ اسْتِقْبَالَ رَمَضَانَ يَكُونُ بِالْعَزْمِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمُبَادَرَةِ لِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ, وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ, فَإِنَّ للهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ, وَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: هَذِهِ تِسْعَةُ أُمُورٍ تَسْتَقْبِلُ بِهَا رَمَضَانَ:

(أَوَّلاً) الدُّعَاءُ بِأَنْ يُبَلِّغَكَ اللهُ شَهْرَ رَمَضَانَ, عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اَلدُّعَاءَ هُوَ اَلْعِبَادَةُ" رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ والأَلْباَنِيُّ.

 وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَدْعُونَ اللهَ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ رَمَضَانَ، ثُمَّ يَدْعُونَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَهُ مِنْهُمْ.

فَإِذَا بَلَغْتَ رَمَضَانَ وَرَأَيْتَ الْهِلَالَ تَقُولُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِذَا رَأَى الْهِلَالَ: "اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ" رَوَاهُ أَحْمَد عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ.

(ثَانِيَاً) الشُّكْرُ للهِ أَنْ بَلَّغَكَ رَمَضَانَ, فَكَمْ مِنْ رَجُلٍ كَانَ يُصَلِّي بِجَانِبِكَ فِي الْقِيَامِ الْعَامَ الْمَاضِي وَهُوَ الآنَ يَرْقُدُ فِي التُّرَابِ, وَلَوْ قِيلَ لَهُ: تَمَنَّ ! لَقَالَ: سَاعَةً مِنْ رَمَضَانَ ! فَكُنْ أَنْتَ هُوَ.

(ثَالِثاً) الْفَرَحُ وَالابْتِهَاجُ، وَقَدْ كاَنَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ مِنَ الصَحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ- يَهْتَمُّوْنَ بِشَهْرِ رَمَضَانَ وَيَفْرَحُونَ بِقُدُومِهِ، وَأَيُّ فَرَحٍ أَعْظَمُ مِنَ الإِخْبَارِ بِقُرْبِ مَوْسِمِ الْخَيْرَاتِ، وَتَنَزُّلِ الرَّحَمَاتِ.

(رَابِعَاً) عَقْدُ الْعَزْمِ الصَّادِقِ عَلَى اغْتِنَامِهِ وَعِمَارَةِ أَوْقَاتِهِ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَمَنْ صَدَقَ اللهَ صَدَقَهُ، وَأَعَانَهُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَيَسَّرَ لَهُ سُبُلَ الْخَيْرِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

فَخَطِّطْ لِنَفْسِكَ كَيْفَ تَقْضِي يَوْمَكَ مِنْ بَعْدِ السُّحُورِ إِلَى السُّحُورِ فِي الْيَوْمِ التَّالِي! أَيْنَ سَتُصَلِّي التَّرَاوِيحَ؟ كَمْ تَقْرَأُ فِي اليَوْمِ مِنْ جُزْءٍ مِنَ القُرْآنِ؟ كَمْ تَسْتَغْفِر؟ كَمْ تُسَبِّح؟ كَيْفَ وَمَتَى تَدْعُو رَبَّكَ وَتَتَضَّرْعُ إِلَيْهِ؟ وَهَكَذَا... وَاحْزِمْ أَمْرَكَ وَقَسِّمْ يَوْمَكَ وَلَيْلَكَ, وَأَبْشِرْ فَسَوْفَ تُحَصِّلُ خَيْرَاً بِإِذْنِ اللهِ.

 (خَامِساً) تَعَلُّمُ أَحْكَامِ الصِّيَامِ وَالتَّفَقُّهُ فِيهَا، فَيَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْبُدَ اللهَ عَلَى عِلْمٍ، وَلا يُعْذَرُ بِجَهْلِ الْفَرَائِضِ التِي فَرَضَهَا اللهُ عَلَى الْعِبَادِ، وَمِنْ ذَلِكَ صَوْمُ رَمَضَانَ, فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَسَائِلَ الصَّوْمِ وَأَحْكَامَهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ، لِيَكُونَ صَوْمُهُ صَحِيحاً مَقْبُولاً عِنْدَ اللهِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك) [محمد: 19]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه: 114], وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّم: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِم" رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

(سَادِساً) التَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ, فَعَلَيْنَا أَنْ نَسْتِقْبَلَهُ بِالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الآثَامِ وَالسَّيِّئَاتِ وَالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ، وَالإِقْلَاعِ عَنْهَا وَالعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ إِلَيْهَا، فَرَمَضَانُ شَهْرُ التَّوْبَةِ, فَمَنْ لَمْ يَتُبْ فِيهِ فَمَتَى يَتُوبُ؟! قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].

 فَتَأَمَّلْ كَيْفَ أَمَرَ اللهُ أَهْلَ الإِيمَانِ بِالتَّوْبَةِ, وَرَتَّبَ عَلَى التَّوْبَةِ الْفَلَاحَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ, وَلِذَلِكَ كَانَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ مِنَ الاسْتِغْفَارِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ فَكَيْفَ بِرَمَضَانَ؟! عَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وإِنِّي لأَسْتَغفِرُ اللهَ في اليَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقُولُ: "وَاللهِ إنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأتُوبُ إلَيْهِ فِي اليَومِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

(سَابِعَاً) الْحِرْصُ التَّامُ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ, مِنَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالتَّبْكِيرِ لِلْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ, وَأَدَاءِ حُقُوقِ الأَهْلِ, وَحُقُوقِ الْوَظِيفَةِ وَالْعَمَلِ, وَالإِكْثَارِ مِنَ نَوَافِلِ الصَّلَوَاتِ وَالذِّكْرِ  وَالصَّدَقَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ, فَأَكْثِرْ مِنْ خَتَمَاتِ الْقُرْآنِ مَا اسْتَطَعْتَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً, وَمِنَ الْخَطَأِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَخْتِمُ القُرْآنَ مَرَّةً فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِالْقُرْآنِ, وَهَذَا مِنَ الْحِرْمَانِ وَمِنْ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ, فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَاخْتِمْ الْمَرَّةَ تِلْوَ الْمَرَّةِ.

وَيَنْبَغِي كَذَلِكَ التَّخْطِيطُ لِدَرْسِ تَفْسِيرٍ إِمَّا مَعَ الأَهْلِ وَالأَقَارِبِ أَوْ مَعَ بَعْضِ الأَصْحَابِ, فَتَقْرَؤُونَ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ سَعْدِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ- أَوْ غَيْرِهِ مِنَ التَّفَاسِيرِ الْمَوْثُوقَةِ, وَلَوْ عَشْرِ آيَاتٍ كُلَّ لَيْلَةٍ.

وَكَمْ مِنَ النَّاسِ لَهُمْ لِقَاءَاتٌ لَيْلِيَّةٌ فَلَوْ أَنَّ مُوَفَّقَاً مِنْهُمْ اقْتَرَحَ عَلَيْهِمْ دَرْسَاً مُيَسَّراً فِي التَّفْسِيرِ لَحَصَلَ خَيْرٌ وَعِلْمٌ وَحَسَنَات.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ الْحَيِّ الذِي لا يَمُوتُ, تَفَرَّدَ بِالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ وَالْجَبَرُوت, وَالصَّلاةُ عَلَى نَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.

أَمَّا بَعْدُ: (فَثَامِناً) مِمَّا نَسْتَعِدُّ بِهِ لاسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ: الاسْتِعْدَادُ لِتَفْطِيرِ الصَّائِمِينَ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتِ, فَإِنَّ هَذَا عَمَلٌ صَالِحٌ، فَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

فَتَأَهَّبْ بِتَجْهِيزِ الْمَكَانِ فِي بَيْتِكَ أَوْ فِي مَسْجِدِك, فَإِدْخَالُكُ السَّرُورَ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنَ الأَعْمَالِ الْمَحْبُوبَةِ إِلَى اللهِ, بَلْ إِنَّ مُجَالَسَتَكَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَخِدْمَتَهُمْ مِنْ أَنْفَعِ مَا يَكُونُ لِتَرْقِيقِ قَلْبِكَ وَإِسَالَةِ دَمْعِكَ وَزِيَادِة إِيمَانِكِ .

(تَاسِعاً) وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعِدَّ لَهُ طَلَبَةُ الْعِلْمِ خَاصَّةً: الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ فِي رَمَضَانَ, فَإِنَّ الْقُلُوبَ مُتَعَطَّشَةٌ وَالنُّفُوسَ مُقْبِلَةٌ, فَذَكِّرِ النَّاسَ بِاللهِ وَبِفَضَائِلِ الصِّيَامِ وَعَلِّمْهُمْ الأَحْكَامَ (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].

وَمِنْ أَوْجُهِ الدَّعْوَةِ: إِلْقَاءُ الْكَلِمَاتِ وَخَاصَّةً فِي الصَّلَوَاتِ التِي يَجْتَمِعُ فِيهَا النَّاسُ, فَكَمْ مِنَ النَّاسِ لا يَحْضُرُونَ الْجَمَاعَاتِ إِلَّا فِي رَمَضَانَ؛ فَهُوَ فُرْصَةٌ لِدَعْوَتِهِمْ وَرَدِّهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ !

فَتَجَهَّزْ بِإِعْدَادِ الْكَلِمَاتِ، وَاحْرِصْ عَلَى الاخْتِصَارِ وَعَدَمِ الإِطَالَةِ, وَالتَّرْكِيزِ عَلَى مَا يَنْفَعُ النَّاسَ، وَخَاصَّةً أَحْكَامَ الصِّيَامِ والتَّرَاوِيْحِ.

وَمِنْ ذَلِكَ: تَوْزِيعُ الْكُتَيِّبَاتِ وَالرَّسَائِلِ الْوَعْظِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِرَمَضَانَ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَأَهْلِ الْحَيِّ.

وَيَنْبَغِي لَكَ أَخِي إِمَامَ الْمَسْجِدِ الاسْتِعْدَادُ وَتَجْهِيزُ الكُتُبِ التِي تَقْرَأُهَا عَلَى جَمَاعَةِ مَسْجِدِكَ فِي العَصْرِ وَبَعْدَ صَلاةِ العِشَاءِ أَوِ التَّرَاوِيْحِ, وَكَذَلِكَ نَسِّقْ مَعَ طَلَبَةِ العِلْمِ لِيُلْقُوا الكَلِمَاتِ وَالْمَوَاعِظِ عَلى جَمَاعَةِ مَسْجِدِكَ, فَخُذْ مِنْهُمُ الْمَوَاعِيدَ مِنَ الآنَ وهَيِّئْ نَفْسَكَ سَدَّدَ اللهُ خُطَاك.

وَأَخِيرَاً: فَأَكْثِرواْ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, فَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: "أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لَا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولُ: اَللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" رَوَاهُ أَحْمَدُ,  وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِسَنَدٍ قَوِيٍّ.

فاَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَانَاً وَاحْتِسَابَاً, اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ, اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبَيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين.