المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | عبد الله الواكد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزكاة |
فرضَها اللهُ على المسلمينَ وجعلَها حقاًّ في أموالِهم، جعلَهَا كمًّا أو وزناً أو عدداً معلوماً، في أنصبة معلومةٍ، وأمرَ بها لذويِ الفاقةِ الذين بينَّهم اللهُ في كتابِه. عبادَ اللهِ: الزكاةُ واجبةٌ في المالِ وفي النقدينِ الذهبِ والفضةِ وفي عروضِ التجارةِ، وفيما يخرجُ من الأرضِ من الزروعِ والثمارِ إذا...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي جعلَ الزكاةَ أحدَ أركانِ الإسلامِ، وأوجبَهاَ في مالِ الأغنياءِ وجعلَهاَ طهرةً لهم من البخلِ والشحِ والآثامِ، ومواساةً لذوي الحاجةِ من الفقراءِ والأراملِ والأيتامِ.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلمَ تسليماً كثيراً.
أما بعدُ:
فاتقوا الله -تعالى- القائلَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المسلمون: اعلموا أنَّ مقامَ الزكاةِ في الإسلامِ عظيمٌ، فهي ثالثُ أركانِ الإسلامِ وهي قرينةُ الصلاةِ في كتابِ اللهِ وسنةِ رسولهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، قال اللهُ -عز وجل-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5].
وفي حديثِ أبي هريرةَ -رضي اللهُ عنهُ- في الصحيحينِ وفيهِ: "ولا صاحبَ إبلٍ لا يؤدي منها حقَّها، ومِنْ حقِّها حلبُها يومَ وردِها إلا إذا كانَ يومُ القيامةِ بُطحَ لهاَ بقاعٍ قَرْقَرٍ أوفرُ ما كانت، لا يفقدُ منها فصيلًا واحدًا، تطؤُهُ بأخفَافِها، وتعضُّه بأفواهِها، كُلَّماَ مرَّ عليه أولُها رُدَّ عليهِ آخرُها، في يومٍ كانَ مقدارُه خمسينَ ألفَ سنةِ، حتى يُقضى بينَ العبادِ، فيرَى سبيلَه إما إلى الجنةِ وإما إلى النار".
وقـدْ كان النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- يولي الزكاةَ اهتماماً خاصاً فيبعثُ السُّعاةَ لقبضها من الأغنياءِ وجبايتِها لإيصالِها إلى مستحقيها، وتبرئةُ ذممِ الأغنياءِ من مسؤوليتِها.
فرضَها اللهُ على المسلمينَ وجعلَها حقاًّ في أموالِهم، جعلَهَا كمًّا أو وزناً أو عدداً معلوماً، في أنصبة معلومةٍ، وأمرَ بها لذويِ الفاقةِ الذين بينَّهم اللهُ في كتابِه.
عبادَ اللهِ: الزكاةُ واجبةٌ في المالِ وفي النقدينِ الذهبِ والفضةِ وفي عروضِ التجارةِ، وفيما يخرجُ من الأرضِ من الزروعِ والثمارِ إذا كانت مما يُكالُ ويقتاتُ ويدخرُ، وفي بهيمةِ الأنعامِ، وهي الإبلُ والبقرُ والغنمُ، إذا كانتْ سائمةً والسائمةُ هي التي ترعى الكلأَ كلَّ السنةِ أو أكثرَها، وأما التي تُعلَّفُ ويُنفِقُ عليها صاحبُها فلا زكاةَ فيها، فإن كانتْ سائمةً وأُعدتْ للضرعِ والنسلِ والتسمينِ ففيها زكاة، أماَّ إن كانتْ للعملِ كالسياقةِ والحراثةِ والركوبِ فلا شيءَ عليها، وإنْ كانتْ للتجارةِ للبيعِ والشراءِ فإنها تأخذُ حكمَ عروضِ التجارةِ.
ومِنْ تيسيرِ اللهِ -تعالى- على عبادِهِ: أنه جعلَ الزكاةَ لا تجبُ حتى تبلغَ نصاباً قدَّره الشارعُ الحكيمُ.
وكلُّ جنسٍ من بهيمةِ الأنعامِ ينقسمُ إلى نوعينِ:
فالإبلُ نوعانِ: الإبلُ العربيةُ، وهي ذاتُ السنامِ الواحدْ.
والإبلُ البختيةُ وهي إبلُ العجمِ والتركِ، وهي ذاتُالسنامينِوالبقرُ نوعانِ: البقرُ المعتادةُ، والجواميسُ.
والغنمُ نوعانِ: هما الضأنُ: وهي ذواتُ الأصوافِ، والمعزُ: وهي ذواتُ الأشعارِ، والمقاديرُ الواجبةُ في الزكاةِ السابقةِ تشملُ كلَّ هذه الأنواعِ، ويُضمُّ أحدُ النوعينِ للآخرِ في تكميلِ النصابِ، إجماعًا [الموسوعة الفقهية].
وأولُ بهيمةِ الأنعامِ هي: الإبلُ، فإذا بلغت الإبلُ خمسًا ففيها شاةٌ ثمَّ في كلِّ خمسٍ شاةٌ حتى تبلغَ خمسًا وعشرينَ إلى خمسٍ وثلاثينَ ففيها بنتُ مُخاضٍ أُنثى.
وبنتُ المخاضِ هي التي بلغتْ سنةً واحدةً ودخلتْ في الثانيةِ.
ثمَّ إذا بلغتْ ستًّا وثلاثينَ إلى خمسٍ وأربعينَ ففيها بنتُ لبونٍ أنثى.
وبنتُ اللبونِ وابنُ اللبونِ هو الذي دخلَ في السنةِ الثالثةِ، فصارتْ أمهُ لبوناً بوضعِ الحملِ.
فإذا بلغت ستًّا وأربعينَ إلى ستينَ ففيها حُقةُ، وهي التي أكمَلتْ ثلاثَ سنينٍ ودخلتْ في الرابعةِ.
فإذا بلغت واحدةٌ وستينَ إلى خمسٍ وسبعينَ ففيها جذعة، وهي التي أكملت أربعَ سنينَ ودخلتْ في الخامسةِ.
فإذا بلغت ستًّا وسبعينَ إلى تسعينَ ففيها بنتا لبونٍ اثنتينِ.
فإذا بلغتْ إحدى وتسعينَ إلى عشرينَ ومائةٍ ففيها حُقتانِ.
فإذا زادتْ على عشرينَ ومائةٍ ففي كلِّ أربعينَ بنتُ لبونٍ وفي كلِّ خمسينَ حُقة.
ثانيًا: نصابُ زكاةِ البقرِ، فلا زكاةَ فيها حتى تبلُغَ ثلاثينَ، ففيها تبيعٌ وهو ما كمَّل سنةً ودخلَ في الثانيةِ، والتبيعُ جَذَعُ البقرِ، ثم في كلِّ أربعينَ مسنَّةٍ وهي ما كمَّلتْ سنتينِ ودخلت في الثالثةِ، والمسنَّةُ: هي ثنيةُ البقر.
ثالثًا: نصابُ زكاةِ الغنمِ، فلا زكاةَ في الغنمِ حتى تبلغَ أربعينَ، وهو أقلُّ نصابِ الغنمِ، فإذا كانت أربعينَ إلى عشرينَ ومائةٍ ففيها شاةٌ، فإذا زادتْ على عشرينَ ومائةٍ إلى مائتينِ ففيها شاتان، فإذا زادتْ على مائتينِ إلى ثلاثِ مائةٍ ففيها ثلاثُ شياهٍ، فإذا زادت على ثلاثِ مائةٍ ففي كلِّ مائةٍ شاةٌ.
أيها المسلمون: وشروطُ زكاةِ بهيمةِ الأنعامِ أربعةٌ:
الشرطُ الأولُ: أن تُتخذَ للدرِّ والنسلِ والتسمينِ، لا للعملِ؛ فإنَّ الإبلَ المعدَّةِ للعملِ والركوبِ والسقيِ، وبقرِ الحرثِ والسقيِ، لا زكاةَ فيها عندَ جمهورِ العلماءِ.
الشرطُ الثاني: أنْ تسومَ أكثرَ الحولِ، والسائمةُ هي التي تَرعى، أما التي يُعلفُها صاحبُها وينفقُ عليها، ولا ترعى أكثرَ الحولِ، فلا زكاةَ فيها عندَ جمهورِ أهلِ العلمِ.
الشرطُ الثالثُ: أنْ يحولَ عليهاَ حولًا كاملًا عندَ مالكِها؛ لحديثِ عائشةَ -رضيَ اللهُ عنها- قالت: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- يقولُ: "لا زكاةَ في مالٍ حتى يحولَ عليه الحولُ" [ابن ماجة وصححه الألباني] ونتاجُ السائمةِ، أي أولادها، حولُها حولُ أمهاتـِها، فتزُكَّى مع أمهاتـِها إن كانت الأمهاتُ بلغتْ نصابًا، فإنْ لم تبلغْ الأمهاتُ نصابًا فبدايةُ الحولِ من كمالِ النصابِ بالنتاجِ.
الشرطُ الرابعُ: أنْ تبلغَ النصابَ الشرعيَّ، والذي يؤخذُ في زكاةِ الإبلِ الإناثُ دونَ الذكورِ إلاَّ ابنَ اللبونِ إذا عُدمتْ بنتُ المَخاضِ؛ لحديثِ أنسٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- ويجزئُ الذكرُ إذا كانَ المالُ كلُّهُ ذُكورًا، سواءً كانَ منْ إبلٍ، أو بقرٍ، أو غنمٍ؛ لأنَّ الزكاةَ مواساةٌ فلا يَتَكلَّفُها من غيرِ مالهِ.
والشاةُ التي تُؤخذُ في زكاةِ الإبلِ، وكذلكَ في جُبرانِ زكاةِ الإبلِ إن كانتْ أُنثى فجذعةٌ من الضأنِ أو ثنيةٌ من المعزِ، وما فوقَ ذلكَ أجزأتْ بلا نزاعٍ.
والجذعةُ ما لها ستةُ أشهرٍ، والثنيَّةُ ما لها سنةٌ.
أماَّ الذكرُ فيحتملُ أنْ يُجزئَ لصدْقِ اسمِ الشاةِ عليِه، وهو المعتمدُ عند المالكيةِ، والأصحُّ عندَ الشافعيةِ.
وإنْ تطوَّعَ المُزكِّي فأخرجَ سِنًّا أعلى من السنِّ الواجبِ، مثْلُ أنْ يُخرجَ بنتَ لبونٍ عن بنتِ مَخاضٍ، أو حُقِّةً عن بنتِ لبونٍ، جازَ ذلكَ.
ويُخرجُ عن إبلِهِ من جنسِها، فيُخرجُ عن البَخاتيِّ بُخْتيَّةً، وعن الأعرابياتِ أعرابيةً، وعن الكرامِ كريمةً، وعن السمانِ سمينةً، وعن اللئامِ، والهزالِ لئيمةً هزيلةً، فإنْ أخرجَ عن البَخاتيِّ عربيةً بقيمةِ البُختيَّةِ جازَ؛ لأنَّ القيمةَ مع اتحادِ الجنسِ هيَ المقصودُ، ويُشترطُ فيماَ يُخرجُ زكاةً أربعةُ شروطٍ، وهي: سنُّها، وأنْ تكونَ أنثى إلا بعضَ الإستثناءاتِ، وأن لا تكونَ معيبةً بما يمنعُ الإجزاءَ في الإضحيةِ، وأن تكونَ من الوسطِ لا جيدةً ولا رديئةً.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعدُ:
عبادَ الله: فاتقوا الله، واعلموا أن الخُلْطةَ نوعانِ:
النوعُ الأولُ: خلطةُ أعيانٍ، وهي: أنْ يملكَ شخصانِ أو أكثرَ مالًا مُشاعًا، ورثاهُ، أو تشاركاَ في شرائه، أو غيرِ ذلكَ، ويكونُ مُشاعًا بينهُما ولكنْ لا يتميَّزُ مالُ كلِّ واحدٍ منهما عن الآخرِ، ففي هذهِ الحالةِ تجبُ الزكاةُ فيهِ كما لو كانَ المالُ لمالكٍ واحدٍ في حسابِ النصابِ.
والنوعُ الثاني: خُلطةُ أوصافٍ، بأنْ يكونَ مالُ كلِّ واحدٍ منهما مميزًا، ولكنْ اشتركاَ في المُراحِ والمسرحِ والمشربِ والمحلبِ والراعي والفحلِ.
فالخلطةُ -يا عباد الله- تفيدُ الإيجابَ والتغليظَ والتخفيفَ والإسقاطَ، فالإيجابُ مثلاً لو كانَ لأربعينَ رجلًا أربعونَ شاةً لكلَّ واحدٍ منهم شاةً واشتركوا حولًا تامًا، فعليهِم زكاةُ شاةٍ على حسبِ مُلكِهم، يتراجعونَ بينَهم بالسويةِ.
والتغليظُ مثلاً لو كانَ لإنسانٍ شاةٌ ولآخرَ تسعٌ وثلاثونَ شاةً واشتركا حولًا كاملًا فعليهما شاةٌ على حَسبِ ملكِهما، يتراجعانِ بينهما بالسويَّةِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما لو انفردَ بمُلكِهِ فلا زكاةَ عليهِ، والتخفيفُ مثلاً لو كانَ لثلاثةِ شركاءَ مائةٌ وعشرون شاةً لكلِّ واحدٍ أربعونَ، ولم يثبتْ لأحدهم حكمُ الانفرادِ في شيءٍ من الحولِ، فعليهم شاةً أثلاثًا كلُّ واحدٍ عليه ثُلثُها.
ويُعتبرُ في الخُلطةِ خمسةُ شروطٍ ذكرَها بنُ قدامةَ -رحمهُ اللهُ-:
الشرطُ الأولُ: أن تكونَ الخلطةُ في السائمةِ من بـهيمةِ الأنعامِ، أي التي ترعى، ولا تُؤثِّرُ الخلطةُ في غيرِها من الأموالِ.
الشرطُ الثاني: أن يكونَ الخليطانِ من أهلِ الزكاةِ، فإنْ كانَ أحدُهُما مُكاتبًا أو ذِمّيًّا فلا أثرَ لخلطتِهِ.
الشرطُ الثالثُ: أنْ يختلطا في نصابٍ، فإن اختلطاَ فيما دونَهُ مثلَ أن يختلطا في ثلاثينَ شاةً لم تؤثرْ الخلطةُ.
الشرطُ الرابعُ: أن يختلطا في ستةِ أشياءٍ لا يتميزُ أحدُهُما عن صاحبهِ فيها، وهي المسرحُ والمشربُ والمحلبُ والمراحُ والراعي والفحلُ، فإذا اكتملتْ هذه الشروطُ كانَ مالُ الشخصينِ كالمالِ الواحدِ.
الشرطُ الخامسُ: أنْ يختلطا في جميعِ الحولِ من أوَّلِه إلى آخرِه، قال الشيخُ عبدُ العزيز ابن باز -رحمهُ اللهُ-: "الذي عليه جمهورُ أهلِ العلمِ أنَّ مالَ الرجلِ الواحدِ يُضمُّ بعضُهُ إلى بعضٍ حتى ولو كانَ في مدنٍ متراميةِ الأطرافِ، أما الخُلطاءُ فليسَ لهم الجمعُ، وليسَ لهمُ التفريقُ".
فاتقوا الله -عبادَ الله- وأخرجوا زكاةَ أموالِكُم وزكاةَ بهيمةِ الأنعامِ، حيثُ أنهُ في هذهِ الأيامِ يخرجُ عُمَّالُ جبايةِ زكاةِ بهيمةِ الأنعامِ في المناطقِ، فأحببنا تنبيهَكم، وبيانَ الأحكامِ المتعلقةِ بذلكَ.
نسألُ اللهَ أن يباركَ لكم فيما منَّ اللهُ عليكم من خيرٍ، ويحفظَكم من كلِّ مكروهٍ.
ألا وصلوا على البشيرِ النذيرِ، والسراجِ المنيرِ، فقد أمركُم بذلكَ اللطيفُ الخبيرُ، فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].