الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الزكاة - الصيام |
شهرُنَا أخذَ في النَّقصِ, فَإنْ أَحْسَنْتَ فَزِدْ, وإنْ أبعَدتَ فَعُدْ, وإن غَفَلْتَ فَتَذَكَّرْ أيامًا معدوداتٍ. قال الشيخُ السَّعدِيُّ -رحمهُ اللهُ-: "مَنْ اجتهد أوَّلَ رمَضانَ وَفَتَرَ آخِرَه، كانَ كَمَن بَذَرَ حَبَّةً وَسَقَاهَا وَرَعاها؛ حتى إذا أَوْشكَ زَمَنَ الحَصَادِ رَاحَ وَتَركَها"،.. أَعْظَمُ مَا تَختِمُ به صِيَامَكَ، الإكثارُ مِن كَلِمَةِ التَّوحيدِ وَمِن الاسْتِغْفَارِ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله على جَزِيلِ عَطَائِهِ, أَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ نَرجُوا بها النَّجاةَ يومَ لقائِهِ, وأَشهدُ أنَّ محمدا عبدُ الله وَرَسُولُهُ الدَّاعي إلى مَرضَاتِهِ, صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصْحَابِه وَأَتبَاعِهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقوا اللهَ القَائِلَ: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)[البقرة:184].
بِالأَمسِ أَقبَلَ مُشرقَ المِيلادِ | شَهْرُ التُّقاةِ ومَوسِمُ العُبَّادِ |
واليومَ شدَّ إلى الرَّحيلِ مَتَاعَهُ | قد زوَّدَ الدُّنيا بخيرِ الزَّادِ |
عبادَ اللهِ: رَمضانُنَا دَنا رَحِيلُهُ؛ فَهنيئًا لِمَن رَقَّ فِيهِ قَلْبُهُ، وَتَهذَّبَتْ فِيهِ أَخلاقُهُ، وعظُمَت لِلخيرِ رَغبتُهُ، هنيئًا لمن عَفَا عَنْهُ الكَرِيمُ، وَأَعْتَقَ فِيهِ رَقَبَتَهُ مِنْ النَّارِ.
أيُّها الصَّائِمُونَ: تَودِيعُ رَمَضَانَ فُرصَةٌ للتَّأمُّل؛ فلقد عِشْنَا مَعَ القُرَآنِ تِلاوةً وتَدَبُّراً, فَأَيقَنَّا أنَّهُ الحبْلُ والحياةُ, والنُّورُ والنَّجاةُ: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[المائدة:15-16]؛ فَلا يسوغُ أَنْ نَبْتَعِدَ عنْهُ وَنَتَّخِذَهُ وَرَاءَنَا ظِهرِيَّا.
أيُّها الصَّائِمونَ: لقد بَاتَتْ مَسَاجِدُنَا بِحَمْدِ الله مَلئَ بِصَلاةٍ ودُعَاءٍ, بَعْدَمَا حَبَسَنَا عَنْهَا الوَبَاءُ. وَفَرِحْنَا الآنَ بإخوانٍ كانوا يَتَخلَّفونَ عن جَمَاعَتِنا بِتْنَا نَرَاهم معنا رُكَّعاً سُجَّداً. فَيَا أَيُّها الصَّائِمُ: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)[الإسراء:78].
أيُّها الصَّائِمُونَ: تَودِيعُ رَمَضَانَ: دَرْسٌ لِكُلِّ شَبَابِنَا وَبَنَاتِنَا أنْ يَنتَهُوا عَنْ أَنواعِ الفِسْقِ والتَّرَفِ والمُجُونِ والتَّبَرُّجِ, والتَّهَاوُنِ في شَرْعِ اللهِ وأنْ يَأخُذُوا أَمْرَ رَبِّهِم بِجِدٍّ وَتَقْوى ألم يَقُلِ الرَّبُّ الكَرِيمُ: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون:115].
أيُّها الصَّائِمُونَ: دَومَاً سَلُوا اللهَ القَبُولَ فَإنِّما: (يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[المائدة:27]، وَلْنَعلَمْ أنَّ لَيلةَ غَدٍ عَظِيمَةُ القَدْرِ, وَهِي أَرْجَى لَيَالِ العَشْرِ عَلى الإِطلاقِ؛ كَان أُبيٌّ -رضي الله عنه- يُقسمُ أنَّ ليلةَ القَدْرِ هي لَيلةُ سَبْعٍ وَعِشرِينَ. وَنَبِيُّنا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(رَواهُ البخاريُّ). فَأكْثِرُوا فِيها مِن قَولِ: "اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي".
إخواني: ليلةُ القَدْرِ يُفتَحُ فيها البَابُ، وهيَ ذَاهِبَةٌ بِأَفعَالِكُم، وقَادِمَةٌ غَدَاً بِأَعمَالِكُم، فَتَضَرَّعْ لِربِّكَ وَتَقَرَّبْ مِنْهُ فَرَبُّنا مُجِيبٌ يَقْبَلُ التَّوبَةَ وَيِعفُوا عَنْ السَّيئَاتِ.
فَالَّلهُمَّ تَقَبْلْ مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ, اجعَلنا مِمَّنْ يَقُومُ لَيلَةَ القَدْرِ إيمَانَاً واحتِسَابَاً. وَأستَغْفِرُ اللهَ, فَاستَغْفِرُوهُ إنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله الذي بنعمتِهِ تتمُّ الصَّالحاتِ, أَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ جَزِيلُ الهِبَاتِ, وَأَشهدُ أنَّ مُحمَّدا عبدُ الله ورسولُه نبيُّ المَكرُمَاتِ, صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهم بِإحسانٍ إلى يومِ المَمَاتِ.
أمَّا بَعْدُ: فاتَّقوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وأَطِيعُوهُ ورَاقِبُوا ربَّكم ولا تَعصوهُ.
أيُّها الصَّائِمُونَ: ليالِينا الباقِيةُ عظيمةُ القَدْرِ, كثيرةُ الأَجرِ, وإنَّما الأعمالُ بالخَواتِيمِ.
أيُّها الصَّائمونَ: شهرُنَا أخذَ في النَّقصِ, فَإنْ أَحْسَنْتَ فَزِدْ, وإنْ أبعَدتَ فَعُدْ, وإن غَفَلْتَ فَتَذَكَّرْ أيامًا معدوداتٍ. قال الشيخُ السَّعدِيُّ -رحمهُ اللهُ-: "مَنْ اجتهد أوَّلَ رمَضانَ وَفَتَرَ آخِرَه، كانَ كَمَن بَذَرَ حَبَّةً وَسَقَاهَا وَرَعاها؛ حتى إذا أَوْشكَ زَمَنَ الحَصَادِ رَاحَ وَتَركَها".
أيُّها الصَّائِمُ: أَعْظَمُ مَا تَختِمُ به صِيَامَكَ، الإكثارُ مِن كَلِمَةِ التَّوحيدِ وَمِن الاسْتِغْفَارِ، فَقَدْ جمَعَ اللهُ بَينَهُمَا فَقَالَ: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)[محمد:19]. وبعد إتمام الصِّيامِ يقولُ ربُّنا: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة:185].
فَشَرعَ لنا ربُّنا زكاةَ الفطر على الصغير والكبير والذَّكر والأنثى والحُرِّ والعبدِ صَاعَا من تَمْرٍ أو صاعا من شَعِيرٍ وأفضلُ وقتٍ لإخراجها صباحُ العيد وتجوزُ قَبْلَهُ بِيومٍ أو يَومينِ وَجَزَى اللهُ القَائِمِينَ على الجَمْعِيَّاتِ الخيريةِ فهم يَقُومُونَ بِاسْتِقْبَالِهَا وَإيصَالِهَا لِمُستَحِقِّهَا فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا فَهِيَ طُهرةٌ لِلصَّائِمِ مِن الَّلغْوِ والرَّفَثِ, وَإخْرَاجُها شُكْرٌ للهِ عَلى مَا أَنْعَمَ وأتمَّ, وَهِيَ إحْسَانٌ لِلفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِيِن.
يا صائمونَ: اسْعَدُوا بِالعِيدِ, فَعِيدُنَا شُكْرٌ للهِ وَفَرَحٌ بِفَضْلِهِ فَيُسَنُّ أَنْ تَفْرَحَ بِهِ وَتُوسِّعَ بِهِ عَلَى أَهْلِكَ وَأَولادِكَ وَأَنْ تَتَجَمَّلَ وَتَلْبَسَ أَحْسَنَ لِبَاسَكَ بَلْ يُسنُّ الاغْتِسَالُ وَالتَّطيُّبُ وَأْكْلُ تَمَرَاتٍ وِتِراً قَبْلَ خُرُوجِكَ لِلصَّلاةِ شُكْراً للهِ وَامْتِثَالاً لِأَمْرِهِ, وَاحْضُروا صَلاةَ العِيدِ رِجَالاً وَنِسَاءً حتىَّ الحُيَّضَ أُمِرَنَ لِيَشْهَدْنَ الخيرَ وَدَعْوةَ الْمُسلِمينَ وَيَعْتَزِلْنَ المُصلى, وَأَكْثِروا مِن التَّكْبِيرِ لَيلةَ العِيدِ وَصَبَاحَهُ تَعْظِيمًا وشكرًا للهِ، وَاجْهَرُوا به في مَسَاجِدِكُمْ وَأَسْوَاقِكُمْ وَمَنَازلِكُمْ وَطُرُقَاتِكُمْ، وَلْتكبِّرَ النِّسَاءُ سِرًّا، وَلْيَقْصُرْ أَهْلُ الغَفْلةِ عَنْ آلاتِ الطَّرَبِ وَالأَغَانِي الْمَاجِنَةِ، ولا يُكدِّروا أَوْقَاتَنَا الشَّريفَةَ بِمَزامِر الشَّيَاطِينِ وَكلامِ الفَاسِقِينَ.
وَلَقَدْ تقرَّر إقامةُ صلاة العيدِ هنا بإذنِ اللهِ مع عددٍ من المُصليات والجوامعِ، وَسَتَكُونُ الصَّلاةُ في تَمَامِ ( ) وَأَحْضِرُوا مَعَكُمْ سُجَّادَكُمْ.
أيُّها الصَّائِمونَ: بُشْرَاكُمْ رَحمةٌ ورِضْوَانٌ, وَعِتْقٌ وَغُفْرَانٌ؛ فَرَبُّنَا رَحِيمٌ جَوَادٌ رَحْمَانٌ، لا يُضِيعُ أَجْرَ مَن أحسنَ عملاً، فَأَحْسِنُوا بِاللهِ الظَّنَّ، وَسَلُوهُ قَبُولَ القولِ والعمَلِ، وَلا تَمُنُّوا عليهِ بِالعَمَلِ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيكُم أَنْ هَدَاكم للإيمانِ, وما كُنَّا لِنَهتدِيَ لولا أنْ هَدَانا اللهُ. وَيَا مَنْ قَطَّعَ رَمَضَانَ غَفلَةً وَعِصْيَانَاً، بَادِرْ بِالتَّوبَةِ قَبْلَ انْصِرَامِهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزمر:53].
فاللهم تقبَّل الله منَّا صالح القول والعمل.
اللهم اختم لنا شهرنا بغفرانِكَ والعِتقِ من نيرانِكَ.
اللهم اجعل مُستقبلنا خيراً من ماضينا اللهم اعتق رقابَنا ووالدينا من النار.
اللهم أدم علينا الأمنَ والأمانَ, واحفظ بلادَنا وحُدُودَنا وجنُودَنا, ووفِّقَ ولاتنا لما تُحبُّ وترضى.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].