الكريم
كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
أيها المسلمون، اغتنموا شهر رمضان بكثرة العبادة، والصلاة، والقراءة، والذكْر، والإحسان إلى الخلق بالمال والبدن والعفو عن الخلق؛ فإن الله - عزَّ وجل - عفوٌّ يحب العفو، واستكثروا فيه من أربع خصال: اثنتان تُرْضون بهما ربكم، واثنتان لا غنى لكم عنهما، فأما اللتان تُرْضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله الله والاستغفار، وأما اللتان لا غنى لكم عنهما: فتسألون الله الجنة وتستعيذون به من النار.
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من مواسم الخيرات وما حباكم به من الفضائل والكرامات، وعظّموا هذه المواسم واعرفوا قدرها وانتهزوها بالطاعات والقُرُبات؛ فإن الله - عزَّ وجل - لم يجعلها لكم إلا لتكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفعة الدرجات .
أيها المسلمون، لقد أظلّكم شهر كريم وموسم رابح عظيم، شهر تضاعف فيه الحسنات وتعظم فيه السيئات، «شهر أوّله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتقٌ من النار»، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185]، «جعل الله صيام نهاره فريضة وقيام ليله تطوّعًا»، «مَن صامه إيمانًا واحتسابًا غفرَ الله له ما تقدَّم من ذنبه»، «ومَن قامه إيمانًا واحتسابًا غفرَ الله له ما تقدَّم من ذنبه»، «فيه ليلة القدر خير من ألف شهر مَن قامها إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه».
في هذا الشهر «تُفتّح أبواب الجنة وتكثر أعمال الخير من أهل الخير، وتُغلق أبواب النيران وتَقِلُّ أعمال الشر من أهل الإيمان»، «مَن أدى فيه عمرة كان أجرها كأجر حجة»، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله عزَّ وجل: كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»، وفي رواية: «يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي».
«والصوم جُنَّة - يعني: وقاية من الإثم ومن النار -فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فلْيَقل: إني صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه»، هكذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
أما فرحه عند فطره فإنه يفرح بِما أنعم الله به عليه من إكمال صوم يومه وبِما أباح الله له من تناول ما كان ممنوعًا منه في الصيام، وأما فرحه عند لقاء ربه يوم يقف يوم القيامة بين يديه فيفرح بِما أعدَّ الله له من الثواب الجزيل والفوز بدار النعيم المقيم، وفي صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن في الجنة بابًا يُقال له الريّان يدخل منه الصائمون لا يدخله غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق ولم يُفتح لغيرهم». أسأل الله أن يجعلني وإياكم مِمَّن يدخلونه .
وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تُردّ دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزَّتي وجلالي لأنْصُرَنَّكِ ولو بعد حين».
أيها المسلمون، اغتنموا شهر رمضان بكثرة العبادة، والصلاة، والقراءة، والذكْر، والإحسان إلى الخلق بالمال والبدن والعفو عن الخلق؛ فإن الله - عزَّ وجل - عفوٌّ يحب العفو، واستكثروا فيه من أربع خصال: اثنتان تُرْضون بهما ربكم، واثنتان لا غنى لكم عنهما، فأما اللتان تُرْضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله الله والاستغفار، وأما اللتان لا غنى لكم عنهما: فتسألون الله الجنة وتستعيذون به من النار.
أيها المسلمون، احفظوا صيامكم من النواقص والنواقض، احفظوا صيامكم عن القول المحرم، وعن الفعل المحرم، وعن الإخلال بالواجبات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، اجتنبوا السب والشتم، اجتنبوا الكذب والغِيبة والنميمة، واجتنبوا اللغو والفحش.
وليكن عليكم الوقار، لا تجعلوا يوم صومكم ويوم فطركم سواء، احفظوا صيامكم عن كل عمل محرم من الغش، والخيانة في البيع والشراء وغيرهما، احفظوا صيامكم عن استماع المعازف والأغاني المحرمة ومطالعة المجلات والصحف التي لا تزيدكم مطالعتها إلا إثْمًا .
قوموا بِما أوجب الله عليكم من الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين في المساجد، لا تتهاونوا بالصلاة، لا تفرطوا فيها بالنوم؛ فإنها عمود الدين، و«لا حظّ في الإسلام لِمَن ترك الصلاة».
ولقد خابَ قوم يصلّون ويضيعون الصلاة، خاَب قوم يتسحَّرون وينامون عن صلاة الفجر مع الجماعة، وربما ناموا ولم يصلّوا الفجر إلا بعد طلوع الشمس، خابَ قوم وخسروا، كيف ينامون عن صلاة الفريضة فلا يؤدّونها مع الجماعة؟! كيف ينامون عن صلاة الفريضة فلا يؤدّونها في وقتها؟!
أيها الناس، انتبهوا لهذه النقطة العظيمة: إن مَن أخَّر الصلاة عن وقتها متعمِّدًا بلا عذر لم تقبل منه وإن صلى ألف مرّة؛ لأن الله حَدَّ للصلاة وقتًا مُعيَّنًا في أوله وآخره، فكما لا تُقبل الصلاة قبل وقتها فلا تُقبل بعده إلا من عذر شرعي، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ»، ومَن أخَّر الصلاة عن وقتها بلا عذر فصلاها بعده فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردودًا عليه .
أيها المسلمون، إن الصيام فريضة فرضها الله على عباده، فهو أحد أركان الإسلام، مَن أنكر أنه فريضة فهو كافرٌ بالله، مكذبٌ لله ورسوله، خارجٌ عن جماعة المسلمين، مرتدٌّ عن دينه، يُستتابُ وإن تاب وإلا قتل كفرًا وردَّة، ولكنه مشروط بشروط - أعني: وجوب الصيام - مشروط بشروط، فهو فريضة على كل مسلمٍ، بالِغٍ، عاقلٍ، قادرٍ، مقيمٍ، خالٍ من الموانع، فأما الصبي الصغير الذي لم يبلغ فلا صيام عليه ولكنه يؤمر به إذا كان يستطيعه ليعتاد عليه، «فقد كان الصحابة - وهم القدوة والأسوة - يُصَوِّمون صغارهم حتى إن الصبي ليبكي من الجوع فيعطونه لعبة يتلهّى بها إلى الغروب».
«ويحصل البلوغ بواحد من أمور ثلاثة: إذا تَمَّ له خمس عشرة سنة، إذا نبتت عانته، إذا أنزل منيًّا باحتلام أو غيره، وتزيد الأنثى بالحيض، فمَن حصل له واحد من هذه فهو بالِغ تلزمه فرائض الله»، فإذا نبتت العانة حصل البلوغ وإن لم يتم له خمس عشرة سنة، وإذا حاضت الأنثى حصل بلوغها وإن لم يتم لها خمس عشرة سنة .
أيها المسلمون، انتبهوا لهذه النقطة التي تخفى على كثير من الناس وهي: أن بعض النساء تبلغ وهي صغيرة دون الخامسة عشرة ولكنّها تجهل الحكم فلا تصوم وحينئذٍ ينبغي لنا أن نتفقَّد أهلينا، أن نتفقد بناتنا لننظر في هذه الناحية المهمة .
أما فاقد العقل فلا صيام عليه سواء فقده لجنون أو كبَر؛ وعلى هذا فالكبير المُهذري ليس عليه صيام ولا صلاة ولا إطعام؛ لأنه لا عقل له، وأما الكبير العاقل فإن كان يُطيق الصوم وجبَ عليه وإن كان لا يطيقه لضعف جسمه من الكبر فإنه يُطعَم عنه بعدد الأيام عن كل يوم مسكينًا: لكلِّ مسكين خُمس صاع من البر، والأَوْلَى أن يُجعل مع الطعام شيءٌ يؤدّمه من لحم أو دهن.
ومَن عجز عن الصوم لمرض لا يرجى زواله فحكمه حكم الكبير في الإطعام عنه، وإن كان المرض يرجى زواله فإنه ينتظر حتى يبرأ ويقضي، لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 184].
وأما المريض الذي يستطيع الصوم بدون مشقة ولا ضرر فإنه يجب عليه أن يصوم ولا يَحِل له الفطر إلا أن يكون في صومه زيادة في المرض أو تأخّر في البرء فإنه يفطر.
والحامل التي يشقّ عليها الصوم لضعفها أو ثقلها يجوز لها الفطر وتقضي، والمرضع إذا شقَّ عليها الصوم بواسطة الرضاع أو خافَت أن ينقص لبنها نقصًا يُخِلُّ على الولد يجوز لها أن تفطر أيضًا وتقضي.
والمسافر الذي لم يقصد بسفره التحيَّل على الفطر يجوز له الفطر فيُخيّر بين الصوم والفطر والأفضل له فعل الأسهل عليه، فإن تساوى الصوم والفطر فالصوم أفضل؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولأنه أخفّ عليه من القضاء غالبًا؛ ولأنه أسرع في إبراء ذمته.
وإذا كان الصوم يشقّ عليه في السفر فإنه لا يصوم والصوم مكروه في حقه فإن شقّ عليه مشقّة كبيرة ولكنه صام فإنه عاصٍ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام فقيل له: إن الناس قد شقّ عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: «أولئك العصاة أولئك العصاة» رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .
ولا فرقَ في السفر بين أن يكون طارئًا أو يكون دائمًا، فأصحاب سيارات الأجرة «التكاسي» أو المرسيدسات الكبيرة لهم أن يُفطروا ويقضوا في أيام أُخَر؛ لأنهم مسافرون مفارقون لبلادهم وأهلهم وهذه حقيقة السفر .
والحائض والنفساء ليس عليهما صيام ولا يصح منهما الصوم؛ إلا أن تطهرا قبل الفجر ولو بلحظة فيلزمهما الصوم وإن لم تغتسلا إلا بعد طلوع الفجر ويلزمهما قضاء ما أفطرتاه من الأيام.
أيها المسلمون، إن الله تعالى قد سَنَّ لكم في شهر رمضان قيام ليله مع الإمام، فمَن كان منكم مُصلِّيًا مع إمامه فلا ينصرف حتى ينتهي الإمام من الصلاة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة».
وإني أوصي إخوتي الأئمة أن يتَّقوا الله - عزَّ وجل - فيمَن خلفهم، وألا يسرعوا سرعة تشقُّ عليهم أو تمنعهم من فعل ما يُستحب بل ينبغي لهم أن يؤدّوا الصلاة بطمأنينة: بطمأنينة في الركوع والسجود، والقيام والقعود؛ حتى يتمكّن الناس من التسبيح والدعاء؛ لأن هذه التراويح هي قيام رمضان ولولا أنها قيام رمضان لم يحصل لنا قيامه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفرَ له ما تقدّم من ذنبه».
وكثير من العامة يظنّون أن قيام رمضان هو القيام الذي يكون في العشر الأواخر، ولكنّ هذا خطأ بل قيام رمضان يكون من أول ليلة منه؛ وعلى هذا فينبغي لنا أن نُطيلَ في هذه التراويح من أجل أن نمكِّن الناس من الدعاء والتسبيح، وأما العدد فالأفضل أن يقتصر الإنسان على ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله؛ فإن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - سئلت كيف كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ؟ فقالت: «كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة».
وقد صَحَّ عنه أنه كان يصلي أحيانًا ثلاث عشرة ركعة، فمَن اقتصر على إحدى عشرة فلا حرج عليه، ومَن زاد إلى ثلاث عشرة فلا حرج عليه، ومَن زاد إلى ثلاث وعشرين فلا حرج عليه، والكلام إنما هو في الأفضل لا في الواجب، ثم المهم أن يتمكّن الناس من الدعاء والتسبيح في هذا القيام .
اللهم إنَّا نسألك أن تجعلنا مِمَّن يصوم رمضان ويقومه إيمانًا واحتسابًا، اللهم بلِّغنا أوّله وآخره، اللهم ارزقنا من خيره وفضله، اللهم إنَّا نسألك أن تجعلنا مِمَّن يستقبل هذا الشهر بالعزيمة الصادقة، والعمل الجاد، والإخلاص لك، والمتابعة لرسولك، وأكْثروا - أيها المسلمون - من قراءة القرآن، وإذا مررتم بآية سجدة فاسجدوا في أي وقت كان؛ لأن سجدة التلاوة لها سبب، وكل شيء له سبب فإنه لا نهي عنه، واستمعوا إلى قول الله عزَّ وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 183-186] .
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بِما فيه من الآيات والذكْر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا مباركًا طيِّبًا فيه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو الله بها النجاة يوم نلاقيه، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .
أما بعد:
أيها المسلمون، فاذكروا نعمة الله عليكم بهذا الدين القويم، وأقيموه لله مُخلصين ولرسوله متَّبعين، واسألوا الله عليه الثبات إلى يوم تلقون رب العالمين .
أيها المسلمون، إن دين الإسلام وصفه الله تعالى بأنه كامل، فقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) [المائدة: 3]؛ ولهذا كان الدين الإسلامي وسطًا بين الأديان السابقة وعدلاً خيارًا ومُهيمنًا عليها، ناسخًا لها، فلا قيام للأديان السابقة مع الدين الإسلامي، ومِن وسطيّته وعدله بين الأديان: أنه كانت شريعة التوراة إذا قتل أحدٌ أحدًا فإنه يجب قتله ولا خيار لأولياء المقتول في العفو عنه كما قال الله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة: 45] إلى آخر الآية، وكانت شريعة عيسى بن مريم دون ذلك فكانت توجِبُ السماح والعفو؛ لأن الناس في ذلك الوقت لا يُطيقون المقاصَّة، أما هذا الدين الإسلامي فكان عدلاً ورحمة كما قال الله عزَّ وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [البقرة: 178] .
أيها المسلمون، إن أعداء الإسلام ينقمون من الإسلام مثل هذه الأحكام العادلة الحازمة العازمة وهم يقتلون الناس بغير حق ولا يبالون أن يقتلوا أي واحد من الناس حتى إنهم ربما يقتلون مَن يخالفهم في اللون بدون جريمة؛ ولكن لأن لونه مخالف لألوانهم ومع ذلك ينقمون من الإسلام، هذا الحكم العادل الحازم المبني على الرحمة، المبني على العدل، المبني على انتظام الأمور ولولا هذا لكثر القتل في الناس ولَمَا اهتم الناس بالقتل؛ ولهذا قال الله تعالى بعد ذكر آية القصاص التي تلوتها عليكم: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 179]، ففي القصاص حياة للأمة وحماية لنفوسها، فاشكروا الله على هذه النعمة، واحمدوا الله أن هداكم لهذا الدين القيّم.
ثم إننا نشكر حكومتنا - وفَّقها الله - على إقامة مثل هذه الأمور: على إقامة الحدود والقصاص، ونسأل الله أن يزيدها من فضله، ونسأل الله أن يُصلح لها البطانة وأن يُعينها على تحمّل الأمانة، ونسأل الله أن يزيدها تمسّكًا بشريعة الله وإصلاحًا لعباد الله؛ إنه على كل شيء قدير .
واعلموا - أيها المسلمون - «أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، فعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شَذَّ شَذَّ في النار»، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جلَّ من قائل عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56] .
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبّته واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفَّنا على ملّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنّات النّعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين .
اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين، وعن بقية الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارضَ عنَّا معهم وأصْلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين، اللهم أصْلح للمسلمين ولاة أمورهم، اللهم أصْلح للمسلمين ولاة أمورهم، اللهم أصْلح للمسلمين ولاة أمورهم، اللهم مَن كان من ولاة أمور المسلمين مستقيمًا على دينك، ناصحًا لعبادك، قائمًا بالأمانة، اللهم فانصره وأيِّده وثبِّت أقدامه يا رب العالمين، ومَن كان منهم على خلاف ذلك فاهده إلى الحق أو أبدله بخير منه يا رب العالمين .
اللهم وَلِّ على المسلمين خيارهم، واكْفِهم شرَّ شرارهم، اللهم أصْلح لولاة الأمور بطانتهم، اللهم مَن كان من بطانتهم يُعينهم على ما فيه مصلحة العباد والبلاد فقرِّبه منهم وثبِّته على مقامه، ومَن كان منهم على خلاف ذلك فأبعده عنهم وأبدلهم بخير منه، يا ذا الجلال والإكرام؛ إنك على كل شيء قدير .
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10] .
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المظلومين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المظلومين من المسلمين في كل مكان، اللهم مَن قام بأمر يريد فيه إعلاء كلمتك وإعزاز دينك فانصره على مَن عارضه وكان ضدًّا له يا رب العالمين .
اللهم انصر إخواننا في البوسنة والهرسك؛ إنك على كل شيء قدير . اللهم امنحهم رقاب أعدائهم، وامنحهم أراضيهم وذرياتهم ونسائهم وأموالهم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .