البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

شكرا رمضان

العربية

المؤلف هلال الهاجري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. لماذا نشكر رمضان؟ .
  2. فضائل الصيام بعد رمضان .
  3. الأعمال الصالحة بعد رمضان .
  4. العمل الصالح حِصنٌ لك في قبرِك .
  5. وجوب أداء زكاة الفطر .
  6. آداب إخراج زكاة الفطر .

اقتباس

لقد استخرجَ رمضانُ ما فينا من الخيرِ، وأثْبَتَ لنا أننا قادرونَ على فعلِ الكثيرِ من الصَّالحاتِ، وأننا نستطيعُ الاستزادةَ من وافرِ الحسناتِ، وأوضحَ لنا بما لا يقبلُ الشَّكَ، كيفَ أن عندنا من القوَّةِ على العملِ الصَّالحِ ما نستطيعُ أن نُنافسَ فيه أهلَ العبادةِ والصَّلاحِ على أعلى منازلِ الجنَّاتِ امتثالاً لقولِه تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ(..

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الذي وفَّقَ لبلوغِ شَهرِ رمضانَ، وهيَّأ أسبابَ المغفرةِ والرِّضوانِ، أحمدُه سبحانَه وأشكرُه على نِعمةِ الهدايةِ والإيمانِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةً أدَّخرُها ليومِ الجزاءِ والإحسانِ، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه، بيَّنَ طريقَ الهُدى والرَّشادِ، وحذَّرَ من الضَّلالِ والعصيانِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه البَررةِ الكرامِ، وسلمَ تسليماً كثيراً ..

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة: 183].

شُكراً رمضانَ .. فلا نعلمُ كيفَ نُجازيكَ .. أم كيفَ نردُّ لك الجميلَ!!

عبادَ اللهِ، لقد استخرجَ رمضانُ ما فينا من الخيرِ، وأثْبَتَ لنا أننا قادرونَ على فعلِ الكثيرِ من الصَّالحاتِ، وأننا نستطيعُ الاستزادةَ من وافرِ الحسناتِ، وأوضحَ لنا بما لا يقبلُ الشَّكَ، كيفَ أن عندنا من القوَّةِ على العملِ الصَّالحِ ما نستطيعُ أن نُنافسَ فيه أهلَ العبادةِ والصَّلاحِ على أعلى منازلِ الجنَّاتِ امتثالاً لقولِه تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ[المطففين: 26].

‏ شكراً رمضانَ .. فها نحنُ صُمنا فيكَ هذه الأيامَ الطَّويلةَ الحارَّةَ .. لأننا نعلمُ أنَّ "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيِمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، وتحمَّلنا ما فيها من الجوعِ والعطشِ .. وتركنا فيه لذيذَ الشَّهواتِ .. ابتغاءَ عظيمِ الأجرِ من ربِّ الأرضِ والسماواتِ .. كما قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا ابْنُ آدَمَ تُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، يَقُولُ اللَّهُ: "إِلا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي" .. فأبشروا يا أهلَ الصَّومِ .. فقد أعدَّ اللهُ تعالى لكم ثواباً لا يعلمُه إلا هو .. وكيفَ بثوابِ من لا تنقصُ خزائنُه شيئاً ولو أنفقَ منها ما أنفقَ؟!

ومن صامَ رمضانَ، استطاعَ أن يصومَ ستةَ أيامٍ بعدَه، لحديثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" .. وذلك لأنَّ الحسنةَ بعشرِ أمثالِها، فصيامُ رمضانَ كصيامِ عشرةِ أشهرٍ، وصيامُ ستةِ أيامٍ كصيامِ ستينَ يوماً أيْ شهرينِ .. فهذا كصيامِ العامِ كاملاً كما في روايةِ "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا".

بل إن المُحافظةَ على الصَّومِ لا نظيرَ له في العباداتِ، كما جاءَ عن عَنْ أَبِي أمامةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ دُلَّنِي عَلى عَمَلٍ أَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ"، فَكَانَ أَبُو أُمامَةَ لا يُرَى في بَيْتِهِ الدُّخَانُ نهاراً إِلَّا إِذَا نَزَلَ بهمْ ضَيْفٌ .. من كثرةِ صيامِه رضيَ اللهُ عنه امتثالاً لوصيَّةِ حبيبِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.

ومن أرادَ علاجاً لصدرِه فعليه بهذه النَّصيحةِ .. عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ، صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ" .. ووَحَرَ الصَّدْرِ: هو ما يكونُ في القلبِ من غِشٍّ وَوَسَاوِسٍ وَحِقْدٍ وَحَسَدٍ وقَسْوَةٍ .. فكم نحتاجُ لعلاجِ قلوبِنا .. لأنه في يومِ القيامةِ (لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88- 89].

شكراً رمضانَ .. فقد حافظنا فيك على قيامِ اللَّيلِ .. ابتغاءَ أجرِ "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".. ذلكَ القيامُ الذي قالَ عنه رسولُنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْهَاةٌ عَنْ الإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ" .. فلا تحرمُ نفسَك يا عبدَ اللهِ من هذا الفضلِ .. واجعلْ لك في كلِّ ليلةٍ بعدَ رمضانَ ركعاتٍ .. فيها استغفارٌ وتسبيحٌ وتحميدٌ ووِترٌ ودعواتٌ .. تُكتبُ فيها من القانتينَ للهِ والقانتاتِ.

شكراً رمضانَ .. فلقدْ ختمنا فيكَ القرآنَ مرةً أو مرَّاتٍ .. "مَنْ قَرَأ حَرْفاً مِنْه فَلَهُ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، لاَ أقولُ: الم حَرفٌ، وَلكِنْ: ألِفٌ حَرْفٌ، وَلاَمٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ" .. فما أكرمَ اللهِ تعالى على عبادِه .. فقد كانتْ حروفاً كثيرةً .. فمن يستطيعُ أن يُحصيَ معها الحسناتِ ..

فيا أيُّها الحبيبُ لا تتركْ يوماً إلا وقد ضممتَ المُصحفَ بينَ يديكَ .. وتحرَّكتْ ببعضِ الآياتِ شَفتيكَ .. تكنْ لك بركةٌ في السَّماءِ ومن تحتَ رِجليكَ .. عن أبي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي، قَالَ: "أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ رَأْسُ الأَمْرِ كُلِّهِ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: "عَلَيْكَ بِتِلاوَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ نُورٌ لَكَ فِي الأَرْضِ، وَذُخْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ".

شكراً رمضانَ .. فقد فطَّرنا فيك الصائمينَ .. نبتغي أجرَ "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" .. وأطعمنا فيك المساكينِ .. وتصدَّقنا فيك على المُحتاجينَ .. اقتداءً بسيِّدِ المُرسلينَ الذي "كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ" .. فلقدْ رأينا أثرَ هذا الإحسانِ على الفُقراءِ .. في دُعاءِ عجوزٍ .. وابتسامةِ طِفلٍ .. وسعادةِ مكروبٍ .. وفَرحِ مسكينٍ .. وبركةِ مالٍ ..

فما الذي يمنعُك أيها المُباركُ .. أن يكونَ لكَ صدقةٌ يوميَّةٌ ولو قليلةً .. يباركُ اللهُ تعالى بها مالَك ويجعلُ فيه الفلاحَ .. وتحوزُ بها على دعوةِ المَلَكِ في كلِّ صباحٍ .. "مَا مِنْ يوم يُصبِحُ فيه العبادُ، إلا مَلَكانِ يَنْزِلان، يقولُ أحدُهما: اللهم أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، ويقولُ الآخرُ: اللهم أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً" .. ولا تحقرْ شيئاً .. فَعَنْ جَابِرِ بنِ سُلَيْمٍ الْهُجَيْمِيّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَعَلِّمْنَا شَيْئًا يَنْفَعُنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ، قَالَ: "لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي، وَلَوْ أَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ".

شكراً رمضانَ .. فقد جعلتنا نُحافظُ على الصَّلاةِ في بيوتِ اللهِ تعالى .. فصَلَّيْنَا الفريضةَ فيه والنَّافلةَ .. ومشينا إليه خُطُواتٍ كثيرةً .. مُستشعرينَ قولَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلَى مَسْجِدٍ مِنْ هذِهِ الْمَسَاجِدِ إلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً" .. فكم من حسنةٍ كُتبتْ، وكم من درجةٍ رُفعتْ، وكم من سيئةٍ حُطَّتْ ..

فما أعظمَك من ربٍّ تُعينُ على الطَّاعةِ من تشاءُ من عبادكَ .. وتَجزيهم عليها ما لا يتخيَّلونَ من واسعِ عطاءِكَ .. وعِشنا فيه تلك اللَّحظاتِ الرَّوحانيَّةَ .. عندما كُنا نمشي للمسجدِ في صلاةِ الفجرِ .. فنشعرُ بسعادةٍ غامرةٍ لا نعلمُ سببَها .. ولكننا نستبشرُ ببُشرى نبيِّنا وحبيبِنا محمدٍ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- حينَ قالَ: "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَم إلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

شكراً رمضانَ .. فقد علَّمتنا أن نتقلَّبَ في أنواعِ الطَّاعاتِ .. وأن نجنيَ جميلَ أعمالِ البِرِّ من بُستانِ العباداتِ .. لقدْ أرشدتنا إلى طريقِ الهِدايةِ والصَّالحاتِ .. فسنشكرُكَ في ذلكَ اليومِ الَّذي لا ينفعُ العبدَ فيه إِلاّ ما قدَّمَ من الحسناتِ .. كما قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "يُؤتَى الرجلُ في قبرِه فإذا أُتِيَ من قِبَلِ رأسِه دفَعَتْه تلاوةُ القرآنِ، وإذا أُتِيَ من قِبَلِ يدَيه دفعَتْه الصدقةُ، وإذا أُتِيَ من قِبَلِ رِجلَيه دَفَعَه مَشيُه إلى المساجدِ" .. حينها ستعلمُ أهميَّةَ هذه الأعمالِ الصَّالحةِ .. وكيفَ أنها حِصنٌ لك في قبرِكَ .. ودرعٌ لك من عذابِ القبرِ.

شكراً رمضانَ .. ونستودعُ اللهَ تعالى ما قدَّمنا فيك من الأعمالِ .. ونسألُه تعالى أن يجعلَنا ممن صامَ رمضانَ وقامَه إيماناً واحتساباً .. وأن يتقبلَ ما قدَّمنا فيه من الأعمالِ الصَّالحةِ .. وأن يُعيدَه علينا أعواماً عديدةً .. ونحنُ في صحةٍ وخيرٍ وهُدى والأمَّةُ الإسلاميَّةُ في عِزٍّ وتمكينٍ .. لا إله إلا أنت سُبحانَك إنا كٌنَّا من الظَّالمينَ.

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ .. ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ .. أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كُلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ العليمِ الحكيمِ، العليِّ العظيمِ، خلقَ كلَّ شَيْءٍ فقَدَّره تقديراً، أحمدُه على صفاتِه الكامِلة، وأشكرُه على آلائِه السابغةِ، وأشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاّ الله وحده لا شريكَ له لَهُ الملكُ وله الحمدُ وهوَ على كلِّ شَيْء قدير، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه البشيرُ النَّذيرُ، صلَّى الله عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِه والتابعينَ لهم إلى يومِ المصِير وسلَّم تسليماً، أما بعد:

عبادَ اللهِ .. إن اللهَ شرعَ لكم في ختامِ شهرِكم هذا أنْ تؤَدُّوا زكاةَ الفطرِ، وهيَ فريضةٌ على الكبيرِ والصغيرِ والذَّكرِ والأُنثى والحرِّ والعَبْدِ من المسلمينَ، قالَ عبدُالله بنُ عَمرَ -رضيَ اللهُ عنهما-: "فرضَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلَّمَ- زكاةَ الفطرِ من رمضانَ صاعاً من تَمْرٍ أو صاعاً من شعيرٍ على العبدِ والحرِّ والذَّكرِ والأنثى والصغيرِ والكبيرِ من المسلمينَ".

ولا تجبُ عن الحملِ الذي في البطنِ إلاَّ أنْ يتطوعَ بها فلا بأسَ، فقدْ كانَ أميرُ المؤمنينَ عثمانُ -رضيَ اللهُ عنه- يخرجُها عن الحملِ، ويجبُ إخراجُها عن نفسِه وعمن تَلْزَمُه مَؤُونَتُه من زوجةٍ أو قريبٍ إذا لم يستطيعوا إخراجَها عن أنفسِهم، ولا تَجِبُ إلاَّ على مَنْ وَجَدَها زائدةً عما يحتاجُه من نفقةِ يومِ العيدِ وليلتِه، فإنْ لم يجد إلاَّ أقلَّ من صاعٍ أخْرَجَه لقولِه تعالى: (فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]، وقولِ النبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطعتم".

وأما حِكمتُها فقد جاءَ عن ابن عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهما- قالَ: "فرضَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلّمَ- زكاةَ الفطرِ طُهرةً للصائمِ من اللَّغوِ والرَّفثِ وطعمةً للمساكينِ، فمن أدَّاها قبل الصلاةِ فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعدَ الصلاةِ فهي صدقةٌ من الصدقاتِ"..

وجنسُ الواجبِ في الفطرةِ هو طعامُ الآدميينَ من تمرٍ أوْ بُرِّ أوْ رُزٍّ أو زبيبٍ أوْ أقِطٍ أو غيرِها، كما قالَ أبو سعيدٍ الخدريُّ رضيَ اللهُ عنه: "كنا نُخْرِجُ يومَ الفطرِ في عهدِ النبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلّمَ- صاعاً من طعامٍ، وكان طعامُنَا الشعيرَ والزَّبيبَ والأقِطَ والتَّمرَ".

ولا يُجزِئُ إخراجُ قيمةِ الطَّعامِ؛ لأنَّ ذلك خلافُ ما أَمَرَ به رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلّمَ، وقد ثبتَ عنه -صلى اللهُ عليه وسلّمَ- أنه قالَ: "مَنْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ"، ومعنى رَدٌّ أيْ مردودٌ، ولأنَّ إخراجَ القيمةِ مخالفٌ لعملِ الصَّحابةِ -رضيَ اللهُ عنهم-؛ حيثُ كانوا يخرجونَها صاعاً من طعامٍ.

وأما مقدارُ الفطرةِ فهو صاعٌ بصاعِ النبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلّمَ-، وهو ما يُساوي ثلاثةُ كيلو من الأرزِ أو غيرِه من قُوتِ البلدِ، ووقتُ وجوبِها غروبُ الشمسِ ليلةَ العيدِ، فمن كان مِنْ أهلِ الوجوبِ حينذَاك وجبتْ عليه وإلاَّ فلا.

وأمَّا زمنُ دفعِها فله وقتانِ: وقتُ فضيلةٍ ووقتُ جوازٍ، فأمَّا وقتُ الفضيلةِ: فهو صباحُ العيدِ قبلَ الصلاةِ؛ لما في حديثِ ابنِ عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنهما-: "أنَّ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَ بزكاةِ الفِطرِ أن تؤدَّى قَبلَ خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاةِ"، وأمَّا وقتُ الجوازِ فهو قبْلَ العيدِ بيومٍ أو يومينِ، فعن نافعٍ قالَ: "كانَ ابنُ عمرَ يعْطِي عن الصَّغيرِ والكبيرِ حتى وإنْ كانَ يُعطِي عن بَنِيَّ، وكان يُعْطِيها الَّذِين يَقْبلونَها، وكانُوا يُعْطَون قبْلَ الفطرِ بيومٍ أو يومينِ".

ولا يجوزُ تأخيرُها عن صلاةِ العيدِ؛ فإنْ أخَّرها عن صلاةِ العيدِ بلا عُذرٍ لم تُقْبَلْ منه لأنه خلافُ ما أمَرَ به رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلّمَ-، وقد سبقَ في الحديثِ: "أنَّ مَنْ أدَّاها قبْلَ الصلاةِ فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ مِنَ الصدقاتِ"، أمَّا إن أخَّرها لعذرٍ فلا بأسَ، مثلُ أن يصادفَه العيدُ في الْبَرِّ ليس عندَه ما يدفعُ منه أو ليسَ عنده مَنْ يدفُع إليه، أو يأتَي خبرُ ثبوتِ العيدِ مفاجِئاً بحيثُ لا يَتَمَكَّنُ مِن إخراجها قبْلَ الصلاةِ أو يكونَ معتمداً على شخصٍ في إخراجِها فينسى أنْ يُخْرِجَهَا فلا بأسَ أن يخرجَها ولو بعدَ العيدِ؛ لأنَّه معذورٌ في ذلك.

وأما مكانُ دفِعها فتُدفعُ إلى فقراءِ المكانِ الَّذِي هو فيه وقت الإِخراجِ، سواءٌ كانَ محلَ إقامتِهِ أو غَيرَه من بلادِ المسلمينَ، فإن كان في بلدٍ ليس فيه فُقراءٌ أو كانَ لا يعرفُ المستحِقينَ فيه وكَّلَ من يدفعها عنه في مكانٍ فيه مستَحِقٌ.

والمستحِقُون لزكاةِ الفطرِ هُمْ الفقراءُ ومَنْ عليهم ديونٌ لا يستطيعونَ وفاءَها فيُعْطَون منها بقدرِ حاجتِهم، ويجوزُ توزيعُ الفطرةِ على أكثرَ من فقيرٍ، ويجوزُ دفعُ عددٍ من الْفِطَر إلى مسكينٍ واحدٍ، لأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلّم- قَدَّر الواجبَ ولم يقدِّر مَنْ يدفعُ إليهِ.

وشُرعَ لكم التَّكبيرُ عند إكْمالِ الْعِدَّةِ من غروبِ الشمسِ ليلةَ العيدِ إلى صَلاةِ العيدِ، قالَ اللهُ تعالى: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]، وصِفتُهُ: أنْ يقولَ اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إِله إِلاَّ اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ، ويُسَنُّ جهرُ الرِّجالِ به في المساجدِ والأسواقِ والبُيوتِ إعلاناً بتعظيمِ اللهِ وإظهاراً لعبادتِه وشكرِه ويُسِرُّ به النساءُ لأنهن مأموراتٌ بالتَستُّرِ والإِسرارِ بالصَّوتِ.

اللهم اجعَل عيدَنا سعيدًا، وعملَنا صالحًا رشيدًا، اللهم أعِده على الأمة الإسلامية بالعِزِّ والنَّصرِ والتَّمكينِ، وكُن لهم خيرَ حافظٍ ومُعينٍ .. اللهم انصر إخوانَنا المجاهدينَ في سبيلِك في كلِّ مكانٍ، الذين يُجاهِدون لإعلاءِ كلمتِك وإعزازِ دينِك، اللهم انصر إخواننا المُضطهَدين في دينِهم في كلِّ مكانٍ .. اللهم أرِنا في أعدائِك أعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ عجائبَ قدرتِك يا قويُ يا جبَّارُ يا عزيزُ، ربنا تقبَّلْ منَّا إنك أنتَ السميعُ العليمُ، وتُبْ علينا إنك أنتَ التَّوابُ الرَّحيمُ، واغفِر لنا إنك أنتَ الغفورُ الرَّحيمُ.