البحث

عبارات مقترحة:

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

مدرسة الصيام

العربية

المؤلف محمد ابراهيم السبر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. فضائل شهر رمضان .
  2. من دروس مدرسة الصيام .
  3. التدريب على قيام الليل .
  4. التربية على هجر المعاصي وترك الذنوب .
  5. شهر رمضان فرصة للتربية الإسلامية الحقة .
  6. صور تدريب الشباب والفتيان على الخير في رمضان .
  7. رمضان هو شهر الجدية والعزيمة والحركة والعمل. .

اقتباس

ومن دروس مدرسة الصيام أنه يشعرنا بالتعبد لله -جل وعلا- والإخلاص له والامتثال لأوامره -جل وعلا-، وعندما يغيب عند العبد استشعار الإخلاص، ويتلاشى استشعار التعبد في شرائع الدين تتحول الصلوات إلى حركاتٍ بدنية رياضية، عندما يغيب التعبد يتحول الصوم إلى جوع وعطش وحمية، عندما يغيب التعبد يتحول الحج إلى نزهةٍ ورحلةٍ ترفيهية، عندما يغيب التعبد تتحول الزكاة إلى عطايا وهباتٍ دافعها المجاملةُ والمحاباةُ، عندما يغيب التعبد لا يستسلم الإنسان إلى أمر الله ولا ينتهي عند نهيه.

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي جعل الصيام جُنَّة، وجعله سبيلاً موصلاً إلى الجَنَّة، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة ورفع به الظلمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه والتابعين وعلى من سار على نهجهم واقتفى أثرهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

أما بعد: فيا أيها الصائمون: اجعلوا من صيامكم سبباً موصلاً إلى تقوى ربكم جل وعلا، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].

أيها المسلمون: ها نحن نعيش أيام رمضان ولياليه المباركة، والمسلم والمسلمة إذ يعيشان هذا الشهر الكريم هما في مدرسة وجامعة عريقةٍ في تاريخها، جليلةٍ في مبادئها، عظيمة في مآثرها. إنها مدرسةٌ وجامعةٌ فتحت أبوابها لتستقبل أفواج الدارسين في كل أرجاء المعمورة، مدرسةٌ لا يحدها وطن، ولا يحويها زمن، لا تضيق عن استيعاب مريديها، ولا تغلق بابها دون أحد منهم، فصولها المساجد والبيوت الإسلامية، وكراريسها المصاحف والسنة النبوية، إنها مدرسة الصيام التي يتعلم منها المسلمون ويتهذب بها العابدون ويتحنث بها المتنسكون.

يا صائماً ترك الطعام تعففاً

أضحى رفيق الجوع واللأواءِ

أبشر بعيدك في القيامة

رحمةً محفوفةً بالبر والأَنداءِ

يا صائماً عافت جوارحه الخنا

أبشر برضوان من الديانِ

عفوٍ ومغفرةٍ ومسكن جنةٍ

تأوي بها من مدخل الريانِ

رمضان شهر الصيام والقيام وشهر القرآن والدعاء وشهر الجود والكرم وشهر الصدقة والمواساة، قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "كُل عملِ ابن آدم له؛ الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف يقول الله --عز وجل--: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به؛ ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان فرحةٌ عند فطره، وفرحةٌ عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك" (متفق عليه).

ومن دروس مدرسة الصيام: أن هذا الصيام يشعرك بالوحدة الإسلامية فتشعر بإخوانك في أقاصي الأرض ومغاربها، تصوم كما يصومون، وتفطر كما يفطرون، فابتداء الصوم واحد، وانتهاء الصوم واحد، وزمانه على الناس واحد، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الصوم يوم تصومون، والإفطار يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون" (رواه الترمذي).

ومن دروس مدرسة الصيام أنه يشعرنا بالتعبد لله -جل وعلا- والإخلاص له والامتثال لأوامره -جل وعلا-، وعندما يغيب عند العبد استشعار الإخلاص، ويتلاشى استشعار التعبد في شرائع الدين تتحول الصلوات إلى حركاتٍ بدنية رياضية، عندما يغيب التعبد يتحول الصوم إلى جوع وعطش وحمية، عندما يغيب التعبد يتحول الحج إلى نزهةٍ ورحلةٍ ترفيهية، عندما يغيب التعبد تتحول الزكاة إلى عطايا وهباتٍ دافعها المجاملةُ والمحاباةُ، عندما يغيب التعبد لا يستسلم الإنسان إلى أمر الله ولا ينتهي عند نهيه.

 وعندما يحضر التعبد فانه يصوم لله ابتغاءَ ثوابه وطلباً لرجائه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وعندما يحضر التعبد فإنه يدع شهوته وطعامه وشرابه لأجل الله، أكلٌ وشربٌ في امتثالٍ لأمر الله: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) [البقرة: 187]، ولهذا كان مستحباً للعبد المسلم الصائم أن يأكل عند الإفطار، وأن يأكل عند السحور وكُرِه له الوصال، وإذا جاء النهار فلا أكل حينئذٍ كل ذلك تعبداً لله -عز وجل- وإذا طلع الفجر أمسك عن طعامه وشرابه وعن سائر المفطرات وباقي المفسدات؛ امتثالاً لأمر الله تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة: 187].

هكذا يربينا الصيام على كمال الامتثال والتسليم، وعلى كمال العبودية لله؛ أمره ربه أن يأكل في وقت فامتثل، وأن يصوم في وقت فامتثل، والقضية ليست مجرد أذواق وأمزجة ولا مجرد شهوات، إنما هي طاعة لله -جل وعلا- وتنفيذ لأوامره -جل وعلا- وهذا كمال العبودية لله تعالى.

فلنحقق صيامنا معشر المسلمين، ولنجعله إيماناً واحتساباً لله -جل وعلا- كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".

ومن دروس مدرسة الصيام: أنه يربينا على العبادة والتحنث وتحمل التكاليف الشرعية فلئن كان المسلم يعبد ربه -جل وعلا- في سائر عامه إلا أنه يأخذ في رمضان دورةً عباديةً يزيد فيها من جرعات الطاعة ونكهاتِ الإيمان والإخلاص؛ حتى يقوى على ما تبقى من الشهور، فيجعل هذه الفرصة العظيمة منطلقاً إلى الخيرات.

يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه"، فرمضان شهر القيام وقيام الليل هو دأب نبينا -صلى الله عليه وسلم- ودأب الصحابة ودأب الصالحين من بعدهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) [المزمل: 1 - 5]، وقال: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) [الفرقان: 63، 64].

بل قال -جل وعلا- في صفات عباده المحسنين: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 17، 18]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".

فعلى المسلم أن يحرص على أداء صلاة التراويح، وأن يكملها مع الإمام، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" (رواه أهل السنن).

قم في الدجى واتل الكتاب

ولا تنم إلا كنومة حائر ولهان

فلربما تأتى المنية بغتة

فتساق من فرش إلى أكفان

يا حبذا عينان في غسق

الدجى من خشية الرحمن باكيتان

فالله ينزل كُلَ آخر ليلة

لسمائه الدنيا بلا نكران

فيقولُ هل من سائلٍ فأجيبَه

فأنا القريبُ أجيبُ منْ ناداني

من دروس مدرسة الصيام: أنه يدرب النفس ويوطنها على هجر المعاصي وترك الذنوب: فالمعنى السامي للصيام أنه يجمع بين التقوى الحسية والتقوى المعنوية، فمن أخل بواحدةٍ منها فما استكمل الصيام، ولذا قال -جل وعلا-: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].

يؤكد هذا المعنى أيها الصوام قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" (رواه البخاري)، وقوله: "ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللهو والرفث" (أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم).

هذا هو الصيام الحقيقي فإذا تحقق فيه ذلك كان جنةً من المعاصي، فالصيام الذي لا يمنعك من المعاصي ليس بصيام، والصيام الذي لا يمنعك من النظر إلى الحرام والسب والشتم والتلاحي والخصام والغيبة والنميمة، والقيل والقال والولوغ في الأعراض ليس بصيام، إنما الصيام من اللغو والرفث، وإذا تحقق ذلك كان جنةً من المعاصي، وبالتالي جنةً ووقايةً من النار قال -صلى الله عليه وسلم-: "الصيام جُنَّة فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفثْ ولا يفسقْ ولا يجهلْ، فإن سابَّه أحدٌ فليقل: إني امرؤ صائم" (رواه الشيخان).

"إني صائم" كلمةٌ تحمل في طياتها معاني كظم الغيظ، كلمة ترفع عن الجاهلين وتنبئ بمقابلة السيئة بالحسنة فلا سباب ولا مهاترات، ولا غش ولا خاصم، قال جابر -رضي الله عنه- فيقول: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك، ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ، ولا يكنْ يومُ صومِك ويومُ فطرِك سواءً".

وكان السلف يكثرون في رمضان الجلوسَ في المساجد على القرآن والاعتكاف والطاعة يقولون: نحفظ صيامنا ولا نجرحه.

إذا لم يكن في السمع مني تصاون

وفي بصري غض وفي منطقي صمتُ

فحظي إذن من صومي الجوع والظما

فإن قلت إني صمت يومي فما صمتُ

من دروس مدرسة الصيام عباد الله: أنه فرصة للتربية الإسلامية الحقة، قالت الربيع بنت معوذ -رضي الله عنها- عن صيام عاشوراء: "فكنا نصومه بعدُ ونصوِّمه صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن - يعني الصوف-، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى نكون عند الإفطار" (رواه البخاري ومسلم).

هكذا كان الصحابة يربون أبناءهم على أداء الشعائر والعبادات، ويدربونهم في الترقي في مدارج الكمال والتعبد لله -جل وعلا-، وهو منهج تربوي نبوي، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر"، وأقرَّ -صلى الله عليه وسلم- حجَّ الصبي، ومن سنته أنه كان يسلِّم على الصبيان.

وفي هذا إيحاء للآباء والمربين: أن المسلم لابد أن يهيئ أبناءَه ويُعدهم ويدربهم لإيجاب الشرائع والعبادات قبل أن تُفرَض عليهم، فإن الشيء إذا جاء مباشرةً استثقلته النفس ولكنها إذا دربت عليه أو على شيء منه مع بعض المرغبات والمحفزات استقبلته وسهل عليها فيربون على ذلك قبل البلوغ، فإذا جاء البلوغ اعتادوا على هذا، وفي ذلك تعويد لهم على الشرائع.

وصور تدريب الشباب والفتيان على الخير في رمضان كثيرة؛ لعل منها:

- أن يدربوا على صلاة التراويح والقيام، ولو على جزء منها مع المحافظة على الفرائض طبعاً.

- أن يختم الصبي القران كاملاً في رمضان مع المتابعة مع الترغيب والتحفيز.

- تعويدهم على الصدقةِ والإطعام وتفطير الصائمين وهكذا نعودهم على الصدقة والإحساس بآلام الآخرين مع تبيين فضل الصدقة.

- تحفيظهم دعاء القنوت ودعاء ليلة القدر.

نقول ما سلف عباد الله ونحن نرى في رمضان لبعض الشباب ضياعاً فلا إلى المساجد يمشون ولا إلى الخير يدرجون، نراهم يتقلبون بين قنوات الماجنة ومسلسلات كلها طيش وسفه وضلال واستهزاء، وبين ذئاب بشرية تجوس خلال الديار تريد إضلالهم وإسقاطهم في أتون المسكرات والمخدرات والجرائم الأخلاقية والله تعالى يقول: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم: 6]، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، ويقول: "إن الله سائل كل رجل عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته".

من دروس الصيام عباد الله: أنه تكافل وترابط ومواساة شعور بالآم المسلمين وإحساس بالمظلومين والمحرومين، تكافل ومواساة عن طريق إطعام الطعام قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) [الإنسان: 8 - 10]، بل كان السلف يحرصون على إطعام الطعام، بل ويقدمونه على كثير من العبادات، ولا يشترط في المُطعَم كما ذكر أهل العلم أن يكون فقيراً.

ورمضان مدرسة الجود؛ فقد "كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود من الريح بالخير المرسلة"، قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: "أحب الصيام الزيادة في الجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ولتشاغل كثير منهم فيه بالعبادة، وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم كابن عمر وداود الطائي ومالك وأحمد، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وربما علم أن أهله قد ردُّوهم –يعني: ردوا الفقراء والمساكين- فلم يفطر تلك الليلة. بل كان بعض السلف يطعم إخوانه وهو صائم، ويقوم على خدمتهم وعلى أمرهم كما كان الحسن وابن المبارك يفعلان ذلك".

والصدقة والنفقة في سبيل الله من أسباب القرب من الله ومن أسباب دخول الجنة، وهي لا تنقص مالاً من منفق، قال تعالى: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [الأنفال: 60]، وقال: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله العبد بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحد إلا رفعه" (رواه مسلم).

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وسلامًا على عباده الذين اصطفى، وبعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى.

وخاتمة دروس مدرسة رمضان معاشر الصوام: أن رمضان هو شهر الجدية والعزيمة والحركة والعمل؛ فمعاركنا الفاصلة التي رفعت رأس الأمة عالياً وكانت للإسلام فرقاناً وللأمة فتحاً كانت في رمضان؛ غزوة بدر، وفتح مكة، ومرجع النبي -صلى الله عليه وسلم- من تبوك، وموقعة عين جالوت.

رمضان قوة نفسية عبادة وطاعة، وامتناع وصبر، ومجاهدة وقوة بدنية، يجمعها احتساب الأجر، وإدراك أسرار الصيام والقيام، فرمضان يبعث في النفوس قوة العزيمة ومضاء الإرادة، وليس شهراً للنوم والتراخي وللكسل والفتور، أرأيت أقواماً يصومون عن الطعام لكن لا يصومون عن الحرام، ومن انهزم بينه وبين نفسه فلم يطيق الصبر ساعاتٍ من نهارٍ عن معصيةٍ أو لغوٍ فلسوف يكون أشد انهزاماً أمام أعباء المجاهدة، ومن لم يطق الصبر سويعاتٍ فلسوف يكون عاجزاً عن التصدي في المعارك أياماً وشهوراً وأعواماً، فالمهزوم في الميدان الصغير مع نفسه ليس أهلاً لأن يحرز النصر في الميدان الكبير مع أعدائه، من أعلن استسلامه في معركة مع شهوة نفسيةٍ محدودة فكيف تنتصر على الشدائد والفتن والمحن.

فاللهم اجعل صيامنا صياماً حقيقياً مقبولاً واجعله إيماناً واحتساباً، إيماناً بما عندك يا ربنا واحتساباً لثوابك يا مولانا.