العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
كل دقيقة تمر في حياة المؤمن هي موسم خير، يذكر فيها ربه ويعبده، فلا نتقاعس عن العبادة لحظة واحدة، فإن انقضى رمضان، فمواسم الخير سواه كثيرة، فلا تتوانى عن فعل الخيرات، ولا يحبطنك الشيطان عن المسابقة في الخيرات بحجة انقضاء رمضان.
الخطبة الأولى:
أما بعد فيا أيها المؤمنون: هكذا هي مواسم الخير تمر سريعا، ولا يعرف المسلم فقدها إلا من بعد رحيلها، وعندها تبدأ عليه علامات الندامة والحسرة على التفريط في تلك المواسم.
وإن المتأمل في سنن الله -عز وجل- يرى أن مواسم الخير تتعاقب، بل لا تنقضي، والكثير منها مستمر طيلة الحياة، فما على العبد إلا التشمير والاجتهاد، وإحسان العمل لله تعالى.
أيها المؤمنون: إن كل دقيقة تمر في حياة المؤمن هي موسم خير، يذكر فيها ربه ويعبده، فلا نتقاعس عن العبادة لحظة واحدة، فإن انقضى رمضان، فمواسم الخير سواه كثيرة، فلا تتوانى عن فعل الخيرات، ولا يحبطنك الشيطان عن المسابقة في الخيرات بحجة انقضاء رمضان.
وفي هذه الخطبة نقف وقفات بإذن الله مع حال المسلم بعد رمضان:
الأولى: بعد رمضان الناس بين صنفين، فائزين جعلنا الله وإياكم منهم، أو محرومين والعياذ بالله.
فإن كنت من الفائزين، فاحمد الله، وواصل على درب الخير، واسأل الله الإعانة والثبات، حتى ينتهي أجلك وما يدريك كم بقي لك في هذه الدنيا من نَفَس؟! (وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتى يَأتِيَكَ اليَقِينُ) [الحجر: 99].
وإن كنت من الآخرين المحرومين، لا يستهويكم الشيطان فيوقعكم في حبائل القنوط واليأس من رحمة الله، فمن تاب، تاب الله عليه، والندم توبة، فليستقبل حياته الجديدة وليستكثر من الطاعات، فإن الحسنات يذهبن السيئات.
الوقفة الثانية: يجب على المسلم أن يحرص على الاستقامة بعد رمضان، فالاستقامة هي علامة القبول، وهي علامة قوة الإيمان، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي عمرو وقيل أبي عمرة سفيان بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك, قال: "قل آمنت بالله ثم استقم".
أربع كلمات جمعت له جوابًا عظيمًا، طلب منه إن يؤمن بالله تعالى وبما جاء عنه، ثم يستقيم على صراطه.
وللاستقامة ثمار عديدة لا تنقطع، فهي باب من أبواب الخير، وبركتها لا تقتصر على صاحبها فحسب، بل تشمل كل من حوله، ويفهم هذا من قوله تعالى: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن: 16]، وتستمر عناية الله بعباده المستقيمين على طاعته حتى ينتهي بهم مطاف الحياة، وهم ثابتون على كلمة التوحيد، لتكون آخر ما يودعون بها الدنيا، كما قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم تُوعَدُونَ * نَحنُ أَولِيَاؤُكُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَفي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلاً مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت: 30- 32].
ويقول سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأحقاف: 13- 14].
فهل نريد جزاء خيرًا من هذا الجزاء، إن هذا الفضل كفيل بأن يجعل المؤمن يثبت على طاعة ربه بعد رمضان، بل ويزداد نشاطا وتقوى وصلاحا حتى يلقى ربه، وهو من المسلمين، كم أمرنا الله إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
الوقفة الثالثة: الحذر من التسويف بالتوبة، فكم رأينا من صديق وقريب، كان يؤمل آمالا طوالا، حال دونها الموت، فما أخذهم الموت وتركنا، إلا ليترك غيرنا ويأخذنا، وهكذا هي الحياة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فلنبادر بالتوبة، التي تمحوا السيئات، وتكثر الحسنات، وتبيض الوجه، وتنور القلب، وتجلب السعادة، فما وجدت السعادة إلا في طاعة الله.
الوقفة الرابعة: في رمضان شرب المؤمن من لذائذ الطاعات، صيام، وقيام، وقراءة للقرآن، وذكر، وصدقة، ومكث في المساجد، وإطعام للطعام، وعفو وتسامح، وصلة رحم، وإقبال على الله، وبكاء وتضرع، فما أجملها من حياة مرة بالمسلم، وهو كالنحلة يتنقل بين رحيق العبادات، والآن وبعد انقضاء شهر الخير والبركة، كيف حالنا مع تلك العبادات؟ فالحذر الحذر من الانتكاسة، ومن الحور بعد الكور، ومن الفسق بعد التقوى.
اللهم ارزقنا الاستقامة على طاعتك، وثبتنا على دينك حتى نلقاك يا رب العالمين، أقول قولي هذا..
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس لا يزال الحديث موصولا عن الوقفات مع الاستقامة بعد رمضان على العمل الصالح.
الواقفة الخامسة: الاستقامة على أمر الله نعمة عظيمة، ودرجة رفيعة، ومنة عالية، فتحقيقها يحتاج إلى جد، واجتهاد، وصبر، واحتساب، ودعاء، وتضرع، وإخبات، وتوفيق، واحتراز.
أهم المعينات على تحقيق ذلك بعد توفيق الله عز وجل ما يأتي:
أولاً: الدعاء والتضرع، وسؤالها بجد وإخلاص، ولأهمية ذلك أمرنا بقراءة الفاتحة في كل ركعة، لما فيها من سؤال الصراط المستقيم المخالف لأصحاب الجحيم.
فالدعاء هو العبادة، وهو سلاح المستضعفين، وعُدة الصالحين، ولا يعجز عنه إلا المخذولين، فالله -سبحانه وتعالى- مالك الهداية والاستقامة، فلا تُطلب إلا من مالكها.
ثانياً: الاشتغال بالعلم الشرعي، فالعلم قائد والعمل تبع له.
ثالثاً: الحرص على التمسك بالسنة، فهي سفينة النجاة، والحذر كل الحذر من البدع والاقتراب من المبتدعين.
رابعاً: مراقبة الله في السر والعلن.
خامساً: مجاهدة النفس، والهوى، والشيطان، وعدم الغفلة عن ذلك، ومحاسبتها في كل وقت وحين، وعلى الجليل والحقير.
سادساً: الإكثار من تلاوة القرآن، ومحاولة حفظه أو ما تيسر منه، والمداومة على ورد ثابت منه يوميا.
سابعاً: الإكثار من ذكر الله -عز وجل-، والمداومة على أذكار الصباح والمساء، وأذكار وأدعية المناسبات المختلفات، فمن لم يوفق للغزو والجهاد، ولا لصيام الهواجر وقيام الليالي، فلا يفوتنه أن يعوض عن ذلك بلسانه.
قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-: "من فاته الليل أن يكابده، وبخل بماله أن ينفقه، وجبن عن عدوه أن يقاتله، فليكثر من "سبحان الله وبحمده"، فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب أو فضة ينفقه في سبيل الله -عز جل-".
ثامناً: الحرص على سلامة القلب، والحذر من أمراض القلب المعنوية، كالحسد، والرياء، والنفاق، والشك، والحرص، والطمع، والعُجْب، والكِبْر، وطول الأمل، وحب الدنيا، وحب الشهوات، فإنها أخطر من أمراضه الحسية، وهي سبب لكل رزية.
تاسعاً: التقلب بين الخوف والرجاء، في حال الصحة والشباب يغلب جانب الخوف، وعند المرض ونزول البلاء وعند الاحتضار يغلب جانب الرجاء.
عاشراً: مزاحمة العلماء بالركب، والقرب منهم، والحرص على الاستفادة منهم، واقتباس الأدب والسلوك قبل العلم والمعرفة.
أحد عشر: دراسة السيرة النبوية، وتراجم الأصحاب والعلماء، يعين على تزكية النفوس والترقي بها، "فإن التشبه بالرجال فلاح".
الثاني عشر: الحرص على معاشرة الأخيار، فالمرء على دين خليله، والطيور على أشكالها تقع، (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف: 67].
الثالث عشر: الإكثار من ذكر الموت وتوقعه في كل وقت وحين، فهو أقرب إلى أحدنا من شراك نعله.
وختاما عباد الله أذكركم بإخوان لكم يبادون كل يوم، على مرأى ومسمع، بل وتأييد، إنهم إخوانكم في غزة، أشركوهم في دعائكم، وفي أموالكم، فهم في أمسّ الحاجة للنصرة، هم من يواجه عدوكم اللدود، صهاينة اليهود، أمدوهم بما تستطيعون، فوالله إنه من أقل الواجبات، ولا تستمعوا لأذناب اليهود من الإعلاميين القذرين وأذنابهم، فالمسألة لا تحتاج لإعلام، حرب بين مسلم ويهودي خبيث لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة.
ولعل سائل يسأل كيف نوصل التبرعات لإخواننا في غزة؟ والجواب: إن الندوة العالمية لرعاية الشباب لديها مكتب في غزة وتوصل تبرعاتكم مباشرة لا قيود، وتوزعها على الشعب ولا تسلم للسلطات شيئًا، فبادروا عباد الله فوالله إننا لمسئولون أمام الله عن إخواننا هناك.
اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك الموحدين، اللهم ارزقنا الاستقامة على طاعتك بعد رمضان، اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك، اللهم فرج هم المهمومين..