البحث

عبارات مقترحة:

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

التثبت عند الحوادث والتروي في إشاعة الأخبار

العربية

المؤلف عبدالله بن صالح القصير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات - فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. معنى القول السديد وعاقبته .
  2. خطر اللسان .
  3. ذم الله وتوعده لمروجي الشائعات .
  4. الخبر في الأمور المهمة والمصالح العامة يرد للكبار .

اقتباس

.. فكم من مسلم كفر بالكلام، وكم من كريم بكلمة واحدة صار عرضة للملام، وربما لحقه في عرضه ودينه الاتهام، ورب كلمة أشعلت فتنة بين الأنام، وزال بها ملك، وانتهك بها عرض حرام، وكم من كلمة فرقت بين الأحبة، وقطعت كريم صحبة، وفرقت بين زوجين متحابين بعد كريم عشرة وطول صحبة، وكم من بلدة آمنة مطمئنة استبيحت بيضتها ..

 

  

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى (وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6].

أيها المسلمون: إن القول السديد هو القول الصائب الذي تحققت مصلحته، أو ترجحت على مفسدته، وهو الخير الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فيما ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما أنه قال:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت "، وفي محكم التنزيل يقول جل وعلا: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].

أيها المسلمون: ولقد رتب ربنا -تبارك وتعالى- على القول السديد صلاح الأعمال، ومغفرة الذنوب، وحسن العاقبة في الحال والمآل، والفوز العظيم بالأجر الكريم ورضوان الرب الرحيم.

فأطيعوا الله فيما أمركم ينجز لكم ما وعدكم، ويكفكم شر ما ينتظركم (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور:52].

أيها المسلمون: إن اللسان من أعظم جوارح ابن آدم خطأً، وأشدها عليه -في الغالب- ضرراً، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها -يعني ما يتثبت- يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب " وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: " وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال على مناخيرهم- إلا حصائد ألسنتهم؟! ".

فكم من مسلم كفر بالكلام، وكم من كريم بكلمة واحدة صار عرضة للملام، وربما لحقه في عرضه ودينه الاتهام، ورب كلمة أشعلت فتنة بين الأنام، وزال بها ملك، وانتهك بها عرض حرام، وكم من كلمة فرقت بين الأحبة، وقطعت كريم صحبة، وفرقت بين زوجين متحابين بعد كريم عشرة وطول صحبة، وكم من بلدة آمنة مطمئنة استبيحت بيضتها، وانتهكت حرمتها، وزالت نعمتها، وأهين كرام أهلها بكلمة من أسرار ولاة أمرها شاعت على ألسنة العوام، فالتقطها جواسيس العدو وأوصلوها إليه، فسدد نحوها السهام، وكم من جيوش تقهقرت بعد طول جهاد، وكم من ظلم وقع على البريئين من العباد بسبب كلمة تلقفها سفهاء الأحلام.

وصدق الله العظيم إذ يقول -في معرض الذم لقوم أذاعوا مثل هذه الكلمة، وأشاعوها في الناس فجنوا بها على الأمة-: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء:83].

ففي هذه الآية الكريمة -أيها المسلمون- ذمٌ للذين ينقلون خبر السوء ويشيعونه بين الناس دون تعقل في نتائج نقله، وما يحدث عنه من ضرر وكبير خطر، وفيها تأديب من الله تعالى لعباده يتضمن مبدأ التحفظ عند سماع الأخبار، والتثبت من أحوال نقلتها، وظروف نقلها، وعدم التسرع في رواية الأخبار ونشرها، وإن سمعها من إذاعة أو قيل إنها من مصدر موثوق أو عن ثقة.

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع " ذلكم لأن كل ما يسمعه المرء يختلط فيه الصدق بالكذب، والجائز بالمستحيل، ويتعرض بعض النقلة لتأثير الهوى أو التعرض للوهم، فتحدث رواية الأخبار على عواهنها اضطراب الأحوال، واشتباه الأمور، وبلبلة الأفكار، ونحو ذلك مما يستغله الأشرار ويسر به المنافقون والكفار، ولهذا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6].

فأرشد سبحانه إلى التثبت من الأخبار وحالة نقلتها قبل قبولها وتصديقها؛ لئلا تنشأ مفسدة في الأخذ بها دون دراية وعناية.

أيها المسلمون: وفي قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء:83].

توجيه من الله لعباده -أيضاً- إذا ثبت عندهم الخبر فيما يتعلق بالأمور المهمة والمصالح العامة للأمة؛ مثلما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين أو بالخوف الذي فيه المصيبة في الدنيا أو الدين، أو يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة الخبر والحكم عليه دون رويّة، بل يردونه إلى الأكابر فيهم من أهل العلم والحكم، بأن يردوه إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حياته، وإلى أولي الأمر منهم من بعد وفاته، وهم أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور، ويعرفون المصالح وأضدادها، فإذا رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطاً للمؤمنين وسروراً لعباد الله الصالحين وتقوية لمعنويات المجاهدين وتحرزاً من أعداء الدين أشاعوه ونشروه، وإذا رأوا أنه ليس في إشاعته مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مفسدته أرجح وأخطر كتموه فلم يذيعوه، وعالجوه بأفضل ما رأوه.

فالأمور العامة من الجهاد وما يتعلق بالأمة أو الخوف في البلاد ينبغي أن يرجع فيها إلى أولي الحكم والعلم؛ فإنهم هم أولو الأمر، وأن لا يستعجل في الحكم عليها قبل انجلاء الأمر.

فلا بد فيها من إدراك جدية الموقف، وخطر الإشاعة، وشؤم التقدم على أولي الأمر؛ فإن كلمة عابرة وفلتة لسان لأول خاطرة قد تجر من سوء العواقب وكبير المصائب على الشخص والمجتمع ما لا يخطر لأحد على بال، ولم يدر للجميع بخيال، ولا يتدارك بعد وقوعه بحال.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور:21].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.