الحق
كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - التوحيد |
إِنَّ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ حَقَّاً وَيُحْزَنُ عَلَيْهِ صِدْقا أَنَّهُ قَدْ قَلَّ اهْتِمَامُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَنِ بِأَمْرِ الْعِلْمِ عُمُومَاً، وَبِأَمْرِ الْعَقِيدَةِ خُصُوصَاً، وَلِذَلِكَ ظَهَرَتِ الْبِدَعُ وَكَثُرَتِ الْمُخَالَفَاتُ فِي الْاعْتِقَادَاتِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُؤْذِنٌ بِالْخَطَرِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لا يَنْفَعُ إِذَا لَمْ تَكُنِ الْعَقِيدَةُ صَحِيحَةً، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا).
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الذِي يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغُفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْأَمِينُ الْمَأْمُون، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْكِرَامِ الصِّيْد، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ فِي صَالِحِ الْأَعْمَالِ وَالْأَمْرِ الرَّشِيد .
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ سَلَامَةَ الْعَقِيدَةِ شَرْطٌ لِقَبُولِ الْأَعْمَالِ عِنْدَ اللهِ -تَعَالَى-، فَلا تَصِحُّ الْأَعْمَالُ إِلَّا بِسَلامَةِ الْاعْتِقَادِ، وَلِهَذَا كَانَتْ هِيَ أَصْلَ دَعْوَةِ الرُّسُلِ جَمِيعَاً، وَقَدْ مَكَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يَدْعُ فِيهَا إِلَى صَلَاةٍ وَلَا حَجٍّ وَلا زَكَاةٍ وَلا إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُرَسِّخُ التَّوْحِيدَ وَالْمُعْتَقَدَ الصَّحِيحَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، ثُمَّ لَمَّا تَوَطَّدَتِ الْعَقِيدَةُ فِي قُلُوبِهِمْ نَزَلَتْ شَرِائِعُ الإِسْلَامِ الْعَمَلِيِّةُ وَاحِدَةً بَعْدَ الْأُخْرَى .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ حَقَّاً وَيُحْزَنُ عَلَيْهِ صِدْقا أَنَّهُ قَدْ قَلَّ اهْتِمَامُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَنِ بِأَمْرِ الْعِلْمِ عُمُومَاً، وَبِأَمْرِ الْعَقِيدَةِ خُصُوصَاً، وَلِذَلِكَ ظَهَرَتِ الْبِدَعُ وَكَثُرَتِ الْمُخَالَفَاتُ فِي الْاعْتِقَادَاتِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُؤْذِنٌ بِالْخَطَرِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لا يَنْفَعُ إِذَا لَمْ تَكُنِ الْعَقِيدَةُ صَحِيحَةً، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان: 23].
وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْأَهَمِيَّةِ الْعَظِيمَةِ لِأَمْرِ الْعَقِيدَةِ فَإِنَّنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ سَنَتَعَرَّضُ -بِإِذْنِ اللهِ- لِعَدَدٍ مِنَ الْمَسَائِلِ الْكُبْرَى فِي الاعْتِقَادِ مُدَعِّمِينَ مَا نَقُولُ بِالْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَكِنَّنَا سنَجْعَلُ الْخُطْبَةَ عَلَى هَيْئَةِ مَسَائِلَ وَاحِدَةٍ بَعْدَ الْأُخْرَى حَصْراً لِلْعِلْمِ وَتَسْهِيلاً لِلْفَهْمِ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ الْتُّكْلان:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَوَّلاً: يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ جَمِيعاً أَنَّ الْحِكْمَةَ مِنْ خَلْقِ اللهِ لَنَا هِيَ عِبَادَتُهُ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، وَمِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ أَرْسَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي كُلِّ قَوْمٍ رَسُولاً يَدْعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَالْكُفْرِ بِعِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[النحل: 36].
ثَانِيَاً: آخِرُ الرُّسُلِ وَخَاتَمُهُمْ هُوَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ اللهُ -تَعَالَى- )(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب: 40]، وَلِهَذَا فَلا يَقْبَلُ اللهُ -تَعَالَى- بَعْدَ مَبْعَثِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِينَاً إِلَّا الْإِسْلَامُ وَلَا هَدْيَ نَبِيٍّ إِلَّا هُوَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَذَا أَمْرٌ يَجِبُ أَنْ نَعْتَقِدَهُ وَلا نَشُكَّ فِيهِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
ثَالِثَاً: يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الْأَعْمَالِ وَصِحَّتِهَا شَرْطَانِ: وَهُمَا الْإِخْلَاصُ للهِ، وَالْمُتَابَعَةُ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110]، فَمَنْ خَالَفَ الْإِخْلَاصَ وَقَعَ فِي الشِّرْكِ، وَمَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَقَعَ فِي الْبِدْعَةِ .
رَابِعَاً: تَكَاثَرَتِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُحَذِّرَةً مِنَ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء: 48].
وَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُودَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ) .
خَامِسَاً: قَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ حُدُوثِ الافْتِرِاقِ فِي الأُمَّةِ تحذيرًا مِنْهُ، وَذَكَرَ الوَعِيْدَ الشَّدِيْدَ فَي ذَلِكَ، فَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ فِينَا فَقَالَ: "أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ: ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُودَ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ) .
سَادِسَاً: يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَقْوَامٌ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيَدْعُونَ فِي الظَّاهِرِ إِلَى اللهِ وَهُمْ أَهْلُ ضَلَالٍ وَانْحِرَافٍ، وَقَدْ حَذَّرَ مِنْهُمْ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِئَلَّا يَغْتَرَّ النَّاسُ بِهِمْ، فَعَنْ أَبَي إِدْرِيسَ الخَوْلاَنِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ "نَعَمْ"، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ" قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: "قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ"، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: "نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: "هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا"، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ"، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
أَسْأَلُ اللهَ جَلَّ وَعَلَا أَنْ يَحْفَظَ الْمُسْلِمِينَ بِحِفْظِهِ، من شر كل ذي شر، إِنَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سَمِيعُ الدُّعَاءِ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيل .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَظِيمِ الإِحْسَانِ، وَاسِعِ الْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالامْتِنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ وَسَلَّمْ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
أَمَّا بَعْدُ: فَسَابِعَاً: إِنَّنَا مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ هَدْيِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَهُمُ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَعَلَيْهِ فَلا بُدَّ لَنَا مِنْ تَعَلُّمِ الْعِلْمِ لِكَيْ نَسْلُكَ طَرِيقَهُمْ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالجَابِيَةِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِينَا فَقَالَ "أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ، أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِن" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: إِنَّ الدِّينَ يَعُودُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَمَا بَدَأَ فِي أَوَّلِهِ، فَيَكُونُ الْمُتَمَسِّكُ بِالسُّنَّةِ غَرِيبَاً فِي النَّاسِ، وَلَكِنْ مَنْ ثَبَتَ فَازَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
تَاسِعَاً: إِنَّ النَّجَاةَ بِإِذْنِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لِلْمُسْلِمِ فِي عَصْرِ الْفِتَنِ أَنْ يَلْزَمَ أَهْلَ الْعِلْمِ الرَّاسِخِينَ وَيَصْدُرَ عَنْ آرَائِهِمْ وَإِنَّ مِنْ طُرُقِ أَهْلَ الْبِدَعَ لِإِبْعَادِ النَّاسِ عَنِ الدِّينِ الْقَوِيمِ أَنَّهُمْ يَتَنَقَّصُونَ الْعُلَمَاءَ لِيَزْهَدَ النَّاسُ فِيهِمْ فَيَتَفَرَّدُوا بِالنَّاسِ فَيُضُلُّوهُمْ، وَإِنَّ مَنْزِلَةَ الْعُلَمَاءِ عَظِيمَةٌ فِي الشَّرْعِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28]، وَقَالَ: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11]، وَهُمْ بِإِذْنِ اللهِ نَجَاةٌ لِلأُمَّةِ وَعِصِمَةٌ لِدِينِهَا.
وَمَوْتُ الْعُلَمَاءِ ذَهَابٌ لِلْعِلْمِ وَإِيذَانٌ بِالْخَطَرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
هَذِهِ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ جُمْلَةٌ مِنَ الْمَسَائِلِ الْهَامَّةِ فِي الْعَقِيدَةِ وَغَيْرِهَا مُدَعَّمَةً بِنُصُوصِ الْوَحْيَيْنِ عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَ بِهَا قَائِلَهَا وَسَامِعَهَا..
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ عِلْمٍ لا يَنْفَعْ وَمِنْ قُلُوبٍ لا تَخْشَعْ، اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ عُلَمَائِنَا وَاغْفِرْ لِمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنْهُمْ وَاحْفَظْ مَنْ أَبْقَيْتَهُ حَيَّاً وَانْفَعْنَا بِعُلُومِهِمْ وَآدَابِهِمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .