البحث

عبارات مقترحة:

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

اتخذناهم سخريا

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المهلكات
عناصر الخطبة
  1. خطر الاستهزاء .
  2. انتشار السخرية من الصالحين في زماننا .
  3. الاستهزاء من الصالحين من صفات المنافقين .
  4. المؤمن لا تؤثر فيه السخرية .

اقتباس

إن المؤمن الراسخ الثابت المتمسك بدينه القابض عليه لا تؤثر فيه الدعايات، ولا تستفزه السخريات؛ لأنه يعلم أنها في الدنيا لن تضره شيئاً، وفي الآخرة سينال عليها من الله -سبحانه وتعالى- أعظم الأجر وأكبر الفضل ..

الخطبة الأولى:

الحمد لله ولي الصالحين، خالق الخلق أجمعين، جعل العاقبة للمتقين، وقضى بأن لا عدوان إلا على الظالمين، وحذر من الاستهزاء والسخرية بالمؤمنين. والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

عباد الله: لقد تكالب أعداء الأمة ومعارضو الشريعة على الأمة تكالباً عظيماً، ونهشوا منها ونخروا فيها نخراً كبيراً، واستخدموا جميع الوسائل والأسباب لصد الناس عن الدين الحق؛ ليحولوا بينهم وبين هذه الشريعة الغراء وهذا النور المبين.

وإن من الأساليب التي اتخذها أعداء الله لمواجهة الدين وأهله أسلوب السخرية والاستهزاء والتنقص، حيث يسخرون من الدين، ويستهزئون بأهله؛ خاصة الملتزمين والمتمسكين منهم بدينهم.

إن السخرية من الدين والاستهزاء بالصالحين والصادقين أمر شنيع، وذنب قبيح، جرمه عظيم، وعاقبته وخيمه، ونهايته أليمة، وهو سببٌ من أسباب دخول النار, وقد قال الله تعالى: (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) [المؤمنون:104-110].

إن من أسباب دخولهم النار أنهم كانوا يستهزؤون بالمؤمنين، ويسخرون منهم، ويحتقرونهم، فألهاهم هذا السفه, وأشغلتهم هذه السخرية عن الإيمان والعمل الصالح؛ حتى كانت سبب ورودهم النار، بل وكانت أعظم سبب لدخولهم فيها.

عباد الله: لقد كان هؤلاء يسخرون من خيرة الخلق وصالحي البشر وأفضل الناس، وهذا إجرام كبير، كيف يسخرون من سادة الخلق وصالحيهم؟! أما وجدوا من يستهزؤون به ويضحكون منه إلا الفضلاء والأخيار؟! هل يأتي ناقصو العقول وسفهاء الأحلام ليزدروا أهل الدين والفضل؟! ماذا ينقمون من الصالحين وأهل الدين والخير حتى يسخروا منهم ويضحكوا عليهم؟!

لقد كان رد الجبار -جل جلاله وعز كماله- عليهم رداً قوياً ومزلزلاً: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون:108]، لماذا يا رب؟ لا جواب! ولا رحمة بهم، ولا شفقة عليهم، (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ)، إنها المرة الأخيرة يا رب، فيبين الله لهم سبب دخولهم النار، وعدم قبول الاعتذار، فيقول لهم: (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ). إنها السخرية بالمتقين، والاستهزاء بالصالحين، أودت بهم إلى هذه الحسرة والندم والتأسف في يوم لا ينفع فيه الندم والتأسف؛ فلماذا يوقع الإنسان نفسه في هذه المغبة العظيمة والمهلكة الخطيرة؟ وماذا سيستفيد العبد من هذه الأذية والسخرية لعباد الله المتقين، غير الخزي والعار في الدنيا، والعذاب والنار في الآخرة؟

أيها الناس: إننا نعيش اليوم في زمن كثر فيه ازدراء العلماء، واحتقار الفضلاء، والاستهزاء بالأخيار والمتقين؛ فليحذر الإنسان حذراً شديداً من الوقوع في هذا الذنب العظيم، أو المشاركة فيه بأي نوع من أنواع المشاركة.

نسمع اليوم في كثير من المحافل والمؤتمرات ووسائل الإعلام سيلاً عارماً من السباب والشتائم والتنقص لأهل الخير، ولكل ما هو خير؛ فمرة يصفونهم بأنهم متشددون يلتزمون بالدين بقوة، ويأخذونه بحذافيره، ومرة يعيِّرونهم بالإرهاب والتنطع، وأحياناً يلمزونهم بالرجعية والتخلف والرجوع بالناس إلى الوراء أو إلى العصور الوسطى.

وإذا حدث في الأمة شيءٌ من المصائب والبلاء قاموا بإلصاقها بهؤلاء الأخيار، واتهامهم بأنهم سبب بلاء الأمة وأنهم رأس المصائب التي تحل بها، وأن ما ينادون به من خير وفضل وتحكيم للشريعة هو رأس الشرور ومدخل الفتن والمصائب (أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) [التوبة:49].

ولم تقتصر حملاتهم الشنيعة على الصالحين والفضلاء فقط، وإنما طال شرهم ومكرهم ليصل إلى الصالحات والملتزمات أيضاً، حيث يسخرون منهن، ويستهزؤون بحجابهن، ويتنقصون من حيائهن، ويزدرون التزامهن وتدينهن.

إن الحملة اليوم على الدين وحملته عظيمة، والتشويه كبير، وتأثيره على الناس عظيم؛ فكم من البشر أضلهم هذا التشويه، وتأثروا بهذه الدعايات والحملات التي يقوم بها أعداء الإسلام ضد الإسلام والمسلمين ونبي الإسلام -عليه الصلاة والسلام-، حتى أصبحت الصورة المرسومة في أذهان الكثيرين عن الإسلام والمسلمين على غير الصورة الحقيقية، والسبب هي تلك الحملات الشعواء ضد كل ما هو إسلامي (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [البقرة:212].

وإذا كان هذا هو الحاصل من أعداء الإسلام، فإن منتهى العجب ومكمن الخطر أن يصدر الاستهزاء والتنقص بالأخيار والصالحين من قبل المسلمين أنفسهم، ويقوم بعض أبناء المسلمين بالسخرية من الملتزمين، والسخرية من الصالحين حينما يراهم قد التزموا بالشريعة وطبقوا أوامرها وانتهوا عن زواجرها، فيرى أن هؤلاء مساكين، وأنهم يضيّقون على أنفسهم، ويحرمونها من الاستمتاع بالدنيا وشهواتها وملذاتها، وأنهم يعرضون أنفسهم لسخط الغرب ومقته، وكأن سخط الجبار -جل جلاله- ليس بذات أهمية عندهم، وأحياناً يصل الأمر إلى الاستهزاء ببعض العبادات والشعائر التي يحافظ عليها هؤلاء الملتزمون ويتمسكون بها؛ كإطلاق اللحية، وترك الإسبال، وحمل السواك، وحجاب المرأة وغيرها من الواجبات والآداب والسنن.

وهذا -والله- هو النفاق الذي حذر الله منه فقال: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) [التوبة:65-66]. إن هذه الآية العظيمة نزلت في نفر من المنافقين كانوا يستهزؤون بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، وأكذب ألسنة، وأجبن عند اللقاء. يتهمونهم -رضي الله عنهم- بأنهم جبناء في الحرب، وعند الطعام أول الناس حضوراً وأكثرهم أكلاً، وأنهم كذبةٌ غير صادقين، فسمع أحد الحاضرين منهم هذه المقالة الشنيعة والسخرية الواضحة، فذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بما قال المنافقون، فعرفوا أن الخبر وصل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجاؤوا إليه -صلى الله عليه وسلم- يعتذرون، ويقولون: يا رسول الله؛ إنا قلنا هذا الكلام على سبيل المزاح والدعابة وليس على سبيل الحقيقة والجد، وإنما أردنا فقط أن ندردش ونمزح ونسلي أنفسنا في الطريق، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم".

وفي موقف آخر قام هؤلاء المنافقون السفهاء الأنذال بالسخرية والاستهزاء من الصحابة -رضي الله عنهم- عندما دعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الصدقة لتجهيز جيش العسرة لغزو الروم في غزوة تبوك، فكان بعض الصحابة -رضي الله عنهم- ميسوري الحال أصحاب أموال وغنى، فجاؤوا بصدقات عظيمة ونفقات ضخمة، فأخذ المنافقون يلمزونهم، ويستهزؤون بهم، ويقولون: ما أتوا بهذه الصدقات إلا رياء وسمعة.

وجاء فقراء الصحابة -رضي الله عنهم- بصدقات يسيرة هي ما يستطيعون عليه، حتى إن بعضهم أتى بمليء كفيه من التمر أو الحب، فأخذ المنافقون يضحكون عليهم، ويسخرون منهم، ويقولون ما وجد هؤلاء إلا هذا؟!. ونسوا أنفسهم؛ فهم لم يأتوا لا بقليل ولا بكثير، وإنما فقط يسخرون ويضحكون ويستهزؤون؛ فماذا كان الموقف منهم؟ لقد أنزل الله فيهم آية عظيمة شديدة تبين خطر فعلهم، وعظيم صنيعهم، وتتوعدهم وتتهدهم، فقال -سبحانه وتعالى-: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:79-80].

عباد الله: إن هذه الآيات العظيمة تعلمنا خطر السخرية من أولياء الله المتقين، وتحذرنا من الوقوع في هذا الإفك المبين؛ فلنحذر من هذا الأمر كل الحذر، ولنتقِ الله في أنفسنا، ولنعلم أن عاقبة الاستهزاء هي العار والشنار في الدنيا، والخزي والنار في الآخرة، يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الأنعام:10] وقال: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء:140].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ولي من اتقاه، من اعتمد عليه كفاه، ومن لاذ به وقاه، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه وخليله ومصطفاه، صلى الله وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه.

أما بعد:

عباد الله: إن المؤمن الراسخ الثابت المتمسك بدينه القابض عليه لا تؤثر فيه الدعايات، ولا تستفزه السخريات؛ لأنه يعلم أنها في الدنيا لن تضره شيئاً، وفي الآخرة سينال عليها من الله -سبحانه وتعالى- أعظم الأجر وأكبر الفضل، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ) [المطففين:29-32]، إلى أن قال -سبحانه وتعالى-: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) [المطففين:34].

أيها الناس: أحياناً قد يلاقي المسلم هذه السخرية والاستهزاء من أقرب الناس إليه، وممن يعدهم أحباباً وأنصاراً له؛ كوالديه وإخوانه وجيرانه، فيسمع منهم الهمز واللمز له؛ نظراً لتمسكه بدينه وثباته عليه، يتهمونه بالوسوسة والتعمق والتكلف والإرهاب، وهذا -لا شك- أنه مؤثر على النفوس ومحبط للقلوب، ولكن يجب على العبد أن يعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد عاداه قومه، وسخر منه أقاربه وأعمامه وأقرب الناس إليه من قريش نفسها، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- صبر على أذاهم، وتحمل ما بدر منهم، حتى نصره الله، وأيد دينه، وأعز سلطانه.

وعلى الآباء أن يتقوا الله تعالى، عليهم أن لا يحولوا بين أبنائهم وأهلهم وبين الالتزام بالدين بكلماتهم اللاذعة وعباراتهم الساخرة.

وقد أخبرنا الله -عز وجل- في سورة الصافات أن رجلاً كان له صديق يسخر من تدينه، فكاد أن يميل معه لولا أن الله تعالى ثبت أقدامه، فإذا دخل الجنة بحث عن صديقه وقال لجلسائه في الجنة: (إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) [يبحثون عنه] (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ) فإذا رآه قال له: (تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) [الصافات:51-57]، أي كدت بسخريتك وأذيتك ومخالطتك الخبيثة أن تغويني وتضلني فتدخلني معك النار، ولولا أن الله رحمني لكنت معك في جهنم.

فالسخرية من المؤمنين أمر عظيم، وخاصة عندما تقع من الأقرباء والأحبة والأصدقاء؛ فليتقِ الله كل واحد منا، وليعلم أن عز المؤمن وفخره وشرفه في التمسك بدينه، ومن لم يوفقه الله لهذا الشرف العظيم؛ فإياه ثم إياه ثم إياه أن يسلط لسانه أو قلمه حرباً على أولياء الله، يستهزئ بهم، ويسخر منهم، ويضحك عليهم في شرف وفخر قصرت نفسه عن الوصول إليه. يقول الله -تبارك وتعالى- في الحديث القدسي: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ" [البخاري:6502].

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل كريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهم إنا نعوذ بك من سخطك وعقوبتك، اللهم احفظنا من معاداة أوليائك أو الاستهزاء بهم والسخرية منهم، نعوذ بك اللهم من هذا كله، يا رب العالمين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات:180-182].