الواحد
كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصيام |
أما استكمال لأجر: فلأن استشعار النية في الأعمال الصالحة يرفع من أجرها، ألم يقل سبحانه في حق الأنبياء مثنيا عليهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا) [الأنبياء:90]؟ رغبا ورهبا؛ أي أنهم استحضروا الرغبة في رضوان الله والأجر، والرهبة من الله تعالى ومن حبوط العمل؛ رغَبَاً ورهَبَاً، استحضروا تلك المشاعر في قلوبهم أثناء عمل جوارحهم فأثنى الله تعالى عليهم بذلك ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
شهر رمضان، شهر الله الكريم، شهر ورد ذكره في القرآن، وخصه الله -سبحانه وتعالى- بعبادة عظيمة القدر عظيمة الأجر إلى أقصى ما يتصوره مسلم، حتى قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه الإمام أحمد.
فيه ليلة عظيمة شريفة، نزل فيها أشرف الملائكة على أشرف الخلق بأشرف الكتاب، يقول سبحانه: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [سورة القدر].
شهر رمضان، شهر القرآن، شهر الصيام (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185]
هل استشعرنا الأجر أيها الأخوة؟ فإن استشعار الأجر الذي نرجو أن يناله الإنسان من صيام هذا الشهر مهم جداً، أسباب هذه الأهمية ثلاثة: أولا: باستكمال الأجر ذاته، ثانيا: لإدخال الفرح إلى القلب، وثالثا: لإعلاء الهمة.
أما استكمال لأجر: فلأن استشعار النية في الأعمال الصالحة يرفع من أجرها، ألم يقل سبحانه في حق الأنبياء مثنيا عليهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا) [الأنبياء:90]؟ رغبا ورهبا؛ أي أنهم استحضروا الرغبة في رضوان الله والأجر، والرهبة من الله تعالى ومن حبوط العمل؛ رغَبَاً ورهَبَاً، استحضروا تلك المشاعر في قلوبهم أثناء عمل جوارحهم فأثنى الله تعالى عليهم بذلك.
وخص الرسول -صلى الله عليه وسلم- غفران الذنب في رمضان لمن استحضر النية، لمن صامه إيماناً واحتساباً، ولمن قامه إيمانا واحتسابا، ولمن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا؛ إذاً، فحضور النية مهم لاستكمال الأجر، وكلما قوي التوافق بين أعمال القلب وأعمال الجوارح كلما ازداد الأجر أضعافاً مضاعفة. نسأل الله من واسع فضله.
وأما فرح القلب: ففي الحديث القدسي، قال الله سبحانه: "كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أَجْزي به، والصيام جُنةٌ، فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني امرئ صائم، والذي نفس محمد بيده! لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" متفق عليه.
للصائم فرحتان! هذا الفرح مرجعه إلى حضور القلب؛ لأن الذي يفرح هو القلب، مرجعه إلى استشعار الأجر؛ لأن الصائم -بطبيعة الحال- مخلصٌ صيامَه لله، أليس يكف عن الطعام والشراب وفعل الحرام حتى في خلواته إرضاءً لربه؟ لا شك أن ذلك الاستشعار يبعث الفرح والانشراح والسعادة في القلب، جعلنا الله وإياكم من السعداء.
أما إعلاء الهمة: فإن العبادة إذا استشعرها الإنسان أحدثت في قلبه لذة، وإذا استلذ الإنسان العبادة أصبح في شوق دائم إليها لأن فيها ملذاته، أصبح دائم الشوق إلى العبادة، عالي الهمة، لا تكاد تفتر عظيمته، كالذي شغفته العبادة فصار قلبه معلقاً بالمساجد، ولا يمكن أن يتعلق القلب بالمساجد إلا إذا وجد فيها اللذة، ولقد كان السلف لشدة تعلقهم برمضان وعلو همتهم يدعون الله ستة أشهر من السنة أن يبلغهم إياه، كما اشتهر ذلك، وستة أشهر أن يتقبله منهم.
في هذا الشهر -أيها الإخوة- يجب أن نتذكر الغاية من تشريع الصيام، لاسيما في شهره المجيد، وهي التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].
ولذلك نرى الله تعالى يعمل على إعانة العباد على تحقيق هذه الغاية "التقوى" فيمُنّ عليهم بأسر ألذ أعدائهم "الشيطان"، فيصبح العبد مقبلا على طاعة ربه من غير عدو يمنعه عن الخير سوى نفسه الأمارة بالسوء وشياطين الإنس.
فإن زكَّى هذه النفس، وابتعد عن طريق إغواء شياطين الإنس، فقد أفلح وأنجح، وإن أشبع شهواته جرته إلى المهالك فخاب وخسر. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- يقول -صلى الله عليه وسلم- "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسُلْسِلَت الشياطين" رواه البخاري ومسلم.
ومع تسهيل سبل الطاعة بتصفيد الشياطين، نرى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرغبنا في الإكثار من الباقيات الصالحات بقوله وفعله، فقد ورد في صحيح البخاري فيما يرويه ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن.
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة، ولم لا؟ فإن الله يبعث في أول ليلة من هذا الشهر المبارك منادياً ينادي ويرشد إلى ما يحبه الله ويرضاه، كما جاء في الترمذي عن أبي هريرة قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان..." إلى أن قال: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصِر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة". نسأل الله من فضله.
وتذكروا -أيها الإخوة- أن أحد أبواب الجنة الثمانية قد خصه الله تعالى للصائمين فقط، لا يدخله غيرهم، ففي صحيح البخاري عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون". جعلنا الله من أهلها.
أيها الأخوة المسلمون: هناك ثلاثة غنائم قد خصها الله تعالى لطائفة من الناس في هذا الشهر الكريم، هذه الطائفة قد بينها لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أحاديثَ ثلاثةٍ متفق على صحتها.
عن أبي هريرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وعنه أيضا -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وأخيراً عنه أيضا، قال -صلى الله عليه وسلم- "من يقم ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
هذه الطائفة هي من صام أو قام أو قام ليلة القدر إيماناً بالله، مخلصاً له العمل والنية، واحتسابا للأجر عند الله، هذه الطائفة هي التي تغنم بغفران ما سبق لها من صغائر المعاصي والذنوب في الماضي، فأي غنيمة أغلى من هذه الغنيمة؟.
أسأل الله لي ولكم القبول وأقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فقد رغبت الوزارة أن يكون للمنبر دوراً في التوعية بأهمية الاطلاع على الإرشادات والنشرات الوقائية والتعريفية، واتباع النصائح التي صدرت عن الجهات الصحية بخصوص مرض "انفلونزا الخنازير"، لاسيما من يريد مناسك العمرة في هذا الشهر الكريم.
ولا شك -أيها الإخوة- أن للإسلام رأياً في كل ما يرد على حياة الإنسان، والأمر -ولله الحمد- لم يصل إلى مرحلة الوباء الذي ينهى عن القدوم إليه أو الخروج منه، كما في حديثه -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها".
فالأمر -ولله الحمد- لم يصل إلى هذا الحد، ولكن الأمر في الوقت ذاته يستلزم الحذر، ولذلك أوصت وزارة الصحة بتأجيل العمرة للمصابين بالأمراض المزمنة والحوامل والأطفال ممن تقل أعمارهم عن اثنتي عشرة سنة، وكبار السن الذين تتجاوز أعمارهم خمساً وستين سنة، خشية تعرضهم للإصابة بذلك المرض.
وبينت الوزارة في نشرة توعية بعنوان "وقايتك سلامتك" ضرورة تأجيل العمرة لأصحاب الأمراض المزمنة التي تشمل أمراض القلب والكبد والكلى وداء السكري ونقص المناعة بسبب علاج أو مرض... ومرضى الأعصاب المزمن، والمصابين بالسمنة المفرطة، والأمراض الاستقلابية، والأنيميا المنجلية، والأمراض الرئوية المزمنة، ومنها مرض الربو، تأجيل هؤلاء الذهاب للعمرة حتى إشعار آخر.
ويجب الحذر من أماكن التجمعات الشديدة بلبس الكمامة التي ينصحهم بها الطبيب، وهناك إرشادات أخرى حري بكل عاقل أن يطلع عليها، وكلها من الوقاية التي حثت عليها الشريعة.
أسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم من كل سوء، وأن يدفع عنا الغلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلادنا هذه خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة.