المؤخر
كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...
العربية
المؤلف | محمد أكجيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
بالعلم تُرتفع الأقدار، وتُنال المغانم الكبار، به يعبد المسلم ربَّه على بصيرة، به يعامِل الناسَ بالحسنى، وبه يسعَى في الأرض يبتغي عند الله الرزقَ الطيب الحلال.. وما غاب العلم عن مجتمع إلا أظلم نهاره، وانطفأت أنواره، وَمَا فَشَا الجَهْلُ فِي أُمَّةٍ إِلاَّ قَوَّضَ أَركَانَهَا، وَصَدَّعَ بُنْيَانَهَا.
الخطبة الأولى:
الحمد لله....
أما بعد: فإن العلم أساس نهضة الأمم وتقدمها، ورفعة الشعوب وازدهارها، وما من أمة نالت حظًّا من الرفعة والعلو، وبلغت منزلة من النهضة والسمو، إلا كان العلم أساسها، والمعرفة سبيلها، ولذلك اهتم الإسلام بالعلم اهتمامًا عظيمًا، فوجّه الناس إلى القراءة؛ لأنها سبيل العلم، فقال سبحانه: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 1- 5].
وأقسم –تعالى- بأدوات العلم ووسائل تحصيله؛ تنبيهًا إلى أهمية كتابة العلم وتوثيقه، فقال عز وجل: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) [القلم: 1].
وعمل النبي – صلى الله عليه وسلم- على تعليم أمته القراءة والكتابة، فكان أوّلَ من سعَى لمحو الأمّيّة حين جعَل فداءَ أسرى بدرٍ أن يعلِّم كلٌّ منهم عشرةً من المسلمين القراءةَ والكتابة.
ورفع الإسلام شأن العالم والمتعلم، فقال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11]، وَلَمْ يَأْمُرِ اللهُ –تَعَالَى- نَبِيَّهُ بِالاستِزَادَةِ مِنْ شَيءٍ إِلاَّ مِنَ العِلْمِ فَقَالَ لَهُ: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه: 114].
فبالعلم تُرتفع الأقدار، وتُنال المغانم الكبار، به يعبد المسلم ربَّه على بصيرة، به يعامِل الناسَ بالحسنى، وبه يسعَى في الأرض يبتغي عند الله الرزقَ الطيب الحلال.
وما غاب العلم عن مجتمع إلا أظلم نهاره، وانطفأت أنواره، وَمَا فَشَا الجَهْلُ فِي أُمَّةٍ إِلاَّ قَوَّضَ أَركَانَهَا، وَصَدَّعَ بُنْيَانَهَا.
العلم الذي دعا الإسلام إلى تحصيله، يشمل كل علم نافع يحقّق التقدم والتطور والبناء، ويعود على البشرية بالخير والسعادة والنماء، وهو ما أشار إليه نبينا -صلى الله عليه وسلم– حيث قال: «مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة» (أخرجه مسلم).
وخص الفقه في الدين بمزيد من الشرف والتفضيل فقال: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"؛ لربانية مصدره الضامنة لعصمته، وعموم الإصلاح به وشموله، وتركيزه على النفس الإنسانية التي هي أساس صلاح البشرية وفسادها.
عباد الله: ويتجدد عام آخر، ويَغدُو أبناؤنا وبناتنا إِلى مَدَارِسِهم، يعودون والعَوْدُ أحمَدُ، لنستقبل مع عودهم عامًا دراسيًّا جديدًا، جعله الله بمَنِّهِ وكرمه عام خير وبركة.
أيها المؤمنون: التعليم في الإسلام نموذج فريد، وتكامل بديع، يجمع بين التربية والتعليم، يسعى لإقامة مجتمع فاضل، يسعى لاستغلال العلم في البناء لا الهدم، للخير لا للشر، للفضيلة لا للرذيلة.
مستقبل أبنائنا ومجتمعنا رهين بمدى نجاح تربيته وتعليمه في تعبيد الناس لرب العالمين، والولاءِ لهذا الدّين، وتنشئةِ المواطنِ الصالحِ المنتِج الواعي، السَّالم من شطَطِ التفكير ومَسالِك الانحرافِ .
سُئل أحد المربّين: ما مستقبل أمّة من الأمم؟ فقال: "أروني مناهج تعليمها أخبركم عن مستقبلها".
أيها المعلمون والمعلمات، والمربون والمربيات الأكارم: نبينا أكبر شأنكم وأعلى مقامكم حيث قال: "إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير حتى النملة في جحرها".
أنتم المؤتَمَنون على تربيةِ أبنائنا وتوجيهِ مستقبَلنا، في تطويرٍ وتجديد، ومواكبةٍ للجديدِ، مع الأصالةِ والثباتِ المستمَدَّيْن من شريعة الإسلام الخالدة الطاهرة.
قدوتكم في التربية والتعليم، معلّم البشرية نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه، فترسموا هديه، وتمثلوا في مهمتكم خلقه وسمته.
جمّلوا عملكم بالإخلاص، تربحوا أجر الدنيا حلالاً طيبًا، وتغنموا جزاء الآخرة ثوابًا عند الله باقيًا.
اجتهدوا في تعليمكم، وضعوا رقابة الله دائمًا نُصب أعينكم قبل رقابة أحد من الناس.
أطلقوا ألسنة أبنائنا للكلام، فإن أحسنوا فكافئوهم، وإن أخطأوا فبالتي هي أحسن فقوِّموهم.
معشر القائمين على التربية والتعليم، معشر الآباء والأمهات: المعلمون والمعلمات هم أساس العملية التعليمية وقطب رحاها؛ نجاحهم في مهمتهم واجتهادهم وتفانيهم فيها، رهين بمدى استقرارهم نفسيًّا وماديًّا، واحترامهم وإكرامهم من عامة المجتمع.
فالله الله في حقوقهم، اغرسوا في قلوب أبنائكم وبناتكم حب العلم والعلماء، اغرسوا في قلوبهم إجلال المعلمين والمعلمات.
علموهم الأدب، قبل أن يجلسوا مجالس العلم والطلب، فإن الله سائل كل أحد عما استرعاه، أحفظ أم ضيع، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
الخطبة الثانية
الحمد لله...
أما بعد: أبناءنا التلاميذ والتلميذات والطلاب والطالبات: ها هي أيام العلم قد أقبلت، فأقبلوا عليها بجد وإخلاص.. اجعلوا طلبكم للعلم عبادة تتقربون بها إلى الله -تعالى-، ترجون ثوابه وتخافون سخطه وعقابه.
العلم سبيلكم إلى السعادة في الدنيا والآخرة، فاجعلوا نصب أعينكم دائمًا، قول نبينا –صلى الله عليه وسلم– حاديًا وهاديًا حيث يقول: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة".
أيها الأبناء الكرام: خير الوصية وأجمعها: الوصية بتقوى الله عز وجل، وصى الله بها الأولين والآخرين، وذكّر بها الأنبياء والمرسلين، وحث عليها الأخيار والصالحين، فقال في كتابه المبين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].
اتقوا الله، فإن الله يهدي بتقواه من الضلالة، ويعلم بها من الجهالة، يقول تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة: 282]، ويقول سبحانه: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4].
أبناءنا الكرام: البيت يضحّي من أجلكم ويقدّم، والمدرسة تبذل لكم وتعلّم، والكل ينتظر منكم ويؤمّل، فكونوا عند حسن الظن بكم، علمًا وأخلاقًا وسلوكًا.
عباد الله: المَسِيرَة التَّعلِيمِيَّة تَحتَاجُ إِلَى تَضَافُرِ الجُهُودِ لإِنْجَاحِهَا، فَلاَ تَقَعُ المَسؤُولِيَّةُ عَلَى الهَيْئَاتِ التَّدْرِيسِيَّةِ وَحْدَهَا، وإنما يُشَارِكُهَا البَيْتُ وَالمُجتَمَعُ، وَكُلُّ مَنْ لَهُ عَلاَقَةٌ بِعَمَلِيَّةِ التَّربِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ؛ فتعاونوا على البر والتقوى ممتثلين أمر ربكم؛ إذ يقول: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
اللهم علمنا علما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما وهدى وتقًى يا رب العالمين.
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، وعين لا تدمع، وبطن لا يشبع، ودعاء لا يسمع.
اللهم ارزقنا علما يورث خشيتك، وذكرك وشكرك وطاعتك ومحبتك.
اللهم يسر لأبنائنا وبناتنا سبيل العلم النافع، اللهم زكِّ به نفوسهم، وطهِّر به أخلاقهم، وارفع به في الدنيا والآخرة مقامهم ومجتمعهم وبلادهم.
اللهم واجعلهم قرة عين لأهليهم ودينهم ومجتمعهم ووطنهم، وجميع أبناء وبنات المسلمين في سائر الأوطان.