البحث

عبارات مقترحة:

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

جزاء الحج المبرور

العربية

المؤلف أسامة بن عبدالله خياط
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الحج
عناصر الخطبة
  1. مكانة الحج في الشريعة الإسلامية .
  2. الإخلاص والمتابعة في الحج .
  3. المحافظة على الشعيرة مما قد يشوبها .
  4. علامة القبول .
  5. مشاقٌّ يذللها الحج .

اقتباس

إنه -يا عباد الله- الحج المقبول الذي لا يُخالطه شيءٌ من الإثم، وهو الذي وقع موافقًا لما طُلِب من المسلم على الوجه الأكمل، ولا يكون كذلك إلا بإخلاص الحاج لله ومتابعته رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أدائه، وذلك يقتضي منه أن يُعلِّق قلبه بربه وحده، مُستيقنًا أن الأمور كلها بيده سبحانه، وأنه المُعطي المانع، النافع الضار، المُحيي المُميت، وأن غيره لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ولا يملك موتًا ولا حياةً ولا نشورًا...

 

 

 

 

الحمد لله الذي فرض على عباده حجَّ بيته الحرام، أحمده سبحانه؛ جعل ثواب الحج المبرور الجنةَ دار السلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله نبيُّ الرحمة سيد الأنام، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الأئمة الأبرار الأعلام.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وأخلِصوا له العمل وراقِبوه.

أيها المسلمون: غاية المُنى لأولي النُّهَى: دخول الجنة دار النعيم المُقيم، والنظرُ فيها إلى وجه الربِّ الكريم، ثوابًا من عند الله أعدَّه لمن آمن وعمل صالحًا، يرجو به إلى الله الزُّلْفى وحسن المَئاب.

ألا وإن من أعظم الأعمال أجرًا، وأرفعها مقامًا: الحج المبرور، الذي أوضح نبي الله -صلوات الله وسلامه عليه- جزاءه بقوله -في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة".

وإنه لجزاءٌ ضافٍ يحفِزُ هِمَم أولي الألباب، ويستحِثُّ خُطى المتقين لإدراكه والظَّفَر به، ويحمِلهم على تبيُّن حقيقة الحج المبرور الذي وُعِد عليه بهذا المبعوث.

إنه -يا عباد الله- الحج المقبول الذي لا يُخالطه شيءٌ من الإثم، وهو الذي وقع موافقًا لما طُلِب من المسلم على الوجه الأكمل، ولا يكون كذلك إلا بإخلاص الحاج لله ومتابعته رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أدائه، وذلك يقتضي منه أن يُعلِّق قلبه بربه وحده، مُستيقنًا أن الأمور كلها بيده سبحانه، وأنه المُعطي المانع، النافع الضار، المُحيي المُميت، وأن غيره لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ولا يملك موتًا ولا حياةً ولا نشورًا: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر: 13، 14].

فيُقبِل عليه، ويصرف كل أنواع العبادة إليه، مُتذكِّرًا أن التوجُّه إلى غيره بأي لون من ألوان العبادة شركٌ مُحبِطٌ للعمل، مُستحضرًا قول ربه سبحانه في مآل أعمال من أشرك به: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان: 23].

وأيُّ مقامٍ أجدَر بأن يُذكَر فيه اسم الله، ويُسار فيه على طريق خالقنا في إعلام التوحيد لله من مقام الحاج عند بيت الله الذي قصَدَه، وفي مناسك حجه التي تلبَّسَ بها، وفي متابعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالاهتداء بهديه، والاستنان بسنته، وتقديم قوله على قول كل أحدٍ من الناس مهما عظُمَ شأنه، وعلا كعبه، وتألَّق مثله، امتثالاً لأمر الله القائل سبحانه: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر: 7]، وامتثالاً لقوله: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور: 54].

بهذه المتابعة يطمئن الحاج إلى موافقة الصواب في أعمال حجه؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن لأمته في حجة الوداع، بيَّن لهم المناسك بيانًا واضحًا جليًّا لا خفية فيه قائلاً: "لتأخذوا عني مناسككم"، كما جاء في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- في وصف حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-. أخرجه مسلم في صحيحه، وغيره.

وبهذه المتابعة يحذر الحاج من الوقوع في كل ما يجرح حجَّه، أو يُنقِصُ أجره، لا سيما حين يعلم ما جاء في سنته -عليه الصلاة والسلام- من كريم الأجر لمن صانَ حجَّه عن كل ما يُكدِّر صفوه، وذلك ما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجع كيوم ولدَته أمه".

والرَّفَث هو: غشيان النساء ودواعيه والكلام فيه وتكرار النظر على وجه الاستمتاع، وأما الفسق فيدخل فيه أعمال الفسق، وما يحرم من الكلام؛ كالكذب، والغيبة، والنميمة، والسِّباب، والجدال المُفضِي إلى الخصومة وإيغار الصدور، لا سيما إذا اقترن برفع الأصوات بالكلام الذي يتخلَّى به سامعه.

فإذا استشعر الحاج في كل خطوةٍ يخطوها، وفي كل منسكٍ يُؤدِّيه أنه في هذا المكان الشريف، والبِقاع المُطهَّرة التي اجتمع فيها شرفُ المكان، وشرفُ الزمان، وشرفُ الشعائر، استيقَن أنه لا مكان فيها لرفَثٍ ولا لفسوقٍ ولا لجدال، فيُمضِي أيام حجِّه مُنفِقًا كل جزءٍ من وقته في طاعة ربه، تلاوةً وذكرًا، وصلاةً وطوافًا بالبيت، وإنفاقًا في وجوه البر، وإحسانًا في كل ضروب الإحسان؛ فإن النفقة في الحج مما يُخلَف على صاحبه.

كما جاء في الحديث الذي أخرجه الحاكم في مستدركه بإسنادٍ صحيحٍ عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لها في حجرتها: "إن لكِ من الأجر على قدرِ نصَبِكِ ونفقتكِ". على أن تكون من كسبٍ حلالٍ طيبٍ؛ فإن الله طيبٌ لا يقبلُ إلا طيبًا، ويُعقِبُه ذلك ويُخلِفُه لذَّةً وسرورًا وانشراحًا وحبًّا لله تعالى ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- ولدينه كلما أقبل على ربه، واشتغل بقصد مرضاته.

ويرجع إلى بلده وقد صار حالُه أحسن مما كان عليه، وهو علامةٌ عند كثيرٍ من العلماء على الحج المبرور، فاتقوا الله -عباد الله-، واحرصوا على أن يكون حجُّكم مبرورًا بالانقياد لله فيه؛ فإنه مدارُ العمل المقبول، وبالمتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والاهتداء بهديه، وتقديم قوله على قول كل أحدٍ غيره، وإطابة الكسب والنفقة، والحذر من الرياء والسمعة والفخر والخُيَلاء، واجتناب الرَّفَث والفسوق والجدال، وكل ما يُنافي مقصود الحج، أو يُنقِصُ أجره، أو يصرفه عن حقيقته، أو يُغيِّر صفته التي شرعها الله وبيَّنها رسوله -صلى الله عليه وسلم- في صحيح سنته، حتى لا تذهب مشقة السفر ونفقاته وعناء مفارقة الأهل والأولاد والأوطان سُدى من شوبِها بما يُفسِد الأعمال أو يُنقِصُ أجرها، أو يُذهِب من المقصود منها.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنه نبيه -صلى الله عليه وسلم-، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فيا عباد الله: إن مشاقّ السفر الذي وصفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله -في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما-: "السفر قطعةٌ من العذاب، يمنعُ أحدَكم طعامه وشرابه ونومه". أي: ما يألفه من طعامٍ وشرابٍ ونوم.

وكذا مشقة المفارقة، وإن مشقة مفارقة الأهل والأولاد والأوطان، ومشقة التضحية بالمال في النفقة، وغير ذلك من ألوان المشاق التي يُذلِّلها ويُسهِّلها ما يجده حاج بيت الله الحرام في قلبه من شدة حب الله، وقوة الإيمان به، وإيثار هذه المحبة على أشواق النفس ورغباته وحظوظها، فإذا منع الحاج نفسه وحجزَها عن اللغو والرَّفَث والفسوق والجدال والإيذاء، وألزَمَها حسن الأدب، وأخذها بالإحسان في كل ضروبه، وكان مطعمه ومشربه وملبسه ونفقته حلالاً، وأدى مناسكه وفق ما شرعه الله، مُخلِصًا له، مُتابعًا لرسوله -صلى الله عليه وسلم- استحقَّ هذا الثواب العظيم، الذي بيَّنه رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- بقوله: "من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق رجع كيوم ولدَته أمه". أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

وإنه -يا عباد الله- لثوابٌ ما أكرمه وما أعظمه، وما أسعد من حظِيَ به، فقد فاز عند الله فوزًا عظيمًا، فاتقوا الله -عباد الله-، واعملوا على الفوز بهذا الموعود تكونوا من المُفلِحين.

واذكروا على الدوام أن الله تعالى قد أمركم بالصلاة والسلام على خير الورى، فقال -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا خير من تجاوز وعفا.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائر الطغاة والمفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفهم، وأصلِح قادتهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانة الصالحة، ووفِّقه لما تحب وترضى يا سميع الدعاء.

اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانه إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، يا من إليه المرجع يوم المعاد.

اللهم أحسِن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموتَ راحةً لنا من كل شر.

اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائك وأعدائنا يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائك وأعدائنا يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءك وأعداءنا بما شئتَ، اللهم اكفِنا أعداءك وأعداءنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءك وأعداءنا بما شئتَ يا رب العالمين.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك.

اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا. اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.

اللهم تقبَّل منَّا حجَّنا، واجعله حجًّا مبرورًا يا رب العالمين.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.