البحث

عبارات مقترحة:

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

فرضية الحج وشروطها

العربية

المؤلف محمد بن صالح بن عثيمين
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الحج
عناصر الخطبة
  1. الحث على أداء فريضة الحج .
  2. ثبوت فريضة الحج بالكتاب والسنة والإجماع .
  3. حكم من أنكر الحج أو تركه تهاونا .
  4. سقوط فريضة الحج والعمرة عمن أدائها بعد البلوغ .
  5. شروط وجوب الحج .
  6. وجوب المبادرة إلى الحج على من توفر فيه شروط وجوب الحج .
  7. تمام حج من حج على الوجه الشرعي .

اقتباس

كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه، وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام، وأركانه؟ كيف يبخل بالمال على نفسه في أداء هذه الفريضة وهو ينفق الكثير من ماله فيما تهواه نفسه؟ وكيف يوفر نفسه عن التعب في الحج وهو...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي فرض الحج على عباده إلى بيته الحرام، ورتب على ذلك جزيل الأجر ووافر الإنعام، فمن حج البيت، فلم يرفث، ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه نقيا من الذنوب والآثام، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة دار السلام.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من صلى، وزكى، وحج، وصام، وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام، وسلم تسليما.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وأدوا ما فرضه الله عليكم من الحج إلى بيته حيث استطعتم إليه سبيلا، فقد قال الله -تعالى-: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 97].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا"[البخاري(4499) مسلم (10) النسائي (4991) ابن ماجة (64) أحمد (2/426)].

وأخبر صلى الله عليه وسلم: أن الإسلام بني على هذه الخمس، فلا يتم إسلام عبد حتى يحج، ولا يستقيم بنيان إسلامه حتى يحج.

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من له جدة -أي غنى- ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين".

ففريضة الحج ثابتة بكتاب الله -تعالى-، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبإجماع المسلمين عليها إجماعا قطعيا.

فمن أنكر فريضة الحج، فقد كفر، ومن أقر بها، وتركها تهاونا فهو على خطر؛ فإن الله يقول بعد ذكر إيجابه على الناس: (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 97].

كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه، وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام، وأركانه؟

كيف يبخل بالمال على نفسه في أداء هذه الفريضة وهو ينفق الكثير من ماله فيما تهواه نفسه؟

وكيف يوفر نفسه عن التعب في الحج وهو يرهق نفسه في التعب في أمور دنياه؟

وكيف يتثاقل فريضة الحج وهو لا يجب في العمر سوى مرة واحدة؟

وكيف يتراخى ويؤخر أداءه وهو لا يدري لعله لا يستطيع الوصول إليه بعد عامه؟

فاتقوا الله -عباد الله-: وأدوا ما فرضه الله عليكم من الحج تعبدا لله -تعالى-، ورضا بحكمه وسمعا وطاعة لأمره إن كنتم مؤمنين: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)[الأحزاب: 36].

إن المؤمن إذا أدى الحج والعمرة بعد بلوغه مرة واحدة، فقد أسقط الفريضة عن نفسه، وأكمل بذلك أركان إسلامه، ولم يجب عليه بعد ذلك حج ولا عمرة إلا أن ينذر الحج أو العمرة، فيلزمه الوفاء بما نذر؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من نذر أن يطيع الله فليطعه"[البخاري (6318) الترمذي (1526) النسائي (3807) أبو داود (3289) ابن ماجة (2126) أحمد (6/36) مالك (1031) الدارمي (2338)].

أيها المسلمون: إن من تمام رحمة الله، ومن بالغ حكمته: أن جعل لفرائضه حدودا وشروطا لتنضبط الفرائض، وتتحدد المسؤولية، وجعل هذه الحدود والشرائط في غاية المناسبة للفاعل والزمان والمكان.

ومن هذه الفرائض: الحج، فله حدود وشروط، ولا يجب على المسلم إلا بها،؛ فمنها: البلوغ، ويحصل في الذكور بواحد من أمور ثلاثة: إنزال المني، أو تمام خمس عشرة سنة، أو نبات العانة.

وفي الإناث بهذه الثلاثة، وزيادة أمر رابع، وهو: الحيض، فمن لم يبلغ فلا حج عليه ولو كان غنيا لكن لو حج صح حجه تطوعا، وله أجره، فإذا بلغ أدى الفريضة؛ لأن حجه قبل البلوغ لا يسقط به الفرض؛ لأنه لم يفرض عليه بعد فهو كما لو تصدق بمال ينوي به الزكاة قبل أن يملك نصابه.

وعلى هذا، فمن حج ومعه أبناؤه أو بناته الصغار، فإن حجوا معه كان له أجر، ولهم ثواب الحج، وإن لم يحجوا فلا شيء عليه ولا عليهم.

ومن شروط وجوب الحج: أن يكون مستطيعا بماله وبدنه؛ لأن الله -تعالى- شرط ذلك للوجوب في قوله: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)[آل عمران: 97].

فمن لم يكن مستطيعا، فلا حج عليه، فالاستطاعة بالمال أن يملك الإنسان ما يكفي لحجة زائدا عن حوائج بيته، وما يحتاجه من نفقة وكسوة له ولعياله وأجرة سكن لمدة سنة، وقضاء ديون حالة.

فمن كان عنده مال يحتاجه لما ذكر لم يجب عليه الحج، ومن كان عليه دين حال لم يجب عليه الحج حتى يوفيه.

والدين كل ما ثبت في ذمة الإنسان من قرض وثمن مبيع وأجرة وغيرها، فمن كان في ذمته درهم واحد حال فهو مدين، ولا يجب عليه الحج حتى يبرأ منه بوفاء أو إسقاط؛ لأن قضاء الدين مهم جدا، حتى إن الرجل ليقتل في سبيل الله شهيدا، فتكفر عنه الشهادة كل شيء إلا الدين، فإنها لا تكفره، وحتى إن الرجل ليموت، وعليه الدين، فتعلق نفسه بدينه حتى يقضى عنه.

أما الدين المؤجل، فإن كان موثقا برهن يكفيه لم يسقط به وجوب الحج، فإذا كان على الإنسان دين قد أرهن به طالبه ما يكفي الدين، وبيده مال يمكنه أن يحج به، فإنه يجب عليه الحج؛ لأنه قد استطاع إليه سبيلا.

أما إذا كان الدين المؤجل غير موثوق برهن يكفيه، فإن الحج لا يجب عليه حتى يبرأ من دينه.

والاستطاعة بالبدن أن يكون الإنسان قادرا على الوصول بنفسه إلى البيت -أي مكة- بدون مشقة، فإن كان لا يستطيع الوصول إلى البيت، أو يستطيع الوصول لكن بمشقة شديدة كالمريض، فإن كان يرجو الاستطاعة في المستقبل انتظر حتى يستطيع، ثم يحج، فإن مات حج عنه من تركته، وإن كان لا يرجو الاستطاعة في المستقبل كالكبير والمريض والميؤوس من برئه، فإنه يوكل من يحج عنه من أقاربه أو غيرهم، فإن مات قبل التوكيل حج عنه من تركته.

وإذا لم يكن للمرأة محرم، فليس عليها حج؛ لأنها لا تستطيع السبيل إلى الحج، فإنها ممنوعة شرعا من السفر بدون محرم.

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" فقام رجل، فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "انطلق فحج مع امرأتك" فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحج مع امرأته"[البخاري (2844) مسلم (1341) ابن ماجة (2900) أحمد (1/222)].

مع أنه قد كتب مع الغزاة، ولم يستفصل منه النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل كانت امرأته شابة، أو كان معها نساء أو لا؟

وهو دليل على أن المرأة يحرم عليها السفر على أي حال، وعلى أي مركوب طائرة أو سيارة إلا بمحرم وهو زوجها، وكل من يحرم عليه نكاحها تحريما مؤبدا كالأب، وإن علا، والابن وإن نزل، والأخ وابن الأخ، وإن نزل وابن الأخت، وإن نزل، والعم والخال سواء كان ذلك من نسب أو رضاع، وكأب الزوج، وإن علا، وابنه، وإن نزل، وزوج البنت، وإن نزلت، وكزوج الأم، وإن علت إذا كان قد دخل بها.

ولا بد أن يكون المحرم بالغا عاقلا، فمن كان دون البلوغ لا يكفي أن يكون محرما؛ لأن المقصود من المحرم حفظ المرأة وصيانتها وهيبتها، وذلك لا يحصل بالصغير.

أيها المسلمون: من رأى نفسه أنه قد استكمل شروط وجوب الحج، فليؤده، ولا يتأخر، فإن أوامر الله ورسوله على الفور بدون تأخير، والإنسان لا يدري ما يحصل في المستقبل، وقد يسر الله، وله الحمد لنا في هذه البلاد ما لم ييسره لغيرنا من سهولة الوصول إلى البيت، وأداء المناسك، فقابلوا هذه النعمة بشكرها، وأداء فريضة الله عليكم قبل أن يأتي أحدكم الموت، فيندم حين لا ينفع الندم.

واسمعوا قول الله -عز وجل-: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[الزمر: 54 - 58].

ومن حج على الوجه الشرعي؛ مخلصا لله، متبعا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد تم حجه سواء كان قد تمم له، أم لا.

أما ما توهمه بعض العوام: أن من لم يتمم، فلا حج له، فهو غير صحيح، فلا علاقة بين التميمة والحج.

وفقني الله وإياكم للقيام بفرائضه، والتزام حدوده، وزودنا من فضله وكرمه، وحسن عبادته، ما تكمل به فرائضنا، وتزداد به حسناتنا، ويكمل به إيماننا، ويرسخ به ثباتنا، إنه جواد كريم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.