الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | زيد بن عبد الكريم الزيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
المراد بالأرحام ليس كما يظن بعض الناس أنهم أهل زوجتك، الأرحام جميع أقاربك من جهة الأب أو من جهة الأم، هؤلاء هم الذين يسمون الأقارب. وبالتواصل بين الأقارب يصلح المجتمع، وبتواصلهم تصلح الأمم، من لم يك نافعًا لأقاربه فمع غيرهم من باب أولى لا ينفع، ولذلك رفع الله -جل شأنه- من فضيلة صلة الرحم.
أما بعد: إننا -أيها المسلمون- نعيش في عصر اهتم كلّ فرد بمصلحته الخاصة، تقطعت فيه الروابط والصلات، انشغل فيه الابن عن أبيه، وقاطع القريب قريبه، وكل همه نفسه، ولم يكن هذا هو شأن المجتمع المسلم في عهد من سلف.
وهذا -يا عباد الله- إنْ وقع في مجتمعات الذين لا يرجون لله وقارًا، فكيف يمكن أن يسوغ ذلك في المجتمعات المؤمنة، وبين المسلمين الذي يخشون الله ويرجون ما عنده رزقًا في الدنيا وفلاحًا وصلاحًا في الآخرة.
يا عباد الله: ألسنا نرى -والاعتراف بالواقع طريق الوصول إلى الحل- ألسنا نرى كثرة التقاطع في مجتمعاتنا بين الأقارب، إخوانًا أو أبناء عمومة؟!
ما هذا يا عباد الله؟! كل يشكو أقاربه؟! هذا يشكو وهذا يشكو، كأننا لا نتلو كتاب الله ولا نقرأ سنة نبينه -صلى الله عليه وسلم-.
قبل أن أتحدث عن صلة الأرحام أقول: المراد بالأرحام ليس كما يظن بعض الناس أنهم أهل زوجتك، الأرحام جميع أقاربك من جهة الأب أو من جهة الأم، هؤلاء هم الذين يسمون الأقارب.
وبالتواصل بين الأقارب يصلح المجتمع، وبتواصلهم تصلح الأمم، من لم يك نافعًا لأقاربه فمع غيرهم من باب أولى لا ينفع، ولذلك رفع الله -جل شأنه- من فضيلة صلة الرحم، وهذه بعض النصوص:
روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله -جل شأنه- عن الرحم: أما ترضين أن أصل من وصلك"، وأنتم تعلمون -يا عباد الله- أن من وصله الله فلن ينقطع أبدًا.
الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة -رضي لله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر"، صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
فهذه ثلاث فوائد لصلة الرحم: المحبة بين الأهل، والزيادة في المال، والتأخير في الأجل، فما رأيكم بهذه الصفة؟! محبوب بين أهله، مبارك له في ماله، مؤخر له في أجله. إنها أمور كلنا نطلبها، وطريق طلبها الصحيح هو صلة الرحم.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: "صلة الرحم تزيد في العمر، وصدقة السر تطفئ غضب الرب".
روى البخاري عن أبي هريرة مرفوعًا: "من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه".
وفي صحيح البخاري عن أبي أيوب -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: أخبرني عن عمل يدخلني الجنة؟! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الأرحام"، فصلة الرحم هنا جاءت مع الصلاة والزكاة.
عباد الله: المتواصل مع الأقارب موعود بأن يصله الله -جل شأنه-، ومن وصله الله وصله كل خير، المتواصل مع أقاربه موعود بالجنة، المتواصل مع أقاربه موعود بنمو ماله، المتواصل مع أقاربه بموعود بمد أجله. ولو كانت هذه على رأس جبل وعر شاق لا يرتقى، لسابق إليها العاقل!! كيف وهي ميسورة لك، موعود أنت عليها عندما تتواصل مع أقاربك!!
عباد الله: هذا وعد لواصلي أرحامهم، وهناك وعيد شديد من الله -جل شأنه- لمن قطع رحمه؛ يقول الله تعالى: (ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَلأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام، لا تقطعوها، إن الله كان عليكم رقيبًا.
لا تجد شيئًا يذكر في القرآن مع النهي عن الشرك مثل ذكر قطيعة الرحم: (وَعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِلْولِدَيْنِ إِحْسَـاناً وَبِذِى الْقُرْبَى) [النساء:36].
في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة مرفوعًا عن الرحم: "وأقطعُ مَنْ قَطَعَكِ"، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "اقرؤوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ * أَوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَـارَهُمْ) [محمد:22، 23]". فقاطع الرحم ملعون أعمى أصم، وماذا بقي له بعد ذلك؟! وأي خير يرجو؟! وأي فلاح ينتظر في دنياه وآخرته؟!
روى البخاري عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- مرفوعًا: "لا يدخل الجنة قاطع"، أي قاطع رحم.
روى الطبراني عن ابن مسعود مرفوعًا: "إن أبواب السماء مغلقة دون قاطع الرحم".
عباد الله: لعلكم لاحظتم شدة الوعيد في قطيعة الرحم، كيف أنه يرد في القرآن قرين الشرك بالله، إن قاطع الرحم ملعون أعمى أصم، لا يدخل الجنة إلا أن يرحمه الله، وإن أبواب السماء مغلقة دونه، هل بعد هذا يجرؤ مؤمن بالله مرتقب للموت والحساب على التهاون في حقوق أقاربه ويقطع رحمه ويمتنع من زيارتهم والتواصل معهم!!
أيها المسلمون: إن صلة الرحم ميسورة سهلة تحتاج فقط إلى أن يعرف الشخص فضلها وثوابها ووعيد الله للمفرط بها، لينتصر على نفسه ويتنازل عن بعض ما في نفسه، وأن يعرف خصوصية صلته بأقاربه، ولذلك أذكر شيئًا من حقوق الأقارب:
من حقوق الأقارب الزيارة، والزيارة نوع من التقدير تذهب ما في النفس وتقوي التواصل ولا تكلف الشخص مالاً ولا جهدًا.
من حقوق الأقارب: الدعاء لهم بظهر الغيب، فهل رفعت يديك يومًا من الأيام تدعو لأقاربك، عندما دعوت لنفسك؟!
الأقارب -أيها المسلمون- من كان منهم فقيرًا فيوصل بالمال، والله -جل شأنه- بدأ الأقارب قبل المساكين والفقراء: (يَسْـئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مّنْ خَيْرٍ فَلِلْولِدَيْنِ وَلاْقْرَبِينَ وَلْيَتَـامَى وَلْمَسَـاكِينَ) [البقرة:215]، فالفقير قبل اليتيم والمسكين. أما إن كان القريب غنيًا فلا تنس الهدية؛ فإنها تشعر بالاحترام والتقدير، وتنمي الود، وتبقى الهدية تذكر بصاحبها أبدًا.
الأقارب لهم حق الإكرام إذا قدموا من سفر، والتهنئة إذا نالوا خيرًا، ولهم الحق في الدعوة في المناسبات، وكلها تفيد في التواصل بين الأقارب.
الأقارب لهم حق خاص في التغاضي عن أخطائهم، ويتحمل منهم ما لا يتحمل من غيرهم، فلو حاسبت الناس وأقاربك فغُضَّ الطرف وتحمل من أقاربك ما لا تحتمله من الناس، وإياك أن تحاسب أقاربك وتقاطعهم لخلاف وقع.
من حقوق الأقارب النصيحة لهم ودعوتهم، نافعًا لهم، كافًّا شرّك عنهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله وصلوا أرحامكم، وإن بعض الناس لم يفهم معنى صلة الرحم، وإذا قيل له عن صلة الرحم قال: هم الذين قطعوني ولا يزورونني.
نعم -أيها المسلم- حتى ولو لم يزوروك فزرهم، حتى وإن كانوا لا يدعون الله لك فادع الله لهم، حتى لو كانوا لا يستضيفونك إذا قدمت من سفر فكن خيرًا منهم، ادعهم وأكرمهم، فأنت تعمل لله وليس لهم.
هل لا تزور إلا من زارك، ولا تصل رحم إلا من وصلك، أين أمر الله لك بصلة الرحم؟! هل أنت تكافئ أم تطلب الأجر؟! واسمع حديثين في الموضوع نفسه: روى البخاري عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- مرفوعًا: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها".
وروى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنهما- مرفوعًا: أن رجلاً قال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال: "لئن كنت كما قلت: فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم". والمل: الرماد.
الشكوى نفسها في عهد الصحابة وأجاب عنها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهي شكوى نسمعها كثيرًا من بعض الناس، يقولون: هم الذين يقطعونني، فاتق الله -أيها المسلم- وصِل رحمك وأقاربك، واحذر القطيعة، وتذكر عاقبتها القريبة في الدنيا وعقوبتها في الآخرة.
هذا وصلوا...