الغني
كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
ومنها يعلم أن الأمة أيّ أمة، مهما كانت محتاجة إلى تعلم ما يخدم أجسامها أو يخدم اقتصادها وشأن دخلها ومصرفها، لئن كانت محتاجة إلى ذلك أو إلى أي نوع من أنواع القوى العسكرية بأساليبها الحاضرة لتدفع بها عن نفسها أو لتنفذ بها فكرتها وعقيدتها، فإنها اليوم وغير اليوم أحوج ما تكون في الدرجة الأولى إلى علم الشريعة الحق النافع الذي أوجدت الدنيا...
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ, أحمده تعالى لا أحصي ثناءً عليه، وأستغفره وأستهديه وأتوبُ إليه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ عِلْمًا ؛ سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه، وخِيرةُ المرسلين والأنبياء صلى الله عليه وعلى آله وعلى أصحابه وأتباعه, الذين ورثوا علمَه وخَلَفوه في تبليغ رسالته وتوجيه أمته, وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها الإخوةُ المؤمنون: لقد أشاد جلّ وعلا بالعلماء في كتابه، وسنةِ رسوله إشادةً عظمى، رفعتْ من قدرهم في الأولين والآخرين، وبوَّأتْهم ما يلحِقُهم في الدنيا بركب الأنبياء، ويحلُّهم في الآخرة منازلَ السعداء، مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.
فقد ثنَّى تعالى بشهادتهم بعد شهادته وشهادة ملائكته, على ما يشهدُ به تعالى من توحيده وأن الإسلام دينُه الحق بقوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران: 18، 19].
ولا جرم -أيُّها الإخوة- فالعلماءُ نورُ الله في أرضه, وهداتُه إلى سبيله وأمناؤه في تبليغ دينه، وإقامةِ العدل بين عباده، يقول تعالى في مدحهم والترغيبِ في مناهلهم التي انتهلوا منها وصفاتهم التي اتّصفوا بها (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) [فاطر: 28]، (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) [الزمر: 9]، (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) [الرعد: 19]، ويقول: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ ) [فاطر: 19 - 23]. ويقول عليه الصلاة والسلام: " مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ", ويقول: "مَنْ غَدَا يُرِيدُ الْعِلْمَ يَتَعَلَّمُهُ لِلَّهِ فَتَحَ اللهُ لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَفَرَشَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ أَكْنافَهَا، وَصَلَّتْ عَلَيْهِ مَلَائِكَةُ السَّمَوَاتِ وَحِيتَانُ الْبَحْرِ، وَلِلْعَالِمِ مِنَ الْفَضْلِ عَلَى الْعَابِدِ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى أَصْغَرِ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ، العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، وَإنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يَوَرِّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً وَإنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بحَظٍّ وَافِرٍ".
ويقول جلَّ وعلا في بيان حاجة الناس إلى علوم الشريعة الغراء, وأنهم بها كالأحياء وفاقدوها كالأموات: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ) [هود: 24]، (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الملك: 22] ويقول: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) [الأنعام: 122].
هذه -أيها الأخوة- نصوصُ كتابِ ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم في العلماء, وحاجةِ الناس إليهم وإلى ما أُهِّلوا ويؤهلون به من غذاءٍ روحي ودواءٍ معنوي، خاماتُها دراسةُ كتابِ الله وسنةِ رسول الله وسِيَرِ خلفائه وملفاتِ أتباعه, التي اُستقيتْ من نور الله بإخلاصٍ له وسَيْرٍ على منهاج نبيه.
ومنها يُعلمُ أن الأمةَ أيَّ أمة -مهما كانت- محتاجةٌ إلى تعلُّم ما يخدم أجسامها, أو يخدم اقتصادَها وشأنَ دخلِها ومصرفها، لئن كانت محتاجةً إلى ذلك أو إلى أي نوع من أنواع القوى العسكرية بأساليبها الحاضرة, لتدفعَ بها عن نفسها أو لتنفِّذَ بها فكرتها وعقيدتها، فإنها اليوم وغير اليوم أحوجُ ما تكون في الدرجة الأولى إلى علم الشريعة الحق النافع, الذي أُوجدتِ الدنيا جميعُها لخدمته لا لمنافسته، نعم لخدمته. فلقد أوجد ما فيها لخدمة الإنسان، يقول الله سبحانه: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ) [الجاثية: 13], وأوجد الإنسانَ لخدمة ربه لعبادة الله وحده (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56] ولا عبادةٌ صحيحةٌ خاليةٌ من أوضار البدع والخرافات، ولا عقيدةٌ ثابتةٌ سالمةٌ من الشُبه والشكوك، ولا معاملةٌ سَلِسَةٌ بعيدةٌ عن جشع المادة وشُحِّ النفوس, ما لم يتوفر لها العلمُ النافعُ الذي يهذِّبُ النفوس ويصقلُ العقول, ويربطها بخالقها ومصدرها الأول, الذي منه بدت وإليه ستعود، وهو الله سبحانه الذي بيده ملكوت كل شيء (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: 82].
فيا أيها الأخوة المؤمنون: يا من أعزّكم اللهُ بالإسلام وأنعم عليكم بأن جعلكم من الأمة التي قال فيها سبحانه: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110] يا من دخلتم التاريخ عن طريق العلم النافع والعقيدة السلفية التي لم يشُبْها أي شائبة, إن الخير كلَّ الخير والوفاء كلَّ الوفاء, والاغتباطَ الصادقَ كلَّ الاغتباط في أن يعرف الإنسانُ من أين عزَّ؟ ومن أين يُعز؟ ومن أين وُجِد؟ ومن أين يبقى؟ فيأخذُ به بعزيمة ويدعو له بإخلاص ويتوسع فيه بجد, ويسعى لحمايته وحمل الناس عليه بأي أسلوب من أساليب الحمل.
فاتّقوا الله -عباد الله- وافتحوا أمام قلوبَكم وصفحاتِ أعمالكم, التي ستُقفلُ بموتكم أبواب العلم النافع الذي يظَلُّ به أهلُه أحياءً وهم في عالم الأموات, لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)
وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.