البحث

عبارات مقترحة:

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

مسؤولية الوالدين تجاه الأولاد

العربية

المؤلف عبدالله بن حسن القعود
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. الأولاد نعمة وفتنة .
  2. نماذج من اهتمام الصالحين بأبنائهم .
  3. الأولاد مسؤولية عظيمة .
  4. تفريط الآباء في تربية أبنائهم في زماننا .
  5. الولد الصالح ينفع أباه .
اهداف الخطبة
  1. بيان أهمية الأولاد في حياة الفرد
  2. التحذير من الإهمال في تربية الأبناء   
  3. بيان نماذج من حرص الآباء على أبنائهم
  4. الترغيب في تربية الأبناء التربية الإسلامية الصحيحة

اقتباس

إن كثيراً من الناس ممن أعطوا أولاداً أهملوا هذا الجانب الهام في حياتهم وحياة أولادهم, إهمال المستبدل الأدنى بالذي هو خير. فمنهم من يمسي ويصبح ودنياه همه وشغله الشاغل, لا يكاد يلتفت إلى أولاده ولا من تحت يده ممن استرعاه؛ إلا بقدر ما يلتفت به صاحب الحيوانات أو الطيور، يضع لها كلأ وماء, ولم يدر المسكين أنه بعمله هذا كتارك لباب, ذات اللباب النافع وجامع قشوره، وأشر من هذا وأقبح من يأخذ بهم في...

 الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي خلقنا في أحسن تقويم, وربانا على موائد برّه وخيره العميم, أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه, وكل من استمع القول واتبع أحسنه.

أما بعد: فيقول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6] روى ابن جرير وابن المنذر أن ابن عباس -رضي الله عنه- قال في معنى الآية: "اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله, ومروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار". وروي أن علياً -رضي الله عنه- قال في معناها: "اعملوا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم".

أيها الأخوة المؤمنون: إن من شب على شيء شاب عليه غالباً, فمن نشّأ أولاده على الأخلاق والمُثُل الكريمة في الصغر, سر وانتفع بهم في الكبر، وإن نعمة الأولاد نعمة كبرى ومنّتها من الله منة عظمى، أنعم الله بها وامتن بها على من أعطاهم إياها (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) الآية [الكهف:46] (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً) [المدثر:12-13] وإن العاقل الذي أوتي هذه النعمة ليدرك أن استقرار هذه النعمة واستمرار أثرها على الإنسان في محياه ومماته, بتوجيهها التوجيه الذي أمر الله به في قوله جل ثناؤه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) [التحريم:6] وقوله سبحانه: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الآية [الشعراء:214]. والبعد كل البعد عن التساهل والتفريط في شأنها, فإنها بجانب كونها نعمة ابتلاء واختبار للوالدين، يقول تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء:35] ويقول: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) [الأنفال:28].

ولقد كان أسلافنا الصالحون الذين أنعم الله عليهم بهذه النعمة, وأدركوا ما وراء شكرها والقيام بحقها من تتابع أجر وبقاء ذكر, مهتمين كل الاهتمام بتوجيه أولادهم وتنشئتهم وتربيتهم على الإسلام الذي لا يضل ولا يشقى من تمسك به (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) [الروم:30] يقول سبحانه وتعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة:132] ويقول عن امرأة عمران: (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) [آل عمران:35] أي خالصاً مفرغاً لطاعتك ولخدمة مسجدك الأقصى (فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [آل عمران:35] ويقول عن عباده المضافين إليه إضافة تشريف وتكريم: (يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) [الفرقان:74].

أيها الأخوة المؤمنون: إن أولادنا الذين هم فلذات أكبادنا, وزرع نفوسنا وأنس وبهجة قلوبنا, بجانب كون وجودهم نعمة إذا صلحوا ونقمة إذا طلحوا (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) [التغابن:14], إنهم أمانة ومسؤولية قلدت بأعناق الوالدين وربطت بذممهم, قلدت تقليد إيجاب وربطت ربط مساءلة ومناقشة وحساب, يتبعه ثواب أو عقاب, يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: "ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته", فالأمير الذي على الناس راع هو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ويقول: "كل مولود يولد على الفطرة, فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" رواه الشيخان عن أبي هريرة.

ولقد أعطى لنا من سلف ذكرهم ومن شاركهم عبر حقب التاريخ أمثلة ونماذج رائعة في هذا المضمار, تربية وتوجيه الأولاد توجيها يربطهم بالله وبشرعه، يؤهلهم للحوق بصالح آبائهم أو شفاعتهم في آبائهم, ليلحقوا بهم في الجزاء (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الطور:21], ومع الأسف إن كثيراً من الناس ممن أعطوا أولاداً أهملوا هذا الجانب الهام في حياتهم وحياة أولادهم, إهمال المستبدل الأدنى بالذي هو خير. فمنهم من يمسي ويصبح ودنياه همه وشغله الشاغل, لا يكاد يلتفت إلى أولاده ولا من تحت يده ممن استرعاه؛ إلا بقدر ما يلتفت به صاحب الحيوانات أو الطيور، يضع لها كلأ وماء, ولم يدر المسكين أنه بعمله هذا كتارك لباب, ذات اللباب النافع وجامع قشوره، وأشر من هذا وأقبح من يأخذ بهم في تربيته لهم إلى ما يخالف فطرة الله التي فطر الناس عليها, بل ومقتضى ما أمر به تعالى نحوهم (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) [التحريم:6] فيأخذ بهم مأخذ العصيان أو العلمنة, أي لا دين والعياذ بالله سواء فعل ذلك هو مباشرة أو أسلم من لا حصانة لديه منهم في عقيدة أو سلوك, إلى مربي أو مدرسة أو جامعة علم فيها هذا التوجيه.

رحماك يا رب، نسألك أن تجعلنا ممن قلت فيهم: (قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الأحقاف:15].

فيا أخوة الإسلام: يا ذوي الآمال والمطالب العالية، يا من تأملون أن تلحقكم دعوة ابن صالح في ظلمة ليل في خشوع نفس وضراعة قلب، دعوة تخرج في مثل هذا الموطن أو على صعيد طاهر في أمسية مباركة أو غير ذلكم من أيام الله ولياليه الفاضلة، تخرج تشق عنان السماء وترفع أمامها الحجب فتكون لكم خير شفيع، ولن تكون كذلك إلا إذا كان صاحبها مربى على فطرة الله على الإسلام، على المثل والأخلاق الكريمة، على كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عليه الصلاة والسلام: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

اتقوا الله في فلذات أكبادكم, في مصدر من مصادر تتابع أعمالكم وبقاء نسلكم وأثركم النافع الشافع, اتقوا الله بالتركيز في تربيتهم على إلحاقهم بمجالس وحلقات وأنشطة العلم الروحي, فأبوابه والحمد لله مفتحة والفرص مواتية, فشبابه في أفنية المساجد وحلق الذكر وأسقفة الخيام في العطل وغيرها, يتلقفون من يريد الانضمام إليهم تلقف الأخ لأخيه, والمحب لحبيبه, والداعية المخلص لمدعوه. فاعملوا على معانقة أولادكم ومصاحبتهم لهؤلاء، وأوصوهم دوماً بما أوصى به لقمان ابنه (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان:17-19].