القيوم
كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
معاشر الإخوة: يجب التأكيد على الهوية نحن لسنا علمانيين، ولا ليبراليين، ولا ماديين إباحيين، نحن مسلمون نريد النهوض بالأمة، لتستعيد عزها على هذا الأساس الراسخ المتين، لا على غيره من الفلسفات والرؤى الغربية والشرقية. فمهما كان التغيير مبهجا في ظاهر أمره، وفيه من المصالح ما فيه إلا إن شخصية التغيير هو ما يعول عليه، نوع التغيير هو الذي يحدد صحة مساره، وصفاء مقصده. ولهذا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
بالرغم من الأحداث الجسام التي تمر بها أمتنا، وأقول: أمتنا استنادا إلى قوله صلى الله عليه وسلم من حديث النعمان: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم؛ كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" [أخرجه البخاري].
وفي حديث أبي موسى المتفق على صحته، يقول عليه الصلاة والسلام: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه.
بالرغم من هذه الأحداث التي ندعو الله -تعالى- أن يحسن عاقبتها، سواء على المستوى السياسي في تونس ومصر، وفلسطين والسودان ولبنان -جعل الله للمسلمين في ختامها خيرا- أو على المستوى الإغاثي في جدة، وكارثة السيول فيها -فك الله كربة أهلها، ونفس عنهم-.
إلا إن العودة إلى موضوعنا السابق، حول تغريب المرأة يعتبر مفتاح أساسيا من مفاتيح نهضة الأمة، لاستعادة هويتها، واستيقاظها من سباتها العميق.
معاشر الإخوة: يجب التأكيد على الهوية نحن لسنا علمانيين، ولا ليبراليين، ولا ماديين إباحيين، نحن مسلمون نريد النهوض بالأمة، لتستعيد عزها على هذا الأساس الراسخ المتين، لا على غيره من الفلسفات والرؤى الغربية والشرقية.
فمهما كان التغيير مبهجا في ظاهر أمره، وفيه من المصالح ما فيه إلا إن شخصية التغيير هو ما يعول عليه، نوع التغيير هو الذي يحدد صحة مساره، وصفاء مقصده.
ولهذا قال الإمام مالك -رحمه الله-: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".
أي أن القواعد العقدية والمنهجية الثابتة التي بني عليها تغيير المجتمع من الكفر إلى الإسلام، ومن الإلحاد إلى الإيمان، ومن الضلال إلى الرشاد، ومن الهوان إلى العز، في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، ومن تبعهم بإحسان؛ هو التغيير المنشود.
فالذين يستنكرون النقاش الشرعي حول مسالة فقهية فرعية؛ كرمي الجمار قبل الزوال مثلا، أو حكم إعفاء اللحية، أو حكم الغناء، من أجل أن هذا من صغائر الذنوب الذي طال فيها الجدل، والتي في الحديث عنها، أو نقاشها، إلهاء للأمة عن قضاياها الرئيسة، الذين يرددون هذه المقالة مخطئون خطئاً جسيما!.
فلا شيء في الإسلام يترك، ولا شيء فيه صغر أو كبر، يترك، فالعناية بالمسائل الفقهية الفرعية لا يعني بالضرورة ترك القضايا الكبرى، ولا حتى تقديمها من حيث الأولوية على القضايا الكبرى، ولا العناية بالقضايا الكبرى تستلزم إهمال المسائل الفرعية، ورفعها على الرف.
لا، فكلا له مكانته، وقيمته في الإسلام.
ولد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتني عناية شديدة باستواء الصف في الصلاة تماما؛ كما كان يعتني باستواء الجيش حين اقتراب المعركة.
وكان الصحابة يسألون عن دقائق المسائل في بطن المعركة أثناء القتال والتقاء السيوف، فالسؤال عن حكم الصلاة في ثوب فيه دم وهم في وسط القتال، هذا هو المنهج الذي رباهم عليه صلى الله عليه وسلم.
فلا شيء في الإسلام يترك، ولا شيء فيه صغر أو كبر يهمل؛ فكيف إذا كان الشأن قضية جوهرية؛ كتغريب المرأة! ألا يلاحظ المتابع، أقول: المتابع وليس الغافل! ألا يلاحظ المتابع خلال السنوات القليلة الماضية، وحتى اليوم تصاعد الخطاب المنادي بحقوق المرأة بشكل غريب، لم يسبق له مثيل.
وأؤكد هنا على ضرورة: استيفاء الحقوق، ونصرة المظلوم للجميع، للرجال عموما، وللمرأة خصوصا؛ فمن وصاياه عليه الصلاة والسلام؛ كما في صحيح الجامع أنه قال: "اللهم إني أحرج عليكم حق الضعيفين: اليتيم والمرأة".
ولا أنكر أبداً أن من النساء في عصرنا اليوم في ظل ضعف التقوى، وقلة الرقابة، هن في أمس الحاجة إلى جهة آمنة، وسهلة الوصول؛ لرفع الظلم عنهن من قهر الرجال، سواء كانوا أزواجا أو كانوا أبناء، أو كانوا أبناء أزواج.
وما أكثر المظالم في حق المرأة من هذا النحو، لكن المناداة بحقوق المرأة في هذا الجانب وغيره شيء، والمطالبة بإخراجها من بيتها وإقحامها في ميادين الرجال ومحافلهم واختلاطها بهم؛ بحجة الحقوق شيء آخر.
ولهذا أعود وأقول: ألا يحس المتابع بأن ثمة أمرا ما، جعل الصحافة والإعلام، بل وغيرها من الدوائر والمؤسسات؛ خلال السنين القليلة الماضية، تركز بشكل غريب على المرأة: توظيف المرأة، ابتعاث المرأة، مشاركة المرأة، ثم جاء مصطلح: "دور المرأة" دور المرأة في التنمية، دور المرأة في الحوار، دور المرأة في الثقافة، دور المرأة في الإعلام، دور المرأة في السياسة، دورة المرأة في الاقتصاد، دور المرأة في كذا!.
ونسي الجميع: دور المرأة في بيتها؛ كأم، وكربة بيت، وصانعة أجيال، وجعلوا هذه المهام الراقية السامقة في أسفل القائمة، أليس هذا أمرا مستغربا؟!
ألا يلاحظ المتابع جدولة صحفية شبه يومية لإبراز صور للكاشفات وجوهن من نساء بلادنا، على صفحات الجرائد، وإبراز صور المؤتمرات المختلطة؛ حيث الرجال بجانب النساء؛ كأنما يريدون أن يعتاد الناس على هذه المناظر؛ تطبيعا لمفهوم الاختلاط، وتهيئة المجتمع لقبوله، وكأنما يقول: لقد جاء عصر جديد، ولا بد من التجديد، ومسايرة العصر!.
ووالله إن قيمة حياء المرأة وسترها وحجابها الكامل عند الله أكبر من قيمة شهادتها الأكاديمية، ولا داعي لذكر الملتقيات، وحفلات التكريم التي تظهر المرأة السافرة عن وجهها، وربما عن جزء من شعرها، وهي تستلم الدرع، أو الشهادة من الرجل، وتستقبل الكاميرا لتصور مع المسئول بكل جرأة!.
ولكأنك في أرض الحرمين، ومهبط الوحي القائل: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب: 33].
وفي أساس الإسلام والتوحيد!.
وكذلك لما رأى النساء يقتربن من الرجال في الطريق، وهن خارجات من المسجد، قال لهن صلى الله عليه وسلم: "استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق" أي لا تمشين وسط الطريق، فتقتربن من الرجال: "عليكن بحافات الطريق".
يقول أسيد الأنصاري -وهو راوي الحديث-: "فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به".
بل إن الأمر أصبح بعد ذلك أكثر حيطة وأمانا؛ كما صح في البخاري من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أن النساء في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنا إذا سلمنا من المكتوبة قمنا وثبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن صلى من الرجال، أي ثبتوا في مصلاهم.
وفي رواية: فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن قبل أن ينصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى يصلن بيوتهن.
كل هذا حذر من الاختلاط، ويحصل بتوجيه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو أرأف الناس بالمرأة، وأجدر من يوفيها حقوقها عليه الصلاة والسلام.
فما حيلة التغريبين بعد ذلك؟ أم هم أحرص على حقوق المرأة من النبي -صلى الله عليه وسلم- حين يقحمونها في تجمعات الرجال؟!
وتفتتح إحدى الصحف المحلية بأحد الشرعيين -مع الأسف الشديد وهداه الله- كي يتصدى لكبار العلماء الأفاضل الغيورين المحذرين من الاختلاط، فيكتب في تلك الجريدة عشر حلقات عن جواز الاختلاط!.
عشر حلقات! ويضع صورة بعد! أتحسبونه انتهى؟!
كلا! لم ينته بعد، بل قال في آخر الحلقة العاشرة التي قرأتها هذا الأسبوع: وللحديث صلة الثلاثاء القادم!.
نفس طويل! فيا سبحان الله! كيف تعلو همته في محاولة بيان جواز اختلاط النساء بالرجال أكثر من عشر حلقات، وتنخفض همته، بل وتنعدم في بيان فضيلة الستر والحياء للنساء، وأهمية بعدهن عن تجمعات الرجال، كما كانت همة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما كان دأبه صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله السلامة، سلامة القلب، وسلامة العقل.
أقول مرة أخرى: ألا يلاحظ المتابع هذا الزخم العجيب حول المرأة أم على قلوبهم أقفالها؟!
وما تغريب المرأة في الداخل إلا صدى لما في الخارج، فهدف تغريب المرأة في الخليج والجزيرة بين التغريبين في الداخل والغرب في الخارج، هدف واحد، هدف مشترك.
نعم، تغريب المرأة المسلمة المحافظة هاجس يشتعل لدى صناع السياسة الغربية، بعد أن تكلم عن هيمنة الغرب على قرارات دول المنطقة العربية الخليجية: الاستراتيجية، والسياسية، والعسكرية، والاقتصادية.
يذكر أحد الأكاديميين الخليجين، وكان مستشارا سياسيا لدى رئيس مجلس الأمة في بلده الخليجية من العام 1992 إلى 1996 ميلادي يقول: "استقبلنا خلال فترة الأربع سنوات تلك خمسة وفود من الكونجرس الأمريكي، كل هذه الوفود كانت تلح على موضوعين اثنين بالتحديد".
وسأنقل لكم الأول؛ لأنه الشاهد هنا، يقول: "نحن جئنا نتباحث معكم في أمرين -جاؤوا خمس مرات من بلادهم من أجل ذلك- قالوا لنا الأمر الأول: هو المرأة الكويتية لا زم تعطوها حق التصويت والانتخاب.
يقول متسائلا: "أنتم ما دخلكم بالمرأة الكويتية هذا موضوع داخلي؟!".
ويقول: "أخذتم أموالنا وأخذتم مقوماتنا وقرارنا الاستراتيجي، وما أبقيتم من ذلك لنا شيئا -يا أخي- خلون حريمنا على الأقل، خلونا نتفاهم معهم، يعني هذا الموضوع شأن داخلي، اتركوه لنا على الأقل؟
قالوا: لا، لا نتركه؛ لأنه قرار من الكونجرس، قلت: عجيب! قرار من الكونجرس: أن المرأة الكويتية تأخذ حقها في الانتخاب! طيب ليه ما يصدر قرار من الكونجرس أن الشعب الفلسطيني يأخذ حقوقه؟! والمرأة الفلسطينية المظلومة المهضومة مع أولادها تأخذ حقها؟!
ليه ما يصدر قرار من الكونجرس أن تنشأ برلمانات في الدول اللي أصلا ما عندها برلمان؟ قال: نحن نعرف مصلحتنا، وهذه قناعتنا.
يقول: وخرجوا من مبنى مجلس الأمة، وذهبوا إلى جمعية الخريجين بالكويت، وأقاموا أسبوع مناصرة المرأة الكويتية! أسبوعا كاملا!.
أقول: إن تغريب المرأة المسلمة المحافظة في منطقة الخليج والجزيرة هاجس لا يغيب عن جدول أعمال أولئك الغربيين، وعن أتباعهم ومريديهم في الداخل.
إخواني: إنه الدين، إنها الكرامة، إنها العزة، هل نفرط في هؤلاء؟
لا يمكن!.
وإذا أدركنا الخطر فكيف نقاوم؟!
أولا: يجب أن نتفاءل ولا نتشاءم ولا نيأس، ومن قال: هلك الناس فهو أهلكهم، حتى لو ساءت الظروف، وتفاقم الأمر، ورأينا ما لا يسر، يجب أن نتفاءل ولا نيأس؛ لأن اليأس يعني الهزيمة النفسية، والهزيمة النفسية هي بوابة الفشل.
ولهذا قال يعقوب لبنيه بالرغم من معاناته أشد المعاناة: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87].
فلا نيأس؛ لأن اليأس يقعد بصاحبه قعودا لا قيام بعده!.
أسأل الله أن يصلح أحوالنا، وأن يرفع عن المسلمين كل سوء.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
الأمر الثاني: حين النظر في مقاومة تغريب المرأة، ينبغي أن نفرق بين المقاومة المتعينة والمقاومة الكفائية التي إن قام بها البعض سقطت عن الباقين.
أما المقاومة المتعينة الواجبة، فهي: تلك الخاصة التي بمقدور الجميع القيام بها، ولا عذر لأحد في تركها، وأهمها التربية، ثم التربية ثم التربية: "فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
إن من الظواهر المؤسفة: إهمال البنات، إهمال الأب والأم لهن على حد سواء، فالبيت هو منبع الأخلاق، ومنبع القيم، وما لم يغذ القائمون عليه أولادهم عامة، وبناتهم خاصة؛ بمحبة الدين، وتوقير أحكامه، وتعظيم معاني العفة والستر والحياء التي حث عليه الإسلام، فكيف ننتظر من البنات رشدا وحياء وتمسكا بالدين!؟
وكما قيل:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا | على ما كان عوده أبوه |
فجزء كبير من المسئولية يتحمله الوالدان، فليتق الله آباء وأمهات يهملون بناتهم!.
فمن مظاهر الإهمال: ترك البنات يسافرن لوحدهن، أو المبالغة في الثقة التي تجعلهم لا يسألون عن صاحبات بناتهم، ولا دخل للثقة في ذلك، بل هو التفريط والإهمال.
وهل يشك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ابنته فاطمة -رضي الله عنها- لما سأل عن سبب خروجها من بيتها؟! -حاشاه وحاشاها-.
فعن عبد الله بن عمرو قال: بينما نحن نمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ بصر امرأة لا نظن أنه عرفها، فلما توجهنا الطريق، وقف حتى انتهت إليه، وقف هو صلى الله عليه وسلم دونهم، وتركهم يمضون حتى تتمكن رضي الله عنها من الاقتراب منه، ولذلك قال: حتى انتهت إليه صلى الله عليه وسلم، ولم يقل إلينا، وهو دليل على البعد عن الاختلاط، فإذا فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها-، عرف الراوي أنها هي بعد أن سمع رسول الله يناديها باسمها، فقال عليه الصلاة والسلام: "ما أخرجكِ من بيتك يا فاطمة؟" قالت: أتيت أهل هذا البيت، فرحمت إليهم ميتهم وعزيتهم، فقال: "لعلك بلغت معهم الكدى؟" -أي المقابر- قالت: معاذ الله أن أبلغ معهم الكدى، وقد سمعتك تذكر فيه ما تذكر، قال: "لو بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك".
قالها صلى الله عليه وسلم من باب التغليظ.
فسؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته هنا ليس على سبيل الشك، وإنما على سبيل الحرص والمتابعة.
والإنسان يتمنى أن تكون البيوت الإسلامية كلها، أو معظمها نظيفة ومستقيمة دينيا وثقافيا، ولكن الواقع يحكي الخلل، حتى في بعض الأسر العريقة، دلالة على قوة التيار في مقابل الإهمال.
وللحديث بقية -بإذن الله-.
اسأل الله لي ولكم حسن القول والعمل، والثبات على الحق، وسلامة التدبير، مع نور اليقين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...