الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - أركان الإيمان |
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وأطيعوه، وصدقوا بما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب واعتقدوه، وارفضوا ما خالف الكتاب والسنة، من أقوال الناس واطرحوه، فإن كل ما خالفهما، فهو باطل كذب ليس له حقيقة، وكل ما وافق الكتاب والسنة، فهو حق لقيام الدليل عليه، والحجة الوثيقة؛ فإن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي رفع السماوات بغير عماد، ووضع الأرض وهيأها للعباد، وجعلها مقرهم أحياء وأمواتا فمنها خلقهم وفيها يعيدهم ومنها يخرجهم تارة أخرى يوم الحشر والتناد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو العزة والقوة والاقتدار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار، وعلى التابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وأطيعوه، وصدقوا بما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب واعتقدوه، وارفضوا ما خالف الكتاب والسنة، من أقوال الناس واطرحوه، فإن كل ما خالفهما، فهو باطل كذب ليس له حقيقة، وكل ما وافق الكتاب والسنة، فهو حق لقيام الدليل عليه، والحجة الوثيقة، فإن كلام الله وكلام رسوله، هما أصدق الكلام، وأبينه وأظهره للأنام.
واعلموا: أن الله -تعالى- خلق فوقكم سبع سموات طباقا شدادا، وهذه السماوات أجرام محسوسة، ظاهرة لا تقبل شكا ولا جدالا ولا عنادا، قال الله -تعالى- وهو أصـدق القائلين: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا)[الملك: 3].
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ)[المؤمنون: 17].
(وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا)[النبأ: 12].
أي: قوية.
(أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا)[النازعات: 27 - 28].
(وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ)[الأنبياء: 32].
(أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ)[ق: 6].
أي شقوق.
(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)[لقمان:10].
(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ)[الأنبياء: 104].
(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)[الزمر: 67].
(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء)[الأعراف: 40].
(وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ)[الحج: 65].
فهذه الآيات وأمثالها تدل دلالة قاطعة لا تقبل الشك على أن السماوات أجرام محسوسة حقيقية، تدل على ذلك دلالة قاطعة لا تقبل الشك.
فالطرائق والطباق، والرفع والسمك والسقف، والطي -يعني الطوي-، كل ذلك نص صريح قاطع في أن السماوات ذات أجرام محسوسة.
ثم إن إثبات الأبواب لها، ونفي الفروج والفطور عنها، وهي الشقوق، ونفي وقوعها على الأرض، كل ذلك دليل على أن السماوات ذات أجرام محسوسة ظاهرة.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- حين عرج به كان يصعد إلى السماوات سماء سماء، وفي كل سماء يسلم على نبي من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
وقد تواتر ذلك بين المسلمين، وأجمعوا عليه.
فمن أنكر شيئا منها أو شك فيه، فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله وإجماع المؤمنين: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا)[النساء: 115].
وإنما قررنا هذا، ونبهنا عليه؛ لأنه يوجد من زنادقة الفلكيين وملحديهم من ينكر أن تكون السماوات أجراما محسوسة، فيخشى أن يروج هذا الباطل على من لا علم له بالكتاب والسنة، وجميع الأقاويل التي يتكلم به الفلكيون في هذه الأمور لا تعتقد، حتى تعرض على كتاب الله وسنة رسوله، فإن وجد فيها ما يدل عليها، فهي حق مقبولة، وإن وجد في الكتاب والسنة ما يكذبها، فهي باطل مردودة، وإن كان الكتاب والسنة ليس فيهما ما يدل على تلك الأقاويل، لا نفيا ولا إثباتا، وجب التوقف فيها، حتى يقوم دليل علمي أو عقلي على صحتها.
وإنما قلنا بوجوب التوقف فيها، حتى يقوم الدليل عليها؛ لأننا لا يمكن أن نأخذ أقوالهم مسلمة مع أنهم يختلفون فيما بينهم أحيانا؛ لأنها قد تكون خطأ، وقد تكون صوابا.
وهذه السماوات لا يمكن لأحد أن يخترقها أو يجاوزها لا بقوة صناعة ولا غيرها إلا بإذن الله، فلقد عرج بأشرف الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- بصحبة جبريل -صلى الله عليه وسلم-، الذي وصفه الله -تعالى- بالقوة العظيمة والمكانة الجليلة، فكانا لا يأتيان سماء من السماوات إلا كانا يستفتحان حتى يفتح لهما.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.