البحث

عبارات مقترحة:

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

حرمة الدماء المعصومة

العربية

المؤلف علي عبد الرحمن الحذيفي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. أعظم المُحرَّمات وأكبرُها وشرُّها .
  2. مفاسد قتل النفوس المعصومة .
  3. تحريم قتل الإنسان لنفسه .
  4. لا أعدل وأحكَم من تعاليمِ الإسلام .
  5. كيف تحقق السعادة والفلاح؟ .
  6. أضرُّ شيءٍ على المرء في الدارَين. .

اقتباس

الفتنُ أضرُّ شيءٍ على المرء في الدارَين.. وإن السعادة كل السعادة، والفلاحَ كل الفلاح أن يُحقِّق المُسلمُ التوحيد؛ فيعبُد الله لا يُشرِك به شيئًا، ويتعافَى من دماء المُسلمين وأموالِهم وأعراضِهم، فهذا هو الذي سبَقَت له من الله الحُسنى.. وإن الكسرَ الذي لا ينجبِر أن يُفتَنَ الإنسانُ في دينِه، فينقُصَ دينُه أو يذهبَ بالكليَّة، وقد يُصابُ الإنسانُ بموتِ القلب وهو لا يشعُر إذا رأى صلاحَ دُنياه ونسِيَ أخراه...

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله تقدَّسَت أسماؤُه وصفاتُه، وتعالى مجدُه وعزُّه وعظمتُه وتمَّت كلماتُه، أحمدُ ربي وأشكرُه على نعمِهِ التي لا تُحصَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أضاءَت براهينُ وحدانيَّته وعظُمَت آياتُه، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه تواتَرَت مُعجزاتُه وكرُمَت أخلاقُه وصفاتُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين.

أما بعد: فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى؛ فمن اتقَى اللهَ وقاه الشُّرورَ والمُهلِكات، ومن اتَّبعَ هواه وعصَى ربَّه وكفرَ به أدركَه الشقاءُ وأرداهُ في الدَّرَكات.

عباد الله: اعلموا أن الله شرعَ الطاعات، وجعلَها في الفضلِ والمنازِل درجات، وحرَّم المُحرَّمات والمُوبِقات، وبيَّن مفاسِدَها وشُرورَها وأضرارَها، وجعلَها درَكَات.

فأعظمُ المُحرَّمات وأكبرُها وشرُّها: الشركُ بالله –تعالى- في العبادة، والدعاء، والاستغاثة، والتوكُّل، وطلب الخير، وطلب دفع الشرِّ. وهو الذنبُ الذي لا يغفِرُه الله إلا بالتوبة.

ثم بعد الشرك: جريمةُ قتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق؛ فجريمةُ قتل النفس عارٌ وخسارٌ وخلودٌ في النار، قال الله –تعالى-: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].

وعن ابن مسعودٍ – رضي الله عنه – قال: قلتُ: يا رسول الله! أيُّ الذنب أكبر؟ قال: «أن تجعلَ لله نِدًّا وهو خلقَك»، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: «أن تقتُلَ ولدَك خشيةَ أن يطعمَ معك»، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: «أن تُزانِيَ حليلةَ جارِك» (رواه البخاري ومسلم).

فذكرَ من كل نوعٍ من المعاصِي أقبحَها.

وتصديقُ ذلك في قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) [الفرقان: 68- 70].

وعن أنسٍ – رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أكبرُ الكبائر: الشركُ بالله، وعقوقُ الوالدَين، وقتلُ النفس التي حرَّم الله، وقولُ الزُّور»؛ (رواه البخاري ومسلم).

قتلُ النفس عُدوانٌ على الإنسان، وظُلمٌ للقاتلِ والمقتول، وفسادٌ كبيرٌ في الأرض، ونشرٌ للرُّعب والخوف، وخرابٌ للعُمران، وكسادٌ في الحياة، وعذابٌ أليمٌ للقاتلِ والمُجتمع، وإهدارٌ لحقوقٍ كثيرةٍ كانت محفوظةً لأقرباء المقتول وغيرهم، وتدميرٌ لأسبابِ الأمن والرَّخاء، وندامةٌ تتعاظَمُ دائمًا في نفسِ القاتل في الدنيا والآخرة، فلا يهدأُ معها بال، ولا يَطيبُ معها عيشٌ أبدًا. فبِئسَت الجريمةُ وبِئسَ المُجرِم.

والقتلُ يُهلِكُ الحرثَ والنَّسلَ، وترتفِعُ به البركةُ من الأرض، وتنزلُ به العقوبات. والقتلُ فواتُ الدين والدنيا والآخرة.

عن ابن عُمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا يزالُ المُؤمنُ في فُسحةٍ من دينِه ما لم يُصِب دمًا حرامًا»؛ (رواه البخاري).

وعن عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما-، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لَزوالُ الدنيا أهونُ على الله من قتلِ رجُلٍ مُسلمٍ» حديثٌ صحيحٌ؛ (رواه الترمذي).

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لو أن أهلَ السماء والأرض اشترَكوا في دمِ مؤمنٍ لأكبَّهم الله في النار» حديثٌ صحيحٌ؛ (رواه الترمذي).

ولحُرمة الدماء يقضِي الله فيها أولاً؛ عن عبد الله – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «أولُ ما يُقضَى بين الناس يوم القيامة في الدماء»؛ (رواه البخاري ومسلم).

ولعِظَم جريمةِ القتلِ نهى الإسلامُ عن المِزاح بالسلاح، والإشارة به إلى الدمِ المعصومِ؛ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا يُشِر أحدُكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدرِي أحدكم لعل الشيطانَ ينزغُ في يدِه فيقعُ في حُفرةٍ من النار»؛ (رواه البخاري ومسلم).

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «من أشارَ إلى أخيهِ بحديدةٍ فإن الملائكةَ تلعنُه، حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمِّه»؛ (رواه مسلم والترمذي).

وحتى قتلُ الإنسان نفسَه حرَّمه الله ورسولُه أشدَّ التحريم، وقاتلُ نفسِه في النار ولو كان مُسلِمًا؛ سواءٌ قتلَ نفسَه بحديدة، أو بسُمٍّ، أو حزامٍ ناسِفٍ، أو سيارةٍ مُفخَّخة، أو عبوةٍ ناسِفة، أو تفجيرٍ، أو قُنبلة، قال الله -تعالى-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [النساء: 29، 30].

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من تردَّى من جبلٍ فقتلَ نفسَه، فهو في نار جهنَّم يتردَّى فيها خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا، ومن تحسَّى سُمًّا فقتلَ نفسَه، فسُمُّه في يدِه يتحسَّاه في نار جهنَّم خالدًا ُخلَّدًا فيها أبدًا، ومن قتلَ نفسَه بحديدةٍ، فحديدتُه في يدِه يجَأُ بها في بطنِه – يعني: يطعنُ بها في بطنِه – في نار جهنَّم خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا»؛ (رواه البخاري ومسلم).

وهذا العذابُ الشديدُ الأليمُ لمن قتلَ نفسَه؛ فكيف بمن قتلَ غيرَه؟! لأن نفسَ الإنسان ليست ملكًا له؛ بل هي مُلكٌ لله -تعالى-، يتصرَّفُ فيها الإنسان بمُقتضى الشرع الذي أنزلَه الله – عز وجل -.

والحياةُ الآمنةُ من حقِّ الإنسان، وهبَه الله هذه الحياة لعُمران الأرض وصلاحِها وللعمل الصالِح؛ بل الحياةُ الآمنةُ من حقِّ البهائِم والحيوان، فلا تُقتلُ إلا لمنفعة ابنِ آدم، ويحرُمُ أن تُقتلَ عبَثًا.

عن ابن عُمر – رضي الله عنهما – أنه مرَّ على فتيةٍ يرمُون دجاجةً، فنهَرَهم وفرَّقَهم، وقال: "نهَى رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – أن تُتَّخَذَ البهائِمُ هدفًا".

وعن عمرو بن الشَّريد – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «من قتلَ عُصفورًا عبَثًا عجَّ إلى الله يوم القيامة، يقول: يا ربِّ إن فلانًا قتَلَني عبَثًا ولم يقتُلني لمنفعَة»؛ (رواه أحمد والنسائي).

لأن له حقًّا في الحياة، والربُّ – عز وجل – إلهٌ حكَمٌ عدلٌ قادرٌ، لا يظلِمُ مِثقالَ ذرَّة، ولا يحبُّ الظُّلمَ والعُدوان؛ عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «يقتصُّ الخلقُ بعضُهم من بعضٍ، حتى الشاةُ الجمَّاءُ من القَرناء، وحتى الذرَّة من الذرَّة» حديثٌ صحيحٌ؛ (رواه أحمد).

فأيُّ تعاليمَ أرقَى وأرحم وأعدلُ وأحكَمُ من تعاليمِ الإسلام؟!

والدماءُ المعصومةُ التي حرَّمها الله ورسولُه، وجاءَ الوعيدُ والعذابُ لمن سفَكَها هي دمُ المُسلم ودمُ غير المُسلم الذِّمِّيُّ والمُعاهَد والمُستأمَن. وفي عُرف هذا العصر: الفردُ غير المُسلم المواطِن، أو الذي يحملُ إقامةً من وليِّ الأمر أو نائِبِه، أو قدِمَ لبلدٍ مُسلمٍ بجوازِ سفر، أو قدِمَ للبحث عن الرِّزق أو لحاجةٍ.

ومُعاملاتُ غير المُسلمين وأحكامُهم منوطةٌ بالإمام ونُوَّابه، وليس الفردُ مسؤولاً عن ذلك؛ عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «من قتلَ قتيلاً من أهل الذمَّة لم يرَح رائِحَةَ الجنة، وإن ريحَها ليُوجَد من مسيرة أربعين عامًا» حديثٌ صحيحٌ؛ (رواه أحمد والنسائي).

وأيُّ مُسلم استوطَنَ بلدًا غير مُسلم، أو قدِمَ إلى بلدٍ غير مُسلم بجوازِ سفر، أو قدِمَ للبحث عن الرِّزق بلا جوازٍ، أو لحاجةٍ فلا يحلُّ له شرعًا أن يسفِكَ دمَ أحدٍ من ذلك البلد، ولا يسرِقَ شيئًا من أموالهم أو يغتصِبَها، أو يُدمِّر شيئًا من مُمتلكاتهم، أو يُفجِّر في تجمُّعاتهم، أو يعتدِيَ على أعراضِهم وحُرُماتهم؛ لأن ذلك غدرٌ وخيانةٌ ومعصيةٌ كُبرى نهَى الله عنها، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) [الأنفال: 58].

وأما الجهادُ فله أحكامُه وأدلَّتُه المُحكَمةُ الرحيمةُ العادلةُ المُبارَكةُ الصريحةُ التي لا تُغيَّر، ولا تُبدَّل، والإذنُ فيه للإمام؛ لأنه المسؤولُ عن مصالِح الأمة والمعنِيُّ بهذا الشأن، والقادرُ على معرفةِ الأحوال وتقدير الأمور.

والقتلُ قد يكون بين مُتخاصِمَين عدوَّين، وقد يكون بين طائفتَين من المُسلمين، وقد يقعُ القتلُ في فتنٍ تلتبِسُ فيها الأمورُ على الناس، وكثيرًا ما يكونُ القتلُ عند انفِلات الأمن، واضطِرابِ الأحوال، وتفشِّي المُنكَرات، وغلَبَة الأهواء، وتعطيل الشريعة، والفتنة بالدنيا، وضعفِ الوازِع الدينيِّ.

قال الله -تعالى-: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام: 65].

فكلُّ مكروهٍ ونازلةٍ وعقوبةٍ سببُها المعاصِي، ومهما كان من أسبابٍ؛ فتبقَى الدماءُ المعصومةُ محفوظةٌ مصُونةٌ، لا يحلُّ سفكُها، قال الله -تعالى-: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32].

وشرعُ من قبلَنا شرعٌ لنا إذا لم يُنسَخ.

ومن أخطأَ وأساءَ وظلَمَ، فلا يُحمَّلُ الإسلامُ خطأَه، ولا يُنسَبُ إلى الإسلام جُرمُه وظُلمُه؛ فالإسلامُ بريءٌ من الإساءة والجُرم والظُّلم، وأهلُ العلم هم الذين يُنزِّلون النصوصَ منازِلها، ويعلَمون تأويلَها.

وما أصابَ بعضَ بلاد المُسلمين من الفتن والاختِلاف والفُرقة، وسُفِكَت فيها الدماءُ المُحرَّمة، ونُهِبَت فيها الأموال، ودُمِّرَت المُمتلَكَات، وهُدِّمَت البيوت، وانتُهِكَت الأعراضُ، وانتشَرَ فيها الخوفُ والجوعُ، وشُرِّدَ سُكَّانُها فأمورٌ لا تُطيقُها الجبال.

وعلى أهلها العُقلاء والمُصلِحين القادرين أن يُصلِحوا الأمورَ فيها، وأن يجمَعوا شتاتَ المُختلِفين، وأن يُحافِظوا على مصالِح بُلدانهم، وأن يحقِنوا الدماء ويُحافِظوا على أموال الناس، وأن يرحَموا الضعفاءَ من الأرامِل والشيوخ والأطفال وغيرهم، وأن يستَعينُوا بالله ثم بكل من له قُدرةٌ من خارِج بلادِهم لإطفاءِ نار الفتن.

فإذا خرجَت الأحداثُ من يدِ القادرين المُصلِحين، فالمُسلمُ مسؤولٌ عن نفسِه بكفِّ يدِه ولسانِه عن المُسلمين، وعلى كل مُسلمٍ ومُسلمةٍ التوبةُ إلى الله -تعالى-، ومُداومةُ الدعاء برفعِ العُقوبات النازِلة، وبرفعِ أسبابِها. فربُّنا رحيمٌ يحبُّ المُتضرِّعين والتوابين، وهو قادرٌ على كل شيءٍ.

وما نراهُ ونسمعُه مما يقعُ هو من أشراطِ الساعة؛ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا تقومُ الساعةُ حتى يُقبضَ العلمُ، وتكثُر الزلازِل، ويتقارَبَ الزمان، وتظهرَ الفتن، ويكثُر الهَرجُ – وهو القتلُ -»؛ (رواه البخاري).

وفي حديث أبي بَكْرة – رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا التقَى المُسلِمان بسيفَيهما، فالقاتلُ والمقتولُ في النار». قلتُ: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بالُ المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتلِ صاحبِه»؛ (رواه البخاري ومسلم).

ومن خرجَ على الإمام في بلادِنا وفارقَ الجماعة، وجبَ على وُلاة الأمر الأخذُ على يدِه، وكفُّ شرِّه عن المُجتمع بما يُحقِّقُ المأمنَ من شرِّه وضررِه، وبما يحفظُ الأمنَ والاستِقرار، ويُطفِئُ فتنتَه.

ورِجالُ الأمن في خدمة دينِهم ووطنِهم، مُؤدُّون واجِبًا يُثابُون عليه، ويُشكَرون على أدائِه، حفِظَهم الله.

ونُحذِّرُ الشبابَ من اتِّباع دُعاة الفتن؛ فإنه لن يضُرَّ المُسلمين دُعاةُ الفتن إلا بكثرة الأتباع، وإذا التَبَسَ عليكم شيءٌ فاسأَلوا أهلَ العلم تُرشَدوا لأمورِكم.

وعلى المُسلمين الإصلاحُ دائمًا على مُقتضَى النظر الشرعيِّ؛ ليُفوِّتوا على الشرِّ مقاصِدَه، فلا تكونُ حُجَّةٌ لمُبطِلٍ يُريدُ الدنيا؛ قال الله -تعالى-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [آل عمران: 104- 107].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله مُعزِّ من أطاعَه واتَّقاه، ومُذلِّ من خالَفَ أمرَه وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له لا إله سِواه، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه اصطَفاه ربُّه واجتَبَاه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه ومن والاه.

أما بعد: فاتقوا الله حقَّ تُقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مُسلِمون.

عباد الله: إن السعادة كل السعادة، والفلاحَ كل الفلاح أن يُحقِّق المُسلمُ التوحيد؛ فيعبُد الله لا يُشرِك به شيئًا، ويتعافَى من دماء المُسلمين وأموالِهم وأعراضِهم، فهذا هو الذي سبَقَت له من الله الحُسنى.

وإن الكسرَ الذي لا ينجبِر أن يُفتَنَ الإنسانُ في دينِه، فينقُصَ دينُه أو يذهبَ بالكليَّة، وقد يُصابُ الإنسانُ بموتِ القلب وهو لا يشعُر إذا رأى صلاحَ دُنياه ونسِيَ أخراه.

والفتنُ أضرُّ شيءٍ على المرء في الدارَين، قال الله -تعالى-: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25]، أي: اتَّقُوا أسبابَها التي تُوقِعُ العقوبةَ عليكم.

وعن عبد الله بن عمرو، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه شبَّك بين أصابِعِهن وقال: «كيف أنت يا عبدَ الله إذا بقِيَت حُثالةٌ قد مرَجَت عهودُهم وأماناتُهم، واختلَفُوا فصارُوا هكذا؟» – وأشارَ إلى أصابِعِه التي شبَّكها -. قال: فكيف يا رسول الله؟ قال: «تأخذُ ما تعرِف، وتدَعُ ما تُنكِر، وتُقبِلُ على خاصَّتك، وتدَعهم وعوامَّهم».

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا»، فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين.

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانوا يعدِلون، اللهم وارضَ عن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين يا رب العالمين.

اللهم أحسِن عاقِبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذابِ الآخرة.

اللهم احفَظ لنا دينَنا، اللهم احفَظ لنا دينَنا، اللهم احفَظ لنا دينَنا، وعافِنا في دُنيانا يا رب العالمين، اللهم احفَظ لنا دينَنا، وعافِنا في دُنيانا برحمتِك يا أرحم الراحمين، وفي أموالِنا.

اللهم إنا سألُك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعِذنا وذريَّاتنا من إبليس وذريَّته وشياطينه وجنوده يا رب العالمين، اللهم أعِذنا وذريَّاتنا من شياطين الإنس والجن يا رب العالمين، إنك تُعيذُ من كل شيءٍ فيه شرٌّ إنك على كل شيء قدير، اللهم أعِذ المسلمين وذريَّاتهم من إبليس وشياطينه وذريَّته يا رب العالمين.

اللهم عليك بالسَّحَرة، اللهم عليك بالسَّحَرة، اللهم لا تُسلِّطهم، اللهم لا تُسلِّطهم، اللهم أبطِل مكرَهم، اللهم أبطِل مكرَهم، ورُدَّ كيدَهم عليهم يا رب العالمين، اللهم لا تُسلِّطهم، اللهم لا تُسلِّطهم يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.

اللهم اغفِر لأمواتنا وأموت المسلمين، اللهم اغفِر لأمواتنا وأموت المسلمين.

اللهم أغِثنا يا رب العالمين، اللهم إنا خلقٌ من خلقِك ولا غِنى بنا عن رحمتِك، اللهم إنا خلقٌ من خلقِك لا غِنى بنا عن رحمتِك، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا، اللهم غيثًا لا ضررَ فيه ولا هدمَ ولا غرق برحمتِك يا أرحم الراحمين، أنت ربُّنا وربُّ كل شيء.

اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل.

اللهم أعِذنا والمسلمين من مُضلاَّت الفتن، اللهم ألِّف بين قلوبنا وأصلِح ذات بيننا، اللهم ألِّف بين قلوبنا وأصلِح ذات بيننا، اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين، اللهم اجمَعهم على الحقِّ يا رب العالمين، برحمتِك يا أرحم الراحمين، اللهم أعِذنا والمسلمين من مُضلاَّت الفتن برحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم وُلاةَ أمورنا، اللهم وفِّق خادم الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضَى، ولما فيه الخيرُ والصلاحُ للإسلام والمسلمين، اللهم أعِنه على كل خيرٍ برحمتِك يا أرحم الراحمين، اللهم وفِّق نائبَيه لما تحبُّ وترضَى، ولما فيه الخيرُ يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.

اللهم إنا نسألُك فواتِح الخير وخواتِمه، وظاهِره وباطِنَه، وجوامِعَه، ونعوذُ بك من الشرِّ كلِّه يا رب العالمين.

اللهم إنا نعوذُ بك من زوال نعمتِك، وفُجاءة نقمتِك، وتحوُّل عافيتِك، وجميع سخَطك يا ذا الجلال والإكرام، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

اللهم أعِذنا من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، اللهم أعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ برحمتِك يا أرحم الراحمين.

(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 90- 91].

واذكُروا الله العظيم الجليل يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلمُ ما تصنَعون.