المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
وإن مما لا ينكره إلا حاسد حرص ولاة الأمر -نفع الله بهم- على نشر العقيدة الصحيحة والافتخار بها وبمتابعتها، ومن أبرز جهودهم إسناد مناهج التعليم في هذه البلاد إلى المتخصصين من علماء ودارسين، حتى صنفوا تلك المناهج التي ازدان التعليم بها نورًا وجمالاً، وأخص منها مناهج التربية الإسلامية وعلى رأسها العقيدة، فمؤلفوها مشايخ معروفون بحسن العقيدة، والديانة، والقوة في اللغة والأدب، وهم ممن نهل من معين أئمة الدعوة وتربوا عليها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه!! وكم من ضالٍّ تائه قد هدوه!! فما أحسن أثرهم على الناس!! وأقبح أثر الناس عليهم!! ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد ولد آدم أجمعين، وخيرة خلق الله المصطفى الكريم، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الكرام الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
معاشر المؤمنين: إن من نعم الله تعالى التي تستحق شكرًا عظيمًا، هي نعمة الفطرة السليمة التي فطر عليها أهل هذا البلد المبارك، فما أن يولد المسلم في هذه البلاد إلا ويجد أبوين كريمين، غرست فيهما العقيدة الصافية التي رست في قلوبهما رسو الجبال الشامخات، فهما يحافظان على هذه الفطرة وينميانها على حد علمهما الذي غرسه فيهم مشايخ بلدهما، كيف لا وهما يتفيئان ظلالاً وارفة مما أنبته إمام الدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -قدس الله روحه-، وتوالت عليه أئمة الدعوة بالرعاية والسقي حتى آتت ثمارًا يانعات، فنحن نتفيأ هذه الظلال ونقطف من ثمارها، فنسأل الله العظيم بمنه العميم أن يجزيهم عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء".
وإن الناظر إلى ما حولنا من البلاد يرى فيها التخلف العقدي، وانتشار البدع والأهواء أشد من انتشار النار في هشيم الزرع.
فمن تأمّل هذه النعمة علم عظيم ما يتربع فيه من النعم وعلى رأسها نعمة التوحيد السليم، والمنهج الصافي.
ولنعلم أهمية العقيدة، لننظر في كتب السيرة، لنعلم حرص النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- على غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الناس؛ لأنها أساس رسالته، فقد لبث في مكة ثلاثة عشر سنة يدعو إلى التوحيد ولم يؤمر فيها بجهاد، ولم تتنزل فيها إلا اليسير من شراع الدين العملية، كل هذا توطيدًا لرسو العقيدة الصحيحة في نفوس الناس، فلما استقرت العقيدة في قلوب الصحابة الكرام، وانتقلت الدولة الإسلامية إلى أرض طيبة الطيبة، تنزلت الشرائع العملية، فعمرت القلوب بالعقيدة الصحيحة، والإيمان الكامل، والعمل الصالح، فتعلموا العلم والعمل معًا.
وإن مما لا ينكره إلا حاسد حرص ولاة الأمر -نفع الله بهم- على نشر العقيدة الصحيحة والافتخار بها وبمتابعتها، ومن أبرز جهودهم إسناد مناهج التعليم في هذه البلاد إلى المتخصصين من علماء ودارسين، حتى صنفوا تلك المناهج التي ازدان التعليم بها نورًا وجمالاً، وأخص منها مناهج التربية الإسلامية وعلى رأسها العقيدة، فمؤلفوها مشايخ معروفون بحسن العقيدة، والديانة، والقوة في اللغة والأدب، وهم ممن نهل من معين أئمة الدعوة وتربوا عليها، ومثل هذه المناهج التي تعلّم النشء الالتزام بما كان عليه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من عقيدة وديانة، وذلك تحقيقًا للانضمام للفرقة الناجية وهي الطائفة المنصورة على حد وصف النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهو ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون".
وأخرج ابن ماجه في سننه من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة".
وما زال علماؤنا يسعون جادين في قيادة المسلمين جميعًا ليكونوا من هذه الطائفة والفرقة، ليظفروا بالنجاة.
عباد الله: كلكم يلحظ إثراء المعلومات لدى الطلاب، وما يتمتعون به من ثقافة عالية من جراء تلك المناهج التي خطها علماؤنا، وإن الوافد إلى هذه البلاد ليعرف الفرق الشاسع بين تعليم أبنائه هنا وفي البلاد الأخرى، وأعني تعلم العقيدة الصحيحة.
ولهذا كله مات كثير من العلمانيين والملاحدة كمدًا من هذه المناهج العظيمة، وما فتئوا يحاولون الإطاحة بهذه المناهج، ويشيعون الكذب عليها، فمن محاول أن يطيح بها، وآخر يسعى في تقليص عدد ساعات التعلم لها، وثالث يسعى في تبديل مضمونها، ولكنهم جميعًا يبوؤون بالفشل الذريع؛ لأنهم يمكرون ولا يشعرون أن الله يمكر بهم، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، ولا زال علماؤنا يردون عليهم ويبينون مكرهم ويكشفون عورهم ويصيحون بهم من كل طريق، وهم كالنار التي تخبو فترة وتشتعل أخرى.
معاشر المسلمين: نحن بحمد الله في كل عام تزدان مناهجنا، وتزداد في الترتيب والتنسيق والاختصار حينًا والإطالة أخرى، وتغير المواضيع، والغالب أن المواضيع توافق وتساير فكر الدارس، ونحن لا نعتقد العصمة فيها ولكنها مناهج عظيمة، وتتحسن تحسنًا ظاهرًا، وبلغت في هذا الزمن مركزًا عظيمًا، وهي بحق تعتبر نبراسًا يستضيء به الآخرون ويحذون حذوه.
وإن من محاسن تلك المناهج تخصصها، فكل سبيل يطرقه الطالب ويطلب من خلاله هدفًا ينشده في المستقبل، يجد أن المنهج الشرعي يوافق تخصصه، فمن طلب الشريعة وعلومها، كثفت المواد الشرعية والعربية أمامه، ليتخرج طالبًا متمكنًا مما أراد.
ومن رام علم الطبيعة، كالطب والهندسة، يجد أن مناهج التربية الإسلامية قد حددت فيما لابد من معرفته، واختصرت له ما يقوّم طريقه ويعبد الله على بصيرة، ولا يتعارض مع هدفه الذي يرمي إليه.
فنسأل الله تعالى أن يثيب علماءنا على تلك الجهود الجبارة، وأن يزيدها قوة وتأصيلاً، وأن يكبت من أراد هذه المناهج بسوء، ويرد كيده في نحره، إنه على ذلك قدير، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم...
أيها المؤمنون: ما فتئ أعداء الملة والدين منذ القدم، يكيدون للإسلام وأهله، ويحاولون الطعن في الدين بصورة أو بأخرى، وتمتلئ قلوبهم حنقًا وغيظًا على انتشار الإسلام بالصورة الصحيحة، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)، وقال: (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ).
إن من أخطر هؤلاء من يتسمى بأسمائنا ويتكلم بألسنتنا، ويزعمون أنهم يرومون إصلاح الفساد ولم الشعث الذي دب بين المسلمين، ولا أجد لهم مثلاً صحيحًا صريحًا إلا بشخصية عبد الله بن سبأ اليهودي، الذي دخل في الإسلام محاولاً إفساده، ونجح في إنشاء فرق تحارب الإسلام، وتقتل أهله وتترك الكفار، ولهذا نحن نسمع هذه الأيام بنابتة ظهرت وكأنهم مجددو هذا العصر، جاؤوا لينقذوا البشرية، تدعو إلى ضلالها بشعارات براقة، دسوا تحتها كل سم زعاف، وللأسف استطاعوا أن يخدعوا فئامًا من الناس بما روجوه من أباطيل.
فهم الآن يسلطون عقائرهم على مناهج الدين وخصوصًا العقيدة، زاعمين أنها تخرج المتطرفين، الذين يهددون أرواح الأبرياء، ولنعرف خبث طويتهم انظر كيف اشتركوا هم وإخوانهم من الكفرة الذين يصرحون بما يدسه أولئك، فاختلفت السبل ولكن اجتمعوا على مفترق الطرق؛ لاتحاد الهدف المنشود وهو إضعاف المسلمين، وتضييع هويتهم، ومحاربة كل ما يسمى بالجهاد أو الإنكار على الغير.
فمما نسمع هذه الأيام من الدسائس: قولهم: إن كتب العقيدة فيها حشو وكلام كثير يمل القارئ منه، خصوصًا أنها توصف بالجفاف.
ويا سبحان الله!! هل في تعلم العقيدة التي فُطر الناس عليها من جفاف وحشو؟! أم أنها اختلاف العقائد والاتجاهات!!
كما يزعمون أنها مُلئت بالغلو والتعصب؛ ما يولد عندنا متزمتين غلاة يثيرون الشر على الأبرياء، وهذه فكرة اجتمع الكفار فيها مع غيرهم من بني جلدتنا، فمن الذي قال: إن مناهجنا تولد أمثال تلك الأوهام المزعومة، واله لقد رأينا العلماء والمصلحين والأدباء الذين تخرجوا في هذه المدارس وكانوا هداة لقومهم، بل إن بعض المسلمين من خارج الجزيرة يقدمون ويتلقون تعليمهم في هذه البلاد ثم يعودون إلى بلادهم دعاة إلى الدين الحق.
ثم إن هؤلاء الطاعنين في المناهج، يغيرون مجرى الريح، وذلك بالتهجم على مؤلفي تلك المناهج، ووصفهم بالرتابة في التأليف، والإنشائية، وأنهم لا يعون ما يقولون، والله المستعان، ففضيلة الشيخ ابن عثيمين، وكذلك الشيخ الفوزان وغيرهما من علماء هذه البلاد المباركة هم الذين قاموا بتأليف أغلب تلك المناهج في العقيدة والفقه ونحوها.
كما يرمون مناهجنا بأنها تتقيد بمذهب معين، وتلزم الناس به، وترد على المخالف.
وهذا كله من القذف بالغيب، بل من الكذب الصريح، وكأنهم يتحدثون مع قوم لم يدرسوا هذه المناهج، ولكنها الحرب الشعواء على عقيدة السلف الصالح، فمن أبرز ما يدعو إليه أمثال هؤلاء هو خلط المذاهب صحيحها بباطلها، وجعل أهل البدع والضلالات تحت سقف واحد مع أهل المعتقد الصافي، وهدم مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعايش على الخلاف، وإقصاء الرد على المخالف حتى ولو كان يتكلم بالكفر الصراح، حتى لا ينفر المسلمون وغيرهم من الدين، كل ذلك باسم الساحة زعموا، أوما علموا أن هذا المبدأ هو في الحقيقة معول هدم للإسلام، وغرس لمبادئ العلمنة، وذلك ليتسنى لأهل الشهوات ممارسة ما شاؤوا من المنكرات بلا نكير؟!
أوما علموا أنهم بهذه المبادئ قد هدموا طريقة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- التي كان يدعو لها؟! فلقد كان -صلى الله عليه وآله وسلم- يلزم الناس بالقول الحق وكان من أبعد الناس عن الخلاف، ويحذر منه مرارًا وتكرارًا، وما ذاك إلا لأن الخلاف شر ويسبب الفرقة، فمن تباينت آراؤهم اختلفت قلوبهم ولا شك.
عباد الله: إن من المتوقع بل المقدر كونًا أن يطعن أعداء الدين في الدين، ولكن من المؤسف حقًّا أن يقوم من يتزيا بمظهر السنة ويطعن فيها، وهذا ما حذر منه المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- كما أخرج الإمام أحمد وغيره من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان".
معاشر المسلمين: إننا -ولله الحمد- ننعم في أمن وأمان، وعلماء ربانيين، يوضحون الملتبس، ويقومون المعوج، ويصبرون على الأذى، فعضوا عليهم بالنواجذ، ولا تسمعوا لترهات المبطلين الذين هم في الكتاب مختلفون، ولنفخر جميعًا بمناهجنا الدينية في التعليم، فهي نور يتلألأ، وريحانة تهتز، يتخرج بها أبناؤنا بالمعتقد السليم، والمنهج المعتدل، بلا غلو ولا تفريط، فهم لا يتعلمون إلا ما قاله الله ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
اللهم احفظ علينا ديننا. اللهم من أراد مناهج التعليم في هذه البلاد بسوء فأشغله بنفسه...