البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | يحيى بن موسى الزهراني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المعاملات |
فاحذروا -أيها الناس- من أكل المال الحرام، فهو مستنقع قذر، ووحل ضرر، سبيل إلى الهلاك، ومركب إلى الهاوية، فاحذروا المال الحرام بكل صوره وأنماطه، وشتى أنواعه وأشكاله، فهو خبيث، والله -تعالى- لا يحب الخبيث، قال -تعالى-: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [المائدة:100].
الخطبة الأولى:
الحمد لله ذي الجبروت والملكوت، أحمده سبحانه وهو حي لا يموت، الحمد لله رب الأرض والسموات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اختاره ربه لتبليغ رسالته، وهداية الناس أجمعين، عليه من ربه أفضل صلاة وأعظم تسليم، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة.
وبعد: جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟" أخرجه مسلم في صحيحه.
يشير النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خطورة أكل المال الحرام، بأي طريقة كانت، وأي وسيلة حصلت، فالمال الحرام سبب لمنع إجابة الدعاء، وإغلاق باب السماء، فالمال الحرام طريق مستعر، محفوف بالخطر، وسلم هار، ينهار بصاحبه إلى النار. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ"، أي: من حرام. أخرجه الترمذي وغيره، وأخرج البخاري وأحمد من حديث خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ -رضي الله عنها- قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ -يتصرفون- فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
فاحذروا -أيها الناس- من أكل المال الحرام، فهو مستنقع قذر، ووحل ضرر، سبيل إلى الهلاك، ومركب إلى الهاوية، فاحذروا المال الحرام بكل صوره وأنماطه، وشتى أنواعه وأشكاله، فهو خبيث، والله -تعالى- لا يحب الخبيث، قال -تعالى-: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [المائدة:100].
كم للمال الحرام من صور مغلفة يزينها الشيطان، يخيل بها على ضعاف النفوس من الناس.
فمن صور المال الحرام، وأعظمها خطورة على الأفراد والمجتمعات، والدول والشعوب: تعاطي الربا، فالربا ممحوق البركة، منزوع الخير، قال -تعالى-: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة:276].
الربا من أشد الرزايا على المجتمعات، سواءً كان مع الأفراد أو البنوك أو المؤسسات، فالربا رباً وإن اختلفت أسماؤه وهيئاته وطرق التعامل به، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) [البقرة:278-279]، وقال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:130].
فالربا حرام بكل أشكاله، وجميع تعاملاته، قليله وكثيره سواء، قَاْلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ-: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة:275].
ولقد جاء التحذير من خطورة الربا أو التعامل به في سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ" أخرجه مسلم.
ثم اعلموا -أيها الناس- أن الربا لم يُحل في شريعة قط، ولم تصدر فتوىً بجوازه إلا كان صاحبها محارباً لله ولرسوله، ضيقة أفقه، متعسرة مداركه، متبعاً لهواه، ممزقاً إيمانه، يرضي الناس بسخط الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".
الربا حرام، وكبيرة من كبائر الذنوب، وجريمة من أعظم الجرائم، مهلك للأموال، قاتل للنفوس، يهلك الحرث والنسل، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: " أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ، فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرَائِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا" أخرجه ابن ماجة.
وقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "الرِّبَا سَبْعُونَ بابًا، أَيْسَرُهَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ" أخرجه ابن ماجة، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ، فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ" أخرجه أحمد وغيره، وقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، رَجُلًا يَسْبَحُ فِي نَهَرٍ دم، وَيُلْقَمُ الْحِجَارَةَ، فَسَأَلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ لِي: آكِلُ الرِّبَا " متفق عليه.
فاللهَ اللهَ أيها المسلمون! احذروا الربا في تعاملاتكم، وفي أعمالكم! فهو حرب على الله -تعالى-، وأنى لعبد أن يحارب خالقه ورازقه وموجده؟.
ومن صور المال الحرام، الحلف بالله زوراً لتضييع الحقوق، وهضم الأموال، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: "وَإِنْ كان قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ" أخرجه مسلم والنسائي واللفظ له.
فانظروا -أيها الناس- كيف أن أخذ عود السواك ظلماً وحراماً، كان سبباً من أسباب دخول النار والعياذ بالله، فكيف بمن يسرق أكبر من السواك؟ لَجرمه أعظم، وعقابه أكبر.
ومن الناس اليوم من لا يخاف الله -تعالى- ولا يتقيه، ولا يخشاه ولا يراقبه، فتراه مقسماً بالله، حالفاً به زوراً وظلماً، عمداً وعدواناً، ليأكل حفنة من المال الحرام، أو ربما كان قسمه سبباً لإزهاق حق، أو إظهار باطل.
وكم هي المشاهد والمآسي المؤلمة التي نراها ونسمعها عمن حلف بالله كذباً وزوراً إرضاءً لنفس، أو نكايةً بأخرى، فكانت العاقبة موتاً مفاجئاً، وحادثاً مروعاً، عذاباً فوق العذاب، ليذوق وبال أمره، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [النساء:29-30].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: " مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ" ثُمَّ قَرَأَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) متفق عليه.
ولقد جاءت تسمية تلكم اليمين الفاجرة الظالمة باليمين الغموس، التي تغمس صاحبها في الإثم، ثم تغمسه في نار جهنم والعياذ بالله.
عقد البخاري رحمه الله -تعالى- في صحيحه باباً أسماه ببَاب الْيَمِينِ الْغَمُوسِ، ثم ذكر قول الله -جل وعلا-: (وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، دَخَلًا: مَكْرًا وَخِيَانَةً.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ" أخرجه البخاري.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلَّا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" أخرجه مسلم.
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَإِنْ قَضَيْتُ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا" أخرجه الترمذي، وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ومن صور المال الحرام أخْذ الرشوة، ولقد لُعن أهلها والمتعاملون بها، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي" أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد.
وكم من الموظفين اليوم من لا يخاف الله ولا يخشاه، فتراه آكلاً للمال الحرام، متعاطياً للرشوة.
ولقد علم سلف هذه الأمة خطورة الرشوة، وشديد أمرها، وأنها سبب لزعزعة الأمن، ومجلبة للضعف والخور، وهلاك ودمار، فتركوا طريقها، وابتعدوا عن سبيلها. فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، "كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ، فَيَخْرصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ، قَالَ: فَجَمَعُوا لَهُ حَلْيًا مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا لَكَ وَخَفِّفْ عَنَّا وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ! وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ، وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنَ الرّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ، وَإِنَّا لَا نَأْكُلُهَا، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ" أخرجه مالك.
ألا فاعلموا -أيها المسلمون- أن من أشد أنواع الرشوة خطورة، وأعظمها نكاية بالأمة، الرشوة لإبطال حق، أو إحقاق باطل، وكذا الرشوة للحاكم والقاضي. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ" أخرجه الترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقال مَسْرُوقٍ -رحمه الله-: "إِذَا أَكَلَ الْقَاضِي الْهَدِيَّةَ فَقَدْ أَكَلَ السُّحْتَ، وَإِذَا قَبِلَ الرِّشْوَةَ بَلَغَتْ بِهِ الْكُفْرَ" أخرجه النسائي.
فالرشوة فساد للمجتمعات، تدمير للحقوق، أذانٌ بالهلاك من الله -جل وعلا-. عَنْ
عَمْرِو ابْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمُ الرِّبَا، إِلَّا أُخِذُوا بِالسَّنَةِ -القحط والجدب- وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمُ الرُّشَا -الرشوة- إِلَّا أُخِذُوا بِالرُّعْبِ" أخرجه أحمد.
وها هي الأمة اليوم تعاني تبعات أكل المال الحرام، من حروب مدمرة، وويلات مهلكة، وقحط وجدب، فقد أمسكت السماء ماءها، ومنعت الأرض خيراتها، ولفحت الشمس بحرارتها، واشتدت الطقوس ببرودتها، فاتقوا الله عباد الله، واحذروا أسباب سخطه، وموارد عقوبته.
وكم تعاني الأمة اليوم من ويلات الحرب المسعورة ضد الإسلام وأهله، والزج بهم لأكل المال الحرام، فمن صور المال الحرام التسول، وسؤال الناس بلا حاجة أو ضرورة، فالتسول سبب لمحق بركة المال، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ، فَوَاللَّهِ! لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا، فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ" أخرجه مسلم.
التسول تعتيم لصورة الإسلام المضيئة، وتشويه لحقيقته الوضاءة، فكم سعى الأعداء للنيل من الإسلام بشتى الطرق والوسائل، ومنها تغيير منهج المساجد، وملؤها بأولئك المتسولين والمتسولات، حتى تفاقم الوضع وانتشر، وزاد المكر والخطر، ينهبون الناس بكلمات رقيقة جذابة، صنعها لهم صُناع الكلمة من العصابات، والمؤسسات المنحرفة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ" أخرجه مسلم.
وكم من الناس اليوم من يعاني الفقر، ويصارع الجوع، ويدفع الفاقة، ومع ذلك تراه عفيف النفس، شامخ الأخلاق، فلا يمد يديه إلا لله، ولا يُنزل حاجته إلا بالله، ومع فقره وشدة حاجته فهو كما قال الله -تعالى-: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) [البقرة:273].
وهناك من الناس من يسأل عباد الله، ويترك من بيده خزائن السموات والأرض، لا حاجة ولا فاقة، وإنما إكثاراً من الأموال وتكسباً، فأصبح التسول هو وظيفته، ومصدر رزقه، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ مَا مَشَى أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ يَسْأَلُهُ شَيْئًا" أخرجه النسائي.
وقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَفْتَحُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ، إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ، يَأْخُذُ الرَّجُلُ حَبْلَهُ فَيَعْمِدُ إِلَى الْجَبَلِ، فَيَحْتَطِبُ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَأْكُلُ بِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، مُعْطًى أَوْ مَمْنُوعًا" أخرجه أحمد.
ومع حرمة التسول، وأليم عقابه في الآخرة، إلا أن هناك أنواعاً من التسول أجازها الشارع الكريم، وبينها أيما تبيين. عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: "أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا"، ثُمَّ قَالَ: "يَا قَبِيصَةُ! إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا، يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا" أخرجه مسلم.
فهذا الحديث أصل عظيم في تحريم التسول لغير حاجة ماسة، أو ضرورة ملحة، فالتسول حرام، ونار يأكلها صاحبه في جوفه، فاتقوا النار وذروا المال الحرام، فقد قَالَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ -قوي صحيح - إِلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ، وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ لِيُثْرِيَ بِهِ مَالَهُ، كَانَ خُمُوشًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَرَضْفًا -حجارة محمية- يَأْكُلُهُ مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُقِلَّ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُكْثِرْ" أخرجه الترمذي.
ومن صور المال الحرام أخذ أموال الناس بقصد السلف والدين، مع إضمار النية بعدم رده وسداده، أو التهاون في ذلك، فهذا هو الظلم والعدوان، والتعدي على حرمات الواحد الديان، قال الله المنان: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [البقرة:188].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَها يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ" أخرجه البخاري.
ثم اعلموا -أيها الناس- أن أكل المال بمثل هذه الصورة من صور المال الحرام هو ظلم وتعد على الأموال المعصومة، فمن كانت لديه أموال لأناس أسدوا له معروفاً، وقدموا له إحساناً فعليه أن يرد المال لأصحابه، والإحسان إحساناً، يقول الله -جل وعلا-: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن:60]، وقال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء:58].
واعلموا -أيها الناس- أن من يأكل أموال الناس بطريقة خسيسة، وحيلة ملتوية، لا إسلام ولا إيمان له، ويصدق ذلك قول رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ" متفق عليه.
فأين الإسلام ممن لم يسلم الناس من يده؟! وأين الإيمان ممن لم يرع أموال الناس؟! فاتقوا الله عباد الله، وردوا الأمانات إلى أهلها، وتوبوا إليه قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، وإنما هي الحسنات والسيئات. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ" أخرجه البخاري.
ومن صور المال الحرام، بيع المسلم على بيع أخيه، وشرائه على شرائه، كمن يشتري سلعة من شخص، ثم يأتي آخر، فيعرض مبلغاً أكثر من الأول بقصد الإضرار أو بلا قصد، فهذا بيع وشراء محرم، وكذلك بيع المسلم على بيع أخيه، كمن يبيع سلعة على شخص ثم يأتي بائع آخر، فيعرض سلعته على المشتري بقصد الإضرار بالبائع الأول، أو بغير قصد، فهذا بيع وشراء حرام، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ" متفق عليه واللفظ للنسائي.
فلا يجوز للمسلم إذا رأى أخاه المسلم أقدم على شراء سلعة أن يقدم على شرائها، حتى يتم البيع أو يترك المشتري السلعة؛ ولا يجوز للمسلم أن يبيع سلعة على مسلم قد باعها إياه بائع آخر، حتى يتم البيع أو يترك المشتري.
وكذلك لا يجوز أن يسوم المسلم على سوم أخيه، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ" أخرجه الترمذي.
هذه من محاسن الإسلام، وخصاله الحميدة، وصفاته النبيلة، التي فقدها كثير من التجار، ولم يرمها كثير من الناس اليوم، لا سيما في بيعهم وشرائهم.
فعليكم بتقوى الله، وتحري الكسب الحلال في أموالكم، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً.
ومن أكثر طرق المال الحرام تداولاً بين الناس اليوم، ولاسيما في المعارض والمحلات التجارية الكبرى، بيع النجش، ومقصوده: أن يزيد أو ينقص في ثمن السلعة من لا يريد شراءها، وإنما يريد الإضرار بالبائع أو المشتري، سواءً كان متواطئاً مع البائع أم المشتري أم لم يكن، فكل ذلك من أكل المال الحرام. عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّجْشِ" متفق عليه.
فاحذروا -عباد الله- أسباب سخط الله -تعالى-، وكلوا الرزق الحلال الطيب، ليبارك لكم فيما رزقكم ربكم.
ومن صور أكل المال الحرام، غش الناس، والتدليس عليهم في المعاملات، من أجل أكل أموالهم بالباطل، كمن يجعل طيب الطعام في الأعلى، والرديء في الأسفل، أو الجديد في الأعلى والقديم في الأسفل، أو الكبير في الأعلى والصغير في الأسفل، وهذا أمر لا يجوز شرعاً ولا عرفاً، وهو من الغش المتداول بين الناس اليوم.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟"، قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ، كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟! مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي" أخرجه مسلم.
فأين الإسلام؟ وأين الأخوة التي حث عليها كتاب الله -تعالى-، وأمر بها نبيه -صلى الله عليه وسلم-؟ ألا فليتق الله أناس عرفوا الحق فلم يتبعوه، وعلموا الحلال فتجاوزوه.
فاتقوا الله أيها التجار، وبينوا عيوب السلع للناس قبل بيعها، والله هو الرزاق ذو القوة المتين. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ، إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ" أخرجه ابن ماجة وأحمد.
وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ، لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ، وَلَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ" أخرجه ابن ماجة.
ومن علم أن في سلعة عيباً وجب عليه أن يبينه لمن اشتراه؛ لأن هذا من حق المسلم على أخيه، ولا يجوز له أن يكتمه، فإن كتمه فهو آثم. قَالَ أَبُو سِبَاعٍ: اشْتَرَيْتُ نَاقَةً مِنْ دَارِ
وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ -رضي الله عنه-، فَلَمَّا خَرَجْتُ بِهَا، أَدْرَكَنَا وَاثِلَةُ وَهُوَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَقَالَ: يَا عَبَد اللَّهِ! اشْتَرَيْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ بَيَّنَ لَكَ مَا فِيهَا؟ قُلْتُ: وَمَا فِيهَا؟ قَالَ: إِنَّهَا لَسَمِينَةٌ ظَاهِرَةُ الصِّحَّةِ، فَقَالَ: أَرَدْتَ بِهَا سَفَرًا أَمْ أَرَدْتَ بِهَا لَحْمًا؟ قُلْتُ: بَلْ أَرَدْتُ عَلَيْهَا الْحَجَّ، قَالَ: فَإِنَّ بِخُفِّهَا نَقْبًا، فَقَالَ صَاحِبُهَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ! أَيْ هَذَا تُفْسِدُ عَلَيَّ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَبِيعُ شَيْئًا إِلَّا يُبَيِّنُ مَا فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا يُبَيِّنُهُ" أخرجه أحمد. فما أحوجنا -أيها الإخوة في الله- للعودة الصادقة للدين، والنصيحة لجميع المسلمين.
وحتى لا أطيل في الموضوع فينسي آخره أوله، لعلي أتطرق إلى بعض وسائل الحرام للوصول إلى المال الحرام ومن ذلك: الكذب في البيع والشراء، كمن حلف أنه اشترى السلعة بكذا وكذا، وهو كاذب في ذلك، أو أنه أعطي فيها كذا وكذا من الثمن وهو كاذب في ذلك، ليرفع سعر السلعة وهي لا تساوي المبلغ الذي طلبه.
وبعض العمال والأجراء يتفق مع الزبون لبيع السلعة بسعر، ويخفي السعر الحقيقي عن صاحب العمل، ويأخذ الفرق بين السعرين، وهذا حرام، لما فيه من الغش والكذب والخيانة.
ومن الأموال المحرمة بيع سلعة تقليدية أو تجارية على أنها سلعة أصلية، ولا يخفى على كل مسلم ما لهذا العمل المشين من خيانة للمسلمين، وأكل أموالهم بالباطل، وهذا لا شك أنه يأكل هذا المال ظلماً وعدواناً، وهو إنما يأكل في بطنه ناراً، فليتق الله ويسلم، أو ليعصه فيندم.
ومن الأموال المحرمة، الأموال التي تأتي من بيع (الدشوش)، لأنها تعرض الكثير من الحرام، سواءً الأغاني أو المسلسلات التي تدعو إلى الفاحشة والرذيلة، أو تستهزئ بالمسلمين ورموزهم وعلمائهم، وما تعرضه من ساقط الأقوال والأعمال، فلا يبث فيها إلا كل سقيم ومريض من الأفعال، يتولى كبرها كفار مرجفون في الأرض، أو أناس طغى عليهم حب المادة فلم يأبهوا بأي طريق سلكوا، ولا ريب أن هذه القنوات تأتي بالمحرم من الفعل والقول والمشاهدة.
ويدخل في ذلك أيضاً بيع آلات اللهو والطرب، وبيع أشرطة الغناء، وأشرطة الفيديو التي تحوي مسلسلات هابطة، وأفلام خليعة، مخلة بالآداب، ملفتة إلى الحرام، وتصد عن سبيل الله وعن الصلاة، وتبعد عن طريق الله القويم، وصراطه المستقيم.
ومن الأموال المحرمة بيع الدخان والشيشة والمخدرات، مما لا يخفى على كل مسلم ضررها على الأفراد والمجتمعات والأمم، وإن الله -عز وجل- إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فهذه الأموال التي بسببها يتم تدمير شباب الأمة ورجالها ونسائها، حرام أشد الحرمة، وصاحبها معرض للعقوبة والعياذ بالله، إذا وضع في قبره، وعند لقاء ربه، هذه الأموال بهذه الطرق الغير مشروعة سحت حرام، وكل جسد نبت من السحت فالنار أولى به والعياذ بالله.
فاتقوا الله أيها المسلمون واعلموا أنما هذه الحياة الدنيا أيام وسويعات ما تلبث أن تنقضي وتذهب، وفجأة يجد العبد نفسه موقوفا بين يدي الجبار -سبحانه وتعالى-، فيسأله عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ ويسأله ربه -وهو أعلم به-: ماذا عمل بأوامر القرآن والسنة ونواهيهما، هل أطاع الأوامر وترك الزواجر، أم ارتكب الحرام وترك الحلال؟.
فيا أيها الناس: أعدوا للسؤال جواباً، وللجواب صواباً، فلا بد من تقوى الله في المعاملات، وخشيته في الغيب والشهادة، والخوف منه -سبحانه-، فهو مطلع على السرائر والضمائر، كما يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.