المؤخر
كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
لا يخفى عليكم ما للقرآن الكريم من أثر كبير في الحفاظ على الهوية الإسلامية للأقليات وأبنائها من الأجيال الصاعدة بالخصوص، فالقرآن هو دستور الأخلاق الحميدة وهو حصن العقيدة السليمة، والعناية بالقرآن وإعطاؤه الأولوية في تربية أبناء الأقليات الإسلامية ضرورة ينبغي الوعي بها والتعاون عليها من الجميع، وذلك بتنظيم المسابقات بين أبناء الأقليات ورصد الجوائز السخية المشجعة لهؤلاء الشبان...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أنزل الكتاب تبصرة وذكرى لأولي الألباب، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، الذي بعث في الأميين ليعلمهم الحكمة والكتاب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه خير الآل والأصحاب، ومن تبعهم واهتدى بهديهم إلى يوم المآب (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَئَابٍ) [الرعد: 29)].
أما بعد:
أيها المسلمون: تتحمل المؤسسات والهيئات والمراكز الإسلامية في بلدان الأقليات المسلمة، مسؤولية عظيمة في تأكيد الهوية الإسلامية لأبناء هذه الأقليات، وحمايتها من التشوه أو الذوبان، ولاسيما بالنسبة للناشئة والشباب الذين ولدوا وتفتح وعيهم في هذه الدول.
ويعد تحفيظ القرآن الكريم، وتربية الناشئة والشباب على آدابه وتعاليمه، أنجح وسائل قيام المؤسسات والمراكز الإسلامية بدورها، في ترسيخ الشريعة، وحماية الأبناء من آثار التغريب.
فكيف يمكن للمراكز الإسلامية في بلدان الأقليات المسلمة من جمع الشباب على موائد القرآن، وما هي الآثار المترتبة على ذلك؟.
إن المؤسسات والمراكز الإسلامية في بلدان الأقليات تضطلع بدور مهم في الدعوة إلى الله، ويفترض أن تكون تلك المراكز محاضن للشباب، تحفظ لهم دينهم، وتحميهم من كل المؤثرات المضرة؛ التي قد تنأى بهم عن الوسطية الخلقية الملائمة للفطرة، والوسطية العقدية المطابقة للتفسير الواقعي لحقيقة الوجود، والوسطية الفكرية المناسبة لواقع المسلمين في بلادهم.
ولاشك أن أعظم ما يحفظ الشباب في دينهم، ويحميهم من التغريب والتفلت من جهة، والغلو والتطرف من جهة ثانية، ولاسيما في بلاد الأقليات، ربطهم بالوحي، وتنشئتهم على كتاب الله الكريم، قال الله تعالى: (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) [الأنعام : 19]، فقد تمكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الحفاظ على أصحابه في فترة الغربة الأولى للإسلام، وهم قلة في مجتمعهم، عندما جعل الوحي -القرآن الكريم- مصدراً للتلقي في حياتهم، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ) [الجمعة : 2].
وهذا بيان لمصدر التلقي في دعوته علماً وعملاً وسلوكاً، وهذا ما بينه الله بقوله: (وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) [الجمعة : 2] ، فقد تربى الجيل الأول للإسلام بالقرآن، وعلى القرآن، فأثمرت هذه التربية استقامة على دين الله، والتزاماً بأعلى معايير الأخلاق والسلوك دون تنطع أو تكلف.
عباد الله: ما أحوجنا اليوم، ونحن نعاني من ضياع الشباب، وتأثرهم بالثقافات الأخرى، إلى التربية القرآنية الشاملة، التي تبدأ من ربط الشباب بكتاب الله تلاوةً وتدبراً وحفظاً، وصولاً إلى الالتزام به، والعمل بآياته وأحكامه.
والسبيل إلى ذلك يتلخص في بيان منزلة القرآن الكريم عند المسلمين، وأنه من لدن حكيم خبير، وبيان فضل تلاوة القرآن الكريم، وأن من قرأ حرفاً فله بكل حرف عشر حسنات، والاهتمام بإقامة دورات التحفيظ التي تعين الشباب على حفظه، مع بيان فضل حفظ القرآن الكريم، وأهمية بيان أن القرآن مصدر هداية لكافة الناس إذا رجعوا إليه، وامتثلوا أحكامه، كما قال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : 9]، وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى : 52].
إضافة إلى وضع ترجمة تفسيرية لمعاني القرآن الكريم بين يدي الشباب، فإنها تعين على فهم الآيات والمعاني، وبالتالي تساهم هذه القراءة التفسيرية في زيادة الإيمان، حيث أخبرنا الله في القرآن الكريم أن هذا القرآن لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، وما ذلك إلا لفهم آياته ومعانيه، فكيف لو صادف هذا القرآن قلباً بشرياً صالحاً.
إن الاعتناء بتحفيظ الشباب في بلاد الأقليات القرآن الكريم، وحثهم على تلاوته وتدبره وحفظه، يعينهم بلا شك على ثباتهم على دينهم، ويحفظهم من التفلت والتغريب، والانسياق خلف الثقافات الأخرى، فالقرآن الكريم سينير لهم الطريق للتقدم في مجتمعاتهم؛ لأن الله سماه نوراً وروحاً وهداية، فقال: (قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة 15: 16].
لا يخفى عليكم ما للقرآن الكريم من أثر كبير في الحفاظ على الهوية الإسلامية للأقليات وأبنائها من الأجيال الصاعدة بالخصوص، فالقرآن هو دستور الأخلاق الحميدة وهو حصن العقيدة السليمة، والعناية بالقرآن وإعطاؤه الأولوية في تربية أبناء الأقليات الإسلامية ضرورة ينبغي الوعي بها والتعاون عليها من الجميع، وذلك بتنظيم المسابقات بين أبناء الأقليات ورصد الجوائز السخية المشجعة لهؤلاء الشبان وتكرار المناسبات لمثل هذه المسابقات في شهر رمضان وغيره من المواسم الدينية.
وللبلدان الإسلامية والعربية دور مهم تجاه هذه الأقليات الإسلامية بمختلف أجيالها, إذ ينبغي أن تكون لأبناء الأقليات الإسلامية حصصها في المنح الدراسية بجامعات العالم الإسلامي؛ ليعودوا منها بالزاد العلمي وبالحفظ لكتاب الله العزيز على القواعد الصحيحة، وفي المقابل ينبغي أن يكون أبناء الأقليات الإسلامية حاضرين بكثافة في المسابقات القرآنية التي تنظم في عواصم البلدان الإسلامية.
وهي مسابقات ازداد عددها والحمد لله والتي تعتبر مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره، والتي تُقام سنوياً في رحاب مكة المكرمة تعتبر من أعرقها وأكبرها سواء من ناحية عدد المشاركين فيها أو سخاء جوائزها، وهي مسابقة عززتها مسابقات قرآنية دولية أخرى كمسابقة تونس الدولية, وهناك مسابقات أخرى في مصر والأردن والجزائر وليبيا وإيران وتركيا وماليزيا وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وهي مسابقات لاينبغي أن يغيب عنها أبناء الأقليات الإسلامية فهم الأحوج إلى مثل هذه الحوافز التشجيعية والمناسبات الإيمانية؛ لأنهم الأكثر تعرضاً للمسخ وطمس الهوية فحملات التغريب والتفسيخ الأخلاقي وحتى التنصير تستهدف هذه الأقليات وأبناءها، ولايوجد مثل القرآن محافظاً وعاصماً للشخصية.
بل يجب حث أبناء الجاليات المسلمة على حفظ كتاب الله العزيز الذي يسره الله للحفظ، ولفت أنظار الجميع إلى أهمية دور الآباء والأمهات والأسر والعائلات ومسؤوليتهم في التشجيع على حفظ القرآن الكريم خاصة للأجيال الجديدة المقيمة خارج البلاد الإسلامية فإذا تكاملت جهود جميع الأطراف -الأسر والعائلات والهيئات والمنظمات ودول العالم العربي والإسلامي- فإن النتائج ستكون وفق المأمول الذي هو محافظة الأجيال الجديدة المسلمة على هويتها وشخصيتها, فلا تجتاحها ولا تمسخها موجات التغريب والتفسخ.
يقول الله -تبارك وتعالى-: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [الأنعام : 19] ويقول: (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ * وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [النمل 92: 93].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، بعث رسله مبشرين ومنذرين بمواعظ الدين؛ ترغيباً وترهيباً لقلوب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد أفصح لساناً وبياناً لمواعظ الدِّين، أرسله الله رحمةً للعالمين، وداعياً بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: إن المؤسسات الإسلامية في بلدان الأقليات المسلمة التي تتمثل في جمعيات ومراكز إسلامية، تستعد سنة بعد أخرى لتأهيل الشباب للمشاركة في المسابقات القرآنية الدولية، فتبدأ حلقات تحفيظ القرآن الكريم في داخل هذه المؤسسات بإشراف شيوخ أفاضل، وجهود تشجع أبناء الجالية المسلمة للالتحاق بهذه الحلقات، والعناية بكتاب الله وتدبره، لما في هذا العمل من حفاظ على الهوية الثقافية الإسلامية لهؤلاء الشباب، وترسيخ المفاهيم الإسلامية الصحيحة، والاعتزاز بخصوصيتهم في نفوسهم.
وهناك اهتمام ملحوظ في الآونة الأخيرة من قِبل الشباب المسلم بأصولهم وأعراقهم الإسلامية، وما زادتهم الحملات المسعورة ضد الإسلام والمسلمين، والرموز الإسلامية إلا تمسكاً بدينهم، وعودة إلى أصولهم، والرجوع إلى كتاب الله -سبحانه وتعالى- وسنته المحمدية دون تحريف أو تزيف.
فجزى الله خير الجزاء كل من ساهم أو شارك في توعية أبناء الجاليات الإسلامية المقيمة في غير بلدان المسلمين، أو حثهم على الخير، أو أعانهم على تحقيقه فإن ذلك عند الله لا يضيع، وهو من أعظم الأعمال الخيرية التي يكتب الله الرفعة لصاحبها في الدنيا والآخرة يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَالدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ" [ شعب الإيمان للبيهقي (7251 )].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل –كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ, وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللهم احفظ أبناء المسلمين المقيمين في بلدان الغرب يارب العالمين، واحمهم بحمايتك وصونك يا أرحم الراحمين، ونجهم من القوم الظالمين، وسلمهم من الوقوع في المهاوي والرذائل التي ابتلي بها أولئك القوم الكافرين، وارجعهم إلى بلدانهم الإسلامية سالمين غانمين، وافتح لهم فتحاً مبيناً يا خير الناصرين.