المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
العربية
المؤلف | عبدالله بن صالح القصير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
فتنافسوا -رحمني الله وإياكم- في هذا الخير العظيم، نظفوا أبدانكم، والبسوا أحسن ثيابكم، ومسوا من طيبكم، وبكروا إلى مساجدكم بسكينة ووقار، وتقدموا إلى الصفوف الأولى دون أن تؤذوا إخوانكم، وصلوا ما كتب الله لكم، وأكثروا ذكر الله، واتلوا كتابه، واسألوه من فضله، والتزموا الأدب النبوي والنهج المحمدي، تكونوا من السابقين المقربين ..
الحمد لله الذي جعل يوم الجمعة خير وأفضل وسيد الأيام. أحمده سبحانه وأشكره إذ هدى لهذا اليوم أمة الإسلام، وأضل عنه اليهود والنصارى، فلم يوفقوا له على الدوام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير مرسل وأكمل إمام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى بفعل طاعته، والبعد عن معصيته، وشكره سبحانه على سعة فضله وسابغ نعمته والمسارعة إلى مغفرته وجنته، فإن في ذلكم الخير والصلاح والهدى والفلاح.
أيها المسلمون: إن من نعم الله العظيمة ومنحه الجليلة، أن اختص ربنا -تبارك وتعالى- هذه الأمة بيوم الجمعة من بين الأمم، ومنحها فضائله؛ لما له تعالى في ذلك من الحكم، فجعله عيداً لها في كل أسبوع، يتنافس فيه العباد بما شرع الله فيه من العبادات ونفائس القربات التي رتب عليها سبحانه تكفير السيئات وزيادة الحسنات، ورفعة الدرجات، وإجابة الدعوات. والسابقون السابقون، أولئك المقربون.
أيها المسلمون: لقد أضل الله تعالى عن هذا اليوم الجليل اليهود والنصارى فلم يوافقوه؛ لأنه -سبحانه- ادخره لهذه الأمة المباركة المكرمة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي شرفت الأمة بشرفه ونالت الخير العظيم بيمن نبوته وبركة رسالته.
فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " نحن الآخرون، السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع؛ اليهود غداً والنصارى بعد غد ".
وفي الحديث الصحيح الآخر، قال صلى الله عليه وسلم: " أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، الأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق وأول من يدخل الجنة ".
أيها المسلمون: لقد بين لكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- شيئاً من شأن هذا اليوم، وبين لكم ما كان وسيكون فيه من الحوادث العظيمة والخصائص المهمة؛ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها " وفي رواية له أخرى: " ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة ".
وكان من سنته -صلى الله عليه وسلم- أن يقرأ في فجر يوم الجمعة سورتي (الم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) السجدة و (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ)؛ لأنهما تضمنتا ذكر خلق آدم، ويوم القيامة، وحشر العباد ونحو ذلك، وكل ذلك وغيره كائن يوم الجمعة، فكان في قراءته -صلى الله عليه وسلم- لهاتين السورتين تذكير بهذه الأمور الجسام والأهوال العظام، وعن أبي لبابة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سيد الأيام يوم الجمعة، وأعظمها عند الله تعالى، وأعظم عند الله عز وجل من يوم الفطر ويوم الأضحى ".
أيها المسلمون: ومن خصائص هذا اليوم ووجوه تعظيمه وفضائله التي يتقرب إلى الله تعالى بها، ويبتغي ثوابه بها والتي بينها لكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- وأكد لكم شأنها، وحثكم عليها ورغبكم في ثوابها، نظافة البدن، والثياب، والطيب، والسواك، والتبكير للجمعة، والدنو من الإمام، وصلاة ما يسر الله من النوافل، وتجنب أذى المصلين، وحسن الأدب، والاستماع للخطبة، وتجنب كل ما من شأنه أن يعرض المرء للغو الذي يؤثر على جمعته. ففي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل ".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح -يعني في الساعة الأولى- فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة؛ فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " ، وفي حديث آخر عنه رضي الله عنه أيضاً قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول".
ومثل المهجر -أي المبكر إلى الجمعة- كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشاً، ثم دجاجة، ثم بيضة؛ فإذا خرج الإمام طووا صحفهم وجاؤوا يستمعون الذكر".
فالتبكير إلى الجمعة، والأخذ بالسنن المشروعة في يومها من أسباب زيادة الفضل، وعظم الأجر، والقرب من الله تعالى، والسبق إلى أول صفوف أهل الجنة يوم القيامة.
وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا " متفق عليه. وروى أهل السنن عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من غسَّل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها ".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وسلم: " من اغتسل يوم الجمعة واستاك، ومس من طيب إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد، فلم يتخط رقاب الناس حتى ركع ما شاء الله أن يركع، ثم أنصت إذا خرج الإمام فلم يتكلم حتى يفرغ من صلاته؛ كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها " ، وله أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه؛ غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام " وفي رواية أخرى: " وزيادة ثلاثة أيام، ومن مسَّ الحصى فقد لغا " رواه مسلم.
فتنافسوا -رحمني الله وإياكم- في هذا الخير العظيم، نظفوا أبدانكم، والبسوا أحسن ثيابكم، ومسوا من طيبكم، وبكروا إلى مساجدكم بسكينة ووقار، وتقدموا إلى الصفوف الأولى دون أن تؤذوا إخوانكم، وصلوا ما كتب الله لكم، وأكثروا ذكر الله، واتلوا كتابه، واسألوه من فضله، والتزموا الأدب النبوي والنهج المحمدي، تكونوا من السابقين المقربين الفائزين بالأجر الكريم والثواب العظيم فضلاً من ربكم، ذلك هو الفوز العظيم؛ وإياكم والتخلف عن هذا الخير والتهاون بتلك السنن فقد صح في الحديث عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله" رواه مسلم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة:9-10].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فالحمد كله والشكر له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، ومصطفاه وخليله، أرسله الله تعالى بالحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فيا أيها الناس: إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: عظّموا الجمعة بأداء واجباتها على أكمل الوجوه المستطاعة، والمنافسة في تطبيق سننها وآدابها، تفوزوا بأربح البضاعة، واحذروا التقصير في واجباتها أو الوقوع في منهياتها، فإن ذلكم من شر البدع، وضلالة في المجتمع، وزيغ وفتنة لمن كان بها قد وقع.
أيها الناس: ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين " فصلوا هاتين الركعتين تحية للمسجد إذا دخلتموه، وأنتم تريدون الجلوس في سائر الأوقات، كما هو الصحيح من أقوال أهل العلم عملاً بهذا الحديث حتى ولو كان دخولكم والإمام يخطب.
ففي الحديث أن رجلاً دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فجلس ولم يصلِّ ركعتين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أصليت يا فلان؟ " قال: لا. قال: " قم فاركع " ثم قال صلى الله عليه وسلم: " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما ".
وإياكم وإيذاء الناس بتخطي رقابهم، فعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " اجلس فقد آذيت " ويروى عنه صلى الله عليه وسلم قال: " من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسراً إلى جهنم " رواه الترمذي وغيره.
ولو لم يكن من شؤم التخطي إلا أنه أذى للناس لكفى، فإنه يخشى على من حصل منه أن يكون داخلاً في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب:58].
واعلموا أن كلام الرجل مع غيره حال الخطبة من اللغو الذي قد يفوت ثواب الجمعة، وقد يبطلها، إلا من الإمام أو معه؛ ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت ".
وفي قصة الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يوم الجمعة: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا؛ ما يدل على جواز الكلام مع الإمام من آحاد الناس.
أيها المسلمون: حافظوا على الجمعة، وتحروا فيها سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم حتى تكون كفارة لذنوبكم، ومغفرة لخطاياكم، وزيادة في حسناتكم، ورفعة في درجاتكم، وسبباً من أسباب السبق إلى الجنة ومرافقة نبيكم صلى الله عليه وسلم ودنوكم من مولاكم عز وجل. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر " رواه الإمام أحمد والترمذي.
أيها المسلمون: ومما ادخره الله لكم في هذا اليوم المبارك أن فيه ساعة يسمع فيها النداء، ويجاب فيها الدعاء، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الجمعة فقال: " فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه. وأشار بيده يقللها " متفق عليه. قال الإمام أحمد رحمه الله: " أكثر الأحاديث في الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد العصر وترجى بعد الزوال ".
فاجتهدوا في تحري هذه الساعة، والاجتهاد فيها في الدعاء، واسألوا الله تعالى فيها كل ما تحتاجونه من خيري الدنيا والآخرة لأنفسكم وأهليكم وذويكم وأحبتكم وسائر المسلمين وللمؤمنين.
وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلة الجمعة؛ فإنها من أسباب إجابة الدعاء، وقضاء الحاجات، وكشف الكربات، وعليكم أن تقدموا بين مناجاتكم لمولاكم صدقة لمساكينكم واستغفاراً حقيقياً لذنوبكم، فإنها من أسباب الإجابة والقبول، وصرف البلاء، ودوام العافية.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله! (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.