العظيم
كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الزهد |
كل البشر يكدحون ويتعبون ويبذلون من الجهد الشيء الكثير، ويلقون من المعاناة ما لا تطيقه النفوس في كثير من الأحيان... ولكن شتان بين تعب وتعب.. فهناك من يكدح ويتعب في طاعة الله ومرضاته ودينه، فيجد من لذة الطاعة والعبادة وذِكْر الله ومحبته ما يخفف المعاناة والراحة.. أما من يتعب ويكدح في معصية الله؛ فإنه يجد وحشة بينه وبين الله، ويجد أثر معصيته في أهله ونفسه وأولاده، وهو وإن تلذذ بها ساعة، فإنه لا يأمن عقوبتها، وسرعان ما تنقضي، وتبقى تبعاتها من الحسرة والندامة.. ثم إن تعب المؤمن مهما كان فيه رفع للدرجات وتكفير للسيئات يصاحبه لطف من الله ورحمة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين.. لا يسأم من كثرة السؤال والطلب.. يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب ورغب.. من رضي بالقليل أعطاه الكثير.. ومن سخط فالحرمان قد وجب، نحمده -تبارك وتعالى- على كل ما منح أو سلب.. ونعوذ بنور وجهه الكريم من العناء والنصب.. ونسأله الخلود في دار السلام حيث لا لغو ولا صخب...
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الملك وإليه المنقلب نخاف الله ونخشاه.. ونرجوه ونطلب رضاه.. والعفو منه مرتقب... وأشهد أن خاتم المرسلين والأنبياء محمد نطق بأفصح الكلام.. وجاء بأعدل الأحكام.. وما قرأ ولا كتب.. وأضاء للمؤمنين طريقهم.. أحبهم وحبب إليهم ربهم.. فتنوع العطاء والحب السبب … فيا رب يا أكرم مسئول.. ويا خير مرتجىً ومأمول، صلّ على سيد الأعاجم والعرب وعلى الصحب والآل ومن تبع وكل من إليه انتسب ما لاح في الأفق نجم أو غرب، أو ظهر في السماء هلال أو احتجب.
أما بعد: عباد الله: لقد جُبلت حياة الإنسان في هذه الدنيا على المعاناة وبذل الجهد والتعب والكدح ولا راحة فيها يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) [الانشقاق:6]..
يا أيها الإنسان! إنك تقطع رحلة حياتك على الأرض كادحًا، تحمل عبئك، وتجهد جهدك، وتشق طريقك.. لتصل في النهاية إلى ربك. فإليه المرجع وإليه المآب.. يا أيها الإنسان.. إنك كادح حتى في متاعك.. فأنت لا تبلغه في هذه الأرض إلا بجهد وكد.. إن لم يكن جهد بدن وكد عمل، فهو جهد تفكير وكد مشاعر، ثم في النهاية في آخر المطاف إلى الله سواء..
يا أيها الإنسان.. إنك لا تجد الراحة في الأرض أبدًا. إنما الراحة هناك. لمن يقدم لها بالطاعة والاستسلام.. والتعب واحد في الأرض والكدح واحد - وإن اختلف لونه وطعمه- أما العاقبة فمختلفة عندما تصل إلى ربك.. فواحد إلى عناء دونه عناء الأرض. وواحد إلى نعيم يمسح على آلام الأرض كأنه لم يكن كدح ولا كد..
وقد قرر -سبحانه وتعالى- حقيقة الكد والتعب في هذه الحياة وخاطب آدم -عليه السلام- فقال: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) [طه:117].. فالتعب والشقاء والحيرة والقلق والهم والغم والحزن ومكابدة النفس والصبر على تقلباتها وأحداثها هناك في الدنيا، أما في الجنة (إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى) (طه:118-119)..
إن دار الدنيا وقد وصفها القرآن الكريم بأنها غرور ومتاع قليل وممر ومعبر وهشيم وظل زائل وحصيد لدليل على الشقاء فيها والتعب، قال تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[يونس:24]..
دار هذا شأنها ما أضحكت إلا وأبكت، ولا أفرحت إلا وأحزنت، جميع ما فيها نهاية: قوتها الضعف، وشبابها الهرم، بل وحياتها الموت، جميع ما فيها ظل زائل وعارية مسترجعة، وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها "سجن للمؤمن" والسجن فيه ضيق وشدة وتعب؛ لأنه يتعب ويجتهد في طاعة ربه ومخالفة نفسه والهوى والشيطان، ويقدم رضا ربه وهي "جنة الكافر"؛ لأنه لا يلتزم بشرع ولا يهتدي بدين ولا يخضع للمولى -سبحانه وتعالى-، وإنما يُشبع رغباته وشهواته فهي جنته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِر" (مسلم 8/210).
أيها المؤمنون عباد الله: - كل البشر يكدحون ويتعبون ويبذلون من الجهد الشيء الكثير، ويلقون من المعاناة ما لا تطيقه النفوس في كثير من الأحيان.. يستوي في ذلك المسلم والكافر، والرجل والمرأة، والحاكم والمحكوم، والغني والفقير.. ولكن شتان بين تعب وتعب، وهنا المفارقة التي ينبغي أن نهتم بها ونركز عليها..
فهناك من يكدح ويتعب في طاعة الله ومرضاته ودينه ومنافع الناس وسعادة أمته ومجتمعه ووطنه بالعمل والبناء ونشر القيم، وبذل المعروف، وحفظ السلم الاجتماعي والدعوة إلى الأخوة والتآلف، ونبذ العنف وحفظ الدماء وتعظيم الحرمات.. وهناك من يكدح ويتعب ولكن في معصية الله وسخطه وشقاء أمته ومجتمعه ووطنه؛ إما بنشر الفساد وبيع القيم وخيانة الأوطان ونشر الفُرقة والعصبية وسفك الدماء وإزهاق الأرواح..
لا يمكن أن يستويان من حيث الأجر والغاية والأثر رغم أنهما يشتركان في التعب والجهد والعناء.. ولكن شتان بين من يبتغي مرضاة ربه وبين من يبحث عن تحقيق شهوته.. قال تعالى (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [القلم 35-36]..
وقال سبحانه: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيْهِ فَرِيْقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيْقٌ فِي السَّعِيْرِ) [سورة الشورى: 7]. وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيْمَانِ، والحَمْدُ للهِ تَمْلأُ الميزانَ، وسُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ - أَو تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ، وَالصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَو عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا" (رواه مسلم)..
فالإنسان الذي يقوم لصلاة الفجر وفي الليلة الباردة لا شك أنه يتعب لأنه يترك راحته ونومه وفراشه ليسارع إلى الصلاة فيكسب الأجر والثواب، وترعاه عناية الله وترفع درجته، ويعتق نفسه من النار.. قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإن من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم"(مسلم)..
وهناك من يقوم في نفس الوقت من الليل ولكن ليسرق أو يرتكب جريمة أو يعصي الله فيوبق نفسه في عبودية شهوته.. وهناك من يصوم وينفق ويحج إلى بيت الله ويتعب في ذلك وهناك من يتعب في جمع المال ويشقى ليله ونهاره في عبادة القبور والحج إلى الأضرحة وعبادة غير الله..
ولكن تعب المسلم في طاعة الله يجد فيه لذة وراحة.. قيل للحسن البصري رحمه الله: "ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوهًا؟ فقال: لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم من نوره"..
ولما احتضر عامر بن عبد قيس بكى،.. فقيل له: "أتجزع من الموت، وتبكي؟.. فقال: وما لي لا أبكي، ومن أحق بذلك مني؟ والله ما أبكي جزعاً من الموت، ولا حرصاً على دنياكم، رغبة فيها، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء" (سير أعلام النبلاء: 4/19).. إنه يبكي على الطاعات والعبادات التي وجد فيها راحته وسعادته!!
وقال أحد التابعين: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها؟ قيل: وما أطيب ما فيها؟, قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره" أو نحو هذا.
وقال آخر: "إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربًا"، وقال آخر: "إنه لتمر بي أوقات أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا؛ إنهم لفي عيش طيب"..
إنها لذة الطاعة والعبادة وذكر الله ومحبته تخفف المعاناة والراحة.. أما من يتعب ويكدح في معصية الله فإنه يجد وحشة بينه وبين الله، ويجد أثر معصيته في أهله ونفسه وأولاده، وهو وإن تلذذ بها ساعة، فإنه لا يأمن عقوبتها، وسرعان ما تنقضي، وتبقى تبعاتها من الحسرة والندامة.. ثم إن تعب المؤمن مهما كان فيه رفع للدرجات وتكفير للسيئات يصاحبه لطف من الله ورحمة.
عباد الله: وهناك من يتعب ويبذل الجهد ويتنازل عن حظوظ نفسه لينفع الآخرين من حوله وينشر السعادة في مجتمعه، ويقدم المعروف لكل من يحتاجه، فتسعد به الأوطان ويأمن به الإنسان، قال تعالى عنهم: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء: 73]..
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه" (حسنه الألباني السلسلة الصحيحة 1322).
وهناك من يتعب ويكدح ويبذل الجهد في سبيل شقاء وتعاسة من حوله؛ إما بالظلم أو التسلط أو البغي أو القتل وسفك الدماء أو بذاءة اللسان وفحش القول.. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا عَائِشَةُ! إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ» (البخاري).
إن تعب السعداء.. تجده في ذلك الموظف أو رب الأسرة أو ذلك العامل أو صاحب المنصب في الوزارة أو المؤسسة أو ذلك الصحفي، وقد تجده في مواطن من أفراد الشعب والمجتمع وغير ذلك.. يقوم كل واحد بدوره ويؤدي عمله بإتقان ويراقب الله، ولا يمد يده إلى الحرام، ولا تغره الدنيا بكل ملذاتها رغم حاجته وفقره، ويثبت على الحق رغم شدة البلاء وسطوة العدو، ولا يتنازل عن دينه ومبادئه رغم الإغراءات والشبهات وانتفاشة الباطل ومكر الليل والنهار..
فيتعبون جميعاً ويكدحون.. لكنه تعب ينتهي بمجرد الموت؛ لأن ما عند الله خير وأبقى، وقد جبر لهم كل مصاب بنعيم لا ينفد وخير لا ينقطع، ولذلك عندما نزلت سكرات الموت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- قالت فاطمة رضي الله عنها: "وَاكَرْبَ أَبَتَاهْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-"لاَ كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ، إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ مِنْ أَبِيكِ مَا لَيْسَ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدًا، الْمُوَافَاةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ( أخرجه أحمد 3/141 رقم 12461)..
أراد -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لها أن زمن الكرب والهم والتعب قد انتهى، وبدأت الراحة العظمى والسعادة التامة.. وعندما جاء رجل من أهل خراسان إلى الإمام أحمد بن حنبل فقال: يا أبا عبد الله قصدتك من خراسان أسألك عن مسألة قال: له سل. قال: متى يجد العبد طعم الراحة قال: "عند أول قدم يضعها في الجنة" (طبقات الحنابلة 1/291)..
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من الكفار، فيقال: اغمسوه في النار غمسة. فيُغمَس فيها، ثم يقال له: أي فلان، هل أصابك نعيم قط؟ فيقول: لا، ما أصابني نعيم قط. ويؤتى بأشد المؤمنين ضرًّا وبلاء، فيقال: اغمسوه غمسة في الجنة. فيُغمس فيها غمسة، فيقال له: أي فلان، هل أصابك ضرّ قط أو بلاء؟ فيقول: ما أصابني قط ضرّ ولا بلاء"(مسلم)...
إن الراحة الكبرى والنعيم المقيم الخالد حينما يدخل العبد الجنة فيرى نعيمها ويحمد ربه على نعمة الراحة والأمن، قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) [الحجر 45-48]..
اللهم إنا نسألك إيماناً خالصاً ويقيناً صادقاً ومرداً غير مخزٍ ولا فاضح.. قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: أما العصاة والطغاة والظلمة فقد ضيّعوا دينهم ودنياهم وآخرتهم وهم في تعب وكدح لا ينتهي وبعد موتهم وفراقهم لهذه الدنيا؛ فإن تعبهم وعذابهم لن يتوقف، وإن أقصى أمانيهم أنهم يطلبون أن يخفّف عنهم يوم من العذاب: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ) [غافر:49]، هم لا يستطيعون أن يدعوا، أو يئسوا من الدعاء؛ فصاروا يلتمسون من الخزنة أن يدعوا الله -عز وجل- أن يخفف عنهم، ما طلبوا أن يقالوا بالكلية، إنما طلبوا التخفيف فقط يوماً من العذاب.
(قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ)[غافر:50] أي: في الدنيا، (قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إلا فِي ضَلالٍ * إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) [غافر:50-51]..
يا من تعبت وبذلت جهدك في أذية مسلم، أو كتم شهادة، أو طمس حقيقة، أو خيانة أمانة، أو أنفقت مالك في الصد عن الحق.. تذكر جيداً أن الجزاء من جنس العمل، وأن من عمل لغير الله كتب عليه الشقاء في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (الأنفال36)..
فانظروا في أعمالكم رحمكم الله، واجعلوها خالصة لله، وضعوا جهودكم في ما يعود عليكم وعلى مجتمعاتكم بالخير والنماء، وتذكروا الآخرة ودار الجزاء، واكدحوا واتعبوا في الخيرات، واحذروا سفاسف الأمور والمعاصي والمنكرات ففي ذلك سعادة الدنيا والآخرة قال تعالى: (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [هود: 105 – 108].
اللهم اجعل سعينا في مرضاتك، وكدحنا موصلاً إلى جناتك.. اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وفرِّج كروبنا، واكشف همومنا، اللهم فك أسرنا، اللهم تول أمرنا، اللهم أحسن خلاصنا، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا... هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.