المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
ليس أقرب للرجل من زوجته، فهي حبيبته وصديقته وأم أولاده وكاتمة سره وراعية بيته، بالتالي جعل الإسلام الخيرية لمن أحسن إليها وعاشرها بالمعروف، وراعى طبيعة خَلقها، راعى ضعفها، راعى أنوثتها وعاطفتها التي تختلف بالكلية عن الرجل، جعل الإسلام الخيرية لمن راعى اعوجاجها أحيانًا، وصبر واحتسب.. ولكن من منا اليوم يحتسب في هذا الشأن، الاحتساب في المعاملة بشكل عام غائب عن حياة وذهن معظم الناس اليوم، نعم يحتسب أحدهم صلاته، صومه، زكاته ممكن، لكن بقية أموره من سلوك أو أخلاق أو معاملات، فلا يكاد يحتسب، لا يكاد يصبر لله، ويحلم لله، ويصفح لله، ويعفو لله ويطلق وجهه، ويتبسم لله، يتغاضى عن الأخطاء لله -تعالى-، ويكظم غيظه لله، ويكافئ السيئة بالحسنة لله ويعفّ لسانه عن الباطل والفحش لله ربه...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الأسرة قوام المجتمع لا يقوم مجتمع إلا بها؛ فهي نواته التي لا يكمن فيها أسباب نجاحه وفلاحه أو فشله وخسرناه، ولذلك فإن للإسلام عناية خاصة بالأسرة وعامود الأسرة الأب والأم؛ فهم رعاتها القائمان عليها المسئولان عنها، ولذلك فإن العلاقة بين الرجل وزوجته من أكبر المؤثرات في صلاح الأسرة، والإسلام في العموم يأمر بفضائل الأخلاق لأنها تسعد المجتمع.
ولطالما أشار القرآن إلى معالي الأخلاق قال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران: 134] وقال سبحانه: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[فصلت: 34].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وخالقْ الناس بخلق حُسن"، وقال -عليه السلام-: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وفي المسند بسند صحيح قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا"، والأدلة كثيرة.
ولئن كان الإسلام يأمر بفضائل الأخلاق في العموم إلا أنه يؤكد عليها، كلما ازداد القرب بين المسلمين، سواء بسبب نسب أو مصاهرة أو جوار.
قال الله تعالى مخصصًا: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)[الإسراء: 26] أي: حقه في كل شيء، ومنه الصلة وحسن الخلق، وقال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)[النساء: 1]، وقال تعالى: (لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى)[البقرة: 83]، وقال: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى)[النساء: 36]، وقال أيضًا: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى)[النحل: 90].
وكلما قرب المسلم من الآخر تأكد الإحسان وحسن المعاملة، وفي الوجه المقابل ينهى الإسلام عن سوء الخلق، بل ويجعله –أي: سوء الخلق- مما يحبط العمل وهو في الحقيقة أمر مفزع.
عن الأصبهاني من حديث عبدالله بن عمر بسند صحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وإن سوء الخلق يُفسد العمل كما يفسد الخل العسل" الحديث.
وكيف لا يُفسده والنبي -صلى الله عليه وسلم- يعرف المفلس من الحسنات يوم القيامة بأخلاقه السيئة، فيقول كما صح في مسلم من حديث أبي هريرة، قَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟" قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. قَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُقْعَدُ ، فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ"، نسأل الله العافية.
الخلق الحسن في المسلم دلالة على توفيق الله -تعالى- له وحبه له، والحديث المشهور في صحيح البخاري يدل على هذه الحقيقة بوضوح فأنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وجبت"، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال: "وجبت"، فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "ما وجبت؟" قال: "هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرّاً، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض".
ولذلك قال بعض أهل العلم: "إن حب عباد الله –أي: للرجل- بسبب دينه وحُسن خلقه موصول بحب الله -تعالى- له، وإن بغضهم موصول ببغض الله له؛ لأنهم شهداء الله على خلقه".
ولأهمية الأمر كان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة وكبَّر قوله "واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت"، وأعود وأقول: إن حسن الخلق يتأكد كلما ازداد القرب بين المسلمين.
أيها الإخوة: بعد الأب والأم بالنسبة للولد ليس أقرب للرجل من زوجته، فهي حبيبته وصديقته وأم أولاده وكاتمة سره وراعية بيته، بالتالي جعل الإسلام الخيرية لمن أحسن إليها وعاشرها بالمعروف، وراعى طبيعة خلقها، راعى ضعفها، راعى أنوثتها وعاطفتها التي تختلف بالكلية عن الرجل، جعل الإسلام الخيرية لمن راعى اعوجاجها أحيانا وصبر واحتسب ففي السنن من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنه قال -صلى الله عليه وسلم- "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
فمن منا اليوم يحتسب في هذا الشأن، الاحتساب في المعاملة بشكل عام غائب عن حياة وذهن معظم الناس اليوم، نعم يحتسب أحدهم صلاته صومه زكاته ممكن، لكن بقية أموره من سلوك أو أخلاق أو معاملات، فلا يكاد يحتسب، لا يكاد يصبر لله، ويحلم لله، ويصفح لله، ويعفو لله ويطلق وجهه، ويتبسم لله، يتغاضى عن الأخطاء لله -تعالى-، ويكظم غيظه لله، ويكافئ السيئة بالحسنة لله ويعفّ لسانه عن الباطل والفحش لله ربه.
فالمحروم هو من فصل أخلاقه وسلوكه عن عبادته، خسارة كبيرة، فهذا من أكبر ما يضيعه المسلم ويفرط فيه في حياته من أجور عظيمة جدًّا لا تخطر على بال، ففي الحديث الصحيح الذي أخرجه الحاكم عن عائشة -رضي الله عنها- أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إن الله ليبلغ العبد بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار"، وشرط هذا الأجر العظيم لحسن الخلق أن يكون لله تعالى.
معاشر المسلمين: لقد قرر القرآن طبيعة العلاقة السامية والمشاعر الرقيقة التي هيئاها الرجل فيما بين الرجل وزوجته بقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21]،
لاحظوا قوله (خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ) دلالة على القرب والتجانس اللصيق حتى في أصل الخِلقة، فالمرأة في الأصل خُلقت من الرجل، كما ذكر القرطبي وابن عربي الشنقيطي وغيرهم.
وصح في السنن أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما النساء شقائق الرجل"، قال ابن الأثير: "أي نظائرهم وأمثالهم كأنهن شققن منهم، ولأن حواء خُلقت من آدم عليه الصلاة والسلام".
وذكر القرآن العلة من هذا القرب الشديد والاتحاد في أصل الخلق بلام التعليل في قوله (أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، قال ابن القيم: "يعني أن الجنسين الحيين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الآخر"، أي: لا تثبت نفسه معه، ولا يميل قلبه إليه، كلما حلَّ التجانس والتقارب كان الوئام وكانت المودة وهو سكون قلبي وجسماني.
قال (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) قال القرطبي: "المودة والرحمة أي: عطف قلوبهم بعضهم على بعض"، وقال السدي: "المودة المحبة والرحمة والشفقة"، وروي معناه عن ابن عباس قال: "المودة حب الرجل لامرأته والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء".
إن الرجال مع النساء ثلاثة أقسام: قسم جاف قاسٍ ووحشي، وقسم مفرط رخوي مضيع، وقسم عدل قسط رحيم وفي حديث أم زرع في البخاري ومسلم وصف طريف لكل قسم وزيادة وفيه "جلست إحدى عشرة امرأة فتعاهدن، وتعاقدن، أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا.
فقالت الأولى: زوجي لحم جمل غَثّ، على رأس جبل، لا سهل فيُرتقى، ولا سمين فينتقى.
قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أَذَرَه، إن أَذْكُرْهُ، أَذْكُرْ عُجَرَه وبُجَرَه. أي عيوبه.
قالت الثالثة: زوجي العَشَنَّق –أي: الطويل طولا بلا نفع- إن أنطقْ أُطَلَّق، وإن أسكت أُعَلَّق.
قالت الرابعة: زوجي كليل تِهامة، لا حَرٌّ ولا قُرّ ولا مخافة ولا سآمة.
قالت الخامسة: زوجي إن دخل فَهِدَ، وإن خرج أَسِد، ولا يَسأل عما عَهِدَ.
قالت السادسة: زوجي إن أكل لفَّ، وإن شرب اشتفَّ –يأكل كثيرًا- وإن اضطجع التفَّ، ولا يولج الكفَّ ليعلم البَثّ.
قالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياء –أي: خائب أحمق لا يهتدي- طباقاء، كل داء له داء، شجّكِ أو فَلَّكِ أو جمع كلاً لك.
قالت الثامنة: زوجي، المسُّ مسُّ أرنب، والريح ريح زَرْنَب. أي: مسه لين ورائحته طيبة.
قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النِّجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من النَّاد.
قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارِح، وإذا سمعن صوت المِزْهَر أيقن أنهن هوالك.
قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع، أَنَاسَ من حُلِيّ أذني، وملأ من شحم عَضُدَي، وبَجَّحَنِي فبجحت إليَّ نفسي، وجدني في أهل غُنيمة بشق، فجعلني في أهل صَهِيلٍ وأَطِيطٍ، ودائس ومُنَق، فعنده أقول فلا أُقبَّح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقنَّح.
المهم أن أبا زرع هذا في نهاية المطاف طلقها، وتزوج أصغر منها، لكنها مع ذلك ظلت تذكر محاسنه ومآثره ولم يزل حبّه مستقرًّا في قلبها.
ولذلك لما حدث هذا الاجتماع بين تلكم النسوة لم تذكر زوجها الجديد؛ لأنها تزوجت من بعد أبي زرع؛ إذ إنها تزوجت بعده، وإنما قالت زوجي أبو زرع تذكرت أبا زرع وكأن زوجها الجديد لم يملأ مكان زوجها السابق أبي زرع.
وقالت بعدما وصفت: زوجي أبو زرع كذا وكذا قالت: فنكحت بعد ذلك رجلاً سَرِيًّا–حسن الصورة من كبار الناس- رَكِبَ شَرِيًّا -ركب فرسًا من خيار الخيل- وأخذ خَطِّيا، -أي: أخذ رمحا فغزا فغنم فأتى إليَّ بالنعم الكثيرة- قالت: وأراح عليَّ نعمًا ثَرِيًّا، وأعطاني من كل رائحة زوجًا، وقال: كُلي أم زرع، ومِيري أهلك، قالت: فلو جمعتُ كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.
سبحان الله! كم كانت تحب زوجها أبا زرع، قال لها -صلى الله عليه وسلم-: "كنت لكي كأبي زرع لأم زرع"، وزاد الزبير في آخره "إلا أنه طلقها وإني لا أطلقك"، فقالت عائشة رضي الله: "بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع".
هذه العشرة الطيبة هذا الوئام هذه الرحمة في الجلوس بين الرجل وزوجته علاقة عجيبة منتهى الرقة والطيبة، وإن كان لأم المؤمنين يد في تشكيل هذه العلاقة السامية، فإن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- اليد الطولى فهو الرجل الذي يعرف طبيعة النساء، ويعرف ما يحتاجه الزوج لضبط علاقته مع زوجته من حكمة وحنكة ورأفة وشفقة وصبر وتؤدة، وهو الذي يقول كما في حديث أبو هريرة -رضي الله عنه-: "استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خُلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرًا"، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه.. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19].
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) لقد كان أهل الجاهلية يؤذون النساء بأنواع كثيرة من الإيذاء ويظلمونهن بدروب من الظلم، والله -تعالى- نهاهم عن هذا كله، وقال مبينًا صفة المعاشرة الراشدة (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
العشرة هي المخالطة والمصاحبة في المعيشة، والمعروف هو ما عرف بالشرع حسنه من صفات كصفات المروءة والطيبة والرقة، طيبوا أقوالكم، وحسنوا أفعالكم وأكرمهن وعاملهن بلطف وأمرهن بما يرضي الله، وامنعهن مما يغضبه، عاشروهن بالمعروف، فالعاملة والمعاشرة بالمعروف، ومنه التغافل والتغاضي عن الهفوات والأخطاء دليل كرم الأخلاق، كرم أخلاق الرجل وكرم أخلاق المرأة أيضًا، بل هي من لوازم الدرجة التي رفع الله بها الرجال على النساء في قوله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)[البقرة: 228]، ما هي هذه الدرجة؟
قد جاء في معنى الدرجة في تفسير الطبري وغيره قوله: "وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس وهو أن الدرجة التي ذكر الله -تعالى- في هذا الموضع الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها تجاهه، وإغضاؤه لها عنه، وأداء كل الواجب لها عليه وذلك أن الله تعالى قال: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) عقيب قوله: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) أي أن الرجل قد يوفي حقها، لكنها لا توفي حقه، فهذه هي الدرجة التي رفع الله بها الرجال على النساء.
يقول الطبري: "ثم ندب الرجال إلى الأخذ عليهن بالفضل إذا تركنا أداء بعض ما أوجب الله لهم عليهن، فقال تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)، أي: بتفضلهم عليهن وصفحهم لهن عن بعض الواجب لهن عليهن، وهذا هو المعنى الذي قصده ابن عباس بقوله: "لا أحب أن أستنزف جميع حقي عليها"، يعني أن آخذه كله؛ "لأن الله تعالى قال: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)".
وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.. اللهم أصلح ذات بيننا..