الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية - أركان الإيمان |
يختار الله ويجتبي من الملائكة رسلاً، ومن الناس رسلاً يكونون أذكى ذلك النوع وأجمعه لصفات المجد، وأحقه بالاصطفاء والرسل، لا يكونون إلا صفوة الخلق على الإطلاق، والله -سبحانه وتعالى- هو وحده الذي يعلم أين يضع رسالته، ويختار لهذا الأمر العظيم الذات التي تنتدب من بين ألوف الملايين، ويقال لصاحبها: أنت منتدَب لهذا الأمر الهائل الخطير، هذا الأمر الكوني التي تتصل فيه الإرادة الإلهية بحركة عبد من عباده على الأرض ويتصل به الملأ الأعلى بعالم الأرض والدنيا بالآخرة، وكان أن اختار -تعالى- لدينه ولحمل رسالته من بين سكان الأرض كلهم رجلاً واحدًا فقط اختاره خاتمًا للنبيين وسيدًا لبني آدم أجمعين؛ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
يقول -سبحانه وتعالى-: (وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ) [الأنعام:124].
(لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ) هؤلاء المشركون ما بالهم؟ يريد كل واحد منهم أن يُخَصّ بالوحي والرسالة حتى يؤمنوا هذا هو شرطهم، قد جاء في آية أخرى (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً) [المدثر:52]، قال سبحانه: (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام:124].
أعلم بمن يصلح لأشرف رسالة، ويليق بأسمى رسالة في تاريخ البشرية، ويقوم بأعبائها وهو متصف بكل خلق جميل، ومتبرئ من كل خلق دنيء، هذا ما أعطاه الله -تعالى- في أصل خلقته وهو أعلم بخلقه جل وعلا هكذا (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).
وهو اصطفاء من الله -سبحانه وتعالى- خلق البشر، يقول سبحانه: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [الحج:75]، يختار ويجتبي من الملائكة رسلاً، ومن الناس رسلاً يكونون أذكى ذلك النوع وأجمعه لصفات المجد، وأحقه بالاصطفاء والرسل، لا يكونون إلا صفوة الخلق على الإطلاق، والله -سبحانه وتعالى- هو وحده الذي يعلم أين يضع رسالته، ويختار لهذا الأمر العظيم الذات التي تنتدب من بين ألوف الملايين، ويقال لصاحبها: أنت منتدَب لهذا الأمر الهائل الخطير، هذا الأمر الكوني التي تتصل فيه الإرادة الإلهية بحركة عبد من عباده على الأرض ويتصل به الملأ الأعلى بعالم الأرض والدنيا بالآخرة، وكان أن اختار -تعالى- لدينه ولحمل رسالته من بين سكان الأرض كلهم رجلاً واحدًا.
واحدًا فقط اختاره خاتمًا للنبيين وسيدًا لبني آدم أجمعين؛ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ بْنِ أُدَدَ.. يصل نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم -عليه وعليهم الصلاة والسلام-.
لقد اختار الله -تعالى- رجلا عربيا شريفا فيه من الصفات ما يعلم الله أنها الأفضل والأكمل بين سائر البشر لحمل الرسالة الأعظم، ومن ثَم كان في اصطفاء النبي من العرب دلالة على أهمية جنس العرب لحمل الرسالة مع نبيهم، ومهما قال من نسي أو تناسى شراسة ووحشية الغرب العريقة العميقة الجذور، ثم راح يذم العرب ويتهمهم بالوحشية والهمجية؛ فإن كون القرآن بلغة العرب، وكون النبي من العرب؛ يكفي زكاة لهم؛ لأنه اختيار الله -تبارك وتعالى-، وتفضيل جنس العروبة هذا هو تفضيل جنس عام لا تفضيل أفراد، فالأعجمي المتقي الصالح خير من العربي المقصر في حق الله تعالى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم: عبرانيهم وسريانيهم، رومهم وفرسهم وغيرهم، وأن قريشاً أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفضل بني هاشم، فهو أفضل الخلق نفساً وأفضلهم نسباً. وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم بمجرد كون النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم، وإن كان هذا من الفضل، بل هم أنفسهم أفضل. وبذلك ثبت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه أفضل نفساً ونسباً".
وفي الجامع الصغير بسند صحيح من حديث واثلة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ". وهذا الحديث يقتضي أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم، وبالتالي يقتضي أنهم أفضل من ولد إسحاق، ومعلوم أن ولد إسحاق الذين هم بنو إسرائيل أفضل العجم؛ لما فيهم من النبوة والكتاب، فمتى ثبت الفضل للعرب على هؤلاء فعلى من هم دونه بطريق أولى.
ونذكر بأن القصد من وراء هذا الكلام ليس إحياء لعصبية جاهلية، وإنما هو نظرة شرعية دليلها السنة أتيت بها للرد على من وصف جنس العرب بالوحشية والدونية، وكذلك لبيان شيء من الحكمة الإلهية في اصطفاء عربي لحمل الرسالة.
معاشر الإخوة: كيف بدأ الوحي؟
في صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- "كان أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه وهو التعبد الليالي أولات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قال: قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 1- 5].
هكذا نزل كلام الله -تعالى- من أعلى علو من فوق سبع سماوات، يحمله جبريل -عليه السلام- إلى الأرض، ويتلوه على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم-.
إنها لحظة اللقاء إنها اللحظة الشريفة، اللحظة الذي ابتدأ فيها اتصال السماء بالأرض، إنها أعظم لحظة في تاريخ البشرية جمعاء.
جاء في البخاري: "فرجع بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- –آي بالآيات- ترجف بوادره حتى دخل على خديجة، فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ثم قال لخديجة: أي خديجة مالي؟ وأخبرها الخبر، قال: لقد خشيت على نفسي، قالت له خديجة: كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، والله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: أي عم، اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبر ما رآه، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى -صلى الله عليه وسلم-، يا ليتني فيها جذعًا، يا ليتني أكون حيًّا حين يخرجك قومك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أو مخرجي هم؟ قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عُودِي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا".
ثم توالى الأمر، ففي صحيح مسلم من حديث جابر قال -رضي الله عنه- أحدثكم ما حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: جَاوَرْتُ بِحِرَاءَ شَهْرًا، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي، نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ نُودِيتُ فَنَظَرْتُ كَمَا نَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ، فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَأَمَرْتُهُمْ فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ الْمَاءَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (يَأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [سورة المدثر: 1-4].
اقرأ، وقم علّم، وحركة هكذا هي دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بد أن يعلنها، لا بد أن يواجه.
في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: "يَا صَبَاحَاهْ" فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: "يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ" فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ، أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟" قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ"، قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وتَبَّ.
ومنذ هذا النداء بدأ الصراع بين الحق والباطل وبدأت معاناته -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو يسعى باذلاً جهده كله في سبيل إنقاذ قومه من النار، فإننا عندما نذكر صفات وأخلاق سيد البشر -صلى الله عليه وسلم- إنما نذكرها نصرة له بأبي هو وأمي، وإلا فالجميع يعرفها، فإن باب التوقير باب جميل، وقد أمر الله -سبحانه وتعالى- بتسبيحه هو -جل وعلا- وبتوقير نبيه -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الفتح:9].
وقال تعالى: (وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف:157]، ولا أقل من الوفاء بشيء يسير من حقه علينا -عليه الصلاة والسلام-.
لقد عدد الله -تعالى- شيئًا من أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- وشهد بكمالها وعظمتها في العموم فقال جل وعلا (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4].
وقال تعالى مبينًا تفصيلاً بسيطًا لتلك الصفات: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:128].
يتألم لآلامنا، وينزعج مما يشق علينا، ويحرص على ما ينفعنا في الدين والدنيا، وكل ذلك محفوف بالرحمة والرأفة، قال -تعالى- يثني على لينه ورحمته وسماحته: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ..)[آل عمران: 159].
وقال -سبحانه- مبينًا حياءه العجيب -صلى الله عليه وسلم- في كونه لا يقدر أن يشير إشارة إلى من أطال الجلوس في بيته بالخروج ولو كان ذاك يؤذيه -صلى الله عليه وسلم- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ..)[الأحزاب:53].
وقال تعالى مهونًا عليه -صلى الله عليه وسلم- شدة حرصه وقلقه وهمّه البالغ تجاه إعراض بني قومه حتى يكاد يهلك من شدة الألم والهم والغم؛ إذ لم يستجيبوا لكلمة الحق (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء:3]، مهلك نفسك ألا يكونوا مؤمنين.
وقال تعالى: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر:8]، لا تموت من الحسرة، وقال تعالى: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) [النمل:70]، وقال تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) [النحل:127].
هذا جانب من جوانب أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- كما في كتاب الله، فماذا عن السنة؟ أسأل الله -تعالى- أن يمنحنا من العمر كي نكمل هذا الباب العظيم باب تعظيم الرسول وتوقيره -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين..